المحزرة الكبرى التي ارتكبتها الإمبريالية الأميركية في حق العالم منذ الحرب الثانية..

"تسعير النفط بالدولار الأميركي"..
"الولايات المتحدة" و"السعودية" و"إسرائيل" أفعى "جاكوندا" تخنق العالم وتعتصر دمه..
الحلقة الثالثة..
لكي نفهمَ دور السعودية في إدارة معادلات النفط والسلاح الأميركية في العالم عامة، وفي المشرق العربي خاصة، دعونا نبسط الموضوع من خلال المثال التالي..
سنفترض ما يلي لتسهيل الفهم..
1 - "الولايات المتحدة" هي "أ"، وهي تنتج معظم احتياجاتها من "النفط"، ومن "المواد الأولية الصناعية والزراعية"، وكل احتياجاتها من "السلاح"، ومن "منتجات الثقافة والإعلام"، ومن "الصناعات عالية التقنية"، وهي بالتالي تحتاج إلى استكمال ما ينقصها من الدول الأخرى التي تملكه..
2 - "المملكة السعودية" هي "ب"، وهي تنتج "النفط" فقط، وتحتاج بالتالي إلى "المواد الأولية الصناعية والزراعية" من الدول التي تملكها، وإلى "السلاح"، و"منتجات الثقافة والإعلام" و"الصناعات عالية التقنية"، من الولايات المتحدة..
3 – "مجموعة الدول التي تنتج المواد الأولية الصناعية والزراعية" هي "ج"، "د"، "ه"، "و"، "ز"، وهي تحتاج بالتالي إلى "النفط" من السعودية، وإلى "السلاح" و"منتجات الثقافة والإعلام"، و"الصناعات عالية التقنية"، من الولايات المتحدة..
ما هي معادلات التبادل التي تتحكم في هذه الدائرة البسيطة، التي يمكننا بعد أن نوضحها فنفهمَها، سَحْبُها على الدائرة العالمية الشبكية بالغة التعقيد في سيرورة التبادلات ومعادلاتها؟!
أولا.. سنبدأ بمتابعة ومراقبة سيرورة التبادل في الدائرة الضيقة "أ"، "ب"، "ج"..
* "ج" لا يستطيع شراء حاجته من النفط، إلا إذا امتلك الدولارات..
* وهو لا يستطيع امتلاك هذه الدولارات إلا إذا حصل عليها من "أ"..
* وهو لكي يحصل عليها من "أ"، يجب أن يبيعَه – أي لـ "أ" – شيئا يملكه، وهو تحديدا "المواد الأولية الصناعية والزراعية"..
* وقبل أن يقوم "ج" بإجراء أيِّ تبادلات مع "أ"، فإنه سوف يدرس وضعه الداخلي، فيضع خططه التنموية، بناء على طبيعة المجتمع ومكوناته وإمكاناته ومشاريعه وطموحاته.. إلخ، بالاستناد إلى قدراته الحقيقية، الكامنة في كميات منتجاته من "المواد الأولية الصناعية والزراعية" التي هي ما سيدر عليه الدخل، وسوف يرصد احتياجاته النقدية التي تخوله تمويل تلك الخطط، وبناء على نتائج ذلك سوف يرسم خططه التبادلية مع "أ"..
* سيكتشف "ج" أن احتياجاته التي يمكنها تمويل خططه القادرة على النهوض بدولته وبشعبه بشكل متوازن وصحي ومنتج على المديين القريب والمتوسط، هي تدفقات نقدية بقيمة "150" مليار دولار..
* لكنه سيكتشف أيضا أن قدراته الإنتاجية التي يفترض أن تُسَعَّر عالميا بما يمكِّنُه من تنفيذ خططه ومشاريعه، هي في الواقع مسعَّرة بما يجعلها تعجز عن ذلك، وهو لا يستطيع التحكم في التسعير، لأن "أ" وحده ولأسباب لها علاقة بالقوة وبالسيطرة وبالنفوذ على مستوى العالم، هو من يُحَدِّد الأسعار عبر بورصاته العالمية التي يديرها ويتحكم فيها..
* وبناء على ذلك، فإن "ج" سيضطر للقبول بالأمر الواقع المتمثل في بيع منتجاته الأولية الصناعية والزراعية لـ "أ"، بتدفقات نقدية قيمتُها فقط "100" مليار دولار..
* في هذه المستوى من اختلال كفتي معادلات التبادل، يكون "ج" قد أخل بمتطلبات التنمية والاستثمار المحليين المناسبين للاحتياجات الحقيقية للمجتمع، بما يمَكِّن دولتَه وشعبه من اللحاق بركب الأمم المتحضرة والمتمدنة والصناعية والمكتفية والآمنة اقتصاديا، وذلك بأن عَجِزَ عن تأمين الـ "50" مليار دولار اللازمة لاستكمال متطلبات الخطط التنموية المفترضة، والبالغة "150" مليار دولار، وهو الأمر الذي يبقيه أي "ج" متأرجحا داخل دائرة "التخلف" الذي سيتراكم يوما بعد يوم..
* ولهذا السبب ومن منطلق الأمر الواقع، نراه يوزع فاتورة نقده المتحققة عبر بيع منتجاته الأولية الصناعية والزراعية إلى "أ"، على البنود التالية..
- فاتورة مدفوعات لتغطية احتياجاته من النفط، وهي فاتورة سيدفعها إلى "ب"، وقيمتها "30" مليار دولار..
- فاتورة مدفوعات لتغطية احتياجاته الأمنية من السلاح والخدمات العسكرية، وهي فاتورة سيدفعها إلى "أ"، وقيمتها "10" مليارات من الدولارات..
- فاتورة مدفوعات لتغطية خطة تنموية قاصرة ومشوَّهة اعتمدها مُكرها، وهي فاتورة بقيمة "60" مليار دولار، سيذهب جزء منها وليكن "20" مليار دولار لـ "أ" ثمنا لمنتجات "ثقافية وإعلامية" من جهة، ولـ "منتجات صناعية عالية التقنية" من جهة أخرى..
* "أ" لا يكتفي بالمنفعة التي حققها عبر تحكُّمِه في تسعير منتجات "ج" الأولية، ااتي حصل عليها منه مجانا بطباعته لأوراق نقدية لا تكلفه شيئا، بل هو يريد أن يحول بكل الطرق دون هذه الأوراق النقدية، ودون أن تعود إلى أسواقه هو، فتستحلبَ ما لا يريد هو أن يُستحلبَ من سوقه بأسعارٍ لا يريدها.. فماذا يفعل؟!
* يدفع باتجاه رفع أسعار النفط التي يملك القدرة الكاملة عليها للأسباب نفسها التي مكنته سابقا من تحديد أسعار المنتجات الأولية لـ "ج"، ويُعلي لدى "ج" من إحساسه بعدم كفاية المخصصات للأغراض الأمنية، بافتعال المشكلات والصراعات الإقليمية التي يخشى "ج" من تأثيرها عليه وعلى أمنه، فترتفع فاتورة المدفوعات الأمنية لديه..
* - هذه المتغيرات تحدث اختلالات في موازنات "ج" وفي نمط مدفوعاته، باتجاه ارتفاع فاتورة النفط من "30" مليار إلى "50" مليار دولار"، وباتجاه ارتفاع فاتورة المدفوعات الأمنية لديه من "10" مليارات إلى "20" مليار دولار..
* وهكذا تتقلص فاتورة المدفوعات الإنفاقية لأغراض تنفيذ الخطط التنموية القاصرة والمشوهة أصلا، لتنخفض من "60" مليار دولار إلى "30" مليار دولار، فيحدث العجز الرهيب في المدفوعات التنموية والاستهلاكية الضرورية، وهو عجز لا مجال للسكوت عليه، لأن الخطط وضعت، ولأن الشعب يريد أن يأكل، فما بالك إذا كانت تلك الخطط أصلا تمثل الحد الأدنى الذي بدونه تتعرض البلاد للكوارث وللإفلاس وللمجاعات. فماذا يمكن لـ "ج" أن يفعل؟!
* لا مجال أمامه سوى للاقتراض من المؤسسات المانحة للقروض، وهي "صندوق النقد" و"البنك" لتغطية العجز الحاصل بسبب المستجدات المتعلقة بارتفاع أسعار النفط من جهة، وبالمتطلبات الأمنية الملحة من جهة أخرى..
* حتى هذه اللحظة يكون "أ" قد استعاد من الـ "100" مليار التي طبعها ثمنا للمواد الأولية التي اشتراها من "ج"، استعادة مطلقة بدون أن يتيح لها الفرصة للعودة إلى أسواقه على شكل أثمان لمنتجات محلية، مبلغا قيمته "19" مليار دولار، هي الفارق بين فاتورة "السلاح" السوقية، والبالغة "20" مليار دولار، والتكلفة الحقيقية لهذا السلاح والبالغة "1" مليار دولار، بسبب ان أسعار بيع سلاح "أ" إلى مستخدميه، تساوي في العادة وعلى أقل تقدير "20" ضعف التكلفة الحقيقية له..
* رغم أن "ج" لم يتمكن من إعادة التوازن النسبي إلى حالته التنموية المشوهة أصلا إلا باقتراض قيمة العجز البالغة "30" مليار دولار، فإنه بحكم طبائع الأمور، لن يغير في خطته التنموية تلك، بل هو سيعمل على تنفيذها، وبالتالي فإن ما قيمته "20" مليارا من هذه القروض التي تعود لملكية "أ" في الغالبية العظمى منها بحكم هيمنته على المؤسسات المقرِضَة، والتي هي مجددا مجرد أوراق مطبوعة، ستفقد جزءا كبيرا من قيمتها السوقية التي يراهن عليها المقترِض، وذلك بالحيلولة دون عودتها نقدا مستحلِبا للسلع والخدمات من أسواق "أ" بالشكل الذي يلبي احتياجات "ج"، لأن الـ "20" مليار التي نتحدث عنها، هي معدة وفق خطة "ج"، لشراء "متتجات ثقافية وإعلامية" و"صناعات عالية التقنية" من "أ" ذاته بحكم الحاجة بحسب الخطة الموضوعة. ولأن تسعير هذه المنتجات لا يختلف كثيرا عن تسعير "السلاح"، فإن هذا المبلغ سيفقد من قيمته السوقية المفترضة "19" مليارا أخرى، ليكون "أ" قد استعاد من إجمالي الـ "100" مليار التي طبعها ليشتري بها منتجات "ج" الأولية، ما قيمته "38" مليار دولار بدون أيِّ مقابل أو مسوِّغ غير فكرة "تسعير النفط بالدولار"، و"ارتفاع أسعار منتجات "أ" بشكل غير منطقي بالقياس للتكلفة الحقيقية"، والتحكم في مفاتيح التسعير العالمية للمنتجات الأولية"..
* ومع ذلك فإن "ج" الذي أعاد لـ "أ" ما قيمته "38" مليار دولار، من أصل "100" مليار دولار، "هديَّة ما من وراها جزيَّة"، فإنه معنيٌّ أيضا بإعادة الـ "30" مليار التي اقترضها بفوائدها كاملة، نقدا له قيمة سوقية تمنح "أ" قدرة شرائية من أسواق "ج" نفسه، مع أنها مجرد أوراق مطبوعة بلا أيِّ تكلفة تُذكَر..
* مع ضرورة التنبيه إلى واقعةٍ غايةٍ في الأهمية، وهي أن الـ "30" مليار التي اقترضها "ج"، ليست مبالغَ مضافة إلى الـ "100" مليار، التي تعتبر المبلغ الأساس الذي بنينا عليه تحليلَنا، حتى يتسنى لنا القول بأن "أ" استعاد "38" مليارا، وعاد ليدفع "30" مليارا، وبالتالي فهو لم يستعد في الواقع سوى "8" مليارات"، فهذا خطأ فادح، لأن القرض الذي اقترضه "ج" لم يكن بغرض إضافته على الـ "100" مليار، ليصبح المجموع "130" مليارا، بل بغرض تعويض النقص الذي اعترى هذه المليارات المائة، بسبب امتصاص قيمتها الشرائية بعد ارتفاع فاتورة النفط وفاتورة السلاح..
* تكشِف لنا هذه المعادلة التبادلية غير المتكافئة واقعةَ أن "ج" باع بـ "100" مليار دولار، ما يفترض أن يساوي "150" مليارا من الدولارات، هي حاجته الحقيقية لإحداث تنمية ونهضة متوازنة ومناسبة في مجتمعه، فحرف مسارَ النهضة عن سكَّته الطبيعية المفترضة، وبطَّأَها إن لم يكن قد دمرها أصلا، عبر إفقار البلاد، وبيع مواردها بأرخص الأثمان وأزهدها، واشترى بـ "130" مليارا مضافا إليها فوائد القرض الذي سيدفعه بطبيعة الحال، ما لا تزيد قيمته الحقيقية عن "100 – 38" أي عن "62" مليار دولار. أي أنه حصلَ في نهاية المطاف على منتجاتٍ خارجية قيمتُها أقل من "62" مليارا من الدولارات "بعد احتساب الفوائد على القرض"، عبر استبدالها بمنتجاتٍ محلية تزيد قيمتها الحقيقية عن "150" مليار من الدولارات، عندما نفترض أن ثروةَ أيِّ أمة من الأمم، يجب أن تكون مُقَيَّمَةً عند مبادلتها السوقية عالميا، وفقَ حاجاتها التنموية والنهضوية الحقيقية، وليس وفق سياسات تسعيرية تضعها قوى رأس المال والاحتكار المتحكمة في العالم، في ضوء مصالحها الخاصة وفي ضوء سيرورات أسواقها ونظمها الاقتصادية.. هذا ونحن لم نأخذ في اعتبار احتساب هذه الخسارة التبادلية، واقعة أن أسعار النفط المرتفعة هي في ذاتها أيضا أسعار غير متناسبة مع طبيعة الكلفة الإنتاجية للنفط، وهو ما لم نحتسبه بعد في معادلة الخسارة الرهيبة هذه، وهي الخسارة التي بدأت بتشويه المسار التنموي لـ "ج"، ثم بحرفه عن متطلباته الضرورية، ثم بربطه بعجلة الديون التي ستبقيه يدور في حلقة مفرغة لا تتوقف من التبعية والتراجع، معمِّقة "الفقر" و"البطالة" و"التفاوت الطبقي"، ومفاقمة كلَّ أنواع الفساد المالي والإداري..
* وفي مرحلة متقدمة، فإن هذه الحلقة المفرغة التي وُضِعَ في أتونها "ج"، ديونا، وارتفاع أسعار عناصر ضرورية لتنميته.. إلخ، ستجعله يصل إلى ميدان معركة أشدَّ خطورة، يجد نفسه معها غير قادر على تأمين الحد الأدنى من المداخيل والتدفقات النقدية من خلال تسويق مواده الأولية التي كانت في السابق تساعده على تحقيق حد من الدخل يمنحه بعض المرونة، ما يدفعه إلى ولوج منطقة هي بالنسبة له "المقتل"، عندما يبدأ يراهن في تحصيل هذه المداخيل الضرورية على التوجه إلى إنتاج أنواع من "الصناعات"، وعلى إنتاج نوع من "الزراعات" التي لا يطلبها المجتمع لغاياته الاستهلاكية، وإنما فقط لتلبية احتياجات أسواق وأذواق "أ". فتتحول سياسته الإنتاجية التنموية ذاتها، إلى سياسة قائمة على تلبية احتياجات "أ" وليس احتياجات "ج" نفسها. وهنا تكون حلقة التبعية قد اكتملت، والارتهان قد تحقق، وبدأ "ج" بوضع نفسه على بوز مدفع الكارثة الاقتصادية، التي لن يحلها سوى التمرد الشامل على كل أشكال البُنى المجتمعية والمؤسسية السائدة في الدولة..
* بمواصلنا متابعة هذه الدائرة التبادلية البسيطة، قبل أن يكون "ج" قد وصل إلى مرحلة الكارثة الاقتصادية، سنرى أن "ج" سيتجه إلى "ب" لشراء نفط يدفع فاتورته بقيمة "50" مليار دولار بعد ارتفاع أسعاره..
* "ب" إذن حصل على أول تدفُّقٍ نقدي من بيع نفطه، وهو "50" مليار دولار..
* إذن في الدائرة المغلقة الضيقة "أ"، "ب"، "ج"، هناك طرف أول هو "ج" تمَّ تدميره ورهنه وسحقه اقتصاديا، وهناك طرف ثانٍ هو "ب" بدا وكأنه يجمع تدفقات نقدية هائلة بكل بساطة من ريع مادة وحيدة هي "النفط"، وطرف ثالث استحلب "أ" وقيَّده وحرمه التحرك خارج خنادقه، وهو ينتظر ليفعل شيئا ما بالتدفقات النقدية التي بدأت تهل إلى جيوب "ب" من خلال ما فعله بـ "ج"..
ثانيا.. الأمر نفسه الذي حدث في الدائرة "أ"، "ب"، "ج"، سيحدث ويتكرر في الدائرة "أ"، "ب"، "د"، وفي الدائرة "أ"، "ب"، "ه"، وفي الدائرة "أ"، "ب"، "و"، وفي الدائرة "أ"، "ب"، "ز"، لتكون النتيجة النهائية في هذه المرحلة، في حلقة تبادل عالمية محدودة مصاغة على النحو التالي..
* الدول "ج"، "د"، "ه"، "و"، "ز"، تم تدميرها ورهنها وربطها وتقييدها، والزج بها في وديان الدمار الاقتصادي السحيقة، وإغراقها في الفقر والبطالة والجوع والجهل والمرض وصعوبة التنمية، ودفعها إلى استنزاف مواردها بالمجان تقريبا.. إلخ..
* الدولة "ب"، وهي "المملكة السعودية"، كنزت تدفقات نقدية "بترودولارية" قيمتها "250" مليار دولار، هي أكبر من قدراتها التنموية والإنفاقية والاستثمارية التي يمكن أن يتخيلها عقل، في ضوء قدراتها البشرية وإمكاناتها العلمية والمعرفية.. إلخ..
* الدولة "أ"، وهي الولايات المتحدة الأميركية، التي نهبت كل شعوب العالم الفقيرة، واستنزفت مواردها وثرواتها، وزجت بها في أتون التجاوب مع احتياجات السوق الأميركية، وربطت كل دول العالم الفقير والنامي بمشكلات من نوع يبقيها مرهونة لها، وتابعة لمركزيتها، على رأسها المديونية والإنتاج التصديري، مرسخة في تلك الدول لضمان استمرار هذه الحالة الممعنة في التبعية، أنظمة حكم فاسدة ومفسدة، ارتبط بقاؤها واستمرارها، بوظيفيتها التي وُلِدت في قلب الفساد والإفساد خلال مراحل تكريس التبعية الاقتصادية للمركز الرأسمالي الاحتكاري الأميركي..
ثالثا.. يبدأ المستوى الثالث من مستويات تنفيذ المعادلة التبادلية الإمبريالية، بأن يوجه "أ" فوهات مدافعه إلى التدفقات النفطية الهائلة التي حظي بها "ب" خلال قيام "أ" بتقطيع أوصال "ج"، و"د"، و"ه"، و"و"، و"ز". ويتم ذلك على النحو التالي..
* امتصاص قِيَم هائلة من المدخرات البترودولارية لدي "ب" في صفقات تسلح تعتبر الأضخم من نوعها في العالم وعبر التاريخ، وفق نظام التسعير نفسه الذي تحدثنا عنه سابقا، وهو أن سعر البيع يكافئ عشرين ضعف سعر الكلفة الحقيقية للسلعة أو للخدمة العسكرية والأمنية المقدمة من قبل "أ" لـ "ب"..
* في هذا السياق يتم عقد صفقات تصل قيمها إلى "50" مليار دولار، وهو ما يعني أن "أ" عاد مجددا ليستعيد بالمجان وبلا أيِّ مقابل مبلغا قيمته أكثر من "47" مليار دولار من النقد الذي طبعه واشترى به منتجات "ج"، "د"، "ه"، "و"، "ز"..
* ثم يتم التجهيز لحربٍ أقليميةٍ تندلع على أرضية الصراعات والخلافات والتخندقات القائمة في الإقليم، على أن يتم تمويلها بجزء من مدخرات "ب"، تبلغ قيمتها "100" مليار دولار، وبالتالي ولنفس الأسباب المتعلقة بالفوارق المهولة بين سعر بيع السلاح وتكلفته الحقيقية، نستطيع القول بأن "أ" يكون قد استعاد من المبالغ التي دفعها ورقا نقديا مطبوعا بالمجان للدول المنتجة للمواد الأولية، ما قيمته "95" مليار دولار، وبالتالي تنخفض أكثر فأكثر، القِيَم السوقية الحقيقية لتلك التدفقات النقدية لصالح "أ"، وعلى حساب الحاجات الفعلية للدول المنتجة للمواد الأولية..
* ولكن "أ" لا يكتفي حتى بكل ذلك، وتبقى أنظاره متجهة صوب الـ "100" مليار المتبقية لدى "ب"، ولأنه لا يرى أن هذا الأخير يستحق منها أكثر من "50" مليارا فقط لتمويل برامجه الداخلية ونفقاته التنموية والاستهلاكية، فإنه يعمل على تبخير الـ "50" مليارا الأخرى عبر مداخن البورصات، لأن هذه المليارات كلها في الأساس موجودة عند "أ" على شكل مدخرات وسندات حكومية وأسهم يتم تداولها في الأسواق المالية العالمية التي يهيمن عليها "أ" أساسا..
* وهكذا تكون الدائرة قد اكتملت، محققة المعادلة التالية..
- حصول "أ" على كل احتياجاته من المواد الأولية الصناعية والزراعية بما يقارب المجان الفعلي..
- إدخال "ج"، "د"، "ه"، "و"، "ز"، في دوائر الفقر والبطالة والاستدانة والتبعية المزمنة التي لا تحل إلا بالثورات العارمة على النظام الرأسمالي برمته..
- تمكين طبقات من المفسدين والفاسدين من الكومبرادور والبيروقراط من التحكم وإدارة السلطة في تلك الدول وفي غيرها من الدول الدائرة في هذا الفلك الوظيفي، لتعمل على الإبقاء على المعادلات قائمة كما هي، وتؤجل أيَّ ثورة ضدها إلى أبعد مدى زمني ممكن..
- الإبقاء على نقاط الاشتعال والاحتكاك مهيئة للحروب والتقلبات الدائمة على مستوى العالم، مع التركيز غير العادي على إقليم المشرق العربي لاعتبارات جيوسياسية، تتكامل فيها أدوار "الوظيفية العربية" بقيادة "الوظيفية السعودية"، مع الوظيفية "الصهيونية الإسرائيلية"..
ملاحظة..
كان ما سبق عرضا لصورةٍ مبسطة لمعادلةِ التداول العالمية الناجمة عن مبدأ "تسعير النفط وتداوله في السوق العالمي بالدولار الأميركي"، وهو المبدأ الذي تمت حياكته على شكل مؤامرة بين الرئيس الأميركي "روزفلت" رمز الغطرسة والاستعلاء، والملك السعودي "عبد العزيز آل سعود" رمز التبعية والهوان، من على ظهر سفينة كانت تعبر قناة السويس قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية بوقت قصير. نعم إنها صورة مبسطة عن تلك المعادلة، سواء لجهة عدد وأنواع الدول المندمجة في تنفيذها أو في الخضوع لها، أو لجهة قِيَم التدفقات الدولارية المتداولة عبر الأسواق التي تخلقها تلك المعادلة التبادلية شديدة الإجحاف..
أما وأنَّ الواقعَ غير ذلك تماما، من حيث أن كلَّ العالم يمثل شبكةً أخطبوطية شديدة التعقيد، تشارك بمجملها في تمرير هذه المعادلة المدمرة لنظام الكوكب الأرضي برمته، ومن حيث أن قِيَم التدفقات التي تمرُّ عبر أسواق تلك الشبكة تدور في فلكٍ تريليوني، فلنا أن نتصور حجم الكارثة التي تعاني منها البشرية، وآفاق الهاوية التي هي مقبلة عليها تحت قيادة "الإمبريالية الاحتكارية الأميركية"، ما لم يتمَّ الإسراع في تغيير النظام العالمي القائم، عبر استبداله بنظامٍ عالمي جديد أكثر عدالة وإنسانية وحرصا على النوع البشري وعلى الكوكب الأرضي..
نظام عالمي جديد، لا مكان فيه للهيمنة الإمبريالية الأميركية، عبر خلوِّه ابتداءً من "الوظيفية الصهيونية"، وعلى رأسها "الوظيفية السعودية" وتوابعها من "الوظيفيات العربية" أولا، و"الوظيفية الإسرائيلية" ثانيا..
إن الولايات المتحدة يجب أن تعود إلى ما كانت عليه قبل انفتاحها على العالم مع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، دولة تنعم بخيراتها داخل حدودها القارية، معفاةً من أيِّ وصاية على العالم الذي لم يتضرَر في تاريخه ضررا كالذي عانى منه في هذه الحقبة من تاريخه، ألا وهي الحقبة الإمبراطورية الأميركية..