هكذا تحدث "رأس النظام" في الأردن..
قراءة تحليلية في خطابٍ مكرور لا جديد فيه، يدعو إلى الضجر والملل والرغبة في التثاؤب..
من انتسب إلى "محمد العظيم" لن يكون أعلى قدرا من ابنته "فاطمة الزهراء العظيمة"..

أسامة عكنان

يُذَكِّرُني خطابُ الملك الأخير بمقولة شهيرة للزعيم الكبير "ماو تسي تونغ" قال فيها في معرض انتقاده لمن كانوا يريدون من الشعب الصيني أن يتكيَّفَ مع عروضهم بدل أن يتكيفوا هم مع مطالبه.. "المرء يختار حذاء يوائِمُ قدميه، ولا يبري قدميه كي توائما حذاء فُرِضَ عليه"..
كم هو عظيم "ماو"، كأنه يعلق على خطاب الملك "عبد الله الثاني" الأخير الذي فَرَضَ فيه على الشعب الأردني حذاء من أسوإ الأنواع، إن لم يكن أسوها على الإطلاق!!
أليس هذا وبدون أيِّ تحفظات هو مضمون العبارة التالية التي وردت في مطلِعِ خطاب الملك الأخير..
"ومثلما ذكرت من قبل، رسالتي لكم، ولكل الأحزاب والقوى السياسية، إذا أردتم تغيير الأردن للأفضل، فهناك فرصة من خلال الانتخابات القادمة، ومن خلال البرلمان القادم. ومن يريد إصلاحات إضافية، أو تطوير قانون الانتخاب، فليعمل من تحت قبة البرلمان القادم، ومن خلال صناديق الاقتراع، التي تجسد إرادة الشعب"..
إذن هناك فعلا حذاءٌ بمقاسات محدَّدَة يُفْرَض على الشعب الأردني، هو "البرلمان القادم"، ويُطلبُ من هذا الشعب أن "يبرِيَ" قدمية كي تتلاءما مع هذا الحذاء، لا أن يفكِّرَ في توسعة الحذاء ليلائم قدميه. ثم إن شعَرَ الشعب لاحقا بآلام البري الناجمة عن ضيق الحذاء، وعن التهابات الجروح والقروح الناجمة عن حشر قدمٍ مَبْرِيَّة في حذاءٍ ضيِّق، فعليه أن يحاول العلاج من داخل الحذاء، وليحذر محاولة تخيُّل أن بإمكانه سحب قدميه من الحذاء قبل مرور أربع سنواتٍ كاملة. إذ يقرِّر الملك مسبقا لشعبٍ يزاودُ عليه بإنجازاته وديمقراطية نظامه، بأنه "يجب على القوى السياسية والأحزاب والقوائم أن تنظِّم نفسها بسرعة، وأن تبنيَ برامجَها الانتخابية لمدة أربع سنوات"..
فلنلاحظ "يجب" و"أربع سنوات"، "القهر والإكراه" من جهة، ثم "تحمل العذاب والألم" لمدة أربع سنوات قادمة من جهة أخرى!!
بداية ليعذرني "ملك البلاد" إذا لم أستخدم في خطابي له عبارة "صاحب الجلالة"، فأنا من أولئك "البدائيين المتخلفين السُّذَّج" الذين يعتبرون أن هذه اللفظة لا يستحقها أحد غير "الله" عز وجل في عليائه، وأنها دخلت إلى موروثنا الثقافي المعاصر من أدبيات الملكيات الأوربية المطلقة التي لا أرى نفسي معنيا بها أو بالاقتباس منها ولا بأيِّ شكل من الأشكال. وفي الوقت ذاته وكي لا أوصفَ بقلة الاحترام لـ "الذات الملكية" عبر التربُّص بكلماتي، إذا خاطبت الملك باسمه أو بكنيته بلا ألقاب، فإنني سوف أوفر على نفسي الحرج، وأخاطبه بلقب "رأس النظام"، فعبارة "رأس النظام" هي أيضا وصف وظيفي فيه احترام، تعودت عليه مع جميع البشر عندما أخاطبهم، ولن يكون "رأس نظامنا" أقلَّ استحقاقا له من غيره، حتى وأنا أراه خصما سياسيا لم يعد له في قواميسي أيُّ موقع للشراكة الفعلية في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل الوطن، بعد كل الكوارث التي جرَّنا إليها هو ونظامه وحكوماته وأجهزته الأمنية وحُزَمُ الفاسدين الذين يلتفون من حوله ويحتمون بقدسيةٍ افترضوه له، لست أدري أن كان معجبا بها أو هو مجرد مخدوعٍ وواهم..
الكلمات المكرورة التي صفَّقَ لك بها في بيتك رهطٌ جمعتَهم على وليمة، لا يُعطي لتلك الكلمات قيمة ولا يمنحها قوة، ولا يجعلها مجسِّدَة للحق والصواب، لأن القيمة والقوة المنبثقتين عن "الحق" و"الصواب" لهما مفاتيحهما التي يبدو واضحا أن من يصيغون لك خطاباتك كانوا وما يزالون أبعد ما يكونون عن فهمها وإدراكها، هذا إذا افترضنا أنك يا "رأس نظامنا" لم تكن أنت بنفسك من طلب منهم صياغة خطاب يتضمن كذا وكذا وكذا!!!
