تهويد القدس الشرقية
بمناسبة مرور الذكرى الخامسة والاربعين لاحتلال المدينة العربية
د. غازي حسين
في خضم حرب حزيران العدوانية عام 1967 التي اشعلتها "اسرائيل" بالتنسيق والتعاون الكاملين مع ادارة الرئيس جونسون احتلت القوات الاسرائيلية المعتدية في السابع من حزيران القدس الشرقية .
بدأت الجرافات الاسرائيلية بتغيير معالم المدينة العربية منذ الساعات الاولى للاحتلال لخلق وقائع جديدة لتهويدها ونزع طابعها العربي الاسلامي ، وذلك بتدمير المنازل والاحياء العربية وبناء المنازل والاحياء والمستعمرات اليهودية على انقاضها وبشكل خاص بناء سلسلة من المستعمرات تحيط بالمدينة المحتلة من جميع الجهات وخلق التواصل مع بلدية القدس الغربية المحتلة في حرب عام 1948 ولتحويل سكان المدينة العربية المحتلة الى اقلية .
نظمت دولة الاحتلال مباشرة بعد الاحتلال عقد مؤتمر لحاخامات اليهود في العالم في المدينة المحتلة طالبوا فيه ببناء الهيكل المزعوم على انقاض المسجد الاقصى المبارك . ورد عليهم كلمة واحدة وزير الاديان آنذاك (والقادم من المانيا) قائلا : "اننا لا نناقش احدا في ان الهدف النهائي لنا هو اقامة الهيكل ، ولكن لم يحن الوقت بعد ، وعندما يحين الوقت لا بد من حدوث زلزال يهدم الاقصى كي نبني الهيكل على انقاضه" .
واقام وزير الحرب موشي ديان بعد احتلال المدينة العربية مباشرة الصلاة امام حائط البراق الذي يطلقون عليه زورا وبهتانا "حائط المبكى" ، وهو وقف اسلامي ، وجزء لا يتجزأ من سور المسجد الاقصى وتعود ملكيته للمسلمين وحدهم ، وزعم ديان انه ملك لهم وعاد اليهم .
واكد شلومو غورين حاخام جيش العدو الصهيوني آنذاك "ان اسرائيل ستزيل المسجد الاقصى وتستعيد الهيكل " .
وبالفعل بدأ العدو المحتل منذ اليوم الاول للاحتلال بالاعتداء على المسجد الاقصى فقام بالعديد من من الحفريات والانفاق تحته وحوله بحثا عن اي اثر يمت الى الهيكل المزعوم بصلة . وقام بتدمير حارة المغاربة ومئات العقارات حوله . واقام ساحة المبكى على انقاض المنازل والمحلات العربية . واتخذت سلطات الاحتلال العديد من الاجراءات لتهويد المدينة المحتلة منها :

  • حل مجلس امانة العاصمة المنتخب ومصادرة املاكه المنقولة وغير المنقولة كعادة اليهود في النهب والسلب والسرقة .
  • الغاء المناهج الدراسية في المدارس العربية وفرض المناهج الإسرائيلية .
  • الغاء القوانين الاردنية واستبدالها بالقوانين الإسرائيلية .
  • الغاء الدوائر والمؤسسات والمحاكم الشرعية العربية والحاق بعضها بالدوائر الإسرائيلية .
  • فصل اقتصاد القدس المحتلة عن اقتصاد الضفة الغربية ودمجه بالاقتصاد الإسرائيلي .
  • اغلاق المصارف العربية ومصادرة اموالها واقامة المراكز الجمركية حول المدينة المحتلة .
  • اصدار بطاقات شخصية للمقدسيين من وزارة الداخلية الاسرائيلية .

