ا
أهمية زيارةالفلسطينيون، لدولة الاحتلال الصهيوني
الكاتبوالباحث احمد محمود القاسم
يومالاحتلال الصهيوني للضفة الغربية ومدينة بيت المقدس في العام 1967م، كنت يومها،استكملُ دراستي الجامعية، خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم اتمكن من العودةالى الضفة الغربية، وزيارة عائلتي، وبيتنابمدينة القدس، لأسباب موضوعية، خارجة عن ارادتي، ولكن بعد اتفاق اوسلو، وبعد اكثرمن عشرة سنوات من الاتفاق، تمكنت من العودة الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، علىأمل اتمام مصالحة تاريخية، مع العدو الصهيوني، تحقق لنا، جزءا من حقوقنا التاريخية،وبعدها نواصل النضال، حسب الظروف المتاحة، لاستكمال أخذ كافة حقوقنا، وكنت خلالتلك الفترة، متحفظا بالعودة الى مدينتي المقدسية، مهما كانت الذرائع، بحجة انني،لا اقبل ان ادخلها، وهي تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، الذي يدنس مقدساتها، ويذلاهلها يوميا، بكل لحظة، وفي كل مكان، لكنني عدت مع من عاد أخيرا، بعد فترة زمنيةطويلة نسبيا، وتحفظاتي التي كنت اتمسّك بها، بعدم العودة الى الضفة الغربية ومدينةبيت المقدس، كونها محتلة من قبل اليهود الصهاينة، زالتْ كليةً، من عقلي وتفكري،وقلتُ يومها، طالما هناك مصالحة سياسية، يمكن أن توفر لنا الحد الأدنى من حقوقناالسياسية والوطنية، وتضعُ لنا سقفا مقبولا من الحقوق السياسية والأرض، تصبحتحفظاتي غير مقبولة، ومرفوضة.
الكثيرمن ابناء شعبنا الفلسطيني، كان يحمل مثل قناعتي هذه، ولكنه تراجع عنها مثلي وعاد،ومنهم ما زال على موقفه هذا، ولم يقبل بالعودة، من فهم وطني كما يعتقد، كنت أناشخصيا، قد تَبَنيْتُه، وهو كيف منا من يقبل بالعودة، والضفة والقدس محتلة، واعتبران موقفه هذا، موقفا وطنياً، يجب على الكل التمسك به، ويدعو الآخرين ايضا للتمسكبه، وعدم العودة مهما كلفه الأمر ذلك.
بعدعودتي الى الضفة الغربية المحتلة ومدينة بيت المقدس، وتأقلمي مع الوضع القائموممارسة اعمالي، ودوري الذي افهمه جيدا، والمنوط بي القيام به، ندمتُ كل الندم،على عدم عودتي الى اهلي وشعبي ووطننا المحتل، في وقت مبكر، فعودتي على الرغم من كونهاتمّتْ في ظروف سياسية، تميل بها موازين القوى لمصلحة العدو الصهيوني، لكن مثل هذهالعودة، جعلتني أقف فوق تراب وطني الفلسطيني، وقريبا، من شعبي وأهلي، وأتحمّلُمثلهم معاناتهم، وأتأّلم لألمهم، وافرح لأفراحهم، وأساعدهم بقدر المستطاع، حسبقدراتي المتاحة، الفكرية والثقافية وخلافه،وأصبحت امارس دوري المنوط بي، وان امارسه كبقية ابناء شعبي، وأُساهم معهمبالمقاومة المدنية، بكافة اشكالها، من اجل خلق عملية نهوض جماهيري، تعمل على دحرالاحتلال الصهيوني، من فوق اراضينا المحتلة، حتى لو كان شبرا واحدا، كوْن عمليةالنضال، عملية تراكمية في النهاية، وبالمحصلة الأخيرة، ستنهي الاحتلال، مهما طال أمده،وكما يقول المثل الفلسطيني: (تمسكن حتى تتمكن) وأيضا )خذ ثم طالب). وتمكنتُ من خلال هذه العودة، من فهم وضع شعبي جيدا، والتعرف على بلادي المغتصبة،وطبيعة ممارسات الاحتلال الصهيوني، ضد ابناء شعبي، فزدت تعاطفا معهم، وتضامناومؤازرة، لهم، بشتى الوسائل، والطرق الممكنة.
خلالفترة اقامتي بالضفة، وحتى يومنا هذا، كنت متحفظا ايضا، على زيارة اراضي فلسطينالتاريخية، منذ الاحتلال الصهيوني لها في العام 1948م، والتي يقام عليها حاليا، مايعرف بدول (اسرائيل)، لأسباب عديدة موضوعية، لا تختلف كثيرا، عن اسباب رفضي للعودةالى الضفة الغربية.
لكنمع مرور الزمن والوقت، تراجعتْ تحفظاتي وقناعاتي كثيراً عن ذي قبل، كما حصل معياول مرة، وأصبحتْ قناعاتي، تصبْ، بأنه من واجبي زيارة كل شبر من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، والتعرف عليه، وزرع مواصفاته في عقلي وفكري، ووجداني وقلبي، والتحدث بهلكافة ابنائي، وأهلي وأصحابي، كي لا ننسى فلسطين.
