في الذكرى الثالثة والأربعون لإحراق المسجد الأقصى

مصطفى إنشاصي

في ذكرى هذا العام لا بد لنا من كلمة بعد أن كتبنا الكثير على مدار سنوات ومازال يكتب الكثيرين عن المسجد الأقصى ومخططات هدمه وسياسات التهويد و... و... ولأننا سأمنا الكتابة والقراءة فلا أعلم ماذا يكتب الكتاب في هذه الذكرى هذا العام، ولكن لفت انتباهي عنوان بيان لأحد الفصائل التي اعتادت على إطلاق التهديد والوعيد وصب حممها على رأس العدو الصهيوني بالكلام فقط دون الفعل، إلى درجة أصبحت فيها بياناتهم منذ سنوات طويلة مملة وممجوجة ونسخة واحدة لا تتغير كلماتها إلا بالتقديم أو التأخير يعني نسمع جعجعة ولا نرى طحين!
لذلك مقالتي هذا العام أوجهها لتلك الأبواق التي تخرج علينا في مناسبة وغير مناسبة تتحفنا بوعيدها وتوعدها بالهلاك والدمار وصب حمم الجحيم و... و... على العدو الصهيوني إن هدم المسجد الأقصى! لقد سأمنا منكم ومن تهديداتكم الجوفاء التي كلما علت كلما هزأ منكم عدوكم وسارع الخطى في تنفيذ مخططاته وهو مطمئن أنكم لا تملكون غير الكلام، وأن تهديدكم ووعيدكم للاستهلاك المحلي وبيع السذج من الجماهير الوطنية الزائفة والاستمرار في الارتزاق بمعاناتها ... الأقصى لا يحتاج لصراخكم وعويلكم ووعيدكم ولكن يحتاج فعلكم! وخير لكم أن تعملوا بصمت إن كنتم قادرين على فعل شيء ونسمع دوي عملكم ويرى العدو آثار فعلكم حتى يقتنع لمرة واحدة أنكم جادون فيها وقادرون على تنفيذها عله يرتدع قليلاً ويأخذها مرة ثانية على محمل الجد ولا يعتبرها مجرد كلام أو تصمتوا وصمتكم في الحقيقة خير لنا فعلى الأقل تعفونا من دوي صرخاتكم الجوفاء! ولا تنسوا أن العدو الصهيوني أقام تحت المسجد الأقصى مدينة يهودية توراتية كاملة دلالة على أنه لا يعبأ ببيانات الارتزاق الروتينية التي تزعجوننا بها!
إن كنتم حريصين على الأقصى وعلى مصلحة الأمة وتملكون الجرأة؛ وإن كنتم مجاهدون ومناضلون حقاً لا تخشون إلا الله تعالى وترجون رضاه وتطمعون في الشهادة في سبيله فنذكركم أن: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر! وأن الوضع الداخلي (تأمين الجبهة الداخلية) لها الأولوية على مواجهة العدو خاصة في هذه المرحلة! وأن الأقصى ليس في حاجة لمثل بياناتكم وتهديداتكم الفارغة ولكنه بحاجة إلى كلمة حق في وجه المسئولين عن تقسيم وشرذمة وحدة الجماهير الفلسطينية سكانياً وجغرافياً وتمزيق روابط وأواصر العلاقات العائلية والاجتماعية بين ليس سكان الشارع والحارة الواحدة بل الأسرة الواحد! إن الأقصى يحتاج بدل صراخكم الأجوف إلى وقفة جادة ضد كل محاولات تكريس واقع الانقسام الذي لا مصلحة فيه للأقصى والقضية ولكن المصلحة فيه لإشباع غرور شخصي أو حزبي لبعض الأشخاص حباً في السلطة والتسلط وجمع المال على حساب جوع ومرض ومعاناة الجماهير! إن الأقصى بحاجة إلى أن توجهوا تهديداتكم وتكونوا صادقين فيها إلى أولئك الذي استمرءوا واقع الانقسام ومزقوا الجماهير ولا يألون جهداً في تكريسه في الوقت الذي أصبح يعلم فيه القاصي والداني أنه ذلك هدف العدو الصهيوني من وراء فك ارتباطه مع غزة من طرف واحد عام 2005 إضافة إلى أهداف أخرى على رأسها: تصفية المقاومة الحقيقية وليس مقاومتكم، وحصار الجماهير وتجويعها أو إلهائها بنمو اقتصادي وهمي، وشغل الناس في أنفسهم ومرضهم وحاجتهم .... وتحقيق ما فشل في تحقيقه طوال سنوات الاحتلال من تمزيق وتفكيك لوحدتنا وتدمير لقيمنا الاجتماعية والأخلاقية الأصيلة و....