وظهرت خطورة الاحتلال والاطماع الصهيونية في المسجد الاقصى بمحاولة احراقه ي 21اب 1969 ، وقطع المياه عنه ومنع سيارات الاطفاء القادمة من مدن الضفة الغربية من المشاركة في اطفاء الحريق .
وتابع المحتل الصهيوني عمليات حفر الانفاق تحت المسجد الاقصى وتدمير المنازل العربية والبنايات التاريخية الاسلامية واقامة الاحياء والمستعمرات اليهودية ، وذلك لتغيير المعالم العمرانية العربية الاسلامية التي تميزت بها المدينة المحتلة عبر قرون طويلة .
وتابعت حملتها الارهابية والوحشية ضد سكان المدينة المحتلة لترحيلهم منها واحلال مستعمرين يهود محلهم . وامتد الاستعمار الاستيطاني اليهودي الى القرى والمدن العربية المحيطة بالقدس لتحقيق مشروع "القدس الكبرى" لتصل الى رام الله شمالا والى بيت لحم وبيت جالا جنوبا والى قرى ابو ديس والعيزرية وعناتا شرقا . وضمت اكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية الى القدس المحتلة .
وانطلاقا من خرافة شعب الله المختار وارض الميعاد المزعومة وعنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني تعرضا التراث العربي الاسلامي والمسيحي الى التدمير والتهويد من خلال :-

  • الحفريات حول وتحت المسجد الاقصى حتى قرية سلوان لهدمه ومحاولة حرقه .
  • الاستيلاء على متحف الاثار الفلسطيني وتحويله الى متحف اسرائيلي ونقل بعض الاثار والمخطوطات منه الى المتاحف الاسرائيلية في تل ابيب .
  • مصادرة اراض وعقارات عربية اسلامية ومسيحية ومنها اربعة احياء مجاورة لمنطقة الحرم القدسي الشريف ومساحات واسعة من اراضي بطريركية الروم الارثوذوكس واراضي الوقف الاسلامي .
  • انتهاك حرمة الاماكن المسيحية المقدسة وسرقة تاج السيدة العذراء والاعتداء على كنيسة القيامة في عامي 1971و1977.
  • اطلاق اسماء يهودية على الشوارع والساحات العربية بدلا من الاسماء العربية والإسلامية .

ان ما جرى ويجري في القدس بشطريها المحتلين هو تحقيق للأطماع والاكاذيب والخرافات التي دونها كتبة التوراة والتلمود ، وتحقيق للاستعمار الاستيطاني العنصري الذي دفع بالكيان الصهيوني لإشعال حربي 1948و 1967 مستغلا المزاعم الدينية التي لا تشكل ابدا حقا من الحقوق في القانون الدولي لخدمة الاطماع المادية والدنيوية للصهيونية والصهاينة والكيان الصهيوني في الارض والمقدسات والثروات العربية.
وبلغ عدد المنازل التي هدمتها سلطات الاحتلال في القدس الشرقية وحدها بين اعوام 1967 وحتى 2008 حوالي 24145 منزلا. لذلك يمكن القول ان ما جرى ويجري في القدس العربية بشطريها المحتلين عملية تطهير عرقي بدأت في القدس الغربية عام 1948 وتصاعدت بعد احتلال القدس الشرقية عام 1967 ولاتزال مستمرة حتى يومنا هذا ، مما يشكل ابشع واخطر انواع الاستعمار الاستيطاني في التاريخ البشري .
ويريد العدو الصهيوني ان يجعل من تهويد القدس بشطريها المحتلين تتويجا لنجاح المشروع الصهيوني مستغلا هيمنة اللوبيات اليهودية على الادارات الاميركية والانحياز الاميركي الاعمى له وتقاعس السعودية وبقية من اسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم جامعة الدول العربية للمضي قدما في مشروعه لتدمير المسجد الاقصى وبناء الهيكل المزعوم على انقاضه.
ان الانفاق التي شيدتها دولة الاحتلال تحت المسجد الاقصى حتى سلوان تشكل خطرا داهما على المسجد الاقصى وبقائه وتلحق افدح الاضرار فيه واعتداء صارخ على حقوق العرب والمسلمين وعلى الوقف الاسلامي ومقدمة لتدمير الاقصى وبناء الهيكل المزعوم على انقاضه .
وينظر الشعب العربي الفلسطيني الى القدس المحتلة كقضية وطنية وقومية ودينية مقدسة وعادلة تتطلب التمسك بعروبتها وعدم التنازل عن ذرة من ترابها المقدس وتحريرها واقتلاع الاحتلال الاسرائيلي البغيض منها نظرا لان المفاوض الفلسطيني وافق على توحيدها وعلى المخططات الاسرائيلية فيها وعلى تبادل الاراضي لضمها وضم الاحياء والمستعمرات اليهودية في المدينة المحتلة وحولها الى الكيان الصهيوني وبتأييد من جامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب .