أسامة عكنان
الحلقة الأولى
مقدمة تاريخية ضرورية
مرت الدولة الأردنية حتى الآن بثلاث مراحل مفصلية يمكن اعتبار كلِّ مرحلة منها مُنْشِئَةً لدولةٍ أردنية مختلفة عن سابقتها، فهناك..
1 – “الدولة الأردنية الأولى”، التي أطلق عليها اسم “إمارة شرق الأردن” وقد قضت كلَّ عمرها تحت الاحتلال البريطاني، بعد أن نشأت بدعم كامل ومطلق من سلطة الاحتلال. وقد تشكلت أول حكومة بعد تأسيس إمارة شرق الأردن في 11 نيسان 1921، وكانت جميع السلطات التنفيذية والتشريعية من اختصاص من أوكلته بريطانيا بتأسيس الإمارة، الأمير “عبد الله إبن الحسين”. وفي عام 1923 تم إنشاء “مجلس الشورى” وعُهد إليه بسن القوانين والأنظمة وتقديمها للحكومة للموافقة عليها، ورفعها من ثَمَّ للأمير للتصديق عليها. واستمر مجلس الشورى حتى تمَّ إلغاؤه عام 1927. وفي عام 1928 تم توقيع “المعاهدة الأردنية البريطانية”، ونشر القانون الأساسي “دستور إمارة شرق الأردن”. وقد صدر هذا الدستور عن طريق “المنحة الأميرية”، ولم يصدر بطريقة “العقد الاجتماعي”. وتعتبر “الدولة الأردنية الأولى” هي واضعة القواعد الأساسية لوظيفية الدولة وقطريتها وتبعيتها، عبر وظيفية النظام الهاشمي الذي أسَّسها وقطريته وتبعيته ابتداءً، ممثلا آنذاك في “الأمير عبد الله بن الحسين”. وقد استمرت هذه الدولة إلى عام 1946، وهو العام الذي أطلق عليه عام الاستقلال.
2 – “الدولة الأردنية الثانية”، التي أطلق عليها اسم “المملكة الهاشمية لشرق الأردن”، وملكها عبد الله بن الحسين، وقد عُيِّنَ فيها “إبراهيم هاشم” رئيسا للوزراء، وهو من أصل سوري قدم من سورية للعمل في القضاء. ففي 22/3/1946 تم التوقيع على “معاهدة صداقة بين الأردن وبريطانيا” وانتهى الاحتلال البريطاني المباشر، وظهرت “المملكة الهاشمية شرق الأردن” كدولة مستقلة ذات سيادة شكلية، ومضمون تبعي يكاد يكون مطلقا. وصدر في 15/5/1946 دستور “المملكة الهاشمية لشرق الأردن”، ومن ميزاته الأخذ بكلمة “دستور” بدلا من “القانون الأساسي”. وتعتبر هذه الدولة دولةً “مرتبكة” و”مضطربة” عصفت بها وبمكوناتها الظروف التي أعقبت حرب عام 1948، واستمرت حتى عام 1952، عندما تمَّ ترسيم تداعيات تلك العواصف بما أسَّس للدولة الثالثة.
3 – “الدولة الأردنية الثالثة”، التي أطلق عليها اسم “المملكة الأردنية الهاشمية”، وقد تم التأسيس لها عام 1952 بدستور ذلك العام عقب وحدة الضفتين، وهي مستمرة حتى الآن. وقد صدر دستور الدولة الثالثة في 8/1/1952 بطريقة “العقد” وليس “المنحة”، وكان من خصائصه النص على أن “الشعب الأردني جزء من الأمة العربية”.. والنص على “مبدأ سيادة الأمة”.. والأخذ بالنظام “النيابي البرلماني”.. ومبدأ “فصل السلطات”.. ومن مميزات هذا الدستور أنه قرر تشكيل ديوان المحاسبة لمراقبة إيرادات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها.. مثلما جاء بتنظيم كامل للحقوق والحريات.. وقد مرت الدولة الثالثة حتى يومنا هذا بالمراحل الفرعية التالية..
أ – المرحلة الممتدة من عام “1952″ وحتى عام “1957″، وهي مرحلة الانتصار الشعبي على وظيفية النظام وعلى مُكَوِّنِه الأساس الذي هو “ثقافة العصبية” ومُخرجاتها، عبر تشكيل أول حكومة برلمانية عام 1956. وتنتهي هذه المرحلة بسقوط الحكومة عام 1957 وإعلان الأحكام العرفية.
ب – المرحلة الممتدة من عام “1957″ وحتى عام 1965″، وهي مرحلة التجاذبات بين النظام الوظيفي وقوى الشعب، في محاولةِ كلٍّ من الطرفين استعادةَ سيطرته على الدولة، فالنظام يحاول استكمال استعادته للوظيفية ولثقافة العصبية التي قامت عليها هذه الوظيفية، بعد أن استعاد جزءا من هيبته ونفوذه بإسقاط حكومة النابلسي الوطنية، وقُوى الشعب تحاول استعادة ما فقدته بمؤامرة عام 1957 على أول حكومة برلمانية في تاريخ الأردن. وتنتهي هذه المرحلة بدخول عنصر خطير ومهم على جبهة التجاذبات، أسهمَ في تغيير كل المعادلات وهو عنصر المقاومة الشعبية ضد الاحتلال. وقد شهدت هذه المرحلة على الصعيد الداخلي تأسيس “دائرة المخابرات العامة” في عام 1964 الذي تزامن فيه تأسيس هذه الدائرة داخليا مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية على الصعيد الخارجي. فيما تجدر الإشارة بشأن هذين المُنْتَجَين الغريبين، أنهما جاءا عربيا وأردنياعقب إرهاصات بدء الكفاح المسلح، الذي أشَّرت عليه اللقاءات الأولى التي جمعت نخبةً من مؤسِّسي “حركة فتح” بكلٍّ من الزعماء “ماو تسي تونغ” في “بيجين”، و”جمال عبد الناصر” في “القاهرة”، و”هواري بومدين” في “الجزائر”.
ج – المرحلة الممتدة من عام “1965″ وحتى عام “1969″، وهي مرحلة بدأت بإعادة إنتاج الشعب الأردني في قالب جديد هو قالب المقاومة لاسترجاع الأرض المحتلة بشقيها المحتل عام 1948، والذي احتل لاحقا عام 1967. وهي مرحلة جعلت مكانة النظام الوظيفي تهتز وتترنَّح، ما كان ينذر بإمكان سقوطه الفعلي. ولم تنتهِ هذه المرحلة إلا بنجاح النظام في استعادة توازنه الذي ساعده عليه ذلك التزاوج المدمِّر الذي حصل بين “منظمة التحرير الفلسطينية” و”فصائل المقاومة الأردنية” بعد أن انشقت عن أردنيتها وأصبحت “فلسطينية”.
د – المرحلة الممتدة من عام 1969 وحتى عام “1988″، وهي المرحلة التي استهلها النظام عبر لعبة “لوغو الهويات” باستعادة زمام المبادرة عندما تمكن هو من جهة، وحماقة ورعونة قيادات ومنظمات المقاومة وغبائها السياسي من جهة أخرى، عندما انشقَّت عن أردنيتها واعتبرت طُعْمَ “الفلسطينية” الذي وُضِع في طريقها إنجازا وانتصارا حقَّقَتْه، أن يُقَسِّما الشعب الذي توحد عام 1948 إلى شعبين، غدت لكلٍّ منهما أجندته الوطنية المختلفة عن أجندة الآخر، إلى أن انتهى وضع التجاذب الخطير في هذه المرحلة بأحداث “أيلول” عام 1970، وبأحداث “جرش” عام 1971. لتبدأ بعدها مباشرة مرحلة استعادة النظام الوظيفي لسيطرته المطلقة على زمام الأمور في الدولة، وإعادة رسمه لبُيْنَتِها الثقافية والسياسية والاقتصادية بالشكل الذي يتناسب مع متطلبات وظيفيته، ومع ضرورات كنس مخلَّفات المراحل السابقة من عمر الدولة الثالثة. وقد استفحلت في هذه المرحلة من عمر الدولة الثالثة، ثقافة العصبية الشوفينية التي جسَّدتها “العشيرة” و”الحمولة”، المتحالفة مع الأيديولوجية الدينية التقليدية التي مثلها “الإخوان المسلمون”، في خدمة أعتى الوظيفيات في المنطقة، وضاعت القوى السياسية الطليعية المنظمة، وبقيت الأحكام العرفية هي سيدة الموقف، وتمَّ التلاعب بالدستور في عديد التعديلات التي أفقدته أيَّ نكهة دستورية، وأيَّ مضمون للقانون الأساس في الدولة. ولم تنته هذه المرحلة إلا بقرار فك الارتباط الأثيم الذي جاء بعد فشل كلِّ محاولات إعادة تلجيم المقاومة التي شيءَ لها أن تصبح فلسطينية، لاستكمال كلِّ آفاق الشرخ والفصل بين مُكَوِّنَي الشعب الواحد، بعد أن أصبح هذا الشعب شعبين، وتمَّ جراء ذلك تغييب الأجندة الوطنية لكلٍّ منهما عن أجندة الآخر تماما. فلم يعد الشأن الفلسطيني شأنا أردنيا وطنيا، ولم يعد الشأن الأردني شأنا فلسطينيا داخليا، لتبدأ مرحلة الدمار الكارثية من عمر هذه الدولة.