والآن نسمع أصوات منكرة تعلو لتهيئ لدق آخر مسمار في نعش القضية وإعلان ما حذرنا منه من سنوات طويلة من أن تكون غزة هي مقبرة الدولة الفلسطينية، وكثر الحديث عن فتح معبر رفح بشكل كامل ودائم قبل أن يتم إنهاء الانقسام وعودة اللحمة بين فلسطين الشرقية (الضفة الغربية) وفلسطين الغربية (غزة) كنا أطلق عليهما الكاتب الصهيوني ألف بن بعد حواره مع شارون أثناء عودتهم من نيويورك في الذكرى الستين لتأسيس هيئة الأمم المتحدة في إشارة إلى هدف شارون من الخروج من غزة! ما يعني تحقيق العدو الصهيوني ما فشل في تحقيقه طوال سنوات منذ اتفاق أوسلو وعودة السلطة للأراضي المحتلة وهو فك الارتباط نهائياً بين الضفة وغزة كوحدة جغرافية وسكانية! كما نسمع عن تحركات مشبوهة ومريبة لإعداد ترتيبات لاتفاق مرضي للعدو الصهيوني من خلال مبادرة السيد إياد السراج وعودة اتصالاته بالعدو الصهيوني لتحريك الوضع إضافة إلى أخبار كثيرة نُشرت في الفترة الأخيرة عن نفس الموضوع ....
وهنا لنا كلمة ونصيحة لأشقائنا في مصر وهي: التريث ثم التريث ثم التريث في فتح معبر رفح بشكل دائم وكامل مع تقديرنا لشعورهم بظروف ومعاناة أهلنا في غزة ومحاولتهم القيام بواجبهم ودورهم المسئول للتخفيف عنهم؛ لأن ذلك مطلب صهيوني قبل أن يكون فلسطيني وهدف وغاية رئيسة للعدو لإنهاء الوضع الشكلي الخارجي لغزة كأرض محتلة في القانون الدولي، وليوهم العالم بأنه أوفى بوعوده ومنح الفلسطينيين دولة لهم ويطالب العالم بالضغط على الفلسطينيين للوفاء بوعودهم له في تصفية المقاومة (علماً أنه لم يعد هناك مقاومة حقيقية) وإنهاء حالة الحرب والصراع نهائيا، وإقامة علاقات حسن جوار وحقه في أن يحيا داخل حدود كيانه المغتصب لفلسطيننا في أمن وسلام ودون تهديد، وأنه في حال لم يلتزم الفلسطينيون بذلك يكون من حقه الرد بقوة وقسوة على (صواريخهم الإرهابية) فذلك حقه في الدفاع عن نفسه ومواطنيه! يجب التريث وعدم الإقدام على هكذا خطوة قبل إنهاء الانقسام وفي ضوء رؤية إستراتيجية مستقبلية لانتزاع القضية المركزية للأمة من أيدي الفصائل الفلسطينية المتنازعة على مكاسب دنيوية وهمية، التي لا تتمتع بروح المسئولية وليست على مستوى القيادة كطليعة لقضية بحجم قضية الأمة المركزية واستعادة مسئولية الأمة عنها التي تبدأ في المرحلة القادمة من مصر!
إن كنتم رجال حقاً تبتغون رضا الله تعالى التفتوا إلى جبهتكم الداخلية ودعوكم من التعليلات الكاذبة ونفاق هذا أو ذاك وتصدوا لكل مَنْ يسعى لدق آخر مسمار في نعش القضية وتصفيتها بعد أن تم تصفية القضية وتكريس الانقسام أكثر مما هو مكرس وتحقيق أهداف العدو الصهيوني التي نشرناها في حلقات مطولة عدة مرات كلما جد جديد فيها من طرف العدو الصهيوني أو غيره، ولكن لا حياة لمن تنادي خاصة أولئك الساسة والحزبيين الذي غرتهم الدنيا وتنكروا لآخرتهم ولن يطول زمانهم وسيذهبون غير مأسوف عليهم كما ذهب غيرهم، فهذه الأرض لا يعمر فيها ظالم، فهي أرض رباط وجهاد إلى يوم القيامة وليست أرض سلطة وتسلط ودنيا ودناءة ...
وتذكروا أنتم وأرباب السلطات أنه لن يأسف عليكم أحد ولن يرحمكم التاريخ ولو كنتم من أصحاب العقول والألباب لاعتبرتم بمن سبقكم أو بتلك العروش التي تسقط وتهتز في زمن ما يسمى (الربيع العربي) وأدركتم أن مصيركم مصير الفراعنة الذي تتلون قصصهم في القرآن الكريم وتتشدقون بها عند حاجتكم ولكنكم تغفلون عنها في ممارستكم، ولأدركتم أن مصيركم كمصير كل غافل وصدق الله تعالى القائل: }وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ{ (إبراهيم: 44-46)!
لسنا قلقين على الأمة ولا على الأقصى لأننا واثقون من نصر الله تعالى ولكن ليس على أيديكم ولا عهدكم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون)!

التاريخ: 21/8/2012