معاهدة وادي عربة وتداعياتها
د. غازي حسين


الأمم المتحدة وتحريم اللجوء إلى استخدام القوة

بدأت الأهداف السياسية لحرب حزيران العدوانية التي أشعلتها إسرائيل في العام 1967 تتحقق بتوقيع المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية (التي نتجت عن توقيع اتفاقيتي كمب ديفيد وتوقيع اتفاق الإذعان في أوسلو ومعاهدة وادي عربة.
ومن المعروف أن مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة تحرِّم الحروب العدوانية والاستيلاء على الأراضي بالقوة ولا تعترف بالنتائج التي تنشق عنها وتعتبرها باطلة ولاغية مهما طال الزمن.
نص ميثاق عصبة الأمم عندما تأسست عام 1919 على التزام الدول الموقعة عليه بعدم اللجوء إلى الحرب، وخطت بعض الدول في عام 1928 خطوة متقدمة على ميثاق عصبة الأمم ووقعت اتفاقيات بريان كيلوج التي استنكرت اللجوء إلى الحرب لحل المنازعات الدولية، واعتبر العديد من فقهاء القانون الدولي أن هذه الاتفاقية جزء من القانون الدولي وتسري حتى على الدول التي لم توقعها.
إن النص على عدم اللجوء إلى الحرب واستنكارها أدى إلى تحريم الغزو كسبب لاكتساب الإقليم المحتل أو جزء منه، وبالتالي عدم شرعية التغييرات الإقليمية التي تحاول أن تفرضها دولة منتصرة بالقوة على دولة أو دول أخرى مهزومة.
وعزز وزير خارجية الولايات المتحدة سيمسون هذا المبدأ عام 1932 في رسالته إلى الحكومتين اليابانية والصينية والتي تضمّنت عدم الاعتراف بالتغييرات الإقليمية التي تفرض بالقوة، وأصبحت هذه النظرية الواردة في الرسالة تعرف بمبدأ سيمسون، ووافقت عليه عصبة الأمم في القرار الذي اتخذته بتاريخ 11/3/1932 حول قشوريا.
وأيدت دول أميركا اللاتينية هذا المبدأ في اتفاقية ديو دي جانيرو الموقعة بتاريخ 10/10/1932 والتي استنكرت الحروب العدوانية والتسويات الإقليمية التي تتم عن طريق استخدام القوة.
ويتضمن ميثاق الأمم المتحدة نصوصاً أكثر صراحة من ميثاق عصبة الأمم لتحريم الحروب ومنع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية.
وتلزم ديباجة الميثاق بعدم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة وتحريم الحروب العدوانية وتحريم الاستيلاء على الأراضي بالقوة العسكرية، وبالتالي عدم شرعيتها وبطلان النتائج التي تمخضت عنها.
تنص المادة الثانية في الفقرة الثالثة من الميثاق على فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية بينما تمنع في الفقرة الرابعة من المادة الثانية الدول الأعضاء «التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية».
فالميثاق إذن لا يمنع استخدام القوة فحسب، بل يطلب من الدول الأعضاء عدم اللجوء إلى التهديد باستخدامها وبغض جميع الخلافات بالوسائل السلمية واحترام المبادئ الواردة في العهود والمواثيق الدولية وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
وينص ميثاق الجامعة العربية في المادة الخامسة على عدم السماح باستخدام القوة بين الدول الأعضاء كما يتضمن ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية في المادة الثالثة نفس هذا المبدأ الدولي الملزم، فالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية تحرِّم الحروب العدوانية، وتلزم الدولة المعتدية بدفع التعويضات ولا تعترف بشرعية الآثار الناتجة عن الاحتلال كما تفعل «إسرائيل» في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الجولان المحتل.
وانطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة أكد مجلس الأمن الدولي في القرار 242 والعديد من قراراته الأخرى عدم الاعتراف بشرعية الآثار التي ترتبت على استخدام «إسرائيل» القوة في حرب حزيران العدوانية عام 1967، وأكد عدم القبول بالاستيلاء على الأراضي بواسطة الحرب وأكد على وجوب انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة واعتبر أن جميع الإجراءات التشريعية والأعمال التي اتخذتها إسرائيل من أجل تغيير وضع القدس بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات العربية هي أعمال باطلة.
إن المعاهدات الثنائية بين المنتصر والمهزوم لا يجوز أن تخالف ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة فيينا حول المعاهدات وخاصة فيما يتعلق بالحروب العدوانية والنتائج التي ترتبت عليها.
وتعرّف اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الموقعة في أيار 1969 في المادة الثانية المعاهدة بأنها «تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي».
وتنص المادة (52) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أنه «تعتبر المعاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة(1)».
وتتناول المادة (53) من الاتفاقية المذكورة حكم المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام وتنص على أنه «تعتبر المعاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة وقواعد القانون الدولي العام، ولأغراض هذه الاتفاقية تعتبر قاعدة آمرة من قواعد القانون العام كل قاعدة تقبلها المجموعة الدولية في مجموعها ويعترف بها باعتبارها قاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام ذات الصفة(2)».
يشترط ميثاق الأمم المتحدة على الدولة طالبة الانضمام إلى المنظمة الدولية بموجب المادة الرابعة أن تكون من الدول المحبة للسلام وتلتزم بتنفيذ الالتزامات الواردة فيه، وبالتالي تنفذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة.
وانطلاقاً من ذلك رفضت بعض الدول الأعضاء ومنها كندا الطلب الذي تقدم به وزير الخارجية الإسرائيلي في 29/11/1948 لقبول «إسرائيل» في عضوية المنظمة الدولية ووضعت تطبيق قرارات الأمم المتحدة كشرط للموافقة على طلب العضوية، ولذلك رفض مجلس الأمن الدولي قبول عضوية «إسرائيل» في اجتماعه رقم 386 بتاريخ 17/12/1948.
وقدمت «إسرائيل» الطلب الثاني في 24/2/1949 وأعلن وزير خارجيتها أن بلده على استعداد في حال قبول الطلب أن توافق على تدويل القوس والسماح للاجئين بالعودة وأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الطريق إلى الحل تحت إشراف لجنة التوفيق الدولية، وكانت المباحثات بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية تجري في لوزان وتمخضت عن توقيع بروتوكول لوزان والذي تعهدت «إسرائيل» بموجبه تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لذلك أوصى مجلس الأمن الدولي بالموافقة على قبول الطلب، ووافقت الجمعية العامة على قبول الطلب بالقرار رقم (273 ـ 3) في أيار 1949 والذي يشير إلى تعهد «إسرائيل» بتنفيذ قرار التقسيم رقم (181) الذي يتضمن تدويل القدس وقرار العودة رقم 194، رفضت تحقيق ما تعهدت به أمام الأمم المتحدة بعد أن وافقت المنظمة الدولية على قبولها في عضويتها، وتجاوزت الحدود التي رسمتها لها الأمم المتحدة واحتلت أراضي فلسطينية أخرى كثيرة بالقوة العسكرية والمجازر الجماعية وحالت دون قيام الدولة الفلسطينية، ورفضت تدويل القدس، ونقلت عاصمتها إلى المدينة العربية المحتلة، مخالفة بذلك قرارات الأمم المتحدة.