ه – المرحلة الممتدة من عام “1988″ وحتى عام “2011″، وهي المرحلة التي تمثِّلُ أسوأ مراحل الدولة الأردنية، على الإطلاق، حيث تمَّ خلالها تجسيد خلاصات كافة المراحل السابقة، فعبَّرَت كلُّ الأنتان التي يمكنها أن تنتج عن السياسات السابقة، عن نفسها في أبشع ظاهرة فساد وإفساد يمكن لدولة أن تعرفَها، ومهدت السبيل لكلِّ أنواع السقوط السياسي والثقافي والمجتمعي والارتهان الوظيفي، وكأنها المرحلة التي جاءت ليجنيَ المنتفعون من وظيفية النظام وقطريته، كل ما سبقها وما تمَّ التأسيس له بما جاء قبلها من المراحل.
و – المرحلة الممتدة من مطلع عام “2011″، وحتى الآن، وهي مرحلة إعادة أإنتاج الوعي الوطني الأردني كما يجب أن يكون عليه، سعيا نحو إسقاط الوظيفية التي قام عليها النظام على مدى 90 عاما خلت من عمر هذه الدولة، كجزء لا يتجزأ من روافد التغيير الذي يحدث في الإقليم. وهي المرحلة التي ما تزال تشهد تجاذباتٍ شديدةً بين النظام وعديد المُكَوِّنات الشعبية والسياسية والثقافية في المجتمع. وما تزال هذه المرحلة قائمة بمستويات مختلفة من التجاذب والتضاد والمشادة، وبأنواع مختلفة من التخندقات والاستقطابات، تفرضها طبيعة الموروث البغيض الذي استمر بالتراكم على مدى أكثر من تسعين عاما.
ولا نحسب أن هذه المرحلة ستنتهي إلا بكنسِ القوى الفاعلة فيها لكلِّ المُكَوِّنات السلبية للدولة الثالثة، مُؤَسِّسَةً للدولة الرابعة التي يفترض أن تكون دولةً قائمة على التخلُّصِ من كلِّ المُكَوِّنات الوظيفية القطرية للنظام، والتي امتدت لعقودٍ طويلة، سواء كانت مُكَوناتٍ تطال “شكل الدولة”، أو “مفهوم وشكل الهوية”، أو “النموذج الاقتصادي”، أو ما يجب أن يكون عليه كلُّ ذلك في إطار استعادة الوظيفة الحقيقية المفترضة للدولة الأردنية والتي هي “مقاومة المشروع الإمبريالي – الصهيوني – الوظيفي”.
فإذا فشل الفعل الحراكي الحاصل في الشارع الأردني حاليا في إنجاز هذه المهمة المتمثلة في الانتقال من بقايا الدولة الثالثة إلى بدايات الدولة الرابعة، لسببٍ أو لآخر، عبر حرفه – أي الفعل الحراكي ذاك – عن طريقه، بهذه الأداة أو بتلك، أو بهذا الطعم أو بذاك، فإن الدولة الرابعة لن تتجسَّد، وسنبقى متخندقين في متاهات الدولة الثالثة بكل أنتانها وفسادها، وذلك عبر قيام النظام برتوشٍ إصلاحية ديكورية وتجميلية لا تفي بأيِّ غرض من أغراض إنتاج الدولة على نحوٍ يحرِّرُها من وظيفيتها وقطريتها بعد عقود من الاستنزاف، وهو الأمر الذي سوف يحقن النظام ووظيفيته وقطريته وبالتالي طبقيته “الكومبرادورية البيروقراطية الأمنية”، بترياقاتٍ وأمصالٍ جديدة تعيدُ إليه الحياة على مدى ما لا يقل عن عقد أو عقدين قادمين من الزمان.
