الملحدُ لص كبير يسرق العشقَ من الربِّ ويكفُر به

أسامة عكنان

لماذا يجب عليك أن تكون خيِّراً وتضمَّ بين ضلوعك قلباً، إذا كانت نهاية كلِّ ذلك مجرَّدَ وليمة سيلتهمُها الشيطان، ولن يشاركَه فيها سوى دودِ الأرض؟!
ما الذي في كونٍ لا يُقَبِّلُه الإلهُ ليلَ نهار من جَدٍّ يستدعي كلَّ هذا الحبِّ والخير وبذلِ الدِّماء؟!
لماذا لا يكون كلُّ الكون ثُقْباً أستمني فوقَه كلَّ نزواتي، ولماذا لا تكون كلُّ اللحوم البشرية بعضا من زادِ موائدي الشَّهِيَّة، إذا كنت أنا وكلُّ طاغيةٍ سنخلد إلى النوم الأبدي في حفرةٍ يأكل فيها الدود خيري قبل شرِّه، ويلتهم حُبِّي قبل كُرْهِه، ويشرب دمي النازف فديةً قبل منِيِّه اللاسع شهوة؟!
لماذا أكون شهما وكريما وضحية إذا كانت حياتنا غابة، بداية العيش فيها جوعٌ إلى فريسة فوق الأرض، ونهايته تحوُّلٌ من مفترسٍ إلى فريسةٍ تحت الأرض؟!
فهل في الغابة غير ذئبٍ وأرنبة برِّيَّة؟!"
اهتَزَّ مثلَ المفجوع بمصابٍ وهو يتذكَّر عقيدة الغابة وديانة الوحوش..
استوقفته لحظات احتضار الأرنبة البرِّيَّة الوديعة وهي تشهق آخر أنفاسها بين أنيابِ ذئب الغابة..
وتساءل عن السِّرِّ وراء ربطِ الملحدِ إلحادَه بحبِّ الخير الذي يراه مفقودا في الدنيا عندما يحكمها الإله، الذي لم يُجِدْ قراءةَ أشعاره وقوافيه إلا في ترانيم مُزَيِّفين استخدموه ووظَّفوه، بدل أن يكونوا خدما لمخلوقاته وموَظَّفين عند عباده؟!
لماذا تفعل ذلك أيها الملحد، إذا كان غيرك من ملاحدة الغابة لا يفعلون ذلك؟!
بدأ يعتقد أن الغابة هي المكان الوحيد الذي يحكمه الإلحاد، ويتحكم في قوانينه الملاحدة، فليس من بين حيواناتها مؤمن بإله أو مدرك لحقيقة موته؟!
وعندما يغيب الإله وتغيب بصماته عن مساحات الوعي فلا مكان للخير، لأن الخير يولد في أرواحنا وفي وعينا توأماً للإله وصِنواً له..
عندما يتشدق الملحد بالخير والحب فهو يناقضُ نفسَه ويسرق حقَّ الإله فيه..
الملاحدة إذن لصوصٌ كبار، لكنهم مع الأسف لصوصٌ غير محترفين..
فالذي يسرق حقَّ الإله في روحه ولا يعترف بذلك هو أحمقٌ عليه أن ينتظر زلازل تدمِّرُه، يفجِّرها فيه ثوران الإله وهو يحاول استرداد حقه المسلوب..
كيف يهرب الملاحدة من الإله، ويتزينون بعطره؟!
كيف يجلدونه ويرجمونه، ثم يستخدمون حروفَه وكلماتِه المطبوعة في جيناتهم وهرمونات إنسانيتهم؟!
كيف ينحرون رعشةَ الدفء النازفة من سمائه، ثم يحملونه رمحا يغرزونه في الشر الذي يحاربون؟!
"كن ملحداً إن شئت، ولكن إياك أن تستخدمَ عطرَ الإله..
كن كافرا بكلِّ ألوان الرَّبِّ البهية، وأرفض قبولَ الدعوة إلى ولائمه الشهيّة، لكن اعترف بأن الخيرَ المتربِّع على عرش روحك ليس صنيعةَ هذا الكفر أو ذاك الرفض..
تخلَّ عنه وكن شريرا، كن ملكَ غابة، كن ذئبا، كن أيَّ شيء، إلاَّ أن تكون عاشقا..
فالعشق بصمةُ الرَّبِّ فينا..
فإن عشقنا فلأننا نلبسُ رداءً تزيَّنَ بروائحه..
ردَّ الجميل أيها الناكر للجميل، واعترف بأنك تحب وتعشق، لأنك نبضُ قلبِه ولأنك يِراعٌ خطَّ به كلَّ قوافيه وقصائدَ شعره..