رفضت الأمة والحكومات العربية الاعتراف بالوجود الصهيوني في فلسطين العربية، لأنه وجود دخيل أقيم على الأرض العربية نتيجة للتخطيط والدعم الاستعماري والصهيوني وفرض بقوة السلاح والحروب العدوانية والمجازر الجماعية ومصادرة الأراضي والممتلكات العربية وتهويدها وتهويد المقدسات الإسلامية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني وترحيل العرب من فلسطين وتهجير اليهود إليها ونشر الخراب والدمار وممارسة العنصرية والإرهاب والإبادة الجماعية لإجبار العرب على الركوع والاستسلام للأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والضم والتهويد والمستعمرات اليهودية.
وانطلاقاً من إيمان الأمة العربية بأن إقامة «إسرائيل» عمل غير شرعي وأنها ظاهرة استعمارية وتجسِّد الاستعمار الاستيطاني رفضت الدول العربية ويحق الاعتراف بها.
نتج تأسيس «إسرائيل» كدولة لجميع اليهود في العالم عن مجموعة من الأعمال غير الشرعية بدءاً من عدم شرعية وعد بلفور ونظام الانتداب وقرار التقسيم وانتهاكه ومروراً بالحرب العدوانية التي أشعلتها العصابات الإرهابية اليهودية المسلحة وترحيل الشعب العربي الفلسطيني من وطنه، وتدمير مدنه وقراه، وارتكاب مجازر جماعية بحقه وانتهاك حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وحتى الحروب العدوانية التي أشعلتها في أعوام 1956، 1967، 1978، 1982، 1993، 1996، 2006 وحتى الهروب الهولوكوست على غزة في نهاية 2008، واقترن تأسيسها ووجودها وممارساتها بانتهاكات صارخة لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكافة العهود والمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف لعام 1949 وبأعمال عنف وحروب عدوانية ومجازر جماعية واغتيالات واعتداءات يومية وجرائم حرب وجرائم ضد السلام والإنسانية.
فالحروب العدوانية التي أشعلتها والمجازر الجماعية التي ارتكبتها والمستعمرات اليهودية التي أقامتها واتخاذها من القدس العربية بشطريها المحتلين الشرقي والغربي عاصمتها الموحدة والأبدية أنهت أي إمكانية للاعتراف بها والتعايش معها دفاعاً عن الأرض والثروات والمقدسات العربية.
إن توقيع أي معاهدة مع دولة معتدية كإسرائيل التي احتلت الشطر الشرقي من القدس في السابع من حزيران 1967 العاصمة الثانية للمملكة الأردنية، وفي ظل التمسك باحتلال الأراضي العربية واستخدام القوة والتهديد باستخدامها باستمرار وبجعل المعاهدات التي توقعها الدول العربية مع «إسرائيل» باطلة وغير شرعية وغير ملزمة للشعب والأمة والحكومات الوطنية لأنها معاهدات إملاء وقعت تحت ضغط وابتزاز الاحتلال لشرعنته وتنظيمه وتثبيته لتصفية قضية فلسطين وتهويدها وتحقيق المشروع الصهيوني على اتفاق المشروع العربي وإقامة «إسرائيل العظمى» الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
توقيع المعاهدة
وقع الملك حسين والجنرال رابين في (25) تموز 1994 إعلان المبادئ الأردني ـ الإسرائيلي في واشنطن، ووقع البلدان في (26) تشرين الأول 1994 المعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية في وادي عربة بحضور الرئيس الأميركي كلنتون، والملك حسين، والرئيس الإسرائيلي عازار وايزمان، والجنرال رابين وخمسة آلاف مدعو من بينهم وزراء خارجية عرب وأجانب.
ووقعها عن الجانب الأردني، رئيس الوزراء عبد السلام المجالي، وعن الجانب الإسرائيلي، رئيس الوزراء اسحق رابين، وعن الجانب الأميركي، وزير الخارجية وارن كرستوفر، وعن الجانب الروسي وزير الخارجية أندريه كوزيريف.
وعزفت فرقة القوات الأردنية الموسيقية «النشيد الإسرائيلي»، كما عزفت فرقة الجيش الإسرائيلي السلام الملكي الأردني، واشتركت الفرقتان في عزف السلام الوطني الأميركي، وافتتح الاحتفال بتلاوة آيات من القرآن الكريم ومقطع من التوراة، وتبادل قادة الأسلحة الأردنيين والإسرائيليين الهدايا التذكارية.
وألقى الرئيس الأميركي كلينتون كلمة أشاد فيها بالملك حسين والجنرال رابين وقال: «إن الملك حسين أوفى بعهد جده في السعي بشجاعة من أجل السلام»، ووجه حديثه إلى الجنرال رابين قائلاً «أمضيت عمرك وأنت تقاتل بمهارة وشدة وشجاعة والآن تقود جيش السلام وتحرز أعظم الانتصارات»(3)، وشدد الرئيس الأميركي على أن القوى المتطرفة (أي القوى العربية الوطنية الرافضة لاغتصاب الأرض والحقوق والثروات وهيمنة إسرائيل) لن تتمكن من القضاء على عملية السلام، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك.
وأكد الملك حسين في كلمته على أن السلام مع إسرائيل هو سلام كرامة والتزام وليس مجرد ورقة وأن المعاهدة بكل ما فيها تحظى بدعمه وتأييده وبدعم السواد الأعظم من الشعب الأردني وقال عن وادي عربة:
«سيصبح هذا الوادي العظيم الذي نقف فيه وادي السلام عندما نلتقي لنبنيه ونجعله يزدهر كما لم يحصل من قبل»(4).
وقال الجنرال رابين أن إسرائيل والأردن سيتعاونان «لجعل الزهور تنبت في الصحراء ويمكنني أن أؤكد لكم أننا سنكون مَنْ سيحول هذا المكان القاحل إلى واحة خصبة»، وأعرب شمعون بيرس عن الأمل في «أن يعم السلام والازدهار كل منطقة الشرق الأوسط وتنضم كل الدول في المنطقة إلى نادي السلام».
ووافقت الكنيست على المعاهدة بغالبية (105) أصوات في حين عارضها ثلاثة نواب وامتنع ستة آخرون عن التصويت، وحضر الاجتماع (114) نائباً من أصل الـ (120)، وكان السفاح ومجرم الحرب شارون من الممتنعين عن التصويت احتجاجاً على الفقرة التي تعترف بدور تاريخي للأردن في إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.
ووافق مجلس الأمة الأردني على المعاهدة وصدر قانون تصديقها رقم (14) في الجريدة الرسمية العدد (4001) بتاريخ 10/11/1994.
قراءة في نصوص المعاهدة:
تنص المادة (26) من قانون تصديق معاهدة وادي عربة على ما يلي:
«يتعهد الطرفان خلال ثلاثة أشهر من تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة بتبني التشريعات الضرورية لتنفيذ هذه المعاهدة وإلغاء أي تشريعات تتناقض مع هذه المعاهدة»(5)، وبالتالي تجعل معاهدة وادي عربة علاقات الأردن مع «إسرائيل» أهم من علاقاته مع الدول العربية الشقيقة، مما يؤثر تأثيراً سلبياً على علاقات الأردن العربية ودوره العربي والإسلامي ويشل تأثيره في الوطن العربي، وبموجب المعاهدة انفرد الأردن في التفاوض والصلح والتطبيع مع العدو التاريخي للعروبة والإسلام وانتهاك المواثيق والمعاهدات العربية وأضعف الموقف العربي الموحد، وعزز الوجود الإسرائيلي وأخل بالتزاماته القومية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك بتفضيل نصوص المعاهدة على المعاهدات والمواثيق العربية الثنائية والجماعية بما فيها اتفاقية الوحدة الاقتصادية وأحكام المقاطعة العربية.