نص مقترح لمشروع دسنور “الدولة الأردنية الرابعة”
بسبب ما ذكر سابقا، ولأننا نؤمن بأن أيَّ دولة كي تكون مُجَسِّدَةً لمُسَمَّى “دولة جديدة” يضطلِعُ بها نظامٌ جديد يقوم على أنقاضِ نظامٍ قائمٍ لم يعد قادرا على تجسيد طموحات الشعب وتطلعاته، فإن لحظة ميلاد هذه الدولة يجب أن يجسِّدَها دستورٌ جديد يؤسِّس لهذه الدولة، ويقيم حالة تعاقدٍ اجتماعي جديدة تُنْتِجُ صيغةَ توافقية مقبولة للتعايش بين مختلف مُكَوِّنات الشعب، ويعيدُ صياغة العلاقة التعاقدية – رفضا أو قبولا، إلغاءً أو تجديدا – بين الشعب من جهة، وبين العائلة المالكة من جهة أخرى، إن كانت الدولةُ المعادةُ صياغةُ دستورها دولةً ملكية، وإن كان هذا الشعب ما يزال يقبل بملكية الدولة، ولم يقرر تغيير نظامها من نظامٍ ملكي إلى نظام جمهوري. ويفترضُ أن يكونَ هذا الدستور وعاءً تشريعيا أساسيا تتجسَّد فيه كافة الرؤى السياسية التي تقوم عليها فلسفة التغيير وفكرة الدولة الجديدة.
وبناءً على ما سبق، فإننا نتقدم إلى كلِّ الجهات والأطراف والتجمعات والفئات والشرائح الأردنية المعنية والمهتمة، “حراكا شعبيا”، و”أحزابا سياسية”، و”نقابات مهنية”، و”منظمات مجتمع مدني”، و”اتحادات عمالية”، و”روابط عائلية وعشائرية”، و”جمعيات خيرية” عامة ومتخصِّصَة، و”هيئات مجتمعية مختلفة”، و”شخصيات مستقلة”، في داخل الوطن وخارجه، بعد أن بدأ يغمرنا اليقين بأن “النظام الملكي الهاشمي” بكل روافده ومؤسساته وشخوصه، يعبث ويلهو، ويمارس أقصى درجات التعنت والاستهتار بمصير الدولة والشعب..
نقول.. بناء على ما سبق، فإننا نتقدم لجميع هؤلاء، بهذا المقترح لمشروع دستور أردني جديد لـ “الدولة الأردنية الرابعة”، راجين فتح باب المناقشة فيه وإعطاء الرأي “اقتراحا” و”تعديلا” و”تفعيلا” و”تطويرا” و”حذفا” و”نقدا”.. إلخ، بهدف تصوُّر شكل الدولة التي نناضل لأجل إقامتها على أنقاض وظيفية النظام الحالي المستفحلة “استبدادا” و”ظلما” و”قمعا” و”تبعية” و”ارتهانا” و”فسادا” و”إفسادا”، كي يعرفَ النظام أن عبثه لم يعد له مكان في مساحات الإرادة الشعبية الأردنية، وأن عليه العلمَ بأن هذه هي خياراتنا، وأن عليه التحرك في ضوئها، وإلا فإنه يخندِقُ نفسَه بشكل نهائي في خندق أعداء الشعب والوطن، بكل ما لكلمة أعداء من تداعيات على سقوف المطالب، وعلى أدوات ممارسة الفعل المؤدي إلى انتزاع تلك المطالب.
مع توضيح أن الإطار العام الذي جعلنا نتخيَّل الدستور على هذا النحو وبهذه الصيغة، هو إطارٌ نفهم أنه سيكون حاكما لـ “الدولة الأردنية الرابعة” شكلا ومضمونا ووظيفة ودورا، باعتبارها “مملكة” وليس “جمهورية”، مع أن الشعب الأردني لو اتخذ القرار بأن تكون دولتُه الرابعة ذات نظام حكم جمهوري وليس ملكي، فإن الدستور لن يتغير كثيرا، لأن دورَ “الملك” في هذا المشروع المقترح معدومٌ سياسيا بشكل كامل. مع العلم بأن التفاصيل الواردة فيه – أي في هذا المشروع – يمكنها أن تتغيرَ في هذا الاتجاه أو في ذاك، بسبب أن ذلك الإطار الحاكم لـ “الدولة الرابعة” يمكنه أن يُنْجِزَ العديد من مشروعات الدساتير التي تُجسِّده، وما هذا المشروع المقترح، إلا واحد من عديد النماذج الممكنة التي يمكنها جميعها أن تخدم الهدف نفسَه..
ونظرا لأن نص مشروع الدستور المقترح طويل بشكل لا يناسب نشره في مقالٍ واحد، فهو يتكون من تسعة فصول تقع في 223 مادة دستورية، فقد قمنا بتجزئته إلى ثلاث أقسام سيتم نشرها في ثلاثة مقالات متتابعة..
