العرب والعربية والعروبة..

خلافا لكل القوميات في العالم، ترتكز القومية العربية على ثلاث ركائز، بدل ركيزتين اثنتين..

فكل قومية تقوم على ركيزتين فقط هما، "العرق" و"الثقافة"..

مع الأخذ في الاعتبار أن اللغة هي مُكَوِّن أساس في ثقافة كل قومية..

ماعدا القومية العربية، التي تقوم على ثلاث ركائز هي..

العرق"، و"الثقافة"، و"القيمة"..

العرق هو "العرب"، والثقافة هي "العربية"، والقيمة هي "العروبة"..

وقيمة "العروبة" هي أهم عنصر في القومية العربية..

إن قيمة "العروبة"، هي ذلك التلاقح التاريخي بين "العرق العربي وثقافته ولغته بالتالي" من جهة، وبين أكثر من ألفي سنة من النبوات من جهة أخرى..

إن العرق العربي والثقافة العربية ومنها اللغة العربية، تطورت في حاضنة "النبوة" على مدى أكثر من ألفي سنة..

كما أن "النبوة" تطورت ونمت وتفعلت، في بيئة العرق العربي، وعبر ذاكرة الثقافة واللغة العربيتين، على مدى الألفي سنة التي عاشتها "النبوة" من "إبراهيم" إلى "محمد" عليهما السلام..

إن هذا التفاعل وتبادل التأثير بين "العرب" و"العربية" من جهة، و"النبوة" من جهة أخرى، ولَّد قيمةً تطورت على مدى الألفي سنة من النبوات، هي "العروبة"..

والعروبة بهذا المعنى، هي ذلك المنتج القِيَمي الذي تلون بألوان "العرق العربي وثقافته ولغته"، وهي تختلط بألوان "ثقافة النبوة"، في الجغرافيا العربية..

فلقد كان "العرب" يتلونون بألوان "النبوة"، وكانت "النبوة" تتلون بألوان "العرب"، من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى آخر..

فكانت "العروبة" التي هي ذلك المنتج القِيَمي، هي صفة "العرب"، وهي صفة "النبوة"، في الوقت ذاته، لا تنفصل في إحداهما عنها في الأخرى..

فلا "النبوة" يمكنها أن تُقرأَ بمعزل عن "العروبة"، ولا "العروبة" يمكنها أن تُقرأَ بمعزل عن "النبوة"..

أي، لا "عروبة" يمكنها أن تتشكل، إلا و"النبوة" في روحها، ولا "نبوة" يمكنها أن تتجسَّد، إلا و"العروبة" في بنيتها..

ولأن "النبوة" لم تنقطع ببعثة آخر رسول إلى البشرية وهو محمد عليه السلام، إلا بمعنى انقطاع "الوحي"، في حين أنها استمرت في "العقل" إلى الأبد..

فإن "العروبة" التي بدأت مغ بزوغ فجر النبوات، وتطورت معها في مسيرتها الطويلة، ما تزال تتطور مع تطور مسيرة "نبوة العقل"..

نستطيع أن نستقرئ أن "العروبة" مرت منذ بزوغ فجرها وحتى اليوم بثماني مراحل كبرى، تفصل بينها منعطفات ثقافية وفلسفية عميقة، كانت تنتقل العروبة بموجبها من مرحلة إلى أخرى. ويمكننا حصر هذه المراحل الثماني في الآتي..

أولا.. مرحلة ما قبل التكوين.. وهي المرحلة التي تمتد من أقدم تاريخ لجزيرة العرب، إلى مرحلة بدء عصر النبوات..

ثانيا.. مرحلة التكوين.. وهي المرحلة التي تمتد على مدى عصر النبوات كاملا، بدءا بـ "إيراهيم"، وانتهاء بـ "محمد" عليهما السلام..

ثالثا.. مرحلة الرسالة.. وهي المرحلة التي تبدأ بلحظة انتقال الرسول الكريم "محمد بن عبد الله" عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، وحتى حدوث الانقلاب الأموي..

رابعا.. مرحلة الإمبراطورية.. وهي المرحلة التي تبدأ بانتصار "معاوية بن أبي سفيان" على "علي بن أبي طالب"، ولغاية بدء هيمنة الأعراق غير العربية على دولة الخلافة، كالسلاجقة، والبويهيين، والعبيديين، والغزنويين، والخوارزميين، والأتراك، والمماليك.. إلخ..

خامسا.. مرحلة الانزواء.. وهي المرحلة التي تبدأ بانحسار العرب عن حكم الدولة العباسية وانتقاله إلى الأعراق غير العربية، وحتى سقوط الدولة العثمانية..

سادسا.. مرحلة الاحتلال.. وهي المرحلة التي سيطرت فيها على الجغرافيا العربية الدول الاستعمارية الأوربية..

سابعا.. مرحلة الوظيفية.. وهي المرحلة التي سيطرت فيها على الجغرافيا العربية، أنظمة وظيفية حكمتها بعد الاستقلال السياسي الشكلي عن الاستعمار..

ثامنا.. مرحلة عودة الوعي.. وهي المرحلة التي بدأت بالربيع العربي الراهن..

ومع أن لكل مرحلة من تلك المراحل ظروفها ومواصفاتها وقوانين دراستها وأدوات التعرف عليها..

إلا أن القاسم المشترك بينها جميعها، هو أننا حيثما وجدنا "العروبة" مغيبة، فإن العرب مغيبين، ولا تكون "العروبة" مغيبة إلا إذا كانت "النبوة" مغيبة، وأكبر مظهر من مظاهر تغييب النبوة هو تحريفها وتشويهها..

وبالتالي فنحن في مرحلة استعادة وعينا القومي العربي، يجب أن نخوض معاركنا على جبهة تنقية "النبوة"، لتنقية "العروبة"، بالدرجة الأولى..

فلا أمة عربية بدون مكونات "قيمة العروبة" الحقيقية، ولا "قيمة عروبة" حقيقية، بدون "نبوة العقل"، ولا "نبوة للعقل" بدون تنقية "نبوة الوحي" من كل الشوائب التي علقت بها على مدار التاريخ، في سياق معارك معاداة "العروبة" و"النبوة" على حدٍّ سواء..