لا يكفي يا "رأس النظام" أن تقول أن علينا أن نتحرك سياسيا من تحت قبة "البرلمان القادم"، كي يكونَ التحرك من تحت هذه القبة هو الحق والصواب، فقولك قد يكون خطأ وينطوي على باطل!!
ولا يكفي أن تتصور يا "رأس النظام" أن ما أشرتَ إليه بقولك..
"وكانت الانطلاقة في هذه المرحلة وفق خارطة الطريق التي تم الاتفاق على مسارها قبل عام ونصف تقريبا، والتي تضمنت تعديلات دستورية جعلت من الشعب شريكا حقيقيا في العملية السياسية، ومن أبرزها: المحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب، والقوانين الناظمة للحياة السياسية، ومنها قانون الانتخاب، وقانون الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة تفرز مجلسا نيابيا يؤسس لتجربة الحكومات البرلمانية"..
نقول.. لا يكفي أن تتصور أن ذلك "انطلاقة" و"خارطة طريق"، كي يكون ذلك فعلا "انطلاقة" و"خارطة طريق" و"مخرجات إصلاحية".. إلخ.. فقد يكون كلُّ ذلك "انتكاسة" و"خارطة ضلال" و"مخرجات أعتى أنواع الفساد"..
فما هكذا تورد الإبل يا سعد..
فعندما يظهر "رأس النظام" في البلاد وهو يعرض الأمور بشكل استفزازي خالي من كل معاني الموضوعية وبعيد عن كل مؤشرات استحقاق صفة "منطقي"، و"صواب"، و"حق"، و"عدل".. إلخ، ظنا منه أن تلك الصفات تؤشر عليها علامات الشكر والولاء التي صدحت بها بطونٌ امتلأت في مضافته حتى التخمة..
نقول.. عندما يظهر "رأس النظام" على هذا النحو من اللامبالاة باستفزازنا، وبتجاوزنا، وبامتهان عقولنا، واستغبائنا، فإننا سنشعر بالأسى مرتين، الأولى لأننا نعاني بسبب نظام "هو رأسه"، والثانية بسبب أننا نشعر بالخجل من أن يكون هذا القدر من "اللامبالاة" و"الاستفزاز" و"التجاوز" والامتهان" و"الاستغباء"، صفات لرأس نظامنا!!
تعالوا نحلل خطاب "رأس النظام" بمنطقٍ وإنصاف عسانا نتلمَّس أيَّ مؤشِّر على ما أشار إليه في عبارته السابقة بكون "الشعب أصبح شريكا حقيقيا في العملية السياسية"، من خلال مخرجات خارطة طريق النظام، متمثلة كما أشار إلى ذلك الخطابُ نفسه في كلٍّ من "التعديلات الدستورية"، و"المحكمة الدستورية"، و"قانون الأحزاب"، و"قانون الانتخاب"، و"الهيئة المستقلة للانتخاب"، و"الانتخابات النيابية المبكرة"؟!!
فإذا استثنينا البندين الأخيرين وهما "الهيئة المستقلة للانتخاب" و"الانتخابات النيابية المبكرة"، اللذين لا يؤشران على أيِّ شيء له دلالة حقوقية إصلاحية تستحق التقدير، فالأول يؤشر على أن الانتخابات قد تكون نزيهة، وهو ما يعني أنها لم تكن يوما نزيهة، وليس في كون الانتخابات نزيهة وغير مزورة أيُّ مكسب يحق للنظام أن يتباهى به، لأنه كشف عن أنه كان دائما يزور تلك الانتخابات ويلفقها، أما الثاني فهو دليل على أزمة سياسية عميقة تمرُّ بها البلاد، وليس مؤشرَ خير، فحلُّ البرلمان واللجوء إلى انتخابات مبكرة هو تجسيد لأزمة يحاول النظام أن يخرج منها باٌقل التكاليف، وليس في ذلك أيُّ دلالة على أيِّ مؤشر إصلاحي ذي قيمة يمكن للنظام أن يزاودَ علينا بها..
نقول.. إذا استثنينا هذين البندين، فإن إتحافَنا بموقف سياسي لـ "رأس النظام" يَعْتبرُ فيه أن "التعديلات الدستورية"، و"المحكمة الدستورية"، و"قانون الأحزاب"، و"قانون الانتخاب"، هي مخرجات إصلاحية تجسِّد واقعةَ أن الشعب الأردني أصبح "شريكا حقيقيا في العملية السياسية"، هو نموذج صارخ لأبشع أنواع "الاستفزاز" و"الاستهتار" و"الاستغباء" و"الامتهان" لهذا الشعب، ومن ثم "الاستقواء" عليه..
فالتعديلات الدستورية لم تٌنْتِج إلا بعض التغييرات الإجرائية عديمة القيمة في ظل بقاء كافة السلطات بيد "الملك" بلا أدني تغيير كما تنص على ذلك المواد العتيدة "34"، و"35"، و"36"، حتى بعد التعديل رقم 30، في تعبيرٍ غير مفهوم عن الانتفاء الكامل لمقولة أن الشعب هو مصدر السلطة، التي أصرَّ رأس النظام على أن مخرجات خارطة طريق نظامه قد أنجزته وحققته، دون أن ندري لا كيف ولا متى ولا لماذا؟!!!
وقانون الأحزاب منذ أقره مجلس النواب غير المأسوف عليه، اتفق كل قارئيه ومحلليه من وافق عليه منهم ومن لم يوافق، ومن مختلف التوجهات والأطياف دون أن يشذ عن ذلك إلا بوق ليس من مصلحة النظام أن يسترشد به، على أنه قانون أمني مخابراتي بامتياز، صيغَ على ذلك النحو كي لا تكون هناك أحزاب، فهو "قانون اللاأحزاب"، وهو أسوأ من كلِّ القوانين التي سبقته..
أما قانون الانتخاب فحدث عنه ولا حرج، حيث لا خلاف حتى بيننا وبين "رأس النظام" على أنه قاصر جدا ولا يفي بالحد الأدنى من متطلبات المساواة والعدالة والوحدة الوطنية التي يتباكى عليها رأس النظام في خطابه. إنه قانون الصوت الواحد والدائرة الوهمية، التي لم تتفتق عنها إلا الذهنية الأمنية والعصبية الأردنية من بين كل شعوب العالم، وهو القانون الذي لم تقتدِ بنا فيه سوى أفغانستان "اللادولة"..
لتأتي "المحكمة الدستورية" فتكون "ثالثة الأثافي" التي أثارت والتي ما تزال تثير لغطا يبعث على تقيُّؤِ القانونيِّين والدستوريِّين أنفسِهم، عندما جعل تعيين أعضائها من صلاحيات السلطة التنفيذية، بل عندما تم تعيين أعضاء فيها لا علاقة لهم لا بالدستور ولا بالقنون أصلا..
ومع ذلك يصر "رأس النظام" على أن هناك مشاركة حقيقية للشعب الأردني في العملية السياسية..
ولا تقف عملية "الاستفزاز" و"الاستغباء" و"اللامبالاة" فـ "الاستقواء" عند ذلك الحد الذي وصف أكبر عملية هدم لركائز الديمقراطية المحتملة بأنه إنجاز لمشاركة شعبية حقيقية في العملية السياسية، بل هي تتجاوزه إلى تجاهل تام للشعب الأردني ولحراكه ولمعارضته، ولما ترتب على عامين من النزول إلى الشارع من مطالب..
فرأس النظام يعلن عن أنه قد "أصبح من الضروري أن نميز بين معارضة وطنية بناءة وحراك إيجابي، وبين معارضة وحراك سلبي لا يخدم مسيرةَ الإصلاح ومستقبل الوطن. المعارضة البناءة والحراك الإيجابي طموح مشروع ومطلوب، أما الحراك السلبي، والشعارات الفارغة، ومحاولات إثارة الفتنة والفوضى، فهذه مرفوضة، وعلينا أن نتذكر أن الشعارات البرّاقة ليست هي الـحل، وأن العقليات الرجعية والمتطرفة وغير المتسامحة غير أمينة على مستقبل أبنائنا"..
وهنا نتساءل عن مضمون هذا التصنيف العجيب الذي لجأ إليه "رأس النظام" عندما قسَّم الحراك الشعبي الأردني إلى نوعين "حراك إيجابي" و"حراك سلبي"!! نتساءل فعلا عن الشارع الأردني وعمن ينزلون إليه، ربما نستطيع تلمُّسَ هذين النوعين من الحراك من خلال شعاراتهما ومطالبهما.. إلخ..
أين هو "الحراك الإيجابي البناء" الذي أنعم عليه "رأس النظام" بصفة "المشروعية"، وأين هو "الحراك السلبي" الذي يحمل "شعارات فارغة" و"يحاول إثارة الفتن والفوضي" وبالتالي فهو "مرفوض" كما قال رأس النظام" بالحرف الواحد في خطابه؟!!
نحن لا نرى في الشارع الأردني سوى كتلتين..
إحداهما ترفع لواء الإصلاح والتغيير، مطالبة بتعديلات دستورية تعيد السلطة للشعب عبر تغيير المواد "34" و"35"ى و"36"، وعبر سن قانون انتخاب عصري غير القانون الحالي الذي ظهر "رأس النظام" وكأنه مندوب دعاية وإعلان تمثلت مهمته في الترويج له عبر فواصل إعلانية غير موفقة، قانون جديد يكون مُعبرا عن الوحدة والمساواة ومجسِّدا لهما، وبعيدا عن تكريس العصبية والفئوية والمناطقية التي ما سُنَّ القانون الحالي إلا لتكريسها. وتدعو هذه الكتلة أيضا إلى محاسبة الفاسدين ضمن منهج متكامل يتعامل مع الفساد باعتباره حالة نخرت جسم الدولة، وذلك عبر إعادة إنتاج مُحددات الفساد والإفساد، وليس عبر تقديم "أكباش فداء" يُنحرون قربانا يُبقِي على ثقافة الفساد سائدة في كافة مؤسسات الحكومة. وهي كتلة تدعو أيضا إلى إعادة إنتاج اقتصاد الدولة بعيدا عن آليات السوق المدمرة، وعن منهج الخصخصة المهلك..
وبعيدا عن هذه الكتلة الرئيسة التي تملأ الشارع وتهيمن عليه وتعبر عن تطلعات الشعب بمعظم شرائحه، بما فيها تلك الشريحة الصامتة التي حاول "رأس النظام" استدرارَ التعاطف مع صمتها باعتباره صمتَ المرتاب في المعارضة، وغير الراغب فيها وفي طروحاتها.. نقول.. بعيدا عن هذه الكتلة، فإن الشارع الأردني لم ينزل إليه وعلى مدى السنتين الماضيتين سوى كتلة أخرى مشتتة ومتناثرة وقليلة العدد، ولا تستخدم سوى "السب" و"الشتم" و"الرجم" و"الحجارة"، ولا تطرح سوى شعارٍ واحد، هو "يعيش.. يعيش.. يعيش"، ولا تملك سوى برنامج واحد، هو "الولاء والانتماء" لشخص "رأس النظام"، ولا تردد سوى لغة واحدة، هي "الشعب يدعو إلى إسقاط المعارضة"..
وبما أن "رأس النظام" يصنف الحراك إلى حراكين "إيجابي" و"سلبي"، "بناء" و"هدام"، "شرعي مطلوب" و"غير شرعي مرفوض"، ويطرح في خطابه برنامجا سياسيا أشد ما يكون تعارضا مع برنامج "الكتلة الأولى" أعلاه، فهو إذا يعتبر أن "الكتلة الثانية" التي عرفت في أدبيات الحراك الشعبي على مدى السنتين الماضيتين بـ "السحيجة" و"البلطجية"، هي الكتلة التي تعبر عن المعارضة وعن الحراك الإيجابي المشروع والمطلوب..
وبالتالي فالرسالة في خطابه قد وصلت، ويجب أن تكون قد وصلت..
"رأس النظام" لا يعترف بالحراك الشعبي في الشارع، إلا إذا خرج مناصرا له ولشخصه، مواليا لهيمنته ولتفرده بالسلطة، منتميا إلى منهجه ومنهج نظامه الفاسد المفسد في إدارة الدولة، وراضيا عن بطانته وحاشيته المنافقة المتملقة..
ومن هنا فإن حراكنا الشعبي المطالِب بأيِّ شيء مغاير لذلك، هو حراكٌ هدام، يرفع شعاراتٍ فارغة، ويثير الفتن والفوضى، وهو بالتالي غير مشروع ومرفوض..
"رأس النظام" أراد أن يقول وهو بالفعل قد قال..
"أنا ربكم الأعلى"، ولا اعترف في الشارع سوى بـ "السحرة الذين علمتهم السحر"، ولا أدين بالاستشارة والاستماع سوى لـ "هامان"، ولست هنا إلا لأدافع عن مصالح "قارون"!!!
نقطة أول السطر..
أما ما يثير السخرية فعلا، فهو ظهور "رأس النظام" بمظهر الجاد في قناعته بأن البرلمان القادم الذي يريدنا أن نرتديه ببرْيِ عقولنا وكرامتنا، لتتلاءم مع متطلبات انعدام العقل والكرامة، يمكنه أن يكون مكانا تحدث فيه عمليات إصلاحية ضخمة، لا يمكنها أن تتم أصلا إلا بكنس كل المبادئ التي قام عليها هذا النظام، وبإعادة إنتاجه بشكل يقوم على أسُسٍ مغايرة، وذلك عندما قال بكل ثقة ويقين..
"وأن يطرحوا فيها للناخبين السياسات التي يريدونها، وأيَّ إصلاحات أخرى مطلوبة، ومن ذلك على سبيل الـمثال:
كيف ستكون معالجة مشكلة الفقر والبطالة؟
كيف سيتم حل مشكلة المديونية وعجز الموازنة؟
ما هو الإصلاح الضريـبي الأفضل؟
كيف سيتم تطوير النظام الانتخابي؟
كيف ستتم معالجة تحديات المياه والطاقة؟
كيفية تحسين نوعية الخدمات في المجالات الصحية والتعليمية والمواصلات؟"..
نعم إنه لأمر يثير السخرية أن يحاول "رأس النظام" إقناعنا بأن نظاما حرص على مدى سنتين على ألا تتجاوز أفعاله السياسية – رغم كل الذي يحدث في الشارع وفي الإقليم – إنجازَ برلمان موتور مرتقب لا يسمن ولا يغني من جوع، كي لا تخرجَ الدولة عن سياقها الوظيفي المرسَّخ منذ 92 عاما داخليا وخارجيا..
نقول.. إنه لأمر يثير السخرية، أن يحاول "رأس النظام" إقناعنا بأن "الحذاء القادم" إذا برينا أقدامنا لتوائمه، سوف يتمكن من حل كل تلك المعضلات التي أشار إليها!!!
يااااااااااااااااااااااااااااا "رأس النظام"..
إن مشكلة الفقر والبطالة، ومشكلة المديونية وعجز الموازنة، والإصلاح الضريبي، وتطوير النظام الانتخابي، ومعالجة تحديات المياه والطاقة، وتحسين نوعية الخدمات الصحية والتعليمية وفي قطاع المواصلات، بل وفي كلِّ مرافق الدولة التي لم تذكرها في خطابك، لا يستطيع حلها برلمان فُصِّلَ بمقاس يلائمُ نظاما حرص على تفصيله على ذلك النحو، كي يحافظَ على البُنية الطبقية الكومبرادورية البيروقراطية الأمنية التي أنتجت كل تلك المشكلات المرعبة على مدى أربعين سنة أو يزيد..
كفاك ترويجا للباطل يا "رأس نظامنا"، ففي الشعب الأردني أناسٌ ما يزالون يفكرون ويحللون ويفهمون ويعون، وهم يدركون جيدا أن من يحتل بيتَ غيره، ليس هناك من طريقة تُعتبر طريقةً حقيقية لرد البيت منه إلى صاحبه، سوى أن يخرجَ من هذا البيت وأن يسلمَه له، لا أن يطلب منه الابتعاد عن البيت "مسافة كذا"، وأن يحاول القفزَ بقفزةٍ مستحيلة تدخله إلى البيت عنوة، مع أن المكان الذي اقترح عليه الابتعاد إليه، كي بيبدأ منه مسيرة العودة المستحيلة هذه، هو مكان يجعله على مرمى بندقيته كي يغتاله وينهي أمره بشكل حاسم..
نعم الأردنيون يعون ذلك جيدا ويفهمونه يا "رأس النظام"، وهم بالتالي يعرفون أن النظام الذي يقضي سنتين وهو يلف ويدور لتجنب الاستجابة لأيِّ مطلب من مطالب الشعب، وينتهي به الأمر لتفصيل حذاء بمقاس مجلس النواب القادم، ليس صادقا ولا جادا ولا موضوعيا ولا عادلا ولا منصفا ولا محترِما لشعبه عندما يطلب منه، أن "إبري قدميك" و"البس هذا الحذاء الضيق"، و"حاول بعد ذلك أن توسعه بجراحك وقروحك الملتهبة في عملية مستحيلة التحقُق"..
كما أن الأردنيين يعون جيدا ويفهمون أن نظاما وظيفيا تدلُّ كل سياساته الداخلية والخارجية على أنه ينبري على الدوام لتنفيذ مهمات تتلاءم مع متطلبات دوره الوظيفي محليا وإقليميا، سوف يدافع بكل قواه عن موقعه الوظيفي إلا إذا أُجْبِر على ذلك..
وأنا أقِرُّ لك يا "رأس النظام"، بأنك لا أنت ولا نظامك أُجْبِرْتم على ذلك حتى الآن، فما نزال على ما يبدو أضعف وأقل شأنا من أن نجبركم على ذلك. وإذن فلماذا لا تستهترون بنا، ولا تتلاعبون بحقوقنا، ولا تزورون الحقائق أمامنا، ولماذا لا ترسمون معالم مستقبلنا بالشكل الذي تريدونه، مُعَبِّرا عن استمرار امتيازات التحالفات الطبقية والأجندات الوظيفية التي تمثلون بيادقها في الساحة الأردنية؟!!!
هذا حقكم الوظيفي الطبقي فمارسوه كما شئتم دون أن تكذبوا علينا..
ونحن من جهتنا، سنمارس حقنا في إصلاح وطننا من سياساتكم وفسادكم ووظيفيتكم، ولن نكذب عليكم، ولن ننافقكم أو نتملقكم..
وفي فذلكة وظيفية عجيبة تعودنا عليها من النظام وهو يحاول تبرئة نفسه من كل ما يحدث في الدولة، ينتهج "رأس النظام" نهج تحميل المسؤولية عن مشكلاتنا إلى طرف خارجي، وإلى صغوطات دولية تجعل منه ومن رجالات نظامه ملائكة، لمجرد قدرتهم على الاستمرار بالإبقاء على دولة اسمها الأردن رغم كل تلك الضغوطات الخارجية، فهو يقول..
"أما بالنسبة لعجز الموازنة والمديونية، فعلينا أن نتذكر أننا كنا نحصل على النفط من العراق بأسعار مدعومة قبل عام 2003، وبحدود 30 دولار للبرميل، والآن نشتري النفط بأسعار تجاوزت 100 دولار للبرميل. إن الارتفاع في العجز والدين العام كان ضمن المعقول سابقا، وكان يزيد سنويا نتيجة استمرار الارتفاع في أسعار النفط والغذاء، ومبادرات الدولة لتحسين الرواتب والتقاعد، واستمرار دعم بعض المواد الأساسية، والإنفاق لتحسين خدمات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، وهذه جميعها زادت من حجم الدين. وفوق كل هذا، وفي آخر سنتين تحديدا، كان هناك ارتفاع غير مسبوق في الدين والعجز، والسبب في ذلك توقف الغاز المصري، الذي كلفنا عبر السنتين الماضيتين، ولغاية الآن حوالي 4 مليار دولار، وكعجز ودين إضافي سنوي! حتى دعم الأخوة في المملكة العربية السعودية لنا العام الماضي، ولهم منا كل الشكر والتقدير، بالكاد غطى العجز الإضافي الناجم عن توقف الغاز المصري عام 2011"..
نعم، أنت ملاك يا "رأس النظام" وكل زبانية نظامك "ملائكة"، ليسوا فاسدين، وليسوا مخربين، وليسوا لصوص، وليسوا مهلكين للحرث والنسل، وإنما هم مدافعون عن وطن في مواجهة كل التقلبات العالمية لحمايته وحماية الشعب من نتائجها، غلاء أسعار المواد الغذائية العالمية، وتوقف الدعم العراقي بالنفط، والأزمة المالية العالية، والغاز المصري، هي أسباب ما نحن فيه، وليست سياسات النظام..
انتبهوا أيها الأردنيون، "الغاز المصري كبدنا في أقل من سنتين "4" مليارات دولار"، أي في أقل من عشرين شهرا منذ بدأت الأزمة..
تخيلوا معي "رأس النظام" نفسه يريد أن يضلِّلَ الشعبَ الأردني، ويزيِّفَ الحقائق أمامه، أو على الأقل أن من حوله يضللونه كي يكون تضليلنا شرعيا بموجب الدستور "الملك مصون من كل تبعية ومسؤولية"، لقد ورطوه بالنطق بهذا الرقم دون أن يدري أو أن يدروا هم أن الشعب الأردني ما يزال يفهم ويفكر ويحلل..
تعالوا نحلل هذا الرقم بشكل اقتصادي علمي لنكتشف حجم التضليل الذي يمارسه النظام من الآن، في حق الشعب الذي يُراد له أن يبريَ قدميه كي يلبسَ حذاءً عليه أن يحاولَ توسعته لاحقا..
تباع أنبوية الغاز للمواطن بـ "6,25" دينارا، أي بما يعادل "9" دولارات أميركية، والنظام يدعي أنه يدعم الغاز، وأنه سيضطر لرفع الدعم قريبا، وهو ما تفيد تسريبات وزارة المالية بأنه سيكون بتاريخ "14/11/2012"، حيث سيصبح سعر أنبوبة الغاز مسَلَّمَة للمواطن الأردني بما ثمنه "11,25" دينارا، أي بما يعادل "16" دولارا تقريبا، وهي التكلفة التي تتكبدها الخزينة مضافا إليها أرباح الوسطاء والعاملين في مختلف مراحل هذا القطاع.
ونحن سنتجاوز الحقيقة والباطل في حكاية الدعم، وسنفترض كما يدعي النظام أن أنبوبة الغاز ستكلفه من أصل الـ "16" دولارا كل القيمة المتبقية بعد خصم أرباح مختلف الجهات الأردنية العاملة لتأمين الغاز للمواطن، وأن الحكومة لن تكسب أيَّ قرش من الغاز غير ما تدفعه. أي أننا سنتعامل مع أنبوبة غاز تكبِّد الحكومة ما يعادل "12" دولارا على اعتبار أن مختلف الأرباح والعمولات الوسيطة بين الحكومة والمواطن لن تتجاوز الـ 25% من إجمالي القيمة المدفوعة..
ماذا بعد؟!
الخزينة تكبدت ما قيمته "4" مليارات دولار بسبب انقطاع الغاز المصري على مدى "20" شهرا، أي منذ بدأت بالتفاعل قضيةُ الغاز المصري المصدَّر بأسعار تفضيلية إلى كلِّ من الأردن وإسرائيل. الـ "4" مليارات دولار التي تكبدتها الخزبنة، هي التكلفة التي دفعتها الحكومة لاستيراد ما يكفي لتعبئة "335" مليون أنبوبة غاز بالسعر المفترض بعد رفع الدعم وخصم هوامش أرباح المؤسسات والوسطاء الأردنيين. فإذا افترضنا أن الشعب الأردني يتكون من "1,2" أسرة، من منطلق أن كل أسرة تتكون في المتوسط من "5" أفراد فقط!!! فهذا يعني أن كل أسرة استهلكت في الـ "20" شهرا الماضية ما تعداده "280" أنبوبة غاز، وهو ما يعادل "14" أنبوية غاز في الشهر الواحد!!!!
هل هذا معقول؟!!!!
هل هناك أسرة في العالم تستهلك "14" أنبوبة غاز في الشهر، حتى لو تنفست "الغاز" بدل الهواء؟!!
بالاستدلال المضاد، أي إذا علمنا أن معدل استهلاك الأسرة الأردنية هو "4" أسطوانات من الغاز شهريا أخذا في الاعتبار أن الاستهلاك الشتوي للتدفئة يكون لدى كل الأردنيين باستخدام "الغاز" تحديدا، فإن ما استهلكه الشعب الأردني بأكمله من الغاز على مدى العشرين شهرا الماضية هو فقط "200" مليون أنبوبة، بقيمة إجمالية قدرها "2,4" مليار دولار فقط، محتسبة وفق الأرقام المعلنة أعلاه، وهي الأرقام التي ذكرتها الحكومة على أرضية دعاوى الدعم..
فأين ذهبت بقية الـ "4" مليار دولار التي ذكرتها في خطابك يا "رأس النظام" والتي هي "1,6" مليار دولار؟!!
أرجو أن تسأل شلة الفاسدين من حولك والتي صاغت لك خطابك، قبل أن يسألك الشعب أنت وإياهم؟!
ونحن هنا لم نتحدث عن الوقائع التالية التي تفرض هدرا أكثر بكثير مما تمت الإشارة إليه في استنتاجاتنا السابقة..
1 – واقعة أن الشعب الذي كان النظام يكبده "9" دولارات من تكلفة الأسطوانة ويدعم له "7" دولارات من تكلفتها، هذا إن صدق في ادعائه، كان يعيد إلى النظام الدولارات التسعة ثمنا لتلك الأسطوانة، وبالتالي فهي ليست تكلفة تكبدها ولا هي منطواة في المليارات الواردة في خطاب "رأس النظام"، ما يجعل المليارات الأربعة التي يتحدث عنها، لا تنطوي على ما كان يدفعه الشعب الأردني ثمنا لاسطوانات الغاز التي كان يشتريها لاستهلاكه المنزلي، وهو ما قلنا أنه وصل خلال العشرين شهرا الماضة إلى 2,4 مليار دولار، ما يجعل المبلغ المذكور في الخطاب كله محل تساؤل عن مصيره!!!!
2 – واقعة أن مصر لم توقف تصدير النفط إلى الأردن وإنما طالبت بعديل تسعيره ليواكب الأسعار العالمية، وبالتالي فإن ما تكبده النظام سيتقلص مجددا ليصل فقط إلى ما أقل من الفارق بين السعر التفضيلي السابق، والسعر المعتمد الجديد..
3 – وبالتالي فإن التحوُّل في تشغيل مولدات الكهرباء الرئيسية في البلاد من "الغاز" المصري إلى "الوقود الثقيل"، هو تحول محدود ما يجعل التغيرات في التغطية الإنفاقية غير قادرة على تبرير أيِّ فارق في قيمة فاتورة الوقود ارتفاعا على نحو يبرر تلك المليارات..
4 – لم يحصل أن كانت فاتورة الكهرباء الأردنية السنوية التي يدفعها الشعب الأردني بكل قطاعات استهلاك الكهرباء فيه، فاتورة تسببت في خسائر لشركات إنتاج الكهرباء، وبالتالي فقيمة بند الوقود كبند إنفاقي تكون على هذا الأساس مغطاة بالكامل من قبل الشعب الذي دفع الفاتورة الكهربائية كاملة غير منقوصة بتكلفتها وأرباحها في ذات الوقت، ما يجعل الحديث عن تكبُّد خسائر وفواتير غير مدفوعة من قبل النظام، حديثا كاذبا تضليليا فاقدا لأي مصداقية، في سياق ما يراد التأكيد عليه من أن هناك دعما وبالتالي فواتير مدفوعة غير مستردة من خلال مدفوعات الشعب للبند الاستهلاكي المعني بالدعم المُدَعى..
وإذا كان الرقم "4" مليارات غير صحيح، وأن كل ما تكبدته الخزينة هو ما ذكرناه في تحليلنا السابق، فلماذا سياسة الترويع والإرهاب التي تمارسونها ضدنا؟!!
ومع ذلك لا يتردد "رأس النظام" في القول بكل ثقة..
"نحن نؤمن بحق المعارضة في أن تكون شريكا أصيلا وفاعلا في العملية السياسية، بعيدا عن الانتهازية، والشعارات الزائفة، واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة وعواطف الناس، لكن لا يجوز لأي فئة أن تدعي احتكار الحقيقة"..
أي أن ما نقوله فنكشف به الفساد والمفسدين، هو في رأي من صاغوا خطاب "رأس النظام"، انتهازية وشعارات زائفة واستغلال للظروف الاقتصادية الصعبة ولعواطف الناس..
أما ترويع الناس بصعقهم بأنهم كبَّدوا الخزينة "4" مليارات دولار من الغاز المصري إذا لم يكن هذا الرقم صحيحا والهدف منه هو مجرد الإرهاب والتخويف فقط، أو تضليلهم وإخفاء الحقيقة عنهم تستُّرا على زمرة اللصوص التي سرقت ما لا يقل عن "1,6" مليار دولار من بندٍ واحد من بنود السلع الاستهلاكية الإستراتيجية، وذلك بدون أخذ الوقائع الأربع السابقة في الاعتبار عند احتساب "حجم الهدر"، إذا كان هذا الرقم صحيحا ويراد إقناعهم بأنهم استهلكوا به غازا مصريا، وإذا كان التحليل الذي سقناه قبل قليل صحيحا أيضا.. نقول.. أما كلّ ذلك الذي يفعله النظام، فليس انتهازية، وليس شعارات زائفة، وليس استغلالا للظروف الاقتصادية الصعبة ولا لعواطف الناس..
إن كشف الحقيقة بمنطق علمي يُحَمِّلُ النظام من رأسه إلى إخمص قدميه مسؤولية هذا الهدر غير المفهوم هو ما يُعتبر استغلالا للظروف وابتزازا للمشاعر والعواطف!!!!
وعندما قرَّر "رأس النظام" أن يتحول فجأة إلى مُنَظِّر وفيلسوف بناءً على نصائح مخادعة من مقربيه وصائغي خطاباته، قائلا..
"دعونا نتحدث اليوم أيضا عن بعض الشعارات التي رفعها عدد قليل من المتظاهرين. إسقاط النظام: من المؤسف أن عددا قليلا جدا من المشاركين في الحراك، رفعوا هذا الشعار، ودعونا نقف عند هذا الموضوع، ونضع النقاط على الـحروف. أولا ما هو النظام؟ النظام هو الدولة بكل مؤسساتها ودوائرها تحت مظلة الدستور. النظام هو القيم والمبادئ التي تقوم عليها هذه المؤسسات والدوائر. النظام هو أيضا الكوادر التي تُسيِّر هذه المؤسسات، التي تضم جميع فئات ومكونات المجتمع الأردني. لا أحد يحتكر مكونات الدولة. النظام هو الـمؤسسات والمواطنون، وكل فرد في هذا المجتمع هو جزء من النظام"..
نقول.. عندما قرر "رأس النظام" أن يصبح فيلسوفا ومُنَظِّرا، فقد خانته "الفكرة"..
فأن يكونَ النظام هو كل ما ذكره "رأس النظام" في خطابه، لا يعني أن النظامَ غيرُ قابل للتغيير عندما يصل إلى مرحلة من العفونة والفساد تتطلب تغييرَه، أو إلى الإسقاط عندما يقرِّرُ هو أنه يريد أن يسقِطَ نفسَه بامتناعه عن تغيير نفسه وإصلاحها. إذا كان "النظام" هو كل ما ذكرتَه يا "رأس النظام"، فلا شك في أن النظام المصري البائد كان هو أيضا مثلما ذكرته، وكذلك كان نظام "بن علي" المنحل في تونس، وكذلك كان نظام "علي صالح" المنبوذ في اليمن، وكذلك كان نظام "القذافي" المقبور في ليبيا، وكذلك هو نظام "بشار الأسد" الراهن، ومع ذلك فكل شعوب تلك الأنظمة خرجت عليها وضدها وطالبتها بالإصلاح والتغيير..
نحن من يريد وضع النقاط على الحروف يا "رأس النظام"، كي لا يخدعكَ من وضعك في موقع الفيلسوف والمُنَظِّر بدون عُدَّةِ وعتادِ الفيلسوف أو المنظر. نحن من يجب أن تسمعَ كلامَه وتفهمَ منه أن النظام حتى لو كان هو كل ما ذكرته في خطابك – ولا نريد أن نختلف معك في هذه المسألة، لأن الخلاف فيها لا يغير من جوهر نقاطنا وحروفنا – فهذا لا يمنعنا من المطالبة بإصلاحه بالشكل الذي نريده، وعلى النحو الذي يناسبنا كأردنيين، دون أن يستخدمَ أحدٌ ضدنا هذا "البعبع" الذي تحاولُ ترويعَنا به، وكأن المطالبة بإصلاح النظام أو تغييره أو إسقاطه – مع أننا لم نطالب بإسقاطه على ما يعلم كلُّ الأردنيين، ومع أن القلَّة القليلة التي جعلْتَها محورا في خطابك وكأنها هي كلُّ الحراك الذي ترفضُ الاعترافَ به، ممن طالَبَت بإسقاط النظام، لا نحسبُها طالبت بذلك إلا تحت ضغط استهتار نظامك بحقوق الأردنيين واستعلائه على مطالبهم – هي بمثابة مطالب بهدم الدولة الأردنيىة..
إن هذا البعبع الفزاعة الذي استخدمه قبلك كل من رحلوا، لم يَحُلْ دون أن تتجسَّد حقيقة حقائق التاريخ كلها، وهي أنه "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر"..
أما ما ختمتَ به ملائكيتك يا "رأس النظام" بقولك.. "والذي أعتز به هو أولا شرف النسب لسيدنا وجدنا الأكبر، محمد صلى الله عليه وسلم"، فهو أكثر ما يثير التعجب، ويضع على سياسات نظامك بأكمله بدءا منك أنت نفسك علامات الاستفهام!!
فهل جدك الأعظم هو الذي سمح لك بأن تحتكرَ كلَّ السلطات بيدك وأن تحرمَ منها الشعب وأن تكون فوق القانون والمساءلة؟!
ألم تسمع قول جدك الأعظم بين الرجال، عن جدتك الأعظم بين النساء "فاطمة بنت محمد".. "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"؟!
أليس هذا اعترافا من جدك الأعظم بأن جدتك الأعظم نفسها، والتي أنت بكل تأكيد أقل منها شأنا وقدرا وتقوى وإيمانا وقداسة ومكانة، ليست فوق القانون، وأنها تحاسب وتُسْأَل مثلها مثل باقي خلق الله؟!
أم أنك ترى نفسك أهم من جدتك وأعظم منها وأقدس وأعلى قدرا ومقاما؟!
اعترف أمام شعبك بهذا الادعاء إن كنت تدعيه، ولك من هذا الشعب فرمانا وصكَّ غفرانٍ ألا يسألك بعد اليوم عن شيء!!!!!
وإن لم تعترف فكُفّ عن ادعاء أنك تحب هذا الشعب وتحترمه وتخدمه وتتفاعل معه، قبل أن تتنازل عن كلِّ سلطاتك الدستورية التي تملكها رغم أنف شعبك وبغير وجه حقٍّ، بتعديل دستوري عميق يعيد الأمور إلى نصابها، ويجعلنا نصدق فعلا أن ادعاءَك شرفَ الانتساب إلى جدك الأعظم له قيمة ومكانة موضوعية وأنه ليس مجرد ادعاء لكسب الود واستدرار التعاطف..