الأصعب من تغيير نظام مستبد وترحيل فاسديه، هو محاصرة فلوله واستئصال زوائده الدودية..

أسامة عكنان

إن أيُّ نظام استبدادي فاسد قيد التغيير يتحرك على النحو التالي، سواء قبل التغيير أو خلاله أو بعده..
1 – الحرص على تأجيل التغيير إلى آخر لحظة، ما يتسبب في نزيف خطير على الصُّعُد الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، تترحَّل كل نتائجه المربكة لمرحلة ما بعد حدوث التغيير..
2 – التجهيز لما بعد التغيير بتعبئة واستنفار كافة قوى النظام المسبِّبَة لحالة لا استقرار أمني واقتصادي ومجتمعي، للتحرك لاحقا وفق خطة شاملة معدة منذ ما قبل التغيير، ومُجَهَّز لها تنفيذيا بمنتهى الدقة، لتبدأ بالتجّسُّد فور حدوث التغيير..
2 – إرفاق التغيير بتفييع كلُّ شبيحة النظام وزعرانه وبلطجيته ليعيثوا فسادا بعد تغييره، ويتولى فلوله إدارتهم بالتحكم عن بعد، وفق الخطة المشار إليها..
3 – عند تغيير النظام من قلب حالة النزيف الخطيرة، يكون جسد الدولة في حالة ارتباك وهشاشة، يجد القادة الجدد أنفسهم مسؤولين عن التخلص منهما، ومطالبين بأسرع ما يمكن باستعادة حالة استقرارٍ يحسون بأشباحِ النظام المتوارية عن الأنظار وهم يؤجلونها ويمنعونها بكل قوتهم..
4 – يلعب النظام وفلولُه بعد ذلك على وتر إشاعة الفوضى والعمل على منع السلطة الجديدة من تحقيق أيِّ نجاح على صعيد إيقاف النزيف، ناهيك عن البدء في تعديل الكفة باتجاه الشفاء، لتظهرَ القيادة الجديدة بمظهر الفاشل والعاجز، بهدف تقليص دوائر الالتفاف الشعبي من حولها..
5 – في هذا السياق قد نجد أعمال تخريب، يحرص "الفلول" عبر بلطجيتهم وأبواقهم على إظهارها كنتيجة محتمة لحالة التغيير التي يراد إقناع الجميع بأنها أحيت فتنا كانت نائمة، وأجَّجت صراعاتٍ كانت كامنة، وأن النظام السابق هو الذي نجح فيما مضى في حصارها ومنع ظهورها إلى السطح، من باب الحرص على دفع الأغلبية للترحُّم على حالة الاستقرار التي كانوا ينعمون بها في ظل النظام السابق..
6 – وفي هذا السياق نجد أيضا دعوات فئوية وجهوية تمهد لحالات اقتتال واحتراب تحت دعاوى متباينة، يغذيها "الفلول" بكل طاقتهم، ويؤصلون لها عبر أبواقهم ومسوخ مثقفيهم الذين سيجدون في الأجواء الجديدة فرصة لتسويق بضاعتهم..
7 – سيكون النظام السابق إذا كان يخطط لأن يكون تغيًّره مدروسا لا يُفْرَض عليه بشكلٍ مدوي ومفاجئ، قد أفرغ الخزينة ومؤسسات الدولة من معظم الأموال التي يمكنها أن تضمن الحد الأدني من تسيير الأمور، ما يسبب أعلى درجات الفوضى والارتباك للقيادة الجديدة، التي ستجد نفسها مشتتة لتواجه أكثر من مشكلة في الوقت نفسه..
أ – فهناك ممارسات الشبيحة والمخبرين التخريبية، التي قد تتحول إلى إرهاب وقتل وتفجير وسفك للدماء، وربما إلى إنشاء منظمات تخلق كل دواعي الاحتراب والاقتتال بين مختلف فئات الشعب..
ب – وهناك الأفكار الفئوية والجهوية والتجزيئية التي سيتحرك أبواق الفلول ضمن فضاءاتها، للدفع باتجاه الفتن وباتجاه خلق الأرضية المجتمعية التي تسهل الطريق أمام الشبيحة والمخبرين في مهمتهم المذكورة أعلاه..
ج – وهناك احتمال أن يكون النظام قد سرَّح آلاف السجناء الجنائيين وأمَّنَ لهم كل طرق الإفساد والتخريب التي ستكون مهلكة وتستنزف طاقات كبيرة من السلطة الجديدة، وتثير حالة من الهلع والفزع في المجتمع..
د – وهناك مليارات الدولارات التي ستكون قد هرِّبَت بشكل أو بآخر، لتعميق الأزمة الاقتصادية، وحرمان السلطة الجديدة من الموارد المالية التي تساعدها على حل المشكلات..
ه – وهناك مئات المتسلقين من المثقفين ورجال المال والبيروقراطيين ورجال الأمن والمخابرات ورجال الصحافة والإعلام والفن والسياسيين الفاشلين.. إلخ، الذين سيبدأون بالتسلل كالأفاعي إلى مواطن القرار التقني المباشر، ليمتلكوا القدرة على الطعن والتراجع المدروسين، بحيث يعرقلون من مواقعهم التكنوقراطية والإدارية.. إلخ.. أيَّ أعمال إصلاحية وتغييرية وفق رؤية القيادات الجديدة..
8 – عندما تكون الدولة التي حدث فيها التغيير ورحل عنها رموز النظام الفاسد المستبد، حساسة جيوسياسيا، مثلما هو حال الأردن، يتحرك الطابور الخامس المُكَوَّن من المنظمات الماسونية، وعملاء الموساد والمخابرات الأميركية وربما البريطانية والفرنسية، لرفد خطة فلول النظام، في إثارة الفتنة والبلبلة، والتمهيد لرجالات محددين للقفز على الحالة الجديدة، بغية عدم إفلات زمام التغيير الحاصل من أيدي أصحاب المصالح "الصهاينة" و"الإمبرياليين".. إلخ..
9 – سيتم حرص فلول النظام على عرقلة السلطة الجديدة عن تنفيذ أيِّ برامج من تلك التي كانت تطرحها كحلول لإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، مع التركيز على الجانب الاقتصادي، تمهيدا لحالة تنافر واختلاف سياسي داخل فئة الثوار المغيِّرين أنفسهم، لتظهر تيارات مختلفة داخل بُنية السلطة الجديدة، بعضها راديكالي صدامي، وبعضها هُدْنوي تهاوني، فيعاد تقسيم الناس الذين توحَّدَوا على التغيير، ليختلفوا خلال التنفيذ، بعد بدءِ ظهور التباين بين مثالية الثوار وهم في الميدان، وواقعية الساسة وهم على سدة عروش مؤسسات السلطة.. وتكون كل العناصر السابقة قد أسهمت في تمرير هذه الخطة المضادة..
10 – فكيف يمكن لقادة التغيير في الأردن أن يُخفِّفوا من وقع تلك الخطط التي يتحرك النظام في قلبها قبل الانقضاض على وظيفيته وتغييرها، والتي سيتحرك في فضاءاتها في مراحل المواجهة الحاسمة؟!
مع توضيح أن التغيير المقصود هنا، هو تلك الحالة التي ستجسُّد الصيغة التي يتحرك فيها هؤلاء القادة الجدد نحو فرض حكومة إنقاذ وطني، ينصاعُ النظام لبرنامجها، دونما حاجة إلى إسقاط "مؤسسة العرش" و"الملكية"، فهذا ليس مطلبا للأردنيين..
يجب التأكيد في هذا السياق على ما يلي..
1 – ما يزال الوقت مبكرا على الحديث عن تغيير النظام، فما لم يتحول الحراك الشعبي، والمعارضة السياسية، إلى ثورة فعلية واضحة الشكل والمضمون، فإننا في واقع الأمر في مرحلة "الإرهاص بالتغيير الثوري" و"التمهيد له" ليس إلا، وهو ما جعل النظام حتى اليوم لا يشعر بأنه معنيٌّ بأيِّ تجاوب مع ما يراه ويحسُّ به من مجرد "دغدغةٍ" لهيمنته وسيطرته في الشارع الأردني..
2 – لا تقوم الثورة التي ستحقق التغيير، لا بنجوم شوارع ومظاهرات، ولا بهتيفة تستثير الشعاراتُ وهي تخرج من حناجرهم جموعَ المحتشدين، ولا بخطباء مفوهين، بل بقادة فكر، وبمفكرين سياسيين، وبحملة مشاريع فلسفية واضحة، ورؤى سياسية متكاملة وناضجة، تكون بمثابة الحاضنة التي يتحرك في قلبها "نجم الشارع"، و"هتيف المظاهرات"، و"خطيب الجماهير".. وهذا مع الأسف ما لم يتجسَّد حتى الآن بشكل مُبَشِّر وكافٍ للحديث عن بذور ثورة قاربت على التشكل والاكتمال..
3 – لا تقوم الثورة ولا يتحقق التغيير المنشود في دولة مثل الأردن، بدون ذوبان "الأنا" التي ما نزال نراها مسيطرةً على الكثير من قادة الحراك الشعبي ورموز السياسة، في "النحن" التي ما نزال نبحث عنها في هذه المُزَق المتشظِّيَة على مساحة الوطن، بكل عجزها المثير للدهشة عن أن تستحضرَ الدرجاتِ الملائمة من الوعي اللازمة لإنتاج "وطن حر ديمقراطي"، وتغيير "نظام وظيفي"، يتعارض "إنتاج الأول" و"تغيير الثاني" منذ البدء مع ذلك المستوى من "الأنا" و"النرجسية" اللذين يخدمان النظام ويطيلان في عمره، بل ويُفْشِلان الفعل السياسي المعارض، والأداء الشعبي الحراكي على الأرض مع مرور الوقت..
4 – الثورة الأردنية التي نمهد لها، هي ثورة الشعب الأردني، وليست ثورة شماله أو جنوبه، ولا هي ثورة الطفيلة أو الكرك أو إربد.. ليست ثورة حي هنا أو هناك.. ليست ثورة عشيرة في هذا المكان أو في ذاك.. النظام هو من يريدنا أن نبقى نتحرك على هذا النحو المتشرذم إلى أن نملَّ ونتعبَ، قبل أن نحوِّل حراكَنا إلى ثورة.. وهو قد نجح في تغذية هذه النزعة الجهوية في حراكنا.. فإذا كان النظام قائما على الجهوية والقطرية والفتنوية في بنيته الأساس، فهل يعقل ألا تكون ثورتنا وحراكنا الممهد لها، عاملين في الاتجاه المضاد، وهو اتجاه "الأردنة"، أي العمل على توحيد ساحة الفعل الوطني، أيا كانت التنازلات التي قد يقدمها هذا الفصيل أو ذاك من "أناه"، وهذا القائد أو ذاك من "نجوميته"، وهذا السياسي أو ذاك من "طموحاته" لتحقيق هذا الإنجاز.. مع الأسف إن أخلاقيات الحراك والمعارضة الثورية لم يتم إنجازها في الأردن بعد.. فالفعل الثوري هو فعل تغييري تؤسس له "أخلاقيات الثورة"، وأخلاقيات الثورة معروفة في "علم الثورة" وفي "علم تاريخ الثورات".. وهذه الأخلاقيات لم تتجسد عندنا بعد، وما زلنا نخضع لأخلاقيات الحراك الجهوي المُشَتِّت.. إننا بمعنى آخر ما زلنا نمارس "البداوة السياسية"، و"قبلِيَّة المعارضة"، وهو ما سيبقينا أبعد ما نكون عن تحويل منجزنا على الأرض إلى حالة ثورية..
5 - سيحمِّلنا التاريخ، وأبناؤنا وأحفادنا مسؤولية هذا الإخفاق الأخلاقي، إذا لم نُعِدْ إنتاج ثقافتنا نحن كطليعيين ساقتنا الأقدار لنكون في مقدمة الركب، قبل أن نوجه أصابع الاتهام إلى شعبٍ لا يستسهل تغيير ثقافة البداوة السياسية التي يعاني منها، وثقافة الدولة القبيلة التي يأنس إليها ويألفها. نعم سوف نصبح ملعونين لأننا نطالب الشعب بما لم نلتزم به نحن أنفسُنا، وندعوه إلى تغيير ثقافته باتجاه ثقافة لم نكن نحن أنفسُنا قادرين على تجسيدها وتقمصها في أدائنا السياسي وفي أخلاقياتنا الثورية..
6 – لا توجد ثورة في العالم حققت منجزاتِها ووصلت إلى غاياتها بثوار يجوبون الشوارع فقط ويعتصمون في الميادين ويهتفون بالشعارات، وبدون أن يكون الفعل الثوري كلِّه مؤطرا بحواضن سياسية تقوده وتوجهه، يقوم عليها قادة فكر سياسي، وأصحاب رؤى متكاملة في كيفية إدارة الفعل الثوري أولا، وفي كيفية إدارة الدولة بكل تفاصيلها بعد كنس النظام ثانيا.. وهذا ما يبدو أن ساحة الفعل السياسي في الأردن تعاني من الحاجة إليه حتى الآن..
* فـ "الإخوان المسلمون" ليسوا أكثر من وعاظ مساجد، ولا يجسدون حالة وفاق وطني، وحالة نقاء تاريخي يمكن البناء عليها..
* والقوى اليسارية والقومية ليست سوى حالة من "الفلول" السياسية، لا تسمن ولا تغني من جوع، وتعاني من كل الأمراض التي نقلتها على شكل عدوى فيروسية إلى بعض فصائل الحراك الشعبي..
* أما القوى الليبرالية فهي نموذج مصغر عن نظامٍ يحاول إحياء نفسه أو تجديدها في ظاهرة حزبية كي يضمن التحالف الطبقي الحاكم التواجد في قلب المعادلات السياسية عند الاضطرار للتجاوب مع أيِّ تغيير مرتقب..
* وما تبقى من أحزاب، فليس أكثر من دكاكين حاول أصحابها استبدال الوجاهة القَبَلِيَّة والمجتمعية التي كان يؤمِّنُها نظام الترابط المجتمعي السابق، بوجاهة سياسية، يتولى طالب الوجاهة نفسها الإنفاق عليها..
وإذن فالحراك الشعبي مهدد بالخطر، إذا لم يتمكن من تجسيد الحالة السياسية التي يفترض أن يسلِّمَها زمام قيادته كي يتحول بها ومن خلالها وعبرها إلى حالة ثورية..
7 – في كل الأحوال ومنذ الآن، يجب على النماذج الأكثر وعيا ودراية في حالة "الإرهاص الثوري" القائمة، أن تبدأ بالاستعداد لمواجهة خطط النظام وفلوله، سواء قبيل تغييره، أو أثناء تغييره، أو بعد تغييره، تخفيضا لمستوى الخسائر الممكة والمحتملة في سياسة الشد المضاد الذي لا شك في أن النظام قد استكمل كلَّ خططه بشأنه وأعدها لاستخدامها عند اللزوم..
وفي هذا السياق نرى أن على تلك النخبة التي نشير إليها بكونها الأكثر وعيا ودراية، أن تعد العدة للأمور التالية..
أ – تجهيز قاعدة بيانات كاملة ووافية تلجأ فيها إلى المنابت المعلوماتية المخابراتية وغيرها إن أمكن، لما يتعلق بالشبيحة والبلطجية والمخبرين.. إلخ.. ليكون هؤلاء جميعا تحت السيطرة وإمكان إخلاء الشارع الأردني منهم بالشكل المناسب عند اللزوم تجنبا لمخاطرهم ولما يُعَدون لأجل ممارسته عند تغيير النظام..
ب – تجهيز قاعدة بيانات كاملة بكافة المنظمات والهيئات والجمعيات المشبوهة والتي تتلقى دعما مريبا من الخارج، وبكافة مخرجاتها الإنتاجية، وبتفاصيل علاقاتها المرئية وغير المرئية إن أمكن، لضمان السيطرة على أيِّ تحرك محتمل في أيِّ اتجاه تخريبي محتمل ومتوقع من قبلها بعد رحيل النظام..
ج – رصد تحركات دبلوماسيي كافة الدول ذات المصالح التخريبية المرتبطة بمعاداة أيِّ فعل شعبي ثوري يستهدف النظام الوظيفي، وعلى رأس كل ذلك دبلوماسيو "الكيان الصهيوني" و"الولايات المتحدة" و"بريطانيا" و"فرنسا"، ووضع سجلات معلوماتية كاملة لعلاقاتهم وارتباطاتهم ونشاطاتهم داخل الأردن، وذلك لضمان امتلاك القدرة على التحرك المضاد لمواجهتهم عندما يبدأون بالتحرك ضد الثورة وقادتها الجدد بعد تغيير النظام..
د – تجهيز قاعدة بيانات كاملة وشاملة وموسعة ووافية حول المحافل "الماسونية" وأندية "الروتاري" و"الليونز" وكافة مشتقاتها والمرتبطة بها، ورصد كافة تحركاتها ورجالاتها ومنتسبيها، لضمان الإطلال على كل صغيرة وكبيرة من نشاطاتها وتحركاتها المضادة لقادة التغيير في السلطة الجديدة..
ه – الإطلال الدقيق والدائم والمباشر على حالة السجون الأردنية وتجهيز كافة قواعد البيانات اللازمة لضمان السيطرة على السجناء وخاصة الجنائيين منهم، إذا فكر النظام في استغلالهم لأيِّ أعمال تخريبية لاحقا..
و – المراقبة الدقيقة لكافة التحويلات المالية التي تخرج من البلاد والتي تدخل إليها، ومصادرها، وأوجه إنفاقها إذا كانت واردة، وأسباب تحويلها إذا كانت صادرة..
ز – تأمين قاعدة بيانات دقيقة عن حالة الحدود البرية والبحرية والجوية للبلاد، لضمان السيطرة على الوضع عند الأزمات، ومنع تسريب الأموال والفاسدين في ظروف الأزمات وفي حالات الفوضى والانفلات الأمني التي قد يعد لها النظام عند اللحظات الحرجة..
ح – تجهيز كافة البرامج التفصيلية لإدارة كافة مؤسسات الدولة في ضوء البرامج المعتمدة من قبل قادة التغيير، وتحريك كافة الخبراء والتكنوقراط المنضوين تحت لواء التغيير حاليا باتجاه البدء بإعداد كافة الدراسات التفصيلية لتنفيذ برامج التغيير الثوري..
ط – وضع كافة الخطط البديلة لما سيفعله النظام في النواحي المالية والإعلامية والثقافية والمجتمعية، ضمانا لتقليص الخسائر المرتقبة بفعل سياسة النظام المضادة إلى أدنى حدود..
ي – بدء العمل على مشروع "وثيقة دستورية مؤقتة" تعدها الثورة لقيادة وإدارة البلاد في المرحلة الانتقالية عند استلام حكومة الإنقاذ الوطني إدارة البلاد، ولتكون بديلا للدستور الحالي الذي سيتم تعطيله بالضرورة طول المرحلة الانتقالية.. والهدف من هذه الوثيقة المؤقتة هو تجنب حدوث حالة فراغ دستوري، ولضمان وجود تشريعات تسند أداء تلك الحكومة لحماية الثورة والتغيير في مواجهة قوى الشد العكسي التي سيحركها فلول النظام..
وإنه إذا كانت كل هذه الاستعدادات الضرورية والمحتَّمة التي تفرضها حالة الوعي بحقيقة النظام وبمخططاته وسياساته المرتقبة في حال خضوعه لقوى التغيير واستجابته لحكومة الإنقاذ الوطني التي ستشكلها تلك القوى، هي أمور لا مفر منها ويجب أن تجهزها قوى التغيير كي تحمي بها نفسها.. نقول.. إذا كان كل ذلك محتما وضروريا، أوليس المحتم الأول والضروري والأهم، الذي ستنتج عنه، هو التأسيس للتوَحُّد الذي سيؤسِّس لحالة ثورية، والذي سيؤسِّس من ثم لخلق قيادة ثورية تتولى كل تلك المهمات؟!
أليس هذا دليلا على ثقل المسؤولية التاريخية الملقاة على كاهل فئة النخبة الواعية والناضجة في الشعب الأردني، والتي سنتمكن من خلالها من الانتقال بحالة المراوحة المكانية الحالية، إلى حالة فعل ثوري تغييري محمي ومحصن قدر المستطاع؟!
فأين نحن في الأردن من كل ذلك؟!
وبالتالي فهل نحن واعون لأهميته؟!
وبالتالي فهل نحن مدركون حقا للنقطة التي نقف عليها على وجه الحقيقة؟!
أم أننا نهوى فقط العيش في الأوهام، لنتسببَ في انهيار كل شيء بسبب حماقاتنا وتقصيرنا، مستسهلين بعد ذلك تحميل المسؤولية للشيطان، وللقدر، والأهم منهما لشعبٍ سنحكمُ عليه بكل بساطةٍ ورداءةِ ضميرٍ، بأنه شعبٌ لم يكن يستحق نضالاتنا، في حين أننا كنا في الحقيقة مناضلين لا نستحق أن نتصدى لطليعية هذا الشعب؟!
إننا نقف على اعتباب فرصة تاريخية أتاحتها حماقات النظام المتتالية التي توَّجَتها قراراته الأخيرة برفع الأسعار على ذلك النحو من التعالي والتضليل والاستهتار، فهل نحسنُ استغلالَ هذه الفرصة، أم نتركها تمرُّ دون استثمار كسابقاتها، شاغلين أنفسنا بما نظن أنه الصواب، غير منتبهين إلى أنه قد يكون شَرَكا يُنْصَبُ لنا كي نقع فيه ونتضاءل؟!!!!!
فالنظام..
* يتحدى مطالبنا التي خرجنا لأجلها إلى الشارع بصلفٍ حين يصرِّح وزيرُ داخليته بـ "لا تراجع عن رفع الأسعار، فلينزل إلى الشارع من لا يعجبه ذلك الأمر"!!
* وينفذُّ سياسة تفريغ أمني خطيرة ومريبة لمناطق التماس الساخنة مع المحتجين والمتظاهرين متخليا عن حماية المتظاهرين سلميا!!
* ويسهِّل الساحة لإشراك الفوضويين في الفعل المناوئ لقرارات الحكومة، كي يطبعَ المعارضة السلمية باللاسلمية وبالعدمية!!
* ثم يفاجئنا بشبيحته وبلطجيته يعتدون علينا ويخربون الممتلكات العامة والخاصة ويهاجمون قوات الأمن والدرك!!
ثم يتدخل بعنف ليضرب بعد أن يكون قد نجح في تصوير الفعل الحراكي خارجا عن حدود السلمية التي يُقِرُّها القانون!!
وفي النهاية يستثمر هذه الحالة من الفوضى المصطنعة كي يبررَ ممارساته الحالية وربما قراراته القادمة!!!
ونحن أبعد ما نكون عن التعامل مع هذه السياسة بما تستحقه من وعي نظريا وعمليا، ونغرق إلى الأذقان فقط في الحدث نفسه كي نفعِّلَه وننميه، غير مدركين أن الحدث – أيُّ حدث – لا ينعزل عن مكوناته وحيثياته وتبعاته وتداعياته وملابسات الفعلِ الآخر حوله، والتي إن لم نأخذها في الاعتبار في خططنا لتفعيل الحدث وتنميته، فإننا سندفع به نحو المأزق الذي يرسم لدفعنا إليه الطرف الآخر، وهو النظام!!!!