القانون الدولي والتدخل الخارجي في سورية
د. غازي حسين


يعتبر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول أحد أهم المبادئ الأساسية في القانون الدولي، وإحدى القواعد الأساسية الستة الملزمة في القانون الدولي الديمقراطي.
وينص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادتين الأولى والثانية، وأكدت عليه الدورة العشرون للجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 2131.
وجاء في إعلان الأمم المتحدة حول مبادئ القانون الدولي الذي وافقت عليه الجمعية العامة في 24/10/1970 أنه لا يحق لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعتبر الإعلان الأممي أن التدخل الخارجي (المسلح) غير شرعي وينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وبالتالي لا يجوز لدولة من الدول أن تدعم النشاطات المسلحة التي تعمل على تغيير النظام لدولة من الدول أي الإطاحة بالنظام فيها بالقوة كما فعلت الولايات المتحدة وحلف الناتو في أفغانستان وغرينادا والعراق وليبيا وغيرها.
ترسَّخ هذا المبدأ الهام في جميع المنظمات الإقليمية والدولية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى في أوروبا في مؤتمر هلنسكي للأمن الجماعي.
بدأت محاولات الاستعمار بتفتيت سورية في اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916 ومؤتمر الحلفاء في سان ريمو عام 1920، حيث عمل الاستعمار الفرنسي بزعامة الجنرال غورو على تقسيم سورية إلى ست دول مختلفة على أساس طائفي، ولكن الشعب العربي السوري بتلاحمه ووحدته الوطنية أفشل مساعي فرنسا الاستعمارية.
وجاء العدو الصهيوني في الخمسينات من القرن العشرين ووضع مخططاً عرف بـ خنجر «إسرائيل» لتفتيت سورية ولبنان.
ووضعت «إسرائيل» فيما بعد مخططات لتقسيم العراق والسودان ومصر والإطاحة بالأنظمة القومية في البلدان العربية وتفتيتها وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وخطط الصهاينة الأمريكان للولايات المتحدة بعد أحداث أيلول التخلص من سبع دول خلال خمس سنوات وهي:
أفغانستان والعراق ثم سورية ولبنان وليبيا والسودان وإيران، ووضعوا مخططاً ينص حرفياً: «أسقطوا النظام في العراق أضعفوا سورية وإيران فيركع الفلسطينيون».


يرى الداعمون للتدخل الخارجي في سورية وعلى رأسهم الإمبريالية الأمريكية وأتباعهم من آل سعود وآل ثاني أن المرحلة ملائمة لإضعاف أو للقضاء على محور الممانعة والمقاومة من خلال التدخل العسكري في سورية على غرار ما فعل الناتو في ليبيا، ووافقت إدارة أوباما وبريطانيا وفرنسا على مشروع قرار في مجلس الأمن يتيح التدخل العسكري في سورية:
إلاَّ أن الفيتو المزدوج الروسي والصيني في 19 تموز 2012 أحبط المؤامرة على سورية داخل مجلس الأمن الدولي.
وأعلنت إدارة أوباما بعد فشلها في مجلس الأمن بأنها ستعمل مع حلفائها خارج نطاق مجلس الأمن، مما دفع بروسيا إلى تحذير الولايات المتحدة من عواقب التدخل العسكري، وربط الرئيس الروسي بين الحل في سورية والنظام العالمي الجديد: وأكد عدم جواز استخدام القوة والالتفاف على ميثاق الأمم المتحدة.
دخل العدو الصهيوني على خط التدخل الخارجي فدعا شمعون بيرس المجتمع الدولي إلى تدخل عسكري فوري في سورية على غرار تدخل الناتو في ليبيا.