تتضمن المعاهدة مقدمة وثلاثين مادة وخمسة ملاحق وتتناول قضايا الحدود والأراضي والمياه والأمن والمقدسات والبيئة والجريمة والمخدرات، وعبرت عن الاستجابة لمساعي إسرائيل بالاستفراد في كل طرف عربي على حدة للحصول على أكبر التنازلات العربية والمكاسب والامتيازات.
يعترف الأردن في المادة الثانية من المعاهدة بسيادة «إسرائيل» وسلامتها الإقليمية ضمن حدود آمنة ومعترف بها.
وتنص المادة الثالثة حول الحدود الدولية ما يلي: «تحدد الحدود الدولية بين الأردن «وإسرائيل» على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب البريطاني»، وبالتالي تشكل هذه المادة اعترافاً من الحكومة الأردنية بأن «إسرائيل» هي وريثة فلسطين العربية بحدودها إبان الانتداب البريطاني.
وتتضمن المادة الثالثة في البندين الثامن والتاسع مبدأ تأجير الأراضي الأردنية لليهود، أي استمرار بقاء المستعمرات والمزارع اليهودية فوق الأراضي الأردنية مع الاعتراف اللفظي والشكلي بالسيادة الأردنية عليها.
وأكدت الصحف الإسرائيلية أن التلال الاستراتيجية في وادي عربة قد ضمت إلى «إسرائيل»، وكذلك المستوطنات (المستعمرات) ومزارعها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من «إسرائيل»(6).
وتلقى الأردن مقابل الأراضي الأردنية التي ضمت أو أجِّرتْ مجاناً لإسرائيل، وهي التلال الاستراتيجية والأراضي الخصبة التي أقيمت عليها المستعمرات والمزارع اليهودية أرضاً صحراوية قاحلة من أراضي فلسطين العربية.
وتعهد الأردن في الملاحق المرفقة بألا يطبِّق تشريعاته الجمركية على المتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم وبدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي وأسلحتهم إلى الأراضي الأردنية المؤجرة وعدم تطبيق قوانينه الجنائية في المنطقة.
إن نظرية تأجير أجزاء من الأراضي الأردنية التي احتلتها «إسرائيل» في الفترة الواقعة ما بين 1968 و1971 ولم يسمع الشعب الأردني عن احتلالها إلاّ خلال توقيع وادي عربة عام 1994 تعيد إلى الأذهان فترة الحروب والدول الاستعمارية التي كانت تفرض فيها الدول المنتصرة على الدول المهزومة التنازل عن السيادة على أجزاء من أراضيها باسم التأجير لفترة طويلة من الزمن.
وبالتالي «تؤكد المادة الثالثة من معاهدة وادي عربة أن الأردن لم يسترد أراضيه المحتلة كاملة وإنما استرد بعضها، كما أن «إسرائيل» صاحبة اليد العليا في المنافع التي ستعود عليها نتيجة لاحتفاظها ببعض المناطق الاستراتيجية الأردنية (الغنية بالينابيع المائية)(7).
ويعني القبول الأردني لهذه المادة تراجعاً عن مبدأ «الأرض مقابل السلام» ومرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية، ونجاحاً إسرائيلياً بانتزاع سابقة من حكومة عربية رفض حتى السادات الموافقة عليها، وهي ضم أو تأجير شبر واحد من الأرض المصرية لإسرائيل في مستوطنة ياميت أو في طابا، مما يؤكد أن ما توصل إليه الأردن أسوأ بكثير مما توصل إليه السادات، حيث حرم الأردن من تطبيق قوانينه على جزء من أراضيه ووافق على تعهدات تنتقص من سيادته عليها لصالح «إسرائيل» والمستعمرين اليهود في الأراضي الأردنية.
وتتناول المادة الرابعة من المعاهدة موضوع «الأمن» وتعمل على توفير الأمن الإسرائيلي وإقامة شراكة أمنية إقليمية وتكريس مفهوم بيرس لنظام الأمن الإقليمي، ويتعهد الطرفان بمقتضاها الامتناع عن تنظيم الأعمال والتهديدات العدائية أو المعادية أو ذات الطبيعة التخريبية أو العنيفة وعن التحريض عليها أو المشاركة فيها.
ويندرج تحت هذه المادة كل نشاط سياسي وإعلامي، أي كل شكل من أشكال الكفاح والنضال العسكري والسياسي ضد «إسرائيل».
وهنا يتبادر للمواطن العربي السؤال التالي: لماذا يوافق الأردن على التعاون في مجال الأمن مع إسرائيل وهل تتفق مصالح الشعب الأردني والأمة العربية في التعاون الأمني بين البلدين؟ وبشكل خاص ضد المقاومة الفلسطينية.
إن التعهدات الواردة في بنود المادة الرابعة من معاهدة وادي عربة تجعل الأردن يتولى حماية أمن حدود الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تسرح «إسرائيل» وتمرح في الضفة والقطاع والجولان وجنوب لبنان وتضع حجر الأساس لنظام الأمن الإقليمي، وتشكل إلغاءً عملياً لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، وتحول دون تحقيق تعاون أو تنسيق عسكري عربي مع الأردن في المستقبل، وبالتالي مقدمة لإقامة نظام الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط على حساب نظام الأمن القومي العربي وبقيادة العدو الصهيوني.
وتقيد بنود هذه المادة «حرية السياسة الأمنية والدفاعية الأردنية وتخضعها لمبدأ التعاون مع إسرائيل في مجال الأمن..، كما سيجد الأردن نفسه ملزماً باتخاذ الإجراءات الضرورية والفعالة للتأكد من أن الأعمال أو التهديدات بالعداء والمعاداة أو التخريب أو العنف لا ترتكب من أراضيه»(8).
وانطلاقاً من بنود هذه المادة توجه مجرم الحرب الجنرال باراك، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق قبل انعقاد قمة شرم الشيخ الأمنية إلى عمان لتنسيق المواقف خلال انعقاد القمة ولإقامة نظام الأمن الإقليمي.
وقام الأردن في مؤتمر القمة العربي في القاهرة عام 1996 يدور خدم الإرهابي نتن ياهو بحجة التريث والانتظار حتى تتشكل حكومته الجديدة، وحاول تسويقه فيما بعد والترويج له وبرغبته للسلام مع الدول العربية.
وتتضمن المواد 1 و2 و5 إقامة السلام الدائم وحسن الجوار والعلاقات الدبلوماسية والقنصلية الكاملة وبما يشمل العلاقات الاقتصادية والثقافية.
وتقرر المادة السادسة من الاتفاقية المتعلقة بموضوع المياه الحيوي للأردن ومواطنيه إذعان الأردن لانتقاص حقوقه الكاملة من المياه واعترافه بهيمنة إسرائيل على حقوقه المائية في نهري اليرموك والأردن كحق قانوني لإسرائيل.
وكان المشروع الأميركي لاستغلال مياه الأردن عام 1954 قد أعطى الأردن 150 مليون م2 من النهرين العربيين اليرموك والأردن، ولكن انطلاقاً من مرجعية المفاوضات والحل الوسط لضخ الأردن ووافق على قبول (50) مليون م2 وتخزن في مياه بحيرة طبرية الملوثة لقاء مياه الينابيع العذبة والنقية في المنطقة التي احتفظت بها إسرائيل في وادي عربة وحصة الأردن من مياه نهر اليرموك النقية القادمة من سورية.
وتعالج المادة السابعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث يتضمن البند الأول منها تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وضمن إطار الاقتصاد الإقليمي، ويتعهد الأردن في البند الثاني من نفس المادة بالعمل على إلغاء المقاطعة العربية، وتتضمن الفقرة (ب) من نفس البند المخطط الإسرائيلي للهيمنة على الاقتصاد الأردني عن طريق التجارة والمناطق الحرة والاستثمار والأعمال المصرفية والتعاون الصناعي والعمالة الأردنية الرخيصة، وقيام الأردن بترويج البضائع الإسرائيلية في البلدان العربية.
وتتناول المادة الثامنة موضوع اللاجئين والنازحين، وتتضمن الموقف الإسرائيلي من حق العودة للفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين وعدم ربط قضية اللاجئين بقرارات الشرعية الدولية على الأقل وتحيل قضية اللاجئين إلى المفاوضات المتعددة الأطراف وقضية النازحين إلى اللجنة الرباعية المشكلة من إسرائيل والأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، وتشير إلى توطين اللاجئين وتحميل العرب والمجتمع الدولي تبعات الاستعمار الاستيطاني اليهودي التي تطبقها إسرائيل في مجالات الهجرة اليهودية وترحيل العرب والمستعمرات اليهودية.
وتعبر هذه المادة الواردة في معاهدة وادي عربة عن أول وثيقة سياسية يوقع عليها الأردن وتقر بالتوطين وليس بتنفيذ حق العودة كحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتعتبر مشكلة اللاجئين والنازحين مشكلة إنسانية، وأن «إسرائيل» غير مسؤولة عن ترحيل وطرد الفلسطينيين قانونياً وأخلاقياً ويتعهد الطرفان لإيجاد مخرج لها بتوطينهم في أماكن تواجدهم.
وتعطي «إسرائيل» بموجب المادة التاسعة للأردن مكانة في إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وبالتالي تكون إسرائيل قد وضعت نفسها قيِّمة على القدس العربية المحتلة ومنحت الأردن الدور الذي يخدم مصالحها ويحقق أطماعها، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز وترسيخ الاغتصاب اليهودي للقدس العربية بشطريها المحتلين العربي والشرقي وتهويد المقدسات العربية الإسلامية منها والمسيحية، ويكرسها في القدس كمرجعية للأردن والسلطة الفلسطينية، مما يؤدي على التنافس بينهما.
وتنص المادة التاسعة على تعزيز حوار الأديان والذي يخدم فقط ما دونه كتبة التوراة والتلمود والاعتراف به وتغيير ما ورد في الديانتين المسيحية والإسلام لمصلحة الأساطير والخرافات والأطماع والأكاذيب التوراتية والتلمودية.
وتجعل هذه المادة «إسرائيل» المرجع وصاحب الصلاحية في إقرار الوضع النهائي لمدينة القدس كعاصمة موحدة وأبدية للكيان الصهيوني.
واعتبرت قيادة عرفات أن ما جاء في هذه المادة بخصوص إعطاء الأردن والاعتراف بدوره في الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس بمثابة تحد لها وبداية معركة سياسية بينها وبين الأردن، واعتبرت أن إسرائيل قد خدعتها وانتهكت اتفاق الإذعان في أوسلو الذي ينص على بحث قضية القدس في مفاوضات الحل النهائي.
واعتبرت قيادة عرفات «أن الأردن أصبح تابعاً لإسرائيل وداعماً لها بحكم المعاهدة التي وقعها، وإن من الضروري التوجه إلى عمق عربي آخر له مقومات الإسناد، أي مصر(9)».
وتؤدي المادة (11) الفقرة أ إلى حدوث انقلاب سياسي وثقافي لخدمة المشروع الصهيوني في الوطن العربي وتصوير مكانة «إسرائيل» المغتصبة للأرض والحقوق والمقدسات العربية حيث تنص على الامتناع عن القيام ببث الدعايات المعادية من قبل أي فرد أو تنظيم موجود في المناطق التابعة لأي منهما.
ويعني ذلك منع أي مواطن أردني من ممارسة حقه في التعبير عن رأيه ومنع أي لجنة أو نقابة معادية لإسرائيل من هذا الحق، بينما تمارس إسرائيل الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية وتدعم المستعمرين والمتطرفين اليهود وتعمل على تهويد القدس بشطريها المحتلين.
وتتناول المادة 13 النقل والطرق وتنص على فتح وإقامة طرق ونقاط عبور بين البلدين وإقامة المشاريع المشتركة وطريق سريع يربط الأردن ومصر وإسرائيل بالقرب من إيلات (القرية الفلسطينية أم الرشراش)(10).
ويؤكد المهندس سفيان التل أن الصحف الأردنية ومنها العرب اليوم أن دائرة الأراضي والمساحة استملكت لصالح وزارة النقل أراضي عن طريق الحيازة الفورية تشمل أراضي من 58 قرية أردنية تمتد من الحدود مع الكيان الصهيوني إلى الحدود العراقية(11)، ويؤكد المسار خطاً لسكة الحديد يربط بين حيفا وبغداد وموازياً لخط أنابيب النفط القديم.
ويضيف التل «إن سكة الحديد هذه ستوصل الكيان الصهيوني من البحر الأبيض المتوسط إلى منابع النفط في العراق... وأن تصميم المشروع تم خارج الأردن»(12).
بدأت الأموال الأجنبية تتدفق على الأردن لإنشاء الطرق السريعة منذ أكثر من ربع قرن كالطريق السريع الذي ربط القدس بعمان وسمي بطريق السلام.
وطرحت الصهيونية منذ الثلاثينات من القرن الماضي فكرة إقامة قناة البحرين من المتوسط إلى الميت، واقترح الكيان الصهيوني إنشاء قناة البحرين من البحر الأحمر إلى البحر الميت وتراجع عنه وتبناه الأردن وطرحه كمشروع أردني «والهدف من ذلك هو أن يموّل وينفذ مشروع قناة البحرين الأحمر والميت عربياً أو دولياً بدون مساهمة الكيان الصهيوني، وبالنتيجة سوف يستفيد الكيان الصهيوني من الأهداف المخططة لهذا المشروع بعد تنفيذه(13)».
وتعالج المادة (14) حرية الملاحة والوصول إلى الموانئ، وتعتبر مضيق تيران وخليج العقبة العربيان ممرات مائية دولية مفتوحة للملاحة والطيران فوقها أمام جميع الأمم بدون إعاقة أو توقف، وهكذا يكون الأردن قد تبنى في هذه المادة الموقف الإسرائيلي الذي يعتبر خليج العقبة ومضائق تيران ممرات مائية دولية خلافاً للموقف العربي الذي يعتبر أن خليج العقبة خليج عربي مغلق ومضائق تيران جزء لا يتجزأ من المياه الإقليمية المصرية.
وتتضمن المادة 20 أهمية كبرى للتنمية التكاملية لمنطقة أخدود وادي الأردن ليشمل ذلك مشاريع مشتركة في المجالات الاقتصادية والبيئة والمشاريع المرتبطة بالطاقة والسياحة، ووضع الكيان الصهيوني تصوره الكامل لتنمية أخدود وادي الأردن بمساعدة ودعم كاملين من الولايات المتحدة وزرع الأخدود من العقبة حتى البحر الميت وعلى جانبي القناة بالمستوطنات والمشاريع السياحية والفنادق الضخمة والبحيرات والحدائق النباتية والحيوانية.
ويخلص المهندس سفيان التل إلى القول: «إن هذا يعني أن كامل التنمية في أخدود وادي الأردن برؤيا وتخطيط إسرائيلي ولكن على أرض أردنية 100%»(14).
