المصالحة الفلسطينية إلى أين؟
د. غازي حسين
رغم أهمية ما جرى في القاهرة من مصالحة بين حركتي فتح وحماس برعاية المخابرات المصرية وتوقيع اتفاق القاهرة في 2005 ووثيقة الوفاق 2006 واتفاقي مكة وصنعاء وإنجاز نظام انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني من 54 مادة والحديث عن تشكيل حكومة مستقلة بعيدة عن حكومتي الانقسام في رام الله وغزة فإن الشارع الفلسطيني وبشكل خاص في المخيمات غير مرتاح لما جرى ويجري. ويشكك في إمكان تحقيق المصالحة وفي القيادة التي وقعت عليها ويطالب بالعودة إلى الميثاق الوطني والمقاومة المسلحة وتحرير فلسطين التاريخية من الاستعمار الاستيطاني العنصري وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني وخاصة ما تعداده ستة ملايين يعيشون خارج فلسطين لم يبد الارتياح للمحاصصة واتفاقات الكوتا واتفاق الدوحة والمفاوضات التي جرت في عمان بوساطة أردنية وكأن الأردن بلداً لا يمت إلى قضية فلسطين والشعب العربي الفلسطيني بصلة ويلعب دور السمسار لإنجاح المفاوضات بين مستشار نتنياهو مولخو والأرعن صائب عريقات الذي تنازل عن القدس بما فيها البلدة القديمة وحي الشيخ جراح في مفاوضاته العبثية انطلاقاً من الوثائق التي تسرّبت من مكتبه.
وكان هدف مفاوضات عمان بين عريقات ومولخو العودة مجدداً إلى المفاوضات العبثية التي أضاعت الأرض والمياه والحقوق وزادت من المصائب والويلات والإذلال والعذابات التي لحقت بشعبنا العربي الفلسطيني.
إن عدم الصدقية في توقيع اتفاقات المصالحة وعدم الالتزام بتطبيقها ألحق أضراراً فادحة بثقة الشعب في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجاء توقيع اتفاق الدوحة المشؤوم في غمرة التدخل القطري في الشأن الداخلي السوري وتزويد المعارضة بالمال والسلاح وإعلان الحرب الإعلامية والسياسية على سورية وتجميد عضويتها في الجامعة العربية وفرض العقوبات عليها واستدعاء التدخل الخارجي، تدخل حلف الناتو كما حدث في يوغسلافيا وليبيا مما ألحق أفدح الخسائر والأضرار بليبيا وبشعبها العربي الأبي. ووضع النفط الليبي تحت سيطرة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وينظر الكثير من الفلسطينيين سواء من أبناء شعبنا في الأراضي المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967 أو خارج فلسطين بأن الهدف من إجراء المصالحة هو تحقيق الانتخابات بعد أن وصل رئيس السلطة الفلسطينية إلى الطريق المسدود في مفاوضاته العبثية التي أدت إلى تآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني والعربي وتآكل حتى قرارات الشرعية الدولية وانتشار الاستيطان كانتشار الغدة السرطانية الخبيثة في الجسم.
ويعتقد العديد من الفلسطينيين أن الاتفاقات كلام في كلام فقط لملئ الفراغ السياسي وخداع الشعب والأمة وكسب الوقت بعد أن تذوقت قيادة فتح وحماس طعم السلطة وأموالها وامتيازاتها ومناصبها. وأصبحنا نردد كالببغاوات "تنفيذ اتفاق القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق 2006 والمصالحة 2011. وأدت هذه المواقف إلى تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية من مضمونها كحركة تحرر وطني وحركة مقاومة تأسست لإعادة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وتحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني وآخر نظام عنصري في العالم.
ظهر للمواطن الفلسطيني والعربي بجلاء أنه لم يتبلور أي شيء على أرض الواقع من الحديث عن الوحدة الوطنية والمصالحة والاتفاقات الموقعة، مما أوصل الوضع الفلسطيني وقضية فلسطين ومكانة الإنسان الفلسطيني في فلسطين وخارجها وبالتحديد في معظم البلدان العربية إلى أسوأ أحواله. ووصلت القضية إلى آخر فصولها وهو إكمال بيع فلسطين إلى أعداء الله والرسل والوطن والمواطن والعروبة والإسلام والإنسانية جمعاء.
