خطورة السلطة ورؤية الدولتين واستحقاق أيلول
د. غازي حسين
منذ تشكيل السلطة التي نتجت عن توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو وملحقاته وحتى اليوم لم تعمل على دحر الاحتلال وحماية المواطن وممتلكاته وتعزيز العمل الوطني، وإنما قامت بإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة بصلاحيات المجالس البلدية، وتوطيد التعاون الأمني مع أجهزة الاحتلال الأمنية لوقف الانتفاضة الثانية، واجتثاث المقاومة المسلحة، وإضعاف الحركة الوطنية تطبيقاً للمرحلة الأولى من خريطة الطريق. وارتمت كلية في أحضان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
خطورة سلطة الحكم الذاتي
كان ولا يزال هدف الكيان الصهيوني من إقامتها هو تحميلها للأعباء الملقاة على عاتق الاحتلال، وتوفير الأمن له داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وداخل الكيان نفسه، وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وصولاً إلى القضاء عليها. لذلك ترتفع الأصوات يوماً بعد يوم بإعادة النظر في السلطة وحلها لأن استمرارها منح الاحتلال التغطية على الاستيطان وتهويد القدس. وأصبحت سلطة الحكم الذاتي في رام الله العائق الأساسي أمام مقاومة الاحتلال والمشروع الوطني وخيار المقاومة وتحرير فلسطين التاريخية وعودة اللاجئين إلى ديارهم. فالتخلي عن خيار المقاومة وإدانتها ومعاقبة رجالها أدى إلى خضوع قيادة السلطة المستمر في المفاوضات العبثية للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، وتبنيها وتبريرها والدفاع عنها، ما أوصل الوضع الفلسطيني إلى أسوأ مراحله وأخطرها على الإطلاق. وكان الجنرال رابين قد أعلن عام 1993 أن قيام السلطة يعني تلقائياً الموت التدريجي والبطيء لمنظمة التحرير الفلسطينية.
جرى تصميم عملية المفاوضات وصناعتها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية والسياسية والأمنية والاستيطانية لحرب حزيران العدوانية التي شنّها العدو عام 1967، ونجحت إدارة أوباما بتوفير غطاء عربي لدعم تنازلات رئيس السلطة عن طريق من سمّتهم رايس بمحور المعتدلين العرب، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك وصب ويصب سير عملية المفاوضات من دون مرجعية وخيارات أخرى في مصلحة العدو الصهيوني. وساعد الموقف العربي الرسمي المتخاذل مجسَّداً بلجنة الجامعة العربية على تقديم السلطة للمزيد من التنازلات على حساب حقوق شعبنا وأمتنا.
وظهر بجلاء أن مسار المفاوضات التي أجرتها السلطة خلال عشرين عاماً من التفاوض قد ألحق أضراراً جسيمة بالأرض والمقدسات والمواطن الفلسطيني والحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني، وأصبحت السلّطة العائق الأساسي أمام مقاومة الاحتلال والمشروع الوطني، كما غدا وجودها ووجود أجهزتها الأمنية مصلحة إسرائيلية لخدمة الاحتلال ومصالحه.
استغلت دولة الاحتلال وجود السلطة التي صنعتها للاستمرار في الاستيطان والقتل والتدمير والتهويد وإلحاق الأذى والضرر والتخلف بالشعب العربي الفلسطيني ويمنح استمرارها الاحتلال التغطية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعلى العنصرية والتمييز العنصري في الممارسات والقوانين الإسرائيلية، وتحسين صورة العدو المحتل أمام الرأي العام العالمي، وإعفاء المحتل من تحمل الواجبات والمسؤوليات التي ينص عليها القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال في التاريخ، ويظهر أمام بعض الأوساط الدولية أنه لا يحتل أرضاً ليست أرضه.
إن بقاء السلطة هو مصلحة إسرائيلية، كما أن معظم موظفيها لهم مصلحة في بقائها، لأنهم يتلقون الرواتب الضخمة والامتيازات. وبرأت الكيان الصهيوني من تكاليف الاحتلال الباهظة ووضعها على عاتق الدول المانحة. وتدوس السلطة على الحقوق الوطنية والدينية وتسوّق المخطط الصهيوني. وفشلت فشلاً ذريعاً في المفاوضات، وفي وقف الاستيطان والتهويد وفي بناء مؤسسات فعالة تخدم المواطنين وتوفر الأمن والحماية لهم وغرقت في عملية الفساد والإفساد.
خطورة رؤية الدولتين
أخذ الرئيس بوش رؤية الدولتين من مشروع شارون للتسوية. ويؤكد قادة العدو أن الهدف من إقامة دولة فلسطينية من خلال رؤية الدولتين هو شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وترحيل فلسطينيي الداخل إلى دولتهم الفلسطينية والاعتراف بيهودية الدولة. ويسعى العدو لتخليد وجوده في قلب الوطن العربي من خلال دولة معازل عنصرية ومنقوصة الأرض والسكان والحقوق والسيادة، ومحمية إسرائيلية لخدمة مصالح العدو في البلدان العربية. ويعمل على إقامتها كمصلحة إسرائيلية على أساس الحكم الذاتي، ومجردة من السلاح، ومنقوصة السيادة، ومحكومة بسلسلة من التدابير الأمنية لاختراق الأمن القومي العربي والقضاء على المقاطعة والهرولة في التطبيع الجماعي العربي. وتتولى القوات الإسرائيلية مراقبة الحدود والسيطرة على مجالها الجوي ومعابرها وتحافظ على أمن الكيان الصهيوني وأمن المستعمرين اليهود في الأراضي الفلسطينية وليس باستطاعتها الدفاع عن نفسها.
ويرى أوباما أن تحقيق رؤية الدولتين بإقامة دولة فلسطينية بموافقة «إسرائيل» يخدم الأمن القومي الأميركي وإنقاذاً لـ«إسرائيل» من نفسها.
وتعتقد أوساط إسرائيلية أن تحقيق فكرة الدولتين عن طريق المفاوضات يساعد الإدارة الأميركية على إقامة تحالف معاد لدول الممانعة وحركات المقاومة، وضد إيران، والحد من التطرف الإسلامي في باكستان وأفغانستان.