وتجسد المادة (23) تحت عنوان «العقبة وإيلات» الأطماع الإسرائيلية في مدينة العقبة العربية الأردنية حيث تنص على التعاون في تحقيق التنمية المشتركة لمدينتي العقبة وإيلات وتنمية السياحة المشتركة والرسوم الجمركية المشتركة ومنطقة تجارة حرة، والتعاون في الطيران والشرطة والأمور البحرية، وذلك نظراً لطبيعة مساحة إيلات الضيقة جداً وحاجتها الماسة إلى مطار العقبة ومينائها.. وبالتالي نجحت بموجب هذه المادة في غرس أقدامها في مطار وميناء العقبة تماماً كما غرستها في منطقة الباقورة ومياهها العذبة ومدينة الحسن الصناعية، وعالجت المواد من (13 ـ 23) علاقات النقل والطرق وحرية الملاحة والوصول إلى الموانئ والطيران المدني والبريد والاتصالات والسياحة والبيئة والطاقة وتنمية أخدود الأردن والصحة والزراعة والعقبة وإيلات.
تم في بادئ الأمر الاتفاق على إقامة قطار مشترك في العقبة، وتراجعت عنه «إسرائيل» واعتبر المطار الأردني في العقبة مطاراً مشتركاً، وتتجه النية لإقامة مطار في الأغوار لخدمة المصالح الإسرائيلية على حساب المزارع الأردني الذي سيعقد أراضيه الزراعية ونقل الخضار إلى بلدان الخليج.
وتعتبر المادة (26) من المواد الخطيرة في المعاهدة لأنها تنطوي على أفضلية المعاهدة على أي التزام سابق أو لاحق ولها الأفضلية حتى على التشريعات الأردنية، حيث تنص على إلغاء أي تشريعات متناقضة مع هذه المعاهدة.
ويتضمن الملحق الثاني للمعاهدة في مادته الثانية على «أن يتعاون الأردن وإسرائيل لبناء سد تحويلي على نهر اليرموك»، وكانت الأردن وسورية قد اتفقتا على إقامة سد الوحدة في الأردن على نهر اليرموك بتمويل كويتي على أن تكون المياه للأردن والكهرباء لسورية، فتدخلت «إسرائيل» ومنعت الأردن من تنفيذ الاتفاق وتوقفت الكويت عن التمويل، وهكذا قضت «إسرائيل» على التعاون المائي المشترك لمياه نهر اليرموك بين الأردن وسورية.
لقد اتفق الطرفان، الأردن و«إسرائيل» على أن يأخذ الأردن (50) مليون متر مكعب من حصته من مياه نهر الأردن في المرحلة الحالية، حيث يعتقد المواطن الأردني أنها لقاء الينابيع العذبة الأردنية، التي تأخذها إسرائيل، شريطة أن يتم تخزينها في بحيرة طبرية الملوثة أولاً ثم تنساب منها إلى الأردن، مما أدى إلى أن يشرب المواطن العربي المياه الملوثة بالبراز البشري في العاصمة الأردنية.
فتحت مواد معاهدة وادي عربة والبروتوكولات الملحقة بها أبواب الأردن لإسرائيل وحوّلت الإعلام الرسمي إلى أداة لتلميع العلاقات الجديدة التي أرستها المعاهدة والتنازل عن الأراضي وتأجيرها مجاناً وعن حصة الأردن من الأنهر والمياه العربية، وتتضمن البنود السرية من الملاحق حول الأمن فسح المجال لنشاط الموساد في الأردن، مما أدى إلى محاولة اغتيال المواطن الأردني خالد مشعل في وسط النهار وفي قلب العاصمة الأردنية.
ويلتزم النظام الأردني بموجب المعاهدة (المادة الرابعة) بمنع أية أعمال عدائية في أراضيه ضد «إسرائيل»، وبعدم الانضمام على أية أحلاف واتفاقات تعتبرها «إسرائيل» موجهة ضدها، وعدم السماح لدول أخرى بإدخال قوات عسكرية إلى أراضيه ومن خلال التعاون بين الطرفين في مكافحة الإرهاب ومنع التسلل إلى الضفة الغربية المحتلة يلتزم الأردن بالقيام بالمحافظة على أمن احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية.
وتعمل «إسرائيل» من خلال المعاهدة والاتفاقات العديدة التي وقعتها مع الأردن لتحويله إلى مجال حيوي مباشر للمصالح الإقليمية لإسرائيل واليهودية العالمية وإعادة صنعه كمنطقة تقود إسرائيلية للتوسع وتحقيق الأطماع التوراتية والتلمودية في أرض ما يسمونه «أرض الآباء والأجداد»، وبالتالي أخشى على سيادة واستقلال وحرمة المملكة الأردنية في المرحلة المستقبلية القادمة، لأن الأطماع التلمودية في الأرض والثروات والحقوق العربية لا تقف عند حدود معينة بل تمتد أيضاً لتشمل شرق الأردن وتفتح المعاهدة أبواب الأردن كمدخل لإسرائيل على دول الخليج والدول العربية المجاورة، فبعد أن كان الأردن يشكل عازلاً بين «إسرائيل» والعرب أصبح الأردن معبراً وجسراً لإسرائيل إلى الوطن العربي(15).
وصف الجنرال رابين السلام بين البلدين بالسلام الحار وقال عنه الوزير يوسي سريد بأنه يتحرك سريعاً ولا بد من الوصول عبره إلى منطقة الخليج، وأعلن وزير الزراعة يعقوب تسور أنه بحث موضوع التصوير عن طريق الأردن إلى منطقة الخليج.
التمهيد الأردني للتصديق على المعاهدة
مهدت السلطة الأردنية لإضفاء الشرعية على معاهدة وادي عربة فأقدمت على حل مجلس النواب الحادي عشر والذي كانت تتمتع فيه القوى الوطنية الأردنية بحضور جيد، وجاء حله قبل نهاية المدة القانونية التي حددها الدستور الأردني في مادته 168.
وأصدر الأردن قانون الصوت الواحد المخالف لنص المادة (94) من الدستور لفسح المجال أمام أبناء العشائر للفوز بالانتخابات، وهذا ما حصل بالفعل وأدى إلى تصديق البرلمان على معاهدة وادي عربة.
ومررت الحكومة الأردنية أخطر القوانين بعد أن وافق عليها المجلس الجديد بدءاً من قانون الصوت الواحد ومروراً بمعاهدة وادي عربة والعديد من الاتفاقات مع «إسرائيل» وحتى الهرولة في التطبيع والتعاون الأمني.
ظهر بجلاء أن كل ما قيل من فضائل ومحاسن عن معاهدة وادي عربة ووعود الرخاء والازدهار التي بشّر بها العديد من المسؤولين في الأردن والجنرال رابين ومجرم الحرب بيرس قد ذهبت كلها أدراج الرياح، بل وشرب المواطن في بعض أحياء عمان حصته من المياه العربية ملوّثة بالطلاحب والبراز البشري الإسرائيلي، وحل الركود الاقتصادي والخلافات السياسية وتبين أن العدو الإسرائيلي لا يضمر الخير لا للأردن ولا للعروبة والإسلام أو حتى مبادئ وقرارات الشرعية الدولية التي تمثل الحد الأدنى الذي وافقت عليه الحكومات العربية.
وتشكل المعاهدة مخاطر كبيرة على الأرض والحقوق والثروات الأردنية ومستقبل الأردن العربي وعلى قضية فلسطين والأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى الوحدة العربية والمشروع العربي وعودة اللاجئين إلى ديارهم وعروبة القدس.
أعطى الأردن بموجب المعاهدة الشرعية لاستمرار بقاء المستعمرات اليهودية والسيادة الإسرائيلية كلها، ومشروعية استمرار الاغتصاب الإسرائيلي لكل فلسطين العربية والمستعمرات اليهودية فيها.
وتزيد المعاهدة الانفراد والتفكك والانقسام والضعف العربي وتزيد غطرسة وتصلب وعنجهية إسرائيل وأطماعها المستقبلية في الأرض والحقوق الفلسطينية والأردنية، الأمة العربية.
إن المعاهدات التي وقعتها مصر وقيادة عرفات والأردن مع «إسرائيل» برعاية يهود الولايات المتحدة والرئيس الأميركي المتصهين، بيل كلنتون ما هي إلا ثمرة من ثمرات حرب حزيران العدوانية وتحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية في الوطن العربي، وإعادة تنظيم للاحتلال وشرعنته وتثبيته على حساب العروبة والإسلام والوحدة العربية والمشروع العربي وتصفية قضية فلسطين وتهويد المقدسات العربية وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية.
خلاصة القول أن الأردن لم يسترجع سيادته الكاملة على أرضه، ولم يسترجع كامل حقوقه في مياهه، وقيّد سياسته الأمنية والدفاعية وتحالفاته الإقليمية بمتطلبات الأمن الإسرائيلي.
وأبعدت المعاهدة الأردن عن أمته العربية وقربته من «إسرائيل»، وأنهت الثوابت الوطنية والقومية وأحلّت الهوية الشرق أوسطية، ووجهت ضربة قاسية للتنسيق والتعاون العربي المشترك، وكرست سوابق جديدة استجابت فيها للاستعمار الاستيطاني اليهودي، وتنازلت عن الهوية العربية لصالح الهوية الشرق أوسطية ومحاولات هيمنة «إسرائيل» على الوطن العربي.
الأردن بحاجة إلى مجلس نيابي وحكومة وطنية ـ تنفي معاهدة وادي عربة تماماً كما ألغت حكومة سليمان النابلسي المعاهدة الأردنية ـ البريطانية.
تداعيات المعاهدة
مرت سبع عشرة سنة على توقيع معاهدة الإذعان الأردنية ـ الإسرائيلية في وادي عربة ولا يزال العدو الصهيوني يمارس أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني في القدس المحتلة، العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية والتي احتلها من الأردن بالقوة العسكرية في حرب حزيران العدوانية عام 1967، ويعلن المرة تلو الأخرى على لسان كبار مسؤوليه من جنرالات وقادة سياسيين عن عزمه تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، مما يشكل تهديداً مباشراً لوجود وكيانية المملكة الأردنية لتحقيق نظرية المجال الحيوي للصهيونية من النيل إلى الفرات بإقامة «إسرائيل العظمى» الاقتصادية عبر مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وتعتبر مساعي توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن من أخطر المخططات التي يسعى العدو الإسرائيلي إلى تحقيقها وخاصة بعد توقيع معاهدة الإذعان في وادي عربة.
وعلى الرغم من الإملاءات والضغوط الأمريكية لجعل الأردن بوابة التطبيع لبلدان الخليج وشمال العراق أفشل الشعب الأردني التطبيع على المستوى الشعبي، وفشلت الحكومات الأردنية المتعاقبة بفرض التطبيع وثقافة التطبيع على الشعب العربي في الأردن عن طريق المؤسسات الحكومية.
وذهبت أكاذيب حكومة عبد السلام المجالي والرئيس بيل كلنتون والجنرال رابين حول الازدهار والرخاء الاقتصادي الذي سيعم الأردن أدراج الرياح، وزادت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة سوءاً عاماً بعد عام منذ توقيع الاتفاقية عام 1994.
إن الوعود الكاذبة والمضللة والمخادعة التي أطلقها مهندسو وموقعو معاهدة الإذعان حول الرخاء الاقتصادي والاستقرار الأمني والسلام الإقليمي ظهرت على حقيقتها جراء الحروب التي أشعلها العدو الإسرائيلي والمجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها.
وأخذ الكيان الإرهابي يغذي الخلافات والتنافس والصراع بين بعض رجالات السلطة الفلسطينية وبين السلطات الأردنية، وأفقد السلام المزعوم السلام بين العرب أنفسهم، حيث تتناقض فكرة الصلح مع الكيان الصهيوني مع جوهر الوحدة العربية، وتتماهى مع تمزيق الوطن العربي والقضاء على الوحدة العربية ونشر الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت الدول العربية الكبيرة وإعادة تركيبها بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد وهيمنة الكيان الصهيوني على الوطن العربي.
وظهر بجلاء أن المعاهدات التي وقعها السادات قد أخرجت النظام المصري من الصراع مع العدو الصهيوني، وأخذ الرئيس المخلوع مبارك خطاً معادياً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ويعمل على تسويق المخططات الإسرائيلية والأمريكية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
واعترف عرفات في اتفاق الإذعان في أوسلو بالكيان الصهيوني في 78% من مساحة فلسطين وأنهى الانتفاضة الأولى وتخلى عن مقاومة الاحتلال، وتبنى استراتيجية المفاوضات العبثية مما أعطى العدو الوقت الكافي لتهويد القدس بشطريها المحتلين وأجزاء هامة من بقية الضفة الغربية، وألغى الميثاق الوطني، وأدخل قضية فلسطين في نفق مظلم وشطب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وأخرجت معاهدة عربة الأردن من الصراع مع العدو الصهيوني وحولته إلى حارس لاحتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية وتعزيز التعاون الأمني معه لإحباط عمليات المقاومة.
وتضمنت معاهدة وادي عربة تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني وإقامة المناطق الصناعية الإسرائيلية في الأردن لضرب المنتجات الأردنية والعربية وخاصة في صناعة النسيج والألبسة، مما ولد نتائج اقتصادية خطيرة نتجت عن التطبيع مع العدو.
تعتبر معاهدة وادي عربة باطلة لأنها نتجت عن استخدام العدو للقوة في حرب حزيران العدوانية واستغلال احتلال الأراضي ودور الراعي الأمريكي المنحاز للعدو الإسرائيلي لتوقيعها، وهي باطلة انطلاقاً من اتفاقية فيينا حول المعاهدات ومن الناحية الدستورية، لأن مجلس نواب الضفتين لم يبت في قرار فك الارتباط والذي يعتبر قراراً غير دستوري، مما يؤكد حاجة الأردن الماسة إلى ملك دستوري بصلاحيات محدودة وليست مطلقة.
كان للأردن حق استعادة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية بموجب قرار مجلس الأمن 242 الذي أكد على حق الأردن باستعادة الضفة الغربية بما فيها القدس، وجاءت اتفاقية الإذعان وأفقدت الأردن حقاً مكتسباً بموجب قرارات الشرعية الدولية باستعادة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية باعتبارها جزءاً من الأردن، وبالتالي انعكست المعاهدة سلباً على الأردن.
