قدرة النظام الأردني الفاسد المستبد ما تزال تتفوق على الشعب حتى الآن؟!

أسامة عكنان

من الناحية الإستراتيجية هناك فرق حقيقي وجوهري بين "القوة" و"القدرة"..
فالقوة – أيُّ قوة – هي مجرد عنصر من عناصر القدرة..
وكلمة "قوة" من ثم عندما تردُ منفردة، تكون بلا معنى وبلا دلالة..
فهناك "قوة عسكرية"، وهناك "قوة حقوقية"، وهناك "قوة إعلامية"، وهناك "قوة اقتصادية".. إلخ..
و"القدرة" هي محصلة تلك "القوى" مجتمعة..
وإذن فلا ينتصر أحدٌ في معركة يخوضها إلا بقدرته، أي بمحصله قواه..
فمن كانت إحدى قواه ضعيفة، وعجزَ عن تنميتها..
فهو يحرص على استخدام قوى أخرى متاحة له، يعدل بها كفة ميزان قدرته..
ولهذا السبب بالذات تنتصر الشعوب الثائرة رغم ضعفها عسكريا وأمنيا، على الأنظمة المتمترسة وراء ترسانات الأمن والعسكر..
إذا هي عرفت كيف تعدِّل ميزان القدرة لديها لصالحها بكفاءة استخدام قواها الأخرى وتفعيلها في المعركة..
أيُّ شعبٍ ثائر إنما يخوض معركته على جبهات محددة هي..
جبهة "قوة اليقين"، وجبهة "قوة الشرعية"، وجبهة "قوة الحق"، وجبهة "قوة التنظيم"، وجبهة "قوة الجغرافيا"، وجبهة "قوة الإعلام"، وجبهة "قوة السياسة"، وجبهة "قوة الوقت"..
وهو – أي الشعب – لا يخوضها على جبهة "قوة الأمن والعسكر"..
وأيُّ نظام مستبدٍ يخوضها على جبهات تلك القوى مضافا إليها جبهة "قوة الأمن والعسكر" التي لا يملكها الشعب..
الشعب ينتصر عندما يستطيع أن يرجِّحَ كفة قدرته المفتقرة إلى "الأمن" و"العسكر"، على كفة النظام المدجج بهما، على جبهات المواجهة الأخرى..
ولأن النظام المستبد يعرف أنه قد لا يملك في معركته ضد شعبٍ ثائر إلا هذه القوة التي تَضعُفُ فعاليتها إذا تمكن الشعب من استخدام عناصر قدرته بكفاءة، فإنه – أي النظام – يحرصُ على منع الشعب من ترجيح الكفة عبر عناصر القدرة غير الأمنية وغير العسكرية..
المعركة الحقيقية في ساحة السيرورة الثورية بين "الشعب الثائر" و"النظام المستبد"، لا تصُبُّ إذن باتجاه حسمِ ميزان القدرة في جبهة "القوة الأمنية والعسكرية" بين الطرفين، بل هي تصُبُّ باتجاه حسم ميزان القدرة على الجبهات الأخرى التي هي في حوزة الشعب أصلا، أو التي يستطيع الشعب أن يمتلكها ويُنَمي قدرتَه بتفعيلها، وهي "اليقين"، و"الحق"، و"الشرعية"، و"التنظيم"، و"الجغرافيا"، و"الإعلام"، و"السياسة"، و"الوقت".. إلخ..
وعندما يُلقى قادة ثورةِ شعبٍ أو حراكهِ، نظرة على سيرورة الفعل الثوري والحراكي، ليجدوا أن النظام ما يزال متفوقا في ميدان المواجهة، فعليهم أن يستوضحوا أسباب ذلك في مراجعة فعاليتهم على كل الجبهات ماعدا جبهة "الأمن والعسكر"، لأنها ليست جبهة ثورة الشعب أو حراكه..
عندما يبدأ قادة الفعل الثوري والحراكي في تصوُّر أن المطلوب – في مثل هذه الحالة – هو فتح جبهة عنصر "القوة الأمنية والعسكرية" ضد النظام، فإنهم – في الغالب – سيخسرون كلَّ شيء، لأن النظام يحرص دائما على استدراجهم إلى هذه الجبهة، ليفقدوا زخم قدرتهم على جبهات القوى الأخرى..
قد لا تكون هذه قاعدة مطلقة في علم الثورات، لكنها قاعدة عامة قليلة الاستثناءات، وهي في الأردن قاعدة يقينية وثابتة وغير قابلة للمراجعة..
عجْزُنا وقصورُنا وفشَلُنا حتى الآن، عن فرض إرادتنا على النظام، راجع إلى أننا لا نملك الرؤية الواضحة التي نقدر بموجبها على حسن إدارة وتفعيل معركتنا ضده على جبهات "اليقين"، و"الشرعية"، و"الحق"، والتنظيم"، و"الجغرافيا"، و"الإعلام"، و"السياسة"، و"الوقت"..