أدت الفردية والاستبداد وهيمنة الفرد الواحد والتنظيم الواحد وفقدان القيادة الجماعية وعدم الالتزام بالميثاق الوطني والمقاومة المسلحة واستمرار المفاوضات العبثية وانتشار الفساد والإفساد واستمرار التنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف إلى تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الفصائل من برنامجها الوطني المقاوم.
وترسّخ التعاون الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية وأجهزة العدو برعاية الولايات المتحدة الأميركية العدو الأساسي لشعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية.
وأصبح الجنرال الأمريكي كيت دايتون يتفاخر بأنه صنع الإنسان الفلسطيني الجديد للمحافظة على القوانين التي وضعتها السلطة بالتعاون مع دولة الاحتلال والمحافظة على أمن الكيان الصهيوني وأمن مستعمريه.
إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها بما فيها الأراضي المحتلة عام 1948، لأننا نؤمن إيماناً لا يتزعزع بوحدة الأرض والشعب والقضية.
إن على منظمة التحرير الفلسطينية أن تستعيد مكانتها وتمثيلها وولايتها على الشعب العربي الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها بالعودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني والمقاومة المسلحة وملاحقة العدو الصهيوني في كل مكان حتى ولو كان في السماء السابعة للتخلص من إرهابه وحروبه ومجازره وعنصريته واستعماره الاستيطاني وتحرير القدس بشطريها المحتلين وتفكيك جميع المستعمرات والأحياء الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
لقد وصلت مؤسسات وسفارات ومكاتب منظمة التحرير والاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية إلى مرحلة التآكل والتكلس والاهتراء. وتفتقد كلية إلى احتواء ومشاركة جيل الشباب والمرأة. وتؤمن قيادتها أن البديل عن المفاوضات هو استمرار المفاوضات وابتكار المسرحيات وتوقيع الاتفاقات لخداع الشعب والأمة والاستمرار في المناصب ومراعاة المطالب والشروط الأمريكية خطوة خطوة لضمان تدفق دولارات الدول المانحة التي أعمت بصر القيادة المتنفذة وبصيرتها.
لقد أقرت لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعها الأخير الذي انعقد في 4و5 حزيران 2012 إجراء الانتخابات حيثما أمكن والتوافق على أعضاء المجلس الوطني في الأماكن التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها. ويتراءى لي أن قيادة منظمة التحرير تميل إلى الأسلوب التقليدي. الأفضل والأسهل لها وهو التسمية وليس الانتخاب.
إن الشعب الفلسطيني أسوة ببقية أبناء أمتنا مقبل على دمقرطة منظمة التحرير وجميع مؤسساتها وأطرها وفي مختلف الساحات إن عاجلاً أم آجلاً، لذلك على قيادة المنظمة تصحيح الخلل الاستراتيجي الذي وقعت فيه وتعتمد الانتخابات والأسس الديمقراطية والقيادة الجماعية لإنقاذ قضية فلسطين من البيع والتصفية والمفاوضات العبثية وإلغاء اتفاق الإذعان في أوسلو وحل السلطة التي ابتكرها دهاقنة الصهيونية والعودة إلى الميثاق والمقاومة المسلحة.
كنا نطالب بفصل رئاسة المنظمة عن رئاسة السلطة، وأن يكون رئيس المنظمة خارج الأراضي المحتلة كي يتحرر من قيود الاحتلال ويعزز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد لقيادة الشعب الفلسطيني وتمثيله في جميع المحافل.
إن منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد موجودة. وألغى ياسر عرفات ميثاقها في غزة عام 1998 بحضور الرئيس الأمريكي المتصهين بيل كلينتون. وانبثقت السلطة عن اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 واتفاق القاهرة عام 1994. ودخلت حماس على خط فتح والتزمت بالسلطة وبالمفاوضات التي أجراها رئيس السلطة وأغرتها السلطة وهم شركاء لمحمود عباس فيها. فهل يريدون حقاً وحدهم السيطرة على قطاع غزة؟
وابتعدت الحركتان الكبيرتان عن المقاومة المسلحة.. ونحن نتمسك بالمقاومة المسلحة ولكن ليس لدينا إمكانيات للقيام بها. هم قادرون ومؤهلون ولكنهم دخلوا في المعادلات الإقليمية والدولية.
