الذكرى الرابعة والستون للنكبة
د. غازي حسين
تحل الذكرى الرابعة و الستون والاستيطان يجري على قدم وساق في الاراضي العربية المحتلة في حربي عام 1948 و1967 العدوانيتين وبشكل خاص في القدس والجليل والنقب .
وفي الوقت نفسه تتركز المساعي الاميركية والإسرائيلية بالتعاون والتنسيق الكاملين مع من اسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى راسهم السعودية وقطر والاردن لبيع ما تبقى من فلسطين وتصفيتها عن طريق خطة اوباما لتسوية الصراع العربي – الصهيوني برعاية امريكا الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني .
وتعتمد خطته على اربعة مبادئ اساسية :-
الاول : قبول "اسرائيل" بدويلة فلسطينية كمصلحة اسرائيلية لحل مشكلتها وتخليد وجودها وليس لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين وذلك على اساس حدود عام 1967 ، وتبادل الاراضي لضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة الى الكيان الصهيوني.
الثاني : تخلي الفلسطينيين مقابل الدويلة المنقوصة الارض والشعب والسيادة عن حق عودة اللاجئين الى ديارهم.
الثالث : ضمان امن "اسرائيل" باعتباره مقدسا عند الرئيس الاميركي اوباما .
الرابع : اعتبار مدينة القدس ، مدينة الإسراء والمعراج واولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بشطريها المحتلين مدينة موحدة وعاصمة ابدية للكيان الصهيوني .
وبالتالي البس اوباما خطة "اسرائيل" للتسوية النهائية وتصفية قضية فلسطين بلباس اميركي لكي ينجح في تسويقها للمفاوض الفلسطيني غير الشرعي والمروّض والهزيل ، والذي تخلى عن قدسية فلسطين وعن الوطن والمواطن والعروبة والاسلام .
توجه محمود عباس الى المصالحة برعاية مصر بعد ان وصل الى الطريق المسدود في مفاوضاته العبثية خلال عشرين عاما مع قادة الكيان الصهيوني . واستجاب في مطلع هذا العام 2012 الى الدخول في مفاوضات استكشافية في عمان برعاية الاردن في ظل اقتراب موعد الانتخابات العامة في الكيان الصهيوني واحتمال عقد انتخابات مبكرة وفي ظل المزيد من تراجع الاهتمام الامريكي بملف قضية فلسطين لانشغال ادارة اوباما بالتحضير للانتخابات الرئاسية الاميركية . فالرئيس الاميركي يحتاج الى الهدوء في الساحة الاميركية حتى تمر الانتخابات بسلام ، كما يحتاج محمود عباس الى انجاز سياسي يدعمه في الانتخابات الفلسطينية وفي العودة الى المفاوضات العبثية .
وكعادة "اسرائيل" في الكذب والتضليل والمراوغة لتحقيق الاستعمار الاستيطاني تستغل الاوضاع الفلسطينية والعربية والاميركية لمواصلة فرض الحقائق الاستيطانية على الارض وتصعّد من مسيرة التهويد وبناء المستعمرات للقضاء على الهوية العربية الاسلامية لفلسطين العربية .
وتعتقد بعض الاوساط الاسرائيلية ان نتنياهو يستطيع تلبية حاجة اوباما وعباس ولكنه لا يريد ، لأنه يتمنى خروج اوباما من البيت الابيض ومجيء رئيس جمهوري في الانتخابات القادمة ليدعمه للاستمرار في الاستيطان ، واحتلال الاراضي العربية .
اما بالنسبة الى محمود عباس فهو لا يزال يراهن على مفاوضاته العبثية ، وهو سعيد لعدم تضرره من الحراك الشعبي العربي ، ويأمل في اعادة انتخاب اوباما للعودة الى المفاوضات لإنهاء الصراع ضمن تصور اوباما المذكور للحل .
وتعتقد اوساط صحفية اسرائيلية ان على "اسرائيل" اذا كانت جادة في احلال السلام اعطاء فرصة للمصالحة الفلسطينية . فوجود ممثل واحد للشعب الفلسطيني بحسب رأيها هو في مصلحة "اسرائيل" ، لان برأي هذه الاوساط ان اتفاق الحل النهائي يجب ان توقعه فتح وحماس ، لان حماس مقبولة في الاوساط الشعبية الفلسطينية اكثر من فتح التي ينخرها الفساد .
وتعتقد اوساط اسرائيلية ان اتفاق المصالحة ينطوي على فرصة حقيقية للعملية السياسية . فتوحيد الجهة الفلسطينية هو مصلحة اسرائيلية ، لأنه بمجرد وجود هذه الجهة تستطيع "اسرائيل" تقديم مبادرة سياسية جادة على حد زعمهم ، وخاصة اذا قبلت بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة مع "اسرائيل" ومنها اتفاق اوسلو وبأقل من شروط الرباعية .
قبل توقيع المصالحة كانت "اسرائيل" تتحجج بعدم اهلية محمود عباس للتفاوض ، لأنه لا يمثل الفلسطينيين .
اذا كان عباس في نظر نتنياهو لا يصلح شريكا للتفاوض بسبب حالة الانقسام ، ولأنه لا يصلح اليوم بعد توقيع اتفاق المصالحة ، فماذا يريد نتنياهو (شايلوك تاجر البندقية) ؟ .
قدم نتنياهو شروطا جديدة لعباس كي يتراجع عن استحقاق ايلول أي يتراجع عن توجهه للجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاعتراف بيهودية "اسرائيل" والتنازل عن حق اللاجئين في العودة الى ديارهم وضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة في الضفة الغربية ، وابقاء القدس بشطريها المحتلين عاصمة الكيان الصهيوني الابدية. ويعمل في الوقت نفسه على تصعيد حمى الاستيطان في الضفة الغربية وبشكل خاص في مدينة القدس القديمة ، مدينة الاسراء والمعراج. وعلى الرغم من هذه المواقف التي تلحق افدح الاضرار بالحقوق الوطنية القابلة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني لا يزال محمود عباس ينتظر اشارة من نتنياهو للهرولة مجددا الى طاولة المفاوضات العبثية للتوصل الى حل لمشكلة "اسرائيل" وليس لحل لقية فلسطين وبمباركة من جامعة الدول العربية التي باعت فلسطين .
ان عودة اللاجئين الى ديارهم جوهر قضية فلسطين ، ولا سلام و استقرار في منطقة الشرق الاوسط الا بعودة اللاجئين الى ديارهم واستعادة ارضهم وممتلكاتهم .
ان الذكرى الرابعة والستون للنكبة والمصائب والويلات والمعاناة والقتل والتدمير الذي يلحق بالشعب الفلسطيني ، والتمييز الذي يعانيه في العديد من البلدان العربية يزيد من تمسكه بحقه في العودة الى وطنه اكثر من أي وقت مضى.
لقد نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مقررات مؤتمر بازل عام 1897 العلنية والسرية (المعروفة ببروتوكولات حكماء صهيون ) وعن تقرير كامبل عام 1907 وعن وعد بلفور الاستعماري عام 1917 ، ونظام الانتداب عام 1922 وعن مخطط لجان الترحيل التي شكلتها الوكالة اليهودية والحكومة الاسرائيلية ، وعن الحربين العدوانيتين التي اشعلتهما في عامي 1948 و1967 ، والتطهير العرقي الذي نفذته الحكومة والجيش واجهزة المخابرات الاسرائيلية ، واستغلال معزوفتي الهولوكوست واللاسامية لتبرير الابادة الجماعية لشعبنا العربي الفلسطيني وترحيله عن وطنه وزرع ملايين المستعمرين اليهود محله . وحدثت نكبة 1948 ونكسة 1967 ، ومنذ نكبة 15 ايار 1948 ونكسة حزيران 1967 اصبحت عودة اللاجئين الى ديارهم انطلاقا من القانون الدولي والقرارات والمواثيق الدولية واسوة بالتعامل الدولي جوهر قضية فلسطين . وهذا ما دفع بالشعب الفلسطيني والدول العربية الى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28 ايار عام 1964 في مدينة القدس ، وتأسيس فصائل المقاومة فيما بعد بدمشق .
ان حق عودة اللاجئين الى ديارهم الذين هجرتهم منها "اسرائيل" حق اساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان ينبع من قدسية حق المواطن في وطنه ومن حرمة حق العودة الذي لا يزول بزوال الدول او بتغيير السيادة ، وهو حق غير قابل للتصرف و لا تجوز فيه الانابة او التمثيل ، وهو حق مقدس وعادل و لا يسقط بالتقادم ، وحق فردي وجماعي ايضا انطلاقا من الحقوق التاريخية للعرب في فلسطين ، ومن حق الشعوب والامم في تقرير المصير . ويملك هذا الحق المقدس اللاجئ نفسه وليس منظمة التحرير او مؤتمرات القمم العربية .
ان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم حق اساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان ينبع من قدسية حق المواطن في وطنه . فالفانون الدولي يؤكد على ان العودة للأشخاص الذين يرغمون على مغادرة منازلهم بسبب قوة قاهرة كالحرب ملزمة ، و لا مجال للطعن في حقهم في العودة إلى منازلهم . وثبتت الامم المتحدة هذا الحق في قرارها رقم 194 . وقبُلت "اسرائيل" في عضوية الامم المتحدة شريطة تنفيذ القرارين 181 و194 .
ان "اسرائيل" هي التي اجبرت اللاجئين الفلسطينيين على الترحيل واغتصبت ارضهم وممتلكاتهم ودمرت مدنهم وقراهم والتي بلغت حوالي 530 بلدة وقرية . واقامت على انقاضها المستعمرات اليهودية .
وتعمل على ترحيل الفلسطينيين حتى اليوم ، واحلال مستعمرين يهود من اصقاع الدنيا كافة محلهم .
وزعم الكيان الصهيوني قبل 64 عاما ورسخ في كتب التاريخ والمناهج الدراسية ان القادة العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين مغادرة وطنهم ، وذلك كذبا وبهتانا كعادة اليهود بالكذب .
وجاء المؤرخون الجدد الاسرائيليون واعلنوا " ان ترحيلا جماعيا قسريا قد ارتكبته "اسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني عام 1948 " .
ان اللاجئين الفلسطينيين يصرون على حقهم في العودة إلى ديارهم لأنه حق اساسي وعادل ومقدس وجزء من العقيدة القومية والاسلامية وتؤكده مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والاتفاقات والقرارات الدولية والتعامل الدولي . ان الشعب العربي الفلسطيني وبعد مرور 64 عاما على النكبة مصّر على التمسك بحقه في العودة الى وطنه وزوال كيان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني اكثر من اي وقت مضى ، ولن يسلّم ابدا باغتصاب ارضه وحقوقه ومقدساته لمستعمرين صهاينة جاؤوا من وراء البحار .
ويصّر على اجبار الكيان الصهيوني على تحمّل المسؤولية التاريخية والقانونية والمادية على نكبته ، ويؤكد على ان مصير الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وكآخر نظام عنصري وارهابي في العالم الى الزