قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بالكيان الصهيوني
د.غازي حسين
يعيش شعبنا العربي الفلسطيني وقضيته العادلة حالياً مأزقاً وجودياً ومصيرياً منذ الخروج من بيروت وتوزيع المقاتلين على تسعة أقطار عربية بعيدة عن وطننا المحتل، وتحويل منظمة التحرير من مقاتلة إلى سياسية واعتمادها على التسوية السياسية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وتوقيع اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة والارتهان إلى من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب، وعلى رأسهم الطاغية المخلوع حسني مبارك والسعودية وقطر وعلى لجنة الجامعة العربية لتسويق المشروع الأمريكي الصهيوني والهرولة في التطبيع كما تفعل دول الخليج ومنها البحرين والإمارات العربية.
عرّض عرفات قضية فلسطين أعدل قضية في تاريخ البشرية لأخطار جسيمة بسبب الانحراف الذي قاده عن المبادئ الواردة في الميثاق الوطني وحتى عن مبادئ ومنطلقات حركة فتح. وأخذ يعمل بعد الخروج من بيروت وزيارته لسمسار بيع فلسطين حسني مبارك وإقامة محور مبارك- حسين- عرفات على جر حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى فتح التسوية الأمريكية القائمة على أساس اتفاقية كامب ديفيد الثانية أي الحكم الذاتي الفلسطيني ومشروع ريغان وإجراء المفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني والاعتراف به والموافقة على حل مشكلة "اسرائيل" وليس لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين.
وأخذ عرفات يكثر من تصريحاته التي أعلن فيها استعداده للاعتراف بالعدو والتفاوض معه برعاية الولايات المتحدة العدو الرئيسي لقضية فلسطين وللعروبة والإسلام والحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني. وأطلق العديد من التصريحات في هذا الشأن منها المقابلة التي أجرتها معه مجلة ديرشبيجل الألمانية ونشرتها في العدد 28 عام 1982 وقال فيها (إن منظمة التحرير اعترفت "باسرائيل" منذ زمن طويل، ففي عام 1977 وافقت المنظمة على البيان الأمريكي- السوفيتي الذي يتضمن الاعتراف باسرائيل، كما وافقت المنظمة على بيان بريجنيف الذي أكد فيه الزعيم السوفيتي حق جميع الدول في الشرق الأوسط العيش بسلام بما فيها "اسرائيل" التي ذكرها بالاسم، ووافقت المنظمة على خطة الأمير فهد التي تنطلق من حق الوجود لجميع دول المنطقة).
كما أجرى في تلك الفترة أبو إياد صلاح خلف محادثات مع المستشار النمساوي برونو كرايسكي عرّاب المفاوضات بين السادات والإدارة الأمريكية إبان الرئيسين فورد وكارتر. وأعلن أبو أياد أنه أبلغ كرايسكي "أنه إذا كان في أحد جيبيه اعتراف من (اسرائيل) بمنظمة التحرير فسوف أضع في جيبه الآخر الاعتراف بإسرائيل من جانب منظمة التحرير".
وكان المقربون من عرفات يؤكدون استعداده للاعتراف بالكيان الصهيوني وإجراء المفاوضات المباشرة معه، ولكن حكومة الليكود كانت ترفض الاستجابة لمساعيه السرية والعلنية.
ووصل الانحراف بعرفات حداً أعلن فيه عام 1982 عارض فيه محاولات طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة وأعلن في جريدة الرأي العام الكويتية الصادرة في 13/1/1982 أنه قد تم سحب اقتراح طرد "اسرائيل" من الأمم المتحدة، وأن المنظمة لم تكن هي التي أوصت بتقديمه، وذلك تمشياً مع موقفه القائم على استعداده الاعتراف بكيان الاستعمار الاستيطاني العنصري الدخيل على الوطن العربي والغريب عنه، والذي جاء من وراء البحار.
وكرر عرفات استعداده للاعتراف بالكيان الصهيوني في مقابلة أجرتها معه مجلة (نوفيل اوبزيرفاتور) الباريسية الصادرة في أيار 1983 وقال: "أؤيد اعترافاً متبادلاً بين دولتين" ويعني هذا الاعتراف باسرائيل في أكثر من 80% من مساحة فلسطين والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والموافقة على توطينهم.