لا يجوز أن يبقى الوضع الفلسطيني والوضع العربي من القضية المركزية للأمة على ما هو عليه الآن، لذلك نؤكد على ثوابت شعبنا وأمتنا وعلى عروبة فلسطين وعلى أن الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود.
كما لا يجوز أن يقوم الأردن بدور العراب والسمسار لإحياء عملية المفاوضات العبثية بين حكومة نتنياهو والمفاوض الفلسطيني. وبالتالي أن يحل الأردن محل الرئيس المخلوع حسني مبارك لتسويق التسوية في ظل الانشغال المصري بالأوضاع الداخلية.
الملك الأردني عبد الله الثاني حض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل خلال زيارته للأردن في 28 حزيران الماضي على إنجاز المصالحة لدفع التسوية إلى الأمام وعودة رئيس السلطة إلى طاولة المفاوضات مجدداً.
لقد فوجئنا جميعاً باقتراح حركة حماس أن يقوم رئيس السلطة ورئيس المنظمة وزعيم فتح بتشكيل الحكومة.
إن أبسط المفاهيم والأسس الديمقراطية تتطلب فصل رئاسة المنظمة عن رئاسة السلطة وعن رئاسة الحكومة فالجمع بين أهم المناصب القيادية في الساحة الفلسطينية بيد قائد يؤمن بأن البديل عن فشل المفاوضات هو استمرار المفاوضات وأن الحياة كلها مفاوضات. ووصف عمليات المقاومة البطولية بالقذرة، واعترف بإسرائيل على 80% من فلسطين العربية.
ظهر بمنتهى الوضوح أن الهدف من توقيع المصالحة واتفاق الدوحة واقتسام السلطة الوصول إلى انتخابات المجلس التشريعي والمجلس الوطني والرئاسة لتجديد شرعية القيادة الفلسطينية والدخول بالمفاوضات مع نتنياهو (ملك "اسرائيل") لتوقيع اتفاق الحل النهائي بتصفية قضية فلسطين وإنجاح المشروع الصهيوني، واستبدال "اسرائيل" الكبرى الجغرافية بإسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد للهيمنة على الوطن العربي كمقدمة للهيمنة على العالم.
إن الوضع الفلسطيني ينذر بأوخم العواقب لشعبنا العربي الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه الثابتة وفي مقدمتها عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم. لذلك نحذر من تركيز أهم خمسة مناصب في يد شخص واحد.
لقد برز في الكيان الصهيوني حول المصالحة واتفاق الدوحة الذي لم تعارضه الولايات المتحدة اتجاهان:
الأول: تمثله أجهزة المخابرات الصهيونية ويريد أن توقع فتح وحماس على اتفاق الحل النهائي إذا اقتربت حماس من اتفاق أوسلو ولا ضرورة أن تتمسك "اسرائيل" باعتراف حماس بشروط الرباعية الدولية.
والثاني: يرى في اتفاق الدوحة أنه يعطي شرعية لحماس التي تريد بالتعاون مع الإخوان المسلمين في البلدان العربية إحكام قبضتهم على المنطقة.
وكانت حماس قد تبنت علناً أمام قادة الفصائل الفلسطينية في القاهرة ودمشق والدوحة المقاومة السلمية والمحافظة على التهدئة في قطاع غزة. وتقود حماس السلطة في غزة التي انبثقت عن اتفاق الإذعان في أوسلو.
وأعطت عباس عشرين عاماً للتفاوض وفوضته خلال احتفال توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة سنة أخرى للاستمرار في المفاوضات العبثية.
فإلى أين ستقود المصالحة بين فتح وحماس والتي وافقت عليها فصائل المقاومة ولم يقابلها شعبنا العربي الفلسطيني بالحماس والتفاؤل؟
هل ستقود إلى توقيع الحل النهائي مع حكومة نتنياهو الأكثر فاشية وعنصرية في تاريخ الكيان الصهيوني؟