وقال رئيس الموساد الأسبق افراييم هاليفي إنه إذا وافقت تركيا وروسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا على بقاء نظام الأسد فإننا سنشهد أصعب هزيمة استراتيجية لإسرائيل في الشرق الأوسط منذ أن أصبحنا دولة.
وقال الجنرال شلومو يروم المختص بالشؤون الأمنية في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب: «إن صعود حركة الإخوان المسلمين إلى السلطة في سورية يصب في مصلحة «إسرائيل» وقال رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي غابي اشكنازي للصحافة الإسرائيلية «إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد جيداً بالنسبة لإسرائيل، وأن أي نظام سيقوم في سورية سيكون أفضل بالنسبة لإسرائيل ولن يكون مرتبطاً بحزب الله وإيران مثل النظام الحالي».
تتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لتحقيق مصالحها ومصالح «إسرائيل» الحليف الاستراتيجي لها، وتشن الحروب وتشترك مع «إسرائيل» في حروبها العدوانية على العرب والمسلمين، وتقف إلى جانب عسكرة المعارضة في سورية.
وتسخّر الحروب والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والسياسة والإعلام وأجهزة المخابرات والأموال لتحقيق أهدافها المعادية لأهداف ومصالح الشعب السوري، ومصالح بقية الشعوب العربية والإسلامية، وهي غير راغبة في دعم الحل السياسي. وتُعتبر واشنطن وأتباعها في الخليج الطرف الأساسي الذي يمد المعارضة المسلحة بأسباب الاستمرار، فالدول الغربية تدعم الأعمال الإرهابية التي تقوم بها أمريكا و«إسرائيل» وتمتنع عن إدانتها إذا كانت تتوافق مع اعتباراتها السياسية ومصالحها الاقتصادية، ولا تريد الولايات المتحدة للأزمة السورية أن تنتهي؛ لأن استمرارها يقود إلى تدمير الدولة السورية والجيش العربي السوري، كما حصل في العراق وليبيا، وهذه مصلحة استراتيجية أمريكية ـ إسرائيلية مشتركة.
ويقوم الموقف الأمريكي حالياً على استخدام بعض مجموعات الإسلام السياسي ومنها مجموعات من تنظيم القاعدة لخدمة مصالحها ومخططاتها وإعادة إنتاج هيمنتها ومكانتها المتزعزعة والآيلة إلى السقوط والانهيار.
وتستغل إدارة أوباما الأزمة السورية للتحريض على بث الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت سورية والدول العربية الكبيرة وإعادة تركيبها لإقامة «إسرائيل» العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
طالب أمير قطر من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 أيلول 2012 فرض منطقة حظر جوي على سورية وبتدخل عسكري عربي مقدمة لتدخل الناتو فيها على غرار ما فعلت قطر والإمارات العربية وجامعة الدول العربية بليبيا.
وكانت قطر والسعودية وراء تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية وسحب السفراء منها وفرض الحصار عليها ووراء فشل مهمة المراقبين العرب والمراقبين الدوليين ومهمة كوفي أنان، وذلك لأنها اتفقتا مع الولايات المتحدة على عسكرة المعارضة وتدمير الدولة السورية وجيشها ومؤسساتها ومنجزاتها.
وأدت عسكرة المعارضة وتصاعد التدخل الخارجي إلى زيادة سفك الدم السوري وإلحاق أفدح الخسائر في المدن والبلدات والقرى السورية وبالوطن والمواطن وبالاقتصاد السوري.
وتشن على سورية حرباً سياسية ودبلوماسية وعسكرية وإعلامية من خلال الدول الغربية والصهيونية العالمية والدول الخليجية بهدف إضعافها وتركيعها وكسر إرادتها وتغيير ثوابتها والقضاء على آخر نظام قومي معاد للإمبريالية والصهيونية ويدعم حركات المقاومة.
إن التدخل الخارجي والدعوة لإسقاط النظام بالقوة يمكن أن يؤدي إلى انهيار الدولة السورية وانتشار الفوضى والقتل والخراب والدمار وصولاً إلى تفتيت الكيان السوري إلى عدة كيانات طائفية ومذهبية وعرقية.
وتستغل تركيا ومعها آل ثاني وآل سعود مقولة التدخل الإنساني لتبرير التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لسورية كغطاء يمكن أن يكتسب مشروعية قانونية دولية، مما يقود إلى تحقيق حلم «إسرائيل» بتدمير الجيش العربي السوري وتفتيت سورية وتهويد الجولان. وستصيب عدوى تفتيت سورية وتنتقل إلى دول إقليمية مجاورة لسورية وتعميم الفوضى الخلاقة التي بشرَّت بها واشنطن.
ويعتقد أردوغان أن كسر إرادة القيادة السورية هو مفتاح الهيمنة التركية على الوطن العربي.
وتقوم تركيا بدور القاعدة الأساسية للتدخل العسكري وإرسال المسلحين والسلاح وعسكرة مجموعات المعارضة، وأقامت لهم المعسكرات وسلحتهم ودعمتهم ودربتهم، مما شكل حرباً تركية غير مباشرة على سورية، وأدى ذلك إلى تصعيد التوتر بين البلدين؛ وحول أردوغان تركيا إلى مقر للاعتداء على سورية وقاعدة لانطلاق الإخوان المسلمين في البلدان العربية وجعل تركيا أداة من أدوات الناتو والإمبريالية الأمريكية.
إن ما يجري في سورية عملياً هو زعزعة استقرار دولة ذات سيادة وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
إن الشعب السوري هو من يحدد ويقرر مستقبل النظام السياسي بالأساليب والطرق الديمقراطية والتعددية السياسية.
وتتحمل السعودية وقطر وتركيا وجامعة الدول العربية مسؤولية القتل والتدمير والتخريب الذي لحق بسورية مما يتوجب عليها دفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية التي ألحقتها بالشعب وبالوطن السوري.
أعتقد أنه إذا أوقفتْ قطر والسعودية تزويد المجموعات المسلحة بالمال والسلاح، وأغلقت تركيا الحدود أمام المسلحين من مختلف الجنسيات فإن جميع الأطراف سيدعمون الحوار الشامل بين السوريين وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
ونستخلص من ذلك كله أن سورية أمام حرب إقليمية ـ دولية تشن بالوكالة عن الولايات المتحدة والعدو الصهيوني وتشترك فيها عواصم خليجية ومشرقية وأوروبية، وسيكون لاستمرارها واستمرار التدخل الخارجي وعسكرة المعارضة نتائج مدمرة على الشعب والدولة في سورية وعلى الصراع العربي ـ الصهيوني.
ويهدف التدخل الخارجي الإطاحة بالنظام وإنتاج نظام تفريطي يسير في ركاب الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وأتباعهما من آل سعود وآل ثاني لبيع فلسطين العربية وإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن أمن واستقرار سورية من أهم ركائز الأمن القومي العربي ومن أمن واستقرار المنطقة.
فوقف التدخل الخارجي ووقف تزويد المسلحين بالسلاح والمال يقود حقاً إلى وقف سفك الدم السوري وبدء الحوار للوصول إلى الحل السياسي والمصالحة الوطنية والتسامح، وبدء مسيرة حقيقية للتعددية السياسية والدمقرطة والتطوير والتحديث لبناء سورية الحديثة لجميع أبنائها.
إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول هو أحد أهم المبادئ الأساسية في القانون الدولي وأحد المبادئ الأساسية الستة الملزمة في القانون الدولي الديمقراطي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وأهم المبادئ في العلاقات الدولية والتعامل الدولي للحيلولة دون العودة إلى شريعة الغاب في العلاقات الدولية.