* ينطوي القسم الأول على الفصلين الأول والثاني، وهما المتعلقان على التوالي بـ “الدولة ونظام الحكم فيها”، و”حقوق الأردنيين وواجباتهم”، وتغطيها المواد من “1″ إلى “47″.
* وينطوي القسم الثاني على الفصول الثالث والرابع والخامس، وهي المتعلقة على التوالي بـ “أحكام عامة حول السلطات” و”السلطة التنفيذية”، و”السلطة التشريعية”، وتغطيها المواد من “48″ إلى “137″.
* فيما ينطوي القسم الثالث على الفصول السادس والسابع والثامن والتاسع، وهي المتعلقة على التوالي بـ “السلطة القضائية”، و”الشؤون الاقتصادية والمالية وقواعد التنمية”، و”مواد عامة”، و”نفاذ القوانين والإلغاءات”، وتغطيها المواد من “138″ إلى “217″.
والله من وراء القصد، والوطن هو الهدف، وحرية الشعب وكرامته هي الغاية.
وسنستهل مقالَنا هذا بالقسم الأول من مشروع الدستور المقترح.
الفصل الأول
الدولة ونظام الحكم فيها
المادة 1
“المملكة العربية الأردنية” هي الدولة الأردنية الرابعة منذ عام 1921، بعد كلٍّ من “إمارة شرق الأردن” التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، و”المملكة الهاشمية لشرق الأردن” التي أسَّس لها دستور الاستقلال عام 1946، و”المملكة الأردنية الهاشمية” التي أسَّس لها دستور وحدة “المملكة الهاشمية لشرق الأردن”، و”فلسطين العربية”، عام 1952.
المادة 2
“المملكة العربية الأردنية” دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وهي دولة مدنية ديمقراطية، أرضها إقليم واحد بسيط، لا يتجزأ ولا يُنزَل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الأمة العربية، ونظام الحكم في الأردن ملكي دستوري، ونيابي رئاسي، يُختار الملك فيه من قبلِ مجلس الشعب، وتُنتخب فيه السلطات “التشريعية” و”التنفيذية” و”القضائية” من قبل الشعب مباشرة.
المادة 3
أراضي “المملكة العربية الأردنية” المشار إليها في المادة “1″، هي كلُّ الأراضي التي أُعلِنَ استقلالها عن الاحتلال البريطاني عام 1946، وتلك التي أُلْحِقَت بها، أو توحدت معها بعد ذلك التاريخ.
المادة 4
“المملكة العربية الأردنية” جزءٌ من سوريا الكبرى، يعتبر الوصول إلى صيغة وحدوية يقبلها ويوافق عليها الأردنيون مع باقي دولها، غاية تحدَّد في ضوء متطلباتها سياساتُ “المملكة” دون أن يتعارض ذلك مع ما ينص عليه الدستور من حقوق وواجبات.
المادة 5
الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية.
المادة 6
مدينة عمان عاصمة المملكة، ويجوز نقلها إلى مكان آخر بقانون خاص.
المادة 7
تكون الراية الأردنية على الشكل والمقاييس التالية: طولها ضعف عرضها وتقسم أفقياً إلى ثلاث قطع متساوية متوازية. العليا منها سوداء، والوسطى بيضاء، والسفلى خضراء. يوضع عليها من ناحية السارية مثلث قائم أحمر، قاعدته مساوية لعرض الراية، وارتفاعه مساو لنصف طولها، وفي هذا المثلث كوكب أبيض سباعي الأشعة، مساحته مما يمكن أن تستوعبه دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول الراية، وهو موضوع بحيث يكون وسطه عند نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث، وبحيث يكون المحور المار من أحد الرؤوس موازياً لقاعدة هذا المثلث .
المادة 8
يتم اختيار الملك من بين أفراد “الأسرة الهاشمية” على أن تنطبق عليه الشروط والصفات التالية:
أ – أن يكون مسلماً بالغا راشدا عاقلاً مولوداً من زوجة شرعية عربية مسلمة.
ب – ألا يكون ممن استثنوا بقرار من مجلس الشعب من الوراثة بسبب عدم لياقتهم الصحية أو السلوكية.
ج – أن يكون قد أتمَّ من عمره خمسة وعشرين سنة شمسية.
د – أن يُقسم عند تبوُّئِه العرشَ أمام مجلس الشعب، على أن يخلص للشعب والوطن، وعلى أن لا يخالف الدستور أو القانون.
المادة 9
ليست للملك أيُّ سلطات من أيِّ نوع، وهو رمز الدولة والوطن والشعب، وموقعه سيادي خالٍ من أيِّ دلالات للحكم والسياسة وإدارة الدولة، لذلك فهو مصونٌ من أيِّ تبعة ومسؤولية سياسية، ويخضع كأيِّ مواطن للقوانين المعمول بها في حال المخالفة، ولا يمتلك أيَّ حصانة.
المادة 10
يشغل الملك موقعَه بعد اختياره له، مدى الحياة.
المادة 11
لا يعتبر موقع الملك شاغرا إلا بالوفاة أو الاستقالة أو صدور حكم قضائي بحقه أو الوقوع تحت طائلة الفقرتين “ب” و”ج” من المادة 8 من الدستور.
المادة 12
في حال شغور موقع الملك، يَعقِدُ مجلس الشعب جلسةً استثنائية لاختيار ملكٍ جديد للبلاد، وفي حال عدم وجود شخص من الأسرة الهاشمية تنطبق علية المادة 8 من الدستور، يتم الإعلان عن انتهاء الملكية في الأردن، وبدء عهد “الجمهورية” بقيام مجلس الشعب بالدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية تتولى صياغة دستور لـ “الدولة الأردنية الخامسة” بنظامها الجمهوري.
المادة 13
في حال تحقُّق مضمون المادة 12 من الدستور، يعتبر قانون الانتخاب الذي انتخب بموجبه مجلس الشعب القائم هو القانون الذي يتم بموجبه انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستتولى صياغة دستور جديد للبلاد، في مدة أقصاها 6 أشهر، ليتم عرضه على الاستفتاء الشعبي، وإعادة انتخاب سلطات الدولة بناء عليه.
الفصل الثاني
حقوق الأردنيين وواجباتهم
المادة 14
الجنسية الأردنية نوعان، أصيلة ويطلق عليها “جنسية التأسيس”، ومكتسبة ويطلق عليها “الجنسية بالتجنيس”.
المادة 15
الجنسية الأردنية الأصيلة وهي “جنسية التأسيس”، تعتبر حقا مكفولا لا يمَسُّ لكلِّ من كان يحملها، ذكرا كان أو أنثى، ولكل من ثبتت بنوَّتُه ذكرا كان أو أنثى، لأبٍ كان يحملها، حتى 31 تموز 1988، حيثما كان مكان إقامته الدائمة أو المؤقتة، في ذلك التاريخ أو قبله أو بعده، وهي حق لا يُمَسُّ لا سحبا ولا تعطيلا تحت أيِّ ذريعة، ويَسْتَنِد إلى الحقوق التي انبثقت عن جنسية التأسيس التي نشأت بموجب قانون عام 1949، الذي أسَّسَ لجنسية الدولة الثالثة وهي “المملكة الأردنية الهاشمية”.
المادة 16
الجنسية الأردنية المكتسبة منحا وسحبا وتعطيلا، تحدَّد بقانون.
المادة 17
الأردنيون كما حددتهم المادة 14 أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وفي تكافؤ الفرص، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس أو المنبت.
المادة 18
يكفل النظام السياسي الأردني ممثلا في السلطات “التنفيذية” و”التشريعية” و”القضائية”، التعليم، والسكن، والصحة وقايةً وعلاجا، إما بالمجان، وإما بتكلفةٍ لا تؤثر على دخل المواطن أيا كانت ظروفه الاقتصادية، وذلك لجميع الأردنيين الذين حددتهم المواد “14″ و”15″ و”16″، ويرسمُ النظام السياسي كلَّ سياساته، ويسنُّ كلَّ تشريعاته، ويُصْدِر كلَّ قراراته وتعليماته، بما يتناسب ولا يتعارض مع متطلبات هذه الكفالة.
المادة 19
يكفلُ النظام السياسي الأردني العمل لكل أردني قادر عليه وطالب له بما يتناسب مع مؤهلاته وبما يحقق له دخلا يضمن له حياة كريمة.
المادة 20
الحرية الشخصية مصونة من أيِّ مساس أو اعتداء أو انتهاك، لكل مقيمٍ على أراضي “المملكة العربية الأردنية” أردنيا كان أو غير أردني، وهي “حق” و”واجب” و”غاية”، تكفلها السلطات التي تشكلُ النظام السياسي الأردني.
المادة 21
لا يجوز أن يوقَف في الأردن أحد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون، ولا يجوز أن يُسَنَّ قانون يُعارضُ مقتضى المادة “20″ من الدستور.
المادة 22
لا يجوز إبعاد أيِّ مواطن أردني من أراضي المملكة تحت أيِّ ظرف.
المادة 23
لا يجوز أن يُحظَر على أيِّ مواطن أردني الإقامة في جهة ما، ولا أن يُلزمَ بالإقامة في مكان معين، إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبما لا يتعارض مع مقتضى المواد “20″ و”21″ من الدستور.
المادة 24
للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه، وبما لا يتعارض مع مقتضى المادتين “20″ و”21″ من الدستور.
المادة 25
لا يُسْتَملك ملكُ أحد إلا للمنفعة العامة كما يحدد معناها وشروطها القانون، وبناء على موافقة أغلبية أعضاء مجلس الوزراء، وفي مقابل تعويضٍ عادل.
المادة 26
لا تُفْرَض قروض جبرية، ولا تُصاَدر أموال منقولة أو غير منقولة إلا وفقَ القانون.
المادة 27
لا يفرض التشغيل الإلزامي على أحد في الحالات الطبيعية.
المادة 28
يجوز بمقتضى القانون فرض شغل أو خدمة على أيِّ شخص:
أ – في حالة الاضطرار كحالة الحرب، أو عند وقوع خطر عام، أو حريق، أو طوفان، أو مجاعة، أو زلزال، أو مرض وبائي شديد للإنسان أو الحيوان، أو آفات حيوانية أو حشرية أو نباتية، أو أيِّ آفة أخرى مثلها، أو في أيِّ ظروف قد تعرض سلامة جميع السكان أو بعضهم للخطر.
ب – نتيجة الحكم عليه من محكمة، على أن يؤدي ذلك العمل أو الخدمة تحت إشراف سلطة رسمية ولغايات عمومية، وأن لا يؤجَّرَ الشخص المحكوم عليه إلى أشخاص أو شركات أو جمعيات أو أيِّ هيئة عامة، أو يوضع تحت تصرفها.
المادة 29
تحمي الدولة حريةَ القيام بشعائر الأديان والعقائد، وبناء دور العبادة، وحق رعايتها وحمايتها لكل أتباع الديانات المعترف بها في المملكة، ما لم تكن مخلةُ بالنظام العام، أو منافية للآداب، أو متعارضة مع الحقوق الدينية للآخرين أو معطِّلَة لها أو معتدية عليها.
المادة 30
بمقتضى ما جاء في المادة 29 من الدستور، يُحظرُ في الأردن كلُّ مظهر شعائري، وكل تجمع أو مكان، تتعلق بأيِّ شكل، بكلٍّ من “عبادة الشيطان” وما كان على شاكلتها، و”الماسونية”، و”النوادي المرتبطة بالماسونية” وما كان على شاكلتها، بسبب تعارض هذه الفئات والتجمعات والطقوس والشعائر مع مقتضى المادة 29.
المادة 31
تكفل الدولة حرية الرأي والمعتقد وتحميهما أيا كان مجالهما وميدانهما الذي يطالانه. ولكل أردني أن يُعربَ بحرية عن رأيه ومعتقده، بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير والإعلان والإعلام، بكفالة الدولة وتحت حمايتها، بما لا يتعارض مع الحقوق والواجبات المقررة في الدستور.
المادة 32
الصحافة والطباعة وكافة وسائل الإعلام والنشر والبث، حرة لا تخضع لتدخل من أيِّ جهة حكومية، وامتلاكها والعمل من خلالها حق مكفول لكل مواطن أردني، ولكل تجمُّع من الأردنيين يَسمحُ بتشكيله الدستور.
المادة 33
يتم الإعلان عن تأسيس الصحف والمطبوعات وكافة وسائل الإعلام والنشر والبث بمجرد الإخطار الموجه إلى الحكومة.
المادة 34
لا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء تراخيصها، ولا إيقاف البث الإذاعي أو التلفزيوني إلا إذا صدر عن أيٍّ منها ما يخالف أحكام هذا الدستور، أو أحكام القوانين المعمول بها، وبعد صدور حكم قضائي قطعي.
المادة 35
للأردنيين حق الاجتماع والاعتصام والتظاهر، وتنظيم المسيرات السلمية المعبرة عن رؤاهم ومطالبهم والمجسِّدَة لتطلعاتهم، دون قيدٍ أو شرط أو طلبٍ أو استئذان، في الأماكن الخاصة بهم، أو في الأماكن العامة، بما لا يتعارض مع أحكام الدستور، وبما لا يمسُّ حقوقا أو واجبات ترتبت على أيِّ نصٍّ من نصوصه.
المادة 36
للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني على مختلف أنواعها وفئاتها وتخصصاتها، على أن تكون غاياتُها مشروعة ووسائلها سلمية، وذات نظم لا تخالف أحكام هذا الدستور.
المادة 37
لا يشترط في تحصيل الحقوق المقررة في المادتين “35″ و”36″ إلا الإخطار الموجه إلى وزارة الداخلية أو الحاكم الإداري أو من يقوم مقامهما، وبأيِّ من أشكاله العلنية أو الضمنية.
المادة 38
تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية، والمخاطبات الهاتفية سرية، فلا تخضع للمراقبة أو التوقيف إلا بأمر قضائي.
المادة 39
يحق للجماعات تأسيس مدارسها والقيام عليها لتعليم أفرادها، على أن تراعي الأحكامَ العامة المنصوص عليها في الدستور، وعلى أن تخضع في برامجها وتوجيهها ومناهجها لرقابة الحكومة، وعلى ألا تخرج في كلِّ الأحوال عن قواعد التنشئة والتربية والتعليم على أسس المواطنة الأردنية، والانتماء للأمة العربية، وعدم المساس بثوابتها، أو المساس بأيِّ معتقد أو دين أو مذهب أو طائفة معترف بها في الأردن، وكما يحدد ذلك الدستور، وعلى أن تلتزم بتدريس المناهج التعليمية المقررة.
المادة 40
التعليم الأساسي والثانوي إلزاميان لكافة الأردنيين، وهو مجاني في مدارس الحكومة. ويخضع للمساءلة الدستورية كلُّ من يتسبب في حرمان أردني من التعليمين الأساسي والثانوي.
المادة 41
تقوم السياسة العامة للدولة على أن يصبحَ التعليم ما بعد الثانوي إلزاميا ومجانيا.
المادة 42
لا يُسَلَّم اللاجئون العرب وغير العرب في الأردن بسبب مبادئهم السياسية، أو معتقداتهم ومذاهبهم الدينية، أو دفاعهم عن الحرية.
المادة 43
تحدِّد الاتفاقيات الدولية التي وقَّع عليها الأردن وانضم إليها وفق الأصول الدستورية، أصول تسليم المجرمين العاديين.
المادة 44
لكل أردني ذكرا كان أو أنثى، الحق في تولي المناصب العامة أيا كانت، وفق شروطها المحددة بالقوانين أو الأنظمة.
المادة 45
التعيين للوظائف العامة من دائمة ومؤقتة في مؤسسات الدولة والإدارات الملحقة بها وفي البلديات، يكون على أساس الكفاءات والمؤهلات والاستحقاقات الوظيفية وليس على أيِّ أساسٍ آخر، وتنظم كلُّها بقانون.
المادة 46
العمل الكريم حق لجميع المواطنين، وعلى الدولة أن توفِّرَه للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به وإدارته مركزيا، لتحقيق الأغراض والغايات المنصوص عليها في الدستور.
المادة 47
تحمي الدولة العمل والعامل، وتضع لذلك قانونا يقوم على المبادىء الآتية:
أ – إعطاء العامل أجراً يتناسب مع كمية عمله وكيفيته، وفق ما يحدده أهل الخبرة والاختصاص، وبما يضمن له حياة كريمة.
ب – تحديد ساعات العمل الأسبوعية الإلزامية والإضافية، والمكافاءات المستحقة على العمل الإضافي، ومنح العمال أيام راحة أسبوعية وسنوية مدفوعة الأجر.
ج – تقرير مبادئ التعويض الخاصة للعمال المعيلين، وفي أحوال التسريح والعجز والطوارىء الناشئة عن العمل.
د – تقرير مبادئ عادلة وآمنة تضمن للعاملين في أيِّ قطاع وفي أيِّ مؤسسة، التأمينات الصحية مدى الحياة، والضمانات الاجتماعية عند حلول سن التقاعد.
ه – تعيين الشروط الخاصة بعمل النساء والأحداث وهم كلُّ من كان دون سن الثامنة عشرة، بما لا يتعارض مع أيِّ حقٍّ يقرره الدستور.
و – خضوع أماكن العمل للقواعد الصحية المعيارية المحلية والعالمية، ولظروف السلامة والأمان المعتمدة في العالم، وإقرار مبادئ التعويض العادل في حالات إصابات العمل.
ز – إقامة تنظيمات نقابية عمالية حرة.
ح – كفالة حق الإضراب غير الماس بالأجور، للمطالبة بالحقوق العمالية المشروعة التي يقرها القانون، في حال عدم الاستجابة لتلك المطالب المشروعة عبر التسلسل الإداري الطبيعي.