تشكل معاهدة وادي عربة انتهاكاً لسيادة الأردن وحقوق شعبه واستفزازاً للمواطن الفلسطيني والأردني والعربي والمسلم، وذلك لاستمرار الاحتلال والاستيطان وتهويد المقدسات العربية واستخدام القوة والتهديد باستخدامها وتهويد حائط البراق وساحة المغاربة وزرع عشرات الكنس اليهودية حول المسجد الأقصى وداخله وتحته مقدمة لتدميره وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
كبلت معاهدة الإذعان الحكومات الأردنية بقيود سياسية وأمنية واقتصادية وأخرجتها من الصف العربي الإسلامي، وأخذت تعمل على تسويق بعض المخططات الإسرائيلية في الأردن نفسه وبعض البلدان العربية.
آن الأوان لتحقيق مطالب الشارع الأردني بما فيه مطالب أحزاب المعارضة وشباب 15 أيار بإلغاء المعاهدة تماماً كما ألغي الأردن المعاهدة الأردنية ـ البريطانية عام 1957.
وأكد العديد من المحللين الإسرائيليين أن دوائر حكومية أردنية أعربت عن التشاؤم وخيبة الأمل الكبرى بعد مرور 17 عاماً على توقيع المعاهدة، لأن هذه الدوائر اعتقدت أن المعاهدة محطة على طريق حل الصراع العربي الصهيوني ولإحلال الرخاء الاقتصادي.
وكان ملك الأردن قد أصيب بخيبة أمل كبرى من نتنياهو حتى أنه عندما أصيب الملك بمرض خبيث أطلقوا عليه جرثومة بيبي، وكرر الملك عبد الله الثاني خيبة أمله من نتنياهو وقال: «أعطاني قائمة من الوعود ولكنه لم ينفذ حتى الآن أي واحد منها(16)».
جسدت معاهدة وادي عربة مفهوم التعاون الشرق أوسطي بين الأردن والكيان الصهيوني على حساب علاقة الأردن العربية ـ في خمس عشرة مادة تتعلق بالتعاون الاقتصادي وتطبيع العلاقات، ووضعت الأسس لتنسيق أمني وسياسي أصبح الأردن الرسمي من خلالها ملزماً بالتعاون ضد أي شكل من أشكال العداء للعدو الإسرائيلي وإلغاء كافة الإشارات المضادة والتعبيرات العدائية في التشريعات وفي كافة المطبوعات الحكومية وذلك بموجب المادة 11 من المعاهدة.
وتنص المادة 26 على إنهاء أي التزامات دولية وأي تشريعات تتناقض مع هذه المعاهدة، وتعني هذه المادة أن نصوصها تسمو على كل المعاهدات الأخرى التي وقعها الأردن، مما يرسخ التبعية للكيان الصهيوني.
وأصبح الأردن من أكبر المراكز العربية للتعاون الشرق أوسطي مع الكيان الصهيوني ولتطبيع العلاقات معه والانطلاق لتعميم التطبيع على بلدان الخليج.
وجاءت مؤتمرات دافوس الاقتصادية التي عقدت في البحر الميت وعمان لدمج الكيان الصهيوني في النسيج الاقتصادي للمنطقة وصهينتها وإقامة «إسرائيل العظمى» الاقتصادية.
ووضعت الأردن أكثر فأكثر تحت وصاية المؤسسات الاقتصادية الدولية، مما أدى إلى رفع الضرائب والرسوم على الفئات الشعبية وتخفيضها على الشركات الأجنبية، وبيع القطاع العام بأسعار زهيدة جداً، وكرست إجراءات الحكومات الأردنية نحو الخصخصة تبعية الاقتصاد الأردني للخارج، واندلعت أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية ترافقت مع انتشار الفساد في المؤسسات الحكومية.
وجاءت معاهدة الإذعان في وادي عربة التي غيرت موقف الأردن في التعامل مع قضية فلسطين والتعاون الأمني مع العدو الصهيوني المحتل ضد حركة المقاومة الفلسطينية وتطبيع العلاقات معه، وتحويل الأردن إلى جسر لترويج المنتجات الإسرائيلية، وتغيير المناهج الدراسية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية، وحذف تعليم قضية فلسطين، وتصعيد القضية الأمنية، وخنق حرية الرأي والصحافة وحركة الشارع الأردني مما يتطلب ملكية دستورية وإصلاحات ديمقراطية واقتصادية، والانتقال إلى النهج الوطني الذي يخدم مصلحة الوطن والمواطن في إطار المصلحة القومية ومؤسسات العمل العربي المشترك وتقوية العلاقات مع بلاد الشام.
وجاء الدور الأمني، الذي تقوم به قوات الأمن الأردنية لمنع عمليات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وإعفاء (2500) سلعة إسرائيلية من الرسوم الجمركية بموجب البروتوكول الملحق باتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي بين الأردن و«إسرائيل» المنبثق من معاهدة الإذعان في وادي عربة ليزيد من تطبيع العلاقات مع المحتل الإسرائيلي على حساب قضية فلسطين ومصالح الأردن الوطنية والقومية.
وأسقطت معاهدة الإذعان في وادي عربة قضية اللاجئين وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقرار 194 وأسوة بالتعامل الدولي، مما أدى إلى تصدير الكيان الصهيوني مشاكله وأزماته إلى الأردن وحلها على حساب فلسطين والأردن والأمة العربية، وهذا يفقد السياسة الأردنية بعديها الوطني والقومي، وبرميل بارود قابل للانفجار لإشعال فتنة داخلية خطيرة ويزيد من التدخل الأجنبي في شؤون الأردن الداخلية ومن تبعيته للخارج.
إن مواد معاهدة الإذعان في وادي عربة مشروع لتفتيت وحدة الشعب الأردني وبث الفتنة في أوساطه وتهديد السلم الأهلي، لذلك فإن إسقاط معاهدة الإذعان في وادي عربة يخدم الوحدة الوطنية ووأد الفتنة الأهلية، ويضع الأساس السليم للعلاقة الأردنية الفلسطينية في مواجهة الخطر الصهيوني الذي يشمل الأمة بأسرها والمحافظة على وحدة المملكة الأردنية بملك دستوري ونظام انتخابي ديمقراطي بعيد كل البعد عن العشائرية والتبعية للكيان الصهيوني.
أثبتت الوقائع أن قانون الانتخاب القائم على الصوت الواحد قد تم إقراره لتمرير معاهدة الإذعان في وادي عربة، كما أن تصعيد القبضة الأمنية وسريان الأحكام العرفية ساعد في تمرير معاهدة وادي عربة وتنفيذ استحقاقاتها وتكريس نهج التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، وقمع حرية الرأي والتعبير.
وأدى الالتزام بمواد معاهدة الإذعان إلى تفول أجهزة الأمن وبقية الأجهزة الحكومية ضد حرية المواطنين وحقوقهم الدستورية وفي مقدمتها حقوق الإنسان لفرض نهج وادي عربة المذل، وبالتالي أدت المعاهدة إلى وأد مشروع دمقراطة الأردن وتفول أجهزة الأمن الأردنية في التصدي للمقاومة الفلسطينية وفبركة برلمانات تجسد التبعية المعلقة للحكومة ولنصوص معاهدة الإذعان في وادي عربة.
فرض العدو الصهيوني الذي أشعل حرب حزيران العدوانية وانتصر فيها شروطه على الجانب الأردني الضعيف والمهزوم وبرعاية وتسويق الولايات المتحدة وشراء موقف الحكومة الأردنية بالمساعدات السنوية التي تدفعها واشنطون لتأزيم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الأردن ودفعه أكثر وأكثر للاستجابة إلى الإملاءات الإسرائيلية.
أدت معاهدة الإذعان إلى تكريس تبعية الأردن من خلال النص في المادتين 25 و26 على أن نصوص المعاهدة تسمو على غيرها من المعاهدات لتكريس التبعية على قاعدة احترام المعاهدة الموقعة تماماً كما حصل في اتفاقيتي الإذعان في وادي عربة التي وقعها السادات والتزم بهما الرئيس المخلوع حسني مبارك.
إن أي مشروع نهضوي ديمقراطي وتغيير وإصلاح حقيقي في أي بلد من البلدان العربية يجب أن يكون عربياً مناهضاً للصهيونية والإمبريالية ومتمسكاً بعروبة فلسطين والحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني وفي طليعتها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
احتلت «إسرائيل» في الحرب التي أشعلتها عام 1967 القدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية، والتي كانت ولا تزال دستورياً جزءاً لا يتجزأ من المملكة، واحتلت في عامي 1969 و1971 وسمع الأردن والوطن العربي والعالم أجمع لأول مرة باحتلال شارون لهذه الأراضي الأردنية إبان توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994.
نددت وتندد المسيرات الشعبية في عمان بالتواجد الإسرائيلي على الأراضي الأردنية وتطالب بطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات ووقف التطبيع وإنهاء اتفاق الإذعان في وادي عربة.
وتطالب أحزاب المعارضة بالانسحاب الإسرائيلي الشامل ورفض الاحتلال وعودة اللاجئين إلى ديارهم، ورفض التوطين والوطن البديل، وتعتبر أن وجود السفارة الإسرائيلية على الأرض الأردنية تكريس للاحتلال وشطب حق عودة اللاجئين والسكوت عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الشعب العربي الفلسطيني.
وطالب المعتصمون بمناسبة الذكرى السنوية لحرب حزيران العدوانية في عام 2011 بإغلاق السفارة الإسرائيلية وأكدوا على حق العودة وتحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني اليهودي.
ورفضت المسيرات بمناسبة الذكرى السنوية للخامس عشر من أيار شعارات: «الشعب يريد تحرير فلسطين» و«الشعب يريد إسقاط وادي عربة» و«اسمعي يا إسرائيل الأردن مش وطن بديل».
لقد حان الوقت أكثر من أي فترة مضت كي يستجيب الملك عبد الله الثاني لرغبة شعبه ومناصرة الشعب الفلسطيني المضطهد بإغلاق سفارة العدو في عمان وإلغاء معاهدة الإذعان في وادي عربة.
خلاصة القول يقف الشعب الأردني ضد معاهدة وادي عربة ويطالب بإلغائها وصد السفارة الإسرائيلية ويطالب بإغلاقها، ويؤكد على عودة اللاجئين وتحرير فلسطين.
إن قانون الانتخابات القائم على الصوت الواحد أخرج مجلساً برلمانياً يؤيد خطوات الحكومة للمصادقة على معاهدة الإذعان في وادي عربة، وكان فك الارتباط الإداري مع الضفة الغربية (غير الدستوري) وعقد مؤتمر مدريد عام 1991 وتوقيع القيادة الفلسطينية لاتفاق الإذعان في أوسلو قد مهد الطريق أمام توقيع معاهدة الإذعان في وادي عربة.
وجاء توقيعها لصالح العدو الصهيوني وعلى حساب الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وعلى حساب الأردن وحقوقه وكرامته ودوره العربي، وكشفت عن بعض العلاقات السرية بين الأردن وإسرائيل.
تنازل رئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي في معاهدة الإذعان عن أراضي الباقورة الأردنية التي احتلها، وأقام عليها المستعمرات اليهودية ومشاريع زراعية وشرطة وجمارك إسرائيلية وحفر فيها 23 بئراً ارتوازياً تتدفق مياهها العذبة إلى المستعمرات اليهودية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بدلاً من أن تتوجه للقرى والبلدات الأردنية التي بأمس الحاجة لمثل هذه المياه النقية.
وأدت معاهدة وادي عربة إلى إغراق السوق الأردني بالمنتجات الزراعية والسلع الإسرائيلية، مما ألحق أفدح الأضرار بالمزارعين والمنتجين الأردنيين.
وتلعب الحكومة الأردنية دور شاهد الزور بإخفاء مصدر البضائع الإسرائيلية عن شعبها لحمله على شرائها، وجعلت المعاهدة الأردن جسراً للتغلغل الإسرائيلي في بلدان الخليج.
وأحيت المعاهدة مشروع قناة البحرين الصهيوني ومشروع سكة حديد حيفا ـ بغداد ومد خطوط أنابيب النفط والغاز وإقامة الطرقات السريعة كطريق السلام بين القدس وعمان.
وقامت الحكومة الأردنية بتغيير المناهج الدراسية بما يتناسب مع مواد المعاهدة ولتصفية عروبة فلسطين وتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي على أساس شرق أوسطي وليس على أساس عربي.
وتقوم السلطات الأردنية بتبادل المعلومات مع الكيان الصهيوني لإحباط عمليات المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي وحماية حدود الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وأدى وجود السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية إلى تسهيل محاولة اغتيال القائد الفلسطيني خالد مشعل في شوارع العاصمة الأردنية باعتبارها من أهم أوكار الموساد في المملكة الأردنية.
ويعتبر التطبيع والشرق أوسطية من أهم سمات معاهدة وادي عربة، ويعني التطبيع إقامة علاقات طبيعية مع عدو الله والوطن والمواطن ومع من اغتصب القدس مدينة الإسراء والمعراج وشرد ستة ملايين لاجئ فلسطيني في أصقاع الدنيا كافة، ومع من اغتصب حقوق وأراضي وعقارات ومياه الشعب والأمة.
وأدت المعاهدة إلى صناعة طبقة غنية نم جراء تعاملها مع العدو لتسويق منتجاته في الأردن وفي بلدان عربية أخرى.
إن المطالبة بإسقاط معاهدة الإذعان في وادي عربة وبملكية دستورية واحترام حقوق الإنسان والقواعد الديمقراطية مطلب عادل وحضاري ومحق ويتماشى مع روح العصر ومع أبسط المفاهيم الديمقراطية التي تفرض نفسها يوماً بعد يوم في الوطن العربي بفعل المسيرات والمظاهرات والانتفاضات والثورات الشعبية لتكريس خيار المقاومة وتحرير الأراضي العربية المحتلة، والقضاء على الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني غريب عن المنطقة، دخيل عليها، جاء من وراء البحار بدعم وتأييد كاملين من الدول الاستعمارية على شكل قوة حليفة لها ومعادية لشعوبها.


المصــادر


1 ـ جريدة المجد الأردنية في 7/8/2000 .
2 ـ المصدر السابق نفسه.
3 ـ الحياة اللندنية في 27/4/1994.
4 ـ مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 20، بيروت 1994، ص99.
5 ـ المجد الأردنية في 21/8/2000.
6 ـ مجلة الحرية، دمشق في 30/10/1994، ص10.
7 ـ المحامي حسين مجلي، المجد في 7/8/2000 .
8 ـ د. جمال الخطيب، المجد في 14/11/1994.
9 ـ مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 20، بيروت 1994، ص108 ـ 109.
10 ـ انظر: نصوص معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل المادة 13 الفقرات:
2 و3 و4.
11 ـ المهندس سفيان التل، جريدة العرب اليوم في 13/8/2009.
12 ـ العرب اللندنية في 7/7/2009، ص6.
13 ـ المصدر السابق نفسه.
14 ـ المصدر السابق نفسه.
15 ـ المحامي حسين مجلي، المجد الأردنية في 7/8/2000 .
16 ـ السفير في 26/10/2009 .