ويمكن القول إن دولة الاحتلال تعمل على إقامة دويلة منزوعة السلاح وبشروطها ولمصلحتها وعلى حساب الحقوق الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني خلافاً للقرارات الدولية والقانون الدولي، دولة بلا جيش وبمثابة الشرطي في خدمة الاحتلال وضد مصالح شعبها وأمتها وليس باستطاعتها الدفاع عن نفسها. وفي 9% من مساحة فلسطين التاريخية.
قد أوغلت سلطة أوسلو في التفريط والتنازل والتبعية، ما جعل منها أداة طيعة لتنفيذ ما تطلبه الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال حفاظاً على مصالحها الخاصة وعلى حساب المصالح والحقوق الوطنية والقومية للعرب في فلسطين وأوغل وتغول الكيان الصهيوني في الاستعمار الاستيطاني والإرهاب والعنصرية والتمييز العنصري، وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
كانت موافقة عباس على خيار الدولتين الذي أخذه بوش عن مشروع شارون للتسوية وضمنه خارطة الطريق بمثابة الطامة الكبرى على القضية، ويرقى إلى الخيانة العظمى بحق الشعب والأمة، وأرواح الشهداء الذين رووا أرض فلسطين العربية بدمائهم الزكية.
لقد أعلنت "اسرائيل" على لسان قادتها أن اتفاق الحل النهائي يوقع بين دولتين وليس بين دولة ومنظمة، فالدولة الفلسطينية التي تتمخض عن رؤية الدولتين هي مصلحة اسرائيلية لحل مشكلة "اسرائيل" وليس لحل قضية فلسطين أعدل قضية في تاريخ البشرية.
أعلنت هيلاري كلينتون (أن واشنطن لن تدعم أي خطوة فلسطينية أحادية الجانب ترمي لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية، لأن حل الدولتين لن يتحقق إلا بواسطة التفاوض).
وبات واضحاً أن واشنطن ستستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن ضد موافقة الأمم المتحدة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها تنبت رؤية الدولتين التي طرحتها "اسرائيل" عن طريق المفاوضات الثنائية لكي تفرض "اسرائيل" مخططاتها لتصفية قضية فلسطين.
ويمكن القول إن التواطؤ الأميركي مع عباس غير مستبعد لتمرير رؤية الدولتين وذلك إمعاناً في تضليل وخداع أوساط واسعة من الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
وهناك أوساط اسرائيلية واسعة تقول: (خلينا نلحق حالنا ونتفق مع عباس على حل الدولتين ونوقع معه على الحل النهائي).
خطورة استحقاق أيلول
قرار رئيس السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة في سياق النهج السياسي الذي يسير عليه محمود عباس مهندس اتفاق أوسلو الذي أعلن مراراً وتكراراً أن البديل عن فشل المفاوضات هو المزيد من المفاوضات، وأنه بعد استحقاق أيلول سيعود مجدداً إلى المفاوضات للتوصل إلى اتفاق حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
فالولايات المتحدة تعتبر أن الطريق الوحيد للوصول إلى الدولتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام هو عبر المفاوضات وهددت باستخدام الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. وحدد سلام فياض رئيس وزراء حكومة رام الله مصير استحقاق أيلول قائلاً: "إن اعتراف 181 دولة بالدولة الفلسطينية في وقت لا تعترف فيه "اسرائيل" بها لا يعني شيئاً قد يتغير".
وتطالب "اسرائيل" أن يعترف رئيس السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة والتخلي عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتبادل الأراضي لضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة في القدس وبقية الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني.
انتهت المرحلة الانتقالية لاتفاق الإذعان في أوسلو التي نصت على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في نهاية 1999 دون أن تقوم تلك الدولة حتى اليوم.
حددت السلطة الفلسطينية في الخريطة التي أرفقتها للأمم المتحدة مساحة الدولة على 18% من مساحة فلسطين التاريخية، بينما حدد قرار التقسيم رقم 181 مساحتها بحوالي 46% من مساحة فلسطين، وبالتالي تنازل رئيس السلطة المنتهية ولايته عن 82% من مساحة فلسطين التاريخية للكيان الصهيوني وعن 28% من حدود الدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم.
وبالتالي تؤدي الحدود التي وضعها رئيس السلطة في طلب الموافقة على قبول عضوية الدولة الفلسطينية في المنظمة الدولية إلى الإلغاء القانوني لعروبة فلسطين ولقرار التقسيم رقم 181 والقرار 194 بطلب رسمي فلسطيني وبدعم عربي ومباركة دولية وإقرار دولي من معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن سقف المطالب الفلسطينية هو 18% من مساحة فلسطين التاريخية، ويعني ذلك إلغاء جميع القرارات العربية والإسلامية والمرجعيات الدولية بهذا الشأن. ويعني توثيق تنازل القيادة الفلسطينية عن عروبة فلسطين مقابل 18% من مساحة فلسطين، وذلك حلاً لمشكلة اسرائيل، والموافقة على المخططات الصهيونية لكي يعترف العرب بها ويهرولون في تطبيع العلاقات معها لحل مشاكلها وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وتخليد وجودها في المنطقة.
ويعني أيضاً إلغاء حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والتنازل عن ملكيتهم للأراضي والعقارات التي احتلتها "اسرائيل" في 82% من مساحة فلسطين العربية. وفي حال فشل عباس في استحقاق أيلول يكون قد كرس سقف الحقوق والمطالب في 18% وفي الوقت نفسه نص مشروع شارون للتسوية على إقامة الدويلة الفلسطينية على مساحة 40-45% من مساحة الضفة الغربية أي على ما يعادل 9% من مساحة فلسطين، وأكد خليل التفكجي أن "اسرائيل" تسيطر على 58% من أراضي الضفة الغربية، مما يتطابق تماماً مع الحدود التي رسمها شارون للدولة الفلسطينية.
كان من الأفضل والأجدى والأصح أن ينص الطلب على "الحدود التاريخية" أو لا يتضمن تحديداً للحدود لأن "اسرائيل" لم تعين حدودها حتى اليوم، فهنالك الحدود التوراتية والحدود التاريخية و"اسرائيل" الكبرى بالمجال الحيوي من النيل إلى الفرات، و"اسرائيل" العظمى الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن الهدف من توجه عباس إلى الأمم المتحدة هو إطالة عمر سلطته وتحقيق المشروع الذي جاء من أجله، بالعودة مجدداً إلى المفاوضات، فالتوجه إلى الأمم المتحدة خطوة خاسرة بامتياز لأنها ستؤدي إلى شطب القرار 181 والقرار 194 الذي أكدت عليه الأمم المتحدة 135 مرة في قراراتها، وتكريس ما جاء في اتفاق الإذعان في أوسلو من أن الأراضي المحتلة عام 1967 أراض متنازع عليها.
المطلوب من الأمم المتحدة إنهاء الاحتلال وتفكيك جميع الأحياء والمستعمرات اليهودية تنفيذاً لقراراتها، كما أن المطلوب من فصائل المقاومة أن تحدد الدولة الفلسطينية على كل أرض فلسطين التاريخية، وليس على أساس حدود 1967 كما يطالب محمود عباس في استحقاق أيلول.
ويظهر التوجه إلى استحقاق أيلول فشل التسوية السياسية ووصول خيار المفاوضات إلى الطريق المسدود، وبالتالي فشل خيار محمود عباس باعتماد المفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأميركية للتوصل إلى تسوية سياسية.
ويعتبر التحرك نحو الأمم المتحدة عن مقولة محمود عباس الشهيرة: إن فشل المفاوضات يتطلب إجراء المزيد من المفاوضات، فالتحرك نحو الأمم المتحدة يعبر عن اليأس ورد فعل على الفشل ومحاولة للتغطية على الفشل باستغلال المصالحة الفلسطينية كغطاء للتوجه إلى الأمم المتحدة والتحدث باسم الشعب الفلسطيني إمعاناً في المناورة والخداع والتضليل للعودة مجدداً إلى المفاوضات المذلة.
أدت المفاوضات العبثية التي قادها عباس إلى تآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني والعربي من الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني، وزادت من بناء الأحياء والمستعمرات اليهودية ومن عنصرية وفاشية الشعب الاسرائيلي.
وأدت إلى إضعاف المقاومة وحركة التحرر الوطني في الضفة الغربية، فالحراك الشعبي وعمليات المقاومة غير موجودة، نظراً لقمع أجهزة الأحتلال وأجهزة الأمن الفلسطينية وقيادة فتح للمقاومة وحتى للمظاهرات والمسيرات السلمية، كما حدث في رام الله إبان الهولوكوست على غزة. ويتعاون رئيس السلطة المنتهية ولايته مع المعتدلين العرب للتخلص من قضية فلسطين وتصفيتها، على الرغم من استمرار الاحتلال والاستيطان واندلاع الانتفاضات الشعبية في بعض البلدان العربية.
فشلت حركة المقاومة الفلسطينية من الاستفادة من خلع الطاغية حسني مبارك الحليف الاستراتيجي للعدو الاسرائيلي، ومن إعلان وثائق ويكيليكس التي تسربت من مكتب عريقات والتي أظهرت تنازل قيادة منظمة التحرير عن عروبة القدس وحق العودة والموافقة على ضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة إلى الكيان الصهيوني.
فقد محمود عباس الشرعية الدستورية والنضالية، وفقدت اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني والمجلس المركزي منذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي الشرعية، وبالتالي فإن محمود عباس ولجنته التنفيذية ومجلسه الوطني لا يمثلون الشعب العربي الفلسطيني على الإطلاق.
ربط عباس مصيره السياسي والمالي والأمني بأمريكا واسرائيل لتوقيعه لاتفاق الإذعان في أوسلو وموافقته على رؤية الدولتين وخارطة الطريق وتخليه عن المقاومة وإدانته لعملياتها البطولية واعتماده على دولارات الدول المانحة، وتوجهه إلى الأمم المتحدة للعودة إلى المفاوضات لتصفية قضية فلسطين.
كان من المفروض على محمود عباس قبل التوجه إلى الأمم المتحدة تحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني على هذه الخطوة والاتفاق على استراتيجية للتحرير وللتحرك الدبلوماسي والسياسي، وليس القول بأنه سيعود إلى المفاوضات في حال نجاح اقتراحه أو فشله وبدون توافق فلسطيني.
كان من المفروض على محمود عباس كزعيم لحركة فتح ولا يزال يغتصب القرار الفلسطيني العودة إلى الشعب ومصارحته فيما آل إليه وضع قضيته في ظل المفاوضات الكارثية، وخاصة في هذا الزمن، زمن الربيع العربي، ولكنه آثر متابعة مسيرته المدمرة بالكذب والخداع والتضليل ومن وراء الشعب الفلسطيني كما فعل في المفاوضات في دهاليز أوسلو المظلمة والظالمة.
ويسعى من التوجه إلى الأمم المتحدة إلى إيجاد أجواء ملائمة للعودة إلى المفاوضات وتوقيع اتفاق الحل النهائي، وستعود خطوة عباس في حال تحقيقها إلى تقييد الأجيال الفلسطينية والعربية بأغلال ثقيلة وتغلق الباب أمامها لفترة طويلة لتحرير فلسطين والقضاء على كيان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني فيها.
إن المفاوضات التي أجراها ياسر عرفات ومحمود عباس والاتفاقات التي وقعا عليها مع العدو الصهيوني، أدت إلى تآكل ثوابت النضال الفلسطيني وإلى تهويد القدس والضفة الغربية، وزيادة القتل والاغتيالات والترحيل وبناء العديد من الأحياء والمستعمرات اليهودية وزرع 600 ألف من المستعمرين اليهود وبناء أكثر من 62 كنيساً حول المسجد الأقصى المبارك.
أخشى أن يقود مشروع محمود عباس وأوباما و"اسرائيل" من تأييدهم لرؤية الدولتين وبدعم من محور المعتدلين العرب إلى إقامة الوطن البديل في الأردن، وإقامة الاتحاد الاقتصادي بين "اسرائيل" وفلسطين والأردن على غرار اتحاد البنيلوكس أو إقامة "اسرائيل العظمى الاقتصادية" عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
المطلوب: التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية وبخيار المقاومة حتى زوال كيان الاستعمار الاستيطاني والنظام العنصري في فلسطين العربية.
الموقف الاسرائيلي من استحقاق أيلول
يجري دائماً في الكيان الصهيوني لعبة توزيع الأدوار بين الحكومة والمعارضة لخدمة المصالح العليا للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني وعلى سبيل المثال أعلن آفي ديختر رئيس الشاباك السابق أن الدولة الفلسطينية هي مصلحة قومية اسرائيلية، وأكدت ليفني أن الدولة الفلسطينية في حدود 1967 هي مصلحة اسرائيلية لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وستكون الوطن القومي لجميع الفلسطينيين بما في ذلك عرب 1948 أي ترحيل عرب الداخل إلى دولتهم الفلسطينية.
ويرفض الاسرائيليون الانسحاب من القدس وبقية الضفة الغربية. وتعتبرها حكومة نتنياهو أراضي محررة وليست محتلة. وتصر على استمرار الاستيطان والمفاوضات لكسب المزيد من الوقت لتغيير الوقائع على الأرض وخلق حقائق استيطانية للمزيد من ابتزاز رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته. وتستمر في مواصلة مصادرة الأراضي والعقارات الفلسطينية وتهويدها وتهويد المقدسات ومواصلة الترحيل والتهويد حتى تهويد الذاكرة والتراث والمساجد وأسماء الشوارع والقرى والمدن.
ويؤكد المعلقون الاسرائيليون بمنتهى الوضوح أن في "اسرائيل" حكومة يمينية متطرفة يستحيل عقد سلام معها، لأنها لا تريد السلام، وإنما تريد التفاوض حتى القرن المقبل. لذلك تواصل سرقة الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين من منازلهم وتهجير بدو النقب وتهويد البلدة القديمة في القدس . وتأتي الشروط التي تضعها اسرائيل على الدولة الفلسطينية كتجريدها من السلاح واعترافها بيهودية الدولة وشطب حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم ووجود قوات اسرائيلية على نهر الأردن واستمرار البناء في القدس لنظهر بجلاء أن "اسرائيل" تريد دولة فلسطينية لتحقيق مخططاتها وحل مشاكلها وليس لحل مشكلة فلسطين.
وتطالب "اسرائيل" أن تعترف منظمة التحرير بيهودية الدولة والتخلي عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وتبادل الأراضي والسكان لضم كتل المستعمرات الكبيرة الثلاث في الضفة وترحيل فلسطينيي الداخل إلى دولتهم الفلسطينية.
وتوقع كبار ضباط الجيش الاسرائيلي أن الوضع في الأراضي الفلسطينية سيتدهور ويمكن أن تحدث مفاجآت مخيفة وتخشى المؤسسة الأمنية نقل المسؤولية الأمنية في الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية إلى دولة الاحتلال.
وتعتبر "اسرائيل" أن هذا السيناريو من أخطر السيناريوهات المتوقعة، حيث أعلن بعض المسؤولين في السلطة إمكانية قيام السلطة بذلك.
وتنشط مجموعة من عسكريين وسياسيين اسرائيليين سابقين في العاصمة واشنطن برعاية اللوبي اليهودي جي ستريت في الحديث عن ضرورة قيام حل الدولتين على أساس حدود 1967 وبأسرع فرصة لتفادي نهاية كارثية لاسرائيل. وعقدوا ندوة في معهد بروكينغز لدراسات الشرق الأوسط بواشنطن شدد فيها جلعاد شير على أن قيام الدولة الفلسطينية على الأرجح سيجلب الأمن الاسرائيلي وليس العكس، حيث أثبت الفلسطينيون أنهم شريك كفؤ في ممارسة مهنية لأجهزة الأمن والتزامهم باتفاقات التنسيق ببراعة وأضاف: إن الأغلبية الساحقة من الاسرائيليين يؤيدون حل الدولتين فلسطين و"اسرائيل" تعيشان جنباً إلى جنب ليس محبة بالفلسطينيين ولكن حرصاً على إبقاء "اسرائيل" دولة يهودية وديمقراطية في آن واحد.
واستهتر الجنرال داغان بالأوساط الليكودية التي تقول لا نستطيع التفاوض لا مع حماس ولا مع فتح ولا مع العرب. وأضاف وأنا الذي دربني على الطيران كانوا من الطيارين الألمان الذين خدموا في السلاح الجوي النازي.
والتقى الجنرال داغان مع استحقاق أيلول في ندوة معهد بروكينغز وقال: "إن استحقاق السلام بين فلسطين و"اسرائيل" يقوم على أساس الدولتين وعلى أساس حدود عام 1967 هو أمر ملح يجب العمل به في أسرع فرصة ممكنة".
وقال ألون باروخ في الندوة: إن العودة إلى حدود 1967 وقيام دولة فلسطينية على تلك الأراضي سيجلب لنا عمقاً استراتيجياً أمنياً طويل الأمد.
وأيد سفير "اسرائيل" السابق لدى الأمم المتحدة ألون دينس الاتفاق على حل سلام يقوم على أساس الدولتين وأساس حدود 1967.
وفاجأ المشاركون في الندوة الحضور باتفاقهم على أن قيام الفلسطينيين بهذه الخطوة أي توجه عباس إلى الأمم المتحدة هو أمر ايجابي سيحرك عملية السلام وليس صحيحاً أن ذلك من شأنه أن ينهي فرص حل الدولتين.
ويطالب نتنياهو بأن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح، وتسيطر "اسرائيل" على معابرها ومجالها الجوي، وتشرف على مصادر المياه فيها، ويحظر عليها عقد اتفاقات دولية حساسة. لقد تلاقت غالبية الخطابات في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الموقف الاسرائيلي في الدعوة لإقامة دولة فلسطينية من خلال رؤية الدولتين وعن طريق المفاوضات بين محمود عباس ونتنياهو. المواقف الأمريكية والأوروبية تتطابق مع الموقف الاسرائيلي وهي مرفوضة لأنها لا تنص على وقف بناء المستعمرات وتعتبرها تغييرات ديمغرافية يجب أخذها بعين الاعتبار في المفاوضات، وذلك خلافاً لقرارات مجلس الأمن التي تعتبرها غير قانونية وغير شرعية وباطلة ويجب تفكيكها.
إن نتنياهو وليبرمان عصابة من دهاقنة الاستعمار الاستيطاني ومجرمي الحرب إرهابيون ونازيون جدد وعار على يهود العالم وعلى البشرية جمعاء، فالكيان الصهيوني لم ولن يعرض السلام العادل، بل عرض الموت والدمار. ومارس العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي. فالاسرائيليون ومؤيدوهم عصابة من الشر والقتل والدمار يعتمدون استخدام القوة والإبادة الجماعية والكذب والتضليل والخداع لإقامة أكبر غيتو يهودي عنصري في قلب المنطقة العربية والإسلامية معاد لشعوبها وحليف للإمبريالية الأمريكية.
إن الاسرائيليين يقبلون على مغادرة الكيان الصهيوني بأعداد كبيرة والعيش في الخارج مما يؤثر على مستقبل الأيديولوجية الصهيونية والكيان الصهيوني.
وتقدر حكومة نتنياهو العدد الحالي للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج ما بين 800 ألف إلى مليون شخص، يعيش 60% منهم في الولايات المتحدة وربعهم في أوروبا، لأنهم يسعون إلى ظروف معيشية وأوضاع مالية أفضل وبسبب التشاؤم إزاء مستقبل اسرائيل الآيل إلى الزوال والتشاؤم إزاء إمكانية إحلال السلام.
لذلك اعتبر أن بعض الدول العربية في الخليج التي تستورد المنتجات الاسرائيلية وتطبع العلاقات مع الكيان الصهيوني عدو الله والوطن والمواطن والعروبة والإسلام توجه سهماً قاتلاً إلى قضية فلسطين ومدينة القدس، مدينة الإسراء والمعراج.
ويؤدي قبول عضوية دولة محمود عباس العتيدة في الأمم المتحدة بالشروط الاسرائيلية والأميركية وانطلاقاً من رؤية الدولتين التي أخذها بوش من مشروع شارون للتسوية إلى الإلغاء القانوني لعروبة فلسطين ولقرار الأمم المتحدة رقم 181 المعروف بقرار التقسيم، وقراري الجمعية العامة 2336 و 2337 والقرار 194 المعروف بقرار العودة والتعويض بطلب فلسطيني وبدعم عربي ومباركة دولية وإقرار دولي من معظم الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
ويعني قبول العضوية بالحدود والمواصفات التي احتواها الطلب الفلسطيني إلغاء جميع القرارات والمرجعيات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية بشأن فلسطين.
إن هذا الطرح هو حل لمشكلة "اسرائيل" في فلسطين والوطن العربي وليس حلاً لقضية فلسطين.
ويعني أيضاً ليس فقط إلغاء حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وإنما أيضاً التنازل عن ملكية الأراضي والعقارات الفلسطينية في 82% من فلسطين التاريخية وبالتالي سيتكرس 18% سقف الحقوق الفلسطينية التي سيدخل عباس عملية التفاوض على أساسها.
إن التوجه إلى الأمم المتحدة خطوة خاسرة بامتياز لأنها ستؤدي إلى شطب قضية فلسطين من أجندة الأمم المتحدة وحتى شطب قرار التقسيم نفسه وقضية القدس التي تتمتع بمركز خاص في القرار المذكور وجميع المرجعيات والقرارات الدولية بخصوص فلسطين.
ويظهر التوجه والموقف الاسرائيلي المتمسك بالخرافات والأكاذيب والأطماع التوراتية مقتل التسوية السياسية بالرعاية الأمريكية ووصولها إلى الطريق المسدود.
لقد أطاحت نكبة فلسطين عام 1948 بنظم عربية وأطاح ربيع الثورات العربية بأنظمة حكم استبدادية وتابعة للولايات المتحدة وعلى رأسها الرئيس المخلوع حسني مبارك التي حافظت ودعمت احتلال اسرائيل لفلسطين والجولان ومزارع شبعا اللبنانية.
وبدأت أعمدة الأمن الاسرائيلي بالانهيار بسبب رفض الشعب المصري لاتفاقيتي كامب ديفيد وانهيار علاقات العدو الصهيوني مع تركيا، وطرد السفيرين الاسرائيليين من القاهرة وأنقرة، ومطالبة الجماهير الشعبية بإلغاء اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، والأزمة الاقتصادية التي تمر بها اسرائيل ووجود أكثر حكومة فاشية في تاريخها. وأظهرت هذه الأحداث بجلاء المستقبل الأسود الذي ينتظر مصير الكيان الصهيوني على أيدي الجماهير العربية والإسلامية لاجتثاث هذه الغدة السرطانية الخبيثة من فلسطين.
إن الجماهير العربية والإسلامية التي خرجت تطالب بتحرير فلسطين وزوال اسرائيل في ربيع الثورات العربية وفي ذكرى النكبة وذكرى حرب حزيران العدوانية ويوم القدس العالمي ستجعل مصير (اسرائيل) إلى الزوال. وستكون المنطقة العربية والإسلامية والعالم بأسره أكثر سعادة ورخاء وأكثر هدوءاً واستقراراً بزوالها.
الموقف الفلسطيني من استحقاق أيلول
تعتبر حدود ما قبل الخامس من حزيران عام 1967 مؤقتة وليست دائمة، لأن الأمم المتحدة عينت في قرار التقسيم رقم 181 حدود الكيان الصهيوني وحدود الدولة الفلسطينية.
احتل الكيان الصهيوني حوالي نصف أراضي الدولة الفلسطينية. وضم الملك عبد الله النصف الباقي وهو الضفة الغربية والقدس والشرقية إلى مملكته، ووقع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية.
إذاً حدود 1967 حدود مؤقتة وغير شرعية تجاوز فيها الكيان الصهيوني حدوده المقررة بموجب القرار 181 واحتل بقوة السلاح حوالي 22% من مساحة فلسطين المقررة للدولة الفلسطينية. واحتل في حرب حزيران العدوانية كل فلسطين التاريخية.
أكدت محكمة العدل الدولية في قرارها حول عدم شرعية جدار الفصل العنصري. إن حدود "اسرائيل" هي الحدود التي أقرها قرار التقسيم. وهي الحدود التي أقرها مجلس عرفات في الجزائر عام 1988 للبدء بالحوار الفلسطيني- الأمريكي والفلسطيني- الاسرائيلي.