إن اعتراف عرفات باسم منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني ينسف عروبة فلسطين والمبررات القانونية والسياسية للحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني، وينهي إلى الأبد المطالبة بهذه الحقوق داخل الأمم المتحدة ويكرس الرواية الصهيونية الكاذبة أن فلسطين أرض الميعاد وأنها أرض محررة وليست محتلة، مما يعطي الشرعية للاستعمار الاستيطاني العنصري والتنازل عن عروبة فلسطين ويصبح الاحتلال غير المشروع لفلسطين العربية الناتج عن الأطماع والأكاذيب والخرافات التي رسخها كتبة التوراة والتلمود لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي مشروعاً بتنازل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني عن فلسطين.
إن استعداد عرفات الاعتراف بالكيان الصهيوني ينسف المبادئ والأسس التي قامت عليها منظمة التحرير الفلسطينية والميثاق الوطني وفصائل المقاومة وينزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية ويقود إلى الانقسام الفلسطيني والعربي ونسف أهداف ومبادئ الوحدة الوطنية الفلسطينية ويقود إلى الانشقاق.
إن فلسطين هي قلب الوطن العربي، وهي سورية الجنوبية وجزء لا يتجزأ من سورية الأم وبلاد الشام، واليهود دخلاء عليها غرباء عنها، والاحتلال الصهيوني لها غير مشروع، لذلك فاستعداد عرفات الاعتراف بالكيان الصهيوني خطر وخطير وسيجلب الكوارث والويلات لشعبنا وأمتنا لأن اعتراف منظمة التحرير بكيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي:
-كارثة وطنية وقومية، لأنها موافقة فلسطينية على اغتصاب فلسطين العربية.
-والاعتراف باطل، لأن وعد بلفور غير قانوني ونظام الانتداب البريطاني استعماري وغير شرعي وقرار التقسيم غير مشروع وباطل.
-والاعتراف باطل لأن تأسيس الكيان الصهيوني تم على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وانتهاكاً فظاً لحقه في تقرير المصير.
-ويعني الاعتراف التخلي عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وعن حق تقرير المصير وعن السيادة العربية على فلسطين.
والاعتراف خيانة وطنية وقومية ودينية لأن مئات السنين من الاحتلال غير المشروع لا تضفي الشرعية مهما طال الزمن.
إن ما قام به عرفات من تصريحات وممارسات واتصالات سرية وعلنية مع صهاينة حول استعداده للاعتراف بالعدو الصهيوني والتفاوض معه.
أولاً- مخالفة فظة للمبادئ الواردة في الميثاق الوطني وانتهاكاً لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني.
ثانياً- مخالفة وانتهاكاً فاضحاً لقرارات مؤتمرات القمة العربية.
ثالثاً- ويعني التخلي عن الكفاح المسلح والتحرير والقبول بالحل الصهيوني لقضية فلسطين.
رابعاً- يقود إلى تصفية قضية فلسطين وتخليد الوجود الصهيوني الاستعماري والعنصري فيها وتوطيد الهيمنتين الأمريكية والصهيونية على الوطن العربي.
كان الاعتراف بالعدو والتفاوض من المحرمات والمحظورات الفلسطينية والعربية والإسلامية التي لا يجوز لأحد أن يكسرها على الإطلاق. فالاعتراف بالعدو الصهيوني ليس جريمة وحسب بل خيانة وطنية وقومية ودينية، خيانة عظمى ممن يعترف بعدو شعبه وأمته ودينه ومغتصب وطنه وشرد شعبه ويمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وتهويد الأرض والمقدسات العربية وسرقة المياه والثروات وتدمير المنجزات. إن الطريق إلى السلام العادل والشامل والدائم ليس هو الطريق الذي بدأ يسير فيه عرفات إنما هو اجتثاث كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري ولكن متابعة هذا الطريق أدى إلى عقد عرفات مجلس عمان الانشقاقي للتخلص من القيادات والكوادر المؤمنة بالكفاح المسلح وتحرير القدس وفلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
عناوين:
*إن اعتراف عرفات باسم منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني ينسف عروبة فلسطين والمبررات القانونية والسياسية للحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني
*إن فلسطين هي قلب الوطن العربي، وهي سورية الجنوبية وجزء لا يتجزأ من سورية الأم وبلاد الشام، واليهود دخلاء عليها غرباء عنها، والاحتلال الصهيوني لها غير مشروع