كيف يمكننا ان ننتصر في هذه المعركة ضد هذا النظام الوظيفي الفاسد المستبد، وهو وبعد أن امتلك "القوة الأمنية والعسكرية"، تفوق علينا في جبهات المواجهة التالية..
1 – جبهة "اليقين"، حيث ما يزال معظم الشعب لا يمتلك اليقين الدافع للفعل ولأسباب كثيرة، بأن الحراك الشعبي هو ممثله والمعبر عن تطلعاته..
2 – جبهة "التنظيم"، حيث ما يزال الحراك الشعبي بمارس رسالته بشكل عشوائي غير منظم وبعيد عن قلب الكتلة الجماهيرية الحقيقية التي لم تتفاعل معه بعد..
3 – جبهة "الجغرافيا"، حيث ما تزال أهم المناطق الجغرافية في البلاد خارج نطاق الفعل، وتكتفي بالمراقبة والمتابعة واللامبالاة..
4 – جبهة "الإعلام"، حيث ما يزال إعلام الحراك الشعبي الذي نتطلع إلى تحويله إلى ثورة، يخاطب الحراكيين أنفسهم فقط، وكأنه مجرد نشرات للتوزيع الداخلي، فلا أثر لأيِّ إعلام شعبي جماهيري داخلي، يخلق الأحبال السُّرِّيّة بين الحراك والشعب، أو نظير له خارجي يسوِّق الحراك للعالم المراقب، بالفعالية نفسها التي يمارسها النظام، الذي استطاع تسويق نفسه عبر قصورنا وفشلنا، بأنه نظام ديمقراطي إصلاحي مقبول..
5 – جبهة "السياسة"، حيث لم يتوافق الحراك وقادته وبُناه التنظيمية على برنامج وطني يلتف حوله الشعب، ويقتنع بأنه يصلح أن يمثل حاضنةً لطموحه. فالحراك ما يزال في نظر معظم فئات الشعب الأردني، عبارة عن مجموعة من المغامرين، أو المراهقين، أو الباحثين عن النجومية، أو قليلي الخبرة، أو قاصري الرؤية، أو النرجسيين..
6 - وبالتالي فلا ثقة شعبية كافية في أن هذا الحراك قادر على أن يدير دولة سيستلمها من النظام – إن استلمها – محطمة مدمرة، عليه أن ينهض بها من العدم..
إن غالبية الشعب الأردني، ما تزال تقارن بين دولة ما تزال تتنفس وإن يكن بصعوبة في ظل نظام مستبد قائم، ودولة سوف تموت في ظل حكم مراهقين سياسيين مرتقبين في حال سقوط النظام أو تغييره، يخاف من مستوى قدراتهم وتدني خبراتهم، أكثر بكثير مما يطمئن نسبيا إلى وطنيتهم ونقائهم، وأكثر بكثير مما يخاف على مصير الدولة في ظل بقاء هذا النظام..
الحراك ما يزال لا يمثل حالة يقين حقيقية مؤهلة لتكون في نظر معظم الشعب الأردني ذلك البديل الذي يطمئن معه على مستقبل الدولة والوطن..
فهل نستطيع القول بعد كل هذا، أن هناك أيُ تكافؤٍ في القدرة بين الحراك والنظام؟!
لقد نجح النظام في تحييد قوته العسكرية والأمنية تحييدا تاما كي لا يُحْرِجَ نفسَه عالميا بظهوره بمظهر القمعي القاتل، كما ظهر نظراؤه في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا..
لسبب بسيط هو أنه وجد نفسه قادرا بكل أريحية وثقة ويقين على التفوق علينا حتى في عناصر القدرة التي يفترض أنها ساحة فعلنا الحقيقية..
فلماذا يستخدم ورقته الأخيرة ويضر نفسَه وهو في غير حاجة إلى استخدامها؟!
باختصار..
كنا ضعافا إلى الحد الذي أعفيناه من لعب آخر أوراقه وأخطرها عليه وليس علينا، ألا وهي الورقة الأمنية والعسكرية..
النظام الأردني إذْ لم يستخدم ورقة "الأمن والعسكر" بالشكل الذي استخدمه نظراؤه في عديد الدول، فليس لأنه لا يستطيع أن يستخدمها إذا احتاج إليها، فهو قد استخدمها فيما مضي بالهمجية نفسها عندما كان الوضع يدعو إليه ويسمح به – وإن كنا نُقِر بأن قدرتَه على استخدامها محدودة نسبيا ولا تشبه حالاتٍ مجاورة – بل لأنه لم يضطر إليها بعد في هذه المرحلة..
وبالتالي، فعلينا أن نعيَ جيدا أن ذلك راجع إلى كونه ما يزال شريكا فعالا لنا في عناصر قوتنا الأخرى..
ألا فلننتبه، ولندرك معنى ذلك وخطورتَه..