ماكس الوفاء والعقوق...بقلم آرا سوفاليان
في العام 1980 كان عندي كلب شيان لو اسمه ماكس، له بيت على البلكون يسرح ويمرح وينام في بيته ويراقب ليلاً الكلاب الشاردة التي تمزق الظلام بنباحها والتي تدور حول ستاد العباسيين حيث منزل أهلي، فلا يرد عليها لكي لا يزعج أهل البيت وهو كلب ذئب مهجن ذكي جداً ومخلص جداً، كنا نأخذه انا واخوتي الى مشاوير الصيد فكان يركض ويطارد ويعود خالي الوفاض، دون ان يتشاجر مع كلاب الصيد، فلقد كان يحترم الاختصاص...ونعيده الى البيت متعب.
وفي خدمة العلم كان ينتظرني لأعود من الجيش مساء كل يوم خميس و كان يبدأ بالنباح والركض على بلكوننا الطويل قبل عشرة دقائق من وصولي فتعرف امي انني وصلت ومرة تم سجني في القطعة وانتظرني مساء الخميس ولم أحضر وانتظر الى اليوم التالي ثم اليوم الذي يليه وقائمتاه الأماميتان على سور البلكون وعيناه تتفحص المارة ووصل به الملل الى أقصى حد فامتنع عن الطعام والشراب حتى جئت ... وكبر ماكس وصار عنيفاً في البيت يمزق الأحذية وجزادين الجلد والجزمات ويثقبها بأنيابه ويقفز على البرادي يمزقها ويرميها على الأرض وامتدت هواياته الى ثقب فرشات النوم واخراج الصوف من داخلها فطلبت امي منا انا واخوتي تدفيره ...فدفرناه الى السويداء ضهر الجبل في مزرعة لصديق والدي وعدنا من هناك نادمين. وتشاجر ماكس مع كلاب الرعيان فأدموه في المرة الأولى ثم مزقوه فنزف ونفق في المرة الثانية ...حزنت عليه كثيراً وعرفت معادلة أكيدة وهي ليس هناك من هو اشد وفاءً للانسان أكثر من الكلب وليس هناك أكثر عقوقاً من الانسان الذي يبادل غالباً الوفاء بالعقوق.
وقد علمت من زوجتي انه وفي بداية الثمانينات وربما قبل ذلك وكانت طفلة ترفض المجيء مع شقيقتها وامها لزيارة امي بسبب وجود ماكس على البلكون، وكنت أنا في العمل مع الفرق الموسيقية ومسافر على الدوام، بالطبع لم اراها ولا مرة في ذلك الوقت وكانت وقتذاك طفلة وامها صديقة أمي وكانت امها تجبرها على الصعود فتقضي زيارة رعب مع ان ماكس مربوط وعلى البلكون قالت لي بعد الزواج انها لم تتوقع في عمرها ان يصبح صاحب هذا الكلب المرعب ... زوجها في المستقبل...كنت اضربه ليتوقف عن العبث بالمفروشات في المنزل ولكنه وبالرغم من ذكائه الاستثنائي كان يصر على التغابي، فأرغمني على التضحية به خاصة وان أصله ذئب...فكنت أخاف من ان يهاجم أهلي.
اليوم مساءً وقد ندرت المشاوير المسائية نزلنا من البيت انا وأم البنات والبنتين آني وكارني وكنت كعادتي استحث الخطى للوصول الى السيارة قبلهم وهم خلفي فسمعت صرخة استغاثة فخفت ونظرت الى ناحية الأطفال وأمهم لمعرفة سبب هذه الصرخة الثلاثية فرأيت فتاة من الحارة قد خرجت مع كلبها الصغير في نزهة قصيرة ، وعندما وقع نظري على الكلب الموعود بالنزهة انفجرت من الضحك، لقد كان كانيش فوكس قزم أبيض طوله شبر ونصف معقوص ومحلوق الفروة بالكامل عدا الرأس منظره مضحك الى درجة لا تصدق ذليل وتعيس ويستحق الشفقة يجر خطواته بخجل بسبب الحلاقة على الصفر، ولا بد انه انفلج لأنه لم يستطع معرفة سبب صرخة الاستغاثة الثلاثية التي صدرت عن الشقيقتين وأمهم، ولا بد انه فقد صوابه من الرعب فلقد كانت هذه الصرخة الثلاثية أكثر من تحمله...وحزنت من اجله فلقد كان يقف مهزوزاً ذليلاً، وتمنيت أن أواسيه، من اجل الحلاقة على الصفر بالمقلوب "جسم بدون الرأس" ومن اجل الرعب الذي سببته له صرخة الاستغاثة، فكان أضعف من أن يقبل المواساة.
ان عدم الخوف من الكلاب هو نعمة كبيرة، وبعد العودة اتصلت باختي وسألتها عن الأحوال في المنطقة التي تسكن بها فقالت سيئة للغاية قلت لها اذا شعرتي بخطر جدي ضعي اولادك في السيارة وتعالي الى منزلي، وبعد فترة صمت طويلة قالت لي: هذا مستحيل...قلت لماذا؟... قالت هل نسيت ان لدينا كلبة...قلت: وماذا في الأمر ؟...قالت: هذه واحدة من افراد العائلة...قلت: وأين المشكلة احضروها معكم؟...قالت: هل نسيت ان زوجتك تخاف من خيال الكلاب؟... فعلاً فلقد كانت امي تضع الطعام لماكس فينبح عليها فلا تهتم له، اما زوجتي فهي مستعدة للعودة الى دار اهلها إن كانت هناك مجرد نية...مجرد نية... لإحضار كلب الى المنزل حتى ولو كان بحجم السنجاب الصغير، لا بد أن كل شيء بالوراثة فسبحان الله الوارث والمورّث.
آرا سوفاليان
arasouvalian@gmail.com
12 07 2012