يومالاثنين الماضي الموافق 4/6/2012م، وهو يوم ذكرى استشهاد أخي القائد الوطنيالفلسطيني عمر القاسم، كنت على موعد برحلة جماعية، مع مجموعة من الزملاء، لزيارةهضبة الجولات السورية المحتلة، وبحيرة طبرية، وكان لزاما عليَّ، ان ارفض المشاركةبهذه الرحلة، لأن في مثل هذا اليوم، ذكرى استشهاد أخي القائد الوطني الفلسطيني عمرالقاسم، وهناك احتفال مركزي لإحياء ذكرى استشهاده، وكان لزاماً عليَّ المشاركةبمثل هذه الذكرى العزيزة على قلبي، وعلى قلب كل مناضل شريف، ولكن، على الرغم منذلك، آثرْتُ المشاركة بالرحلة، على المشاركة بذكرى استشهاد أخي، لقناعتي العميقة،ان مثل هذه الرحلة، والتي ستعرفني بفلسطين المحتلة، لن تقل اهمية، عن مشاركتي فيذكرى استشهاد أخي الذكرى (الثالثة والعشرون).
تمتالرحلة بالموعد المحدد، المخطط لها، وذهبنا برحلتنا، عبر مدينة القدس الغربية، باتجاه شمال فلسطين المحتلة،واخترقنا في سيرنا الكثير من المدن والقرى الفلسطينية، والتي شهدت معارك قوية فيالعام 1948م، وسقط بها العشرات من الشهداء والجرحى، من ابناء شعبنا الفلسطيني، مثلمعارك باب الواد والقسطل وكفر قاسم، وقبية وأبو غوش وغيرها من المواقع، وقد عادتبنا الذكريات، الى ما تعلمناه بالكتب الدراسية، عن الاحتلال الصهيوني، ووحشيتهوإجرامه، وعن المعارك البطولية التي خاضها ابناء شعبنا، من اجل التمسك بأراضيهوممتلكاته، ومن اجل الدفاع عن كرامته وحريته، وبهذه الرحلة، نكون عمليا، قد شاهدناما تعلمناه في دراستنا نظريا، عن قرب، وشاهدنا المدن والقرى الفلسطينية، التي أُجْبرأهلها على مغادرتها بالقوة والعنف الصهيوني، وبذلك ترسَّختْ الصورة التي تعلَّمناهانظريا، بشكل عملي، بحيث لن تمّحي هذه الذكرى والصورة المنطبعة لدينا، من عقولناومن قلوبنا، مهما طال الزمن.
زرناهضبة الجولان السورية المحتلة، وبحيرة طبرية، وشاهدنا المستوطنات الصهيونيةالمنتشرة في كافة الأراضي الفلسطينية، في أراض فلسطين التاريخية، كما مررنا لبعضالوقت، بكيبوتس صهيوني، حيث شرح لنا دليل الرحلة، عن الكيبوتس هذا، وماذا يعنيبالنسبة لليهود الصهاينة، وكيف يتم العمل فيه من قبلهم، وان مثل هذا الكيبوتس،يمثل جمعية تعاونية زراعية اشتراكية صهيونية، تأوي به مجموعة من المتطوعين اليهودالصهاينة، او المؤيدين للفكر الصهيوني، من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حيثيعملون فيه بشكل جماعي، من اجل دعم وتطوير هذا الكيبوتس، بشتى الطرق الممكنة، ومن اجل زيادة عدد هذه الكيبوتسات، في كافةالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحدّثَ لنا دليل الرحلة، عن وجود اكثر من ثلاثمائةكيبوتس، مقامة، على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهناك انواع كثيرة من هذهالكيبوتسات الغير زراعية، كالصناعية والسياحية وخلافها، ويتم العناية بأطفالالكيبوتس، بشكل جماعي، من حيث تربيتهم وتغذيتهم وتدريبهم عسكريا، وتثقيفهم بالفكرالصهيوني النازي والعنصري، ضد ابناء شعبنا الفلسطيني، وهي مهيأة لتقديم كافةالخدمات الممكنة، وبها فنادق من درجة خمسة نجوم، والكثير من التسهيلات والأسعارالاقتصادية، من اجل اغراء الإقامة بها وتشجيعها، ويعتبر الأطفال يالكيبوتس، هماطفال وأبناء الكيبوتس فقط، والكيبوتس هو المخول بتقديم كل الواجبات التي يحتاجهاهؤلاء الأطفال، حيث يتم اعدادهم ايضا، إعداداً عسكرياً وفكرياً وثقافياً وتعليمياً،من اجل الدفاع عن ارض اسرائيل، حسب افكارهم الاستعمارية، كما يعلمونهم مثل هذهالأفكار الصهيونية.
هدفتُمن مقالتي هذه، هو دعم الرحلات الجماعية لزيارة الأراضي والأماكن الفلسطينيةالمحتلة، في فلسطين التاريخية، من اجل التعرف على معالمها وقُراها ومدنها التياحتلها اليهود الصهاينة، كي لا ننسى أي بقعة محتلة من اراضينا الفلسطينية، ونقلهذه الصورة الى ابنائنا، كي يتشبثوا بحقوقهم الوطنية، مهما طال الزمن، وان نعلمهمبان فلسطين، هي اراضي محتلة من النهر والى البحر ولن نتخلى عن أي جزء من ترابهاالوطني، ويجب ان نعمل من اجل تحريرها بكل ما اوتينا من القوة والجهد، بشتى الطرقالممكنة، سلما او حربا، وحسب الظروف المتاحة، وإذا كان شعبنا الفلسطيني يجنح الىالسلم الآن، فليس هذا من منطلق ضعف، وإنما استجابة للموقف الدولي، الذي يدّعي انهقادر على حل قضيتنا سلميا، ونحن بهذا نعطيهم الفرصة تلو الفرصة، لنرى ماذا همفاعلون، الى ان نتمكن من توحيد جهودنا الفلسطينية والعربية القادرة على تحريراراضينا المحتلة، وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم، التيطردوا منها بالقوة والعنف الوحشي، من قبل المنظمات الصهيونية الاجرامية.