بالنسبة لاستحقاق أيلول:
يحدد ميثاق الأمم المتحدة آلية الإجراء لتقديم طلب العضوية في المنظمة الدولية على الشكل التالي:
أولاً: على الدولة الراغبة في عضوية الأمم المتحدة تقديم طلب خطي بهذا الخصوص للأمانة العامة لسكرتارية الأمم المتحدة.
ثانياً: يحول الطلب إلى مجلس الأمن الذي يتمتع بصلاحية قبول أو رفض الطلب.
ثالثاً: تزكية قبول الطلب تحتاج إلى موافقة 9 دول من أصل (15) دولة عضو في المجلس بشرط عدم اعتراض أي من الدول الخمس دائمة العضوية على الطلب.
رابعاً: عندما يوافق مجلس الأمن على الطلب يتم تحويله للجمعية العامة للتصويت على قبوله بأغلبية ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
جاء الطلب الذي قدمه عباس إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب فيه الاعتراف بدولة فلسطين على أساس حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ومؤكداً على أن دولة فلسطين هي دولة محبة للسلام وإنها تقبل الالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد رسمياً بالوفاء بتلك الالتزامات.
أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية على موقفها من استحقاق أيلول بالنقاط التالية:
أولاً: جاءت هذه الخطوة منفردة ولم تأت في نطاق توافق وطني وفي ظل غياب استراتيجية فلسطينية وطنية.
ثانياً: جرى هذا التحرك بعيداً عن استراتيجية وطنية كاملة للنضال والتحرير وإنما في سياق التسوية والتغطية على فشلها.
ثالثاً: إن أي حراك يجب ألا يكون على حساب الحقوق الوطنية والتاريخية في فلسطين وخاصة حق العودة وتقرير المصير والقدس.
رابعاً: إن الطريق لتحقيق الأهداف الوطنية تتم من خلال الجهاد والمقاومة ومواصلة النضال ضد الكيان الصهيوني وألا يترتب على ذلك أي اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني.
خامساً: إن شعبنا بحاجة إلى دولة حقيقية على أرض محررة والطريق لها ولاستعادة الحقوق هو طريق المقاومة.
كرست المفاوضات العبثية سلسلة هائلة من الاتفاقات والتفاهمات والمبادرات الفلسطينية- الاسرائيلية والعربية –الاسرائيلية لتثبيت العديد من التنازلات عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومنها التشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وعلى القدس بشطريها المحتلين وتبادل الأراضي لضم كتل المستعمرات الكبيرة للكيان الصهيوني لذلك يمكن القول أن نتائج المفاوضات خلال عشرين عاماً قد حققت مكاسب هائلة للكيان الصهيوني ولحل مشاكله وليس لحل قضية فلسطين.
إن المأزق الحقيقي والخطير الذي تمر به قضية فلسطين يتمثل بعجز فصائل المقاومة عن القيام بعمليات مقاومة وعجزها السياسي والتنظيمي والجماهيري عن النهوض مجدداً وإعادة بناء منظمة التحرير وتجديد شرعيتها على أسس ديمقراطية والتخلص نهائياً من هيمنة اللون الواحد.
تنازل عرفات وعباس في اتفاق أوسلو عن فلسطينيي 1948 وعن فلسطينيي الشتات وقصرا تعامل السلطة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية على فلسطينيي الضفة والقطاع.
إن المشاكل والصعوبات التي تواجه العمل الوطني الفلسطيني كثيرة وخاصة تراجع بعض القيادات والنخب الفلسطينية عن تحرير كل فلسطين لأسباب مصلحية وانتهازية وجبانة تشير إلى تراجع زخم النضال والتضحية والحيوية التي اتسمت بها الحركة السياسية الفلسطينية منذ قيام الكيان الصهيوني. تخلى محمود عباس عن خيار المقاومة واعتمد فقط خيار التسوية، خيار المفاوضات العبثية لتسويق الحل الصهيوني لقضية فلسطين.
قبل توجه عباس إلى استحقاق أيلول اتخذ خطوتين هامتين:
الأولى: عقد اتفاق المصالحة مع حماس في القاهرة وتأييد جميع الفصائل الفلسطينية للاتفاق.
والثانية: إبعاد منافسه دحلان عن فتح، حيث يؤكد البعض أن الهدف من إبعاد دحلان كان سياسياً بامتياز وهي القضاء على أي معارضة لعباس داخل فتح ومنع إجراء نقاش داخلها فيما يتعلق باستحقاق أيلول. وجاء في البيان الصادر عن حماس في 17 أيلول 2011 إن الحركة مع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، ومع عودة اللاجئين وتفكيك المستوطنات (المستعمرات) دون الاعتراف بالكيان الصهيوني. واعتبر بعض القادة استحقاق أيلول خطوة إنفرادية وهي قفز عن مشروع المصالحة. ويلاحظ المرء وجود تفاوت في المواقف من بعض القادة إذ أن بعضهم بارك الخطوة وشكك البعض الآخر في نوايا عباس منها في حين رفضها البعض الآخر، مما يوحي بعدم وجود موقف موحد تجاه استحقاق أيلول.
اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن التوجه إلى الأمم المتحدة خطوة إنفرادية يتحمل عباس مسؤوليتها وهدفه منها العودة إلى المفاوضات. وأعطى في خطابه الشرعية لاغتصاب الصهاينة لأكثر من 82% من فلسطين، وأن ما يعنينا هو فلسطين كل فلسطين. وتطالب الجهاد بتحرير كل فلسطين. ودعمت حركة فتح خطاب عباس، كما دعمته الفصائل التي تسمي نفسها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية شريطة عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية. وحذرت أن مسعاه قد يأتي على حساب القدس وحق عودة اللاجئين.
وأكدت بعض الفصائل والاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية أنها لا تثق بعباس وأهدافه وغاياته وتعتقد بوجود خطر حقيقي على حق العودة وعروبة القدس وانسحاب العدو الشامل من كل الأراضي المحتلة عام 1967.
وأكدت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلتزامها بحل الدولتين على حدود 1967 وحرصها على أن تكون المفاوضات طريقاً للوصول إلى هذا الحل.
إن استحقاق أيلول يأتي ضمن مسار اتفاق الإذعان في أوسلو ومحاولة من محمود عباس لإنجاح هذا المسار. ويمكن الاستنتاج بأن التخبط الذي يسود بعض الفصائل الفلسطينية حول استحقاق أيلول سببه الموقف من العودة مجدداً إلى المفاوضات العبثية ومتابعة مسيرة أوسلو الظالمة والشكوك التي لدى بعض القيادات حول توجهات عباس في المرحلة القادمة.
كان من المفروض عودة عباس إلى الشعب وفصائله وقواه الوطنية والعودة إلى خيار المقاومة كخيار بديل لخيار اتفاق الإذعان في أوسلو والعودة إلى الميثاق الوطني وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير على أسس ديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
إن قرار رئيس السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة يأتي في سياق النهج السياسي الذي يسير عليه محمود عباس مهندس اتفاق أوسلو الذي أعلن مراراً وتكراراً أن البديل عن فشل المفاوضات هو المزيد من المفاوضات، وأنه بعد استحقاق أيلول سيعود مجدداً إلى المفاوضات للتوصل إلى اتفاق حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
فالولايات المتحدة تعتبر أن الطريق الوحيد للوصول إلى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام هو عبر المفاوضات. وحدد سلام فياض رئيس وزراء حكومة رام الله مصير استحقاق أيلول قائلاً: "إن اعتراف 191دولة بالدولة الفلسطينية في وقت لا تعترف فيه "اسرائيل" بها لا يعني أن شيئاً قد تغير". وتطالب "اسرائيل" أن يعترف رئيس السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة والتخلي عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتبادل الأراضي لضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة في القدس وبقية الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني.
انتهت المرحلة الانتقالية لاتفاق الإذعان في أوسلو التي نصت على إقامة دولة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967في نهاية عام 1999 دون أن تقوم تلك الدولة حتى اليوم.
حددت السلطة الفلسطينية في الخريطة التي أرفقتها للأمم المتحدة مساحة الدولة على أساس حدود 4 حزيران 1967 ويمكن القول على 18% من مساحة فلسطين التاريخية، بينما حدد قرار التقسيم رقم (181) 44% من مساحة فلسطين للدولة الفلسطينية، وبالتالي تنازل رئيس السلطة المنتهية ولايته عن 82% من مساحة فلسطين التاريخية للكيان الصهيوني وعن 16% من مساحة فلسطين المخصصة للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم .
وبالتالي تؤدي الحدود التي وضعها رئيس السلطة في طلب الموافقة على قبول عضوية الدولة الفلسطينية في المنظمة الدولية إلى الإلغاء القانوني لعروبة فلسطين ولقرار التقسيم رقم 181 بطلب رسمي فلسطيني وبدعم عربي ومباركة دولية وإقرار دولي من معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن سقف المطالب الفلسطينية هو18%من مساحة فلسطين بعد تبادل الأراضي في حدود 4%. ويعني ذلك إلغاء جميع القرارات العربية والإسلامية والمرجعيات الدولية بهذا الشأن. ويعني توثيق تنازل القيادة الفلسطينية عن عروبة فلسطين مقابل 18% من مساحتها، وذلك حلاً لمشكلة "اسرائيل"، والموافقة على المخططات الصهيونية لكي يعترف العرب بها ويهرولون في تطبيع العلاقات معها لحل مشاكلها وأزماتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وتخليد وجودها في المنطقة. ويعني أيضاً إلغاء حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والتنازل عن ملكيتهم للأراضي والعقارات التي احتلتها "اسرائيل" في 82% من مساحة فلسطين العربية. وفي حال فشل عباس في استحقاق أيلول يكون قد كرّس سقف الحقوق والمطالب الفلسطينية في 18%، وفي الوقت نفسه نص مشروع شارون للتسوية على إقامة الدويلة الفلسطينية على مساحة 40-45% من مساحة الضفة الغربية أي على ما يعادل 9% من مساحة فلسطين، وأكد خليل التفكجي أن "اسرائيل" تسيطر على 58% من أراضي الضفة الغربية، مما يتطابق تماماً مع الحدود التي رسمها شارون للدويلة الفلسطينية.
كان من الأفضل والأصح أن ينص الطلب على "الحدود التاريخية" لفلسطين أو بدون تحديد للحدود لأن "اسرائيل" لم تعين حدودها حتى اليوم، فهناك الحدود التوراتية والحدود التاريخية و"اسرائيل" الكبرى بالمجال الحيوي من النيل إلى الفرات، و"اسرائيل" العظمى الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن الهدف من توجه عباس إلى الأمم المتحدة هو إطالة عمر سلطته وتحقيق المشروع الذي جاء من أجله، بالعودة مجدداً إلى المفاوضات، فالتوجه إلى الأمم المتحدة خطوة خاسرة بامتياز لأنها ستؤدي إلى شطب القرار 181والقرار194 الذي أكدت عليه الأمم المتحدة 135 مرة في قراراتها، وتكريس ما جاء في اتفاق الإذعان في أوسلو من أن الأراضي المحتلة عام 1967 أراضٍ متنازع عليها.
إن ما ورد في طلب الاعتراف بدولة فلسطين على أساس حدود الرابع من حزيران عام 1967 يعني الاعتراف بإسرائيل فيما تبقى من فلسطين، وبالتالي شطب كل القرارات الدولية التي اتخذتها الأمم المتحدة منذ عام 1947 وحتى اليوم وشطب جميع المرجعيات الدولية بخصوص حدود فلسطين وعروبة القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم وقرارات مجلس الأمن التي تعتبر أن الأحياء والمستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية غير شرعية وباطلة ويجب تفكيكها.
وجاء خطاب عباس أمام الأمم المتحدة ليعمق الانقسام السياسي ولم يؤد إلى تحقيق إجماع وطني. وأحيط توجه عباس إلى الأمم المتحدة باحتفالات ومسيرات ومهرجانات ومحاضرات في رام الله صورته على أنه نصر للقضية الفلسطينية، وذلك للتضليل والخداع وإلهاء المنطقة باستحقاق أيلول ريثما تتمكن الولايات المتحدة والعدو الصهيوني من إخراج مسرحية تخدم استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين وربما القيام بعدوان اسرائيلي على حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وعلى سورية وإيران.
إن الصراع العربي الصهيوني بعد استحقاق أيلول سيتحول من صراع على الحقوق التاريخية والثوابت الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني إلى نزاع على الحدود بين دولتين ومقدمة لإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية، لأن العدو الصهيوني يؤكد أن توقيع الحل النهائي يجب أن يتم توقيعه بين دولتين، وليس بين دولة "اسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية.
إن الصهاينة يعرفون أن لا هدوء ولا اطمئنان ولا استقرار لكيانهم المغتصب ما لم يعترف بهم الشعب الفلسطيني حتى لو اعترف بهم العالم بأسره. الصهاينة يطلبون توقيع الدولة الفلسطينية التي تزمع (اسرائيل) على إقامتها ليتنازل عن حقه في وطنه وطن آبائه وأجداده.
حَصَر عباس حدود دولته على أساس حدود 1967 وليس على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في الوقت الذي لم يحدد الكيان الصهيوني حدوده حتى الآن.
ويعتقد بعض رجال الحقوق الفلسطينيين أنه إذا وافق عباس على رؤية الدولتين وفق الرؤية الصهيونية- الأمريكية فإنهم لا يستبعدون أن يأتي يوم علينا يرفع فيه اليهود شكاوى على الفلسطينيين يطالبونهم بالتعويض عن الأرض التي اغتصبوها من اليهود لآلاف السنين. فالكيان الصهيوني خلافاً لموقف العالم بأسره يعتبر أن الضفة الغربية أرض محررة وليست محتلة.
ذهب عباس إلى استحقاق أيلول بالمصالحة ليقول للعالم أجمع أنه يمثل كل الشعب الفلسطيني لعقد صفقة جديدة مع العدو الصهيوني برعاية أمريكية لتصفية قضية فلسطين.
إن المطلوب عمله في الساحة الفلسطينية في ظل طرح رؤية الدولتين واستحقاق أيلول وفي ظل تصاعد الاستيطان وتهويد القدس وجرائم الحرب الاسرائيلية وفي ظل الربيع العربي هو ما يلي:
*تحقيق مصالحة ووحدة وطنية حقيقية على أساس برنامج وطني ينطلق من الميثاق الوطني وخيار المقاومة وعودة اللاجئين إلى ديارهم وتحرير القدس بشطريها المحتلين.
*الاعتراف بفشل خيار المفاوضات وفشل القيادة الفلسطينية غير الشرعية ووصولها الى الطريق المسدود.
*التأكيد على أن الكيان الصهيوني لا يريد السلام ولا يريد حل قضية فلسطين وإنما يريد حل مشاكله والاعتراف الفلسطيني به.
*رفض الرعاية الأمريكية للمفاوضات رفضاً قاطعاً باعتبار الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني.
*التركيز على البعدين العربي والإسلامي لقضية فلسطين والتأكيد على أن الصراع صراع وجود وليس صراعاً على الحدود.
*رفض دور من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب للقيام بدور العرّاب لتصفية قضية فلسطين وكان على رأسهم الرئيس المخلوع مبارك الذي وصفه نتنياهو بالكنز الاستراتيجي لاسرائيل.
*تشديد المقاطعة العربية ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، عدو الله والوطن والمواطن.
*ملاحقة قادة العدو الأحياء منهم والأموات في كل زمان ومكان لمحاكمتهم كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين.
*إلغاء اتفاق الإذعان في أوسلو الذي أنزل الخسائر البشرية والمادية والويلات الفادحة بالشعب الفلسطيني.
إن الانحراف السياسي عن مبادئ وأهداف النضال الفلسطيني والتمسك بالمناصب والامتيازات ودولارات الدول المانحة وهيمنة اللون الواحد على منظمة التحرير والاستبداد هو الذي أدى إلى توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو والتمسك به.
إن تخلي محمود عباس عن خيار المقاومة ونعته لعملياتها البطولية بالحقيرة وتأكيده على أن البديل عن فشل المفاوضات هو المزيد من المفاوضات والعودة إلى المفاوضات بعد استحقاق أيلول مهما كانت نتائجه ووضع جميع أوراقه في السلة الأمريكية يتطلب القيام بحركة تصحيحية ومحاكمة القيادة الفلسطينية التي فرطت بفلسطين وإجراء انتخابات ديمقراطية وتجديد شرعية الأطر القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية بالأساليب الديمقراطية.
وأعتقد أنه لن يكون هناك مكاسب سياسية للشعب الفلسطيني على أرض الواقع مما أسماه عباس باستحقاق أيلول ولكن ربما ستتغير التسمية من سلطة الحكم الذاتي إلى الدولة، لكي تتمكن "اسرائيل" في المستقبل القريب من توقيع معاهدة الحل النهائي مع الدويلة الفلسطينية. وأعتقد أن إعلانها لن يؤدي إلى الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية أو سيطرة الدويلة الموعودة على المعابر والمجال الجوي والثروات الطبيعية وعلى حرية تنقل الفلسطينيين وعلى الصادرات والواردات.
إن إعلان الدولة هو مصلحة اسرائيلية لتحقيق الاعتراف الفلسطيني بأن 82% من فلسطين العربية لاسرائيل. فاسرائيل هي التي خططت وسوقت عن طريق الولايات المتحدة رؤية الدولتين لإقامة دويلة فلسطينية مجردة من السلاح ومنقوصة السيادة والسكان والأرض والمياه وداخل جدار الفصل العنصري والاعتراف بيهودية الدولة وتحديد سقف المطالب الفلسطينية بـ 18% من مساحة فلسطين للتفاوض عليها حتى تفرض حدودها بما يعادل 9% من مساحة فلسطين التاريخية، لاسيما وأن الولايات المتحدة تعتبر أن الطريق الوحيد للوصول إلى حل الدولتين هو عبر المفاوضات وسيعود محمود عباس إلى المفاوضات مجدداً بعد الانتهاء من استحقاق أيلول، ويقدم المزيد من التنازلات من الحقوق والثوابت الفلسطينية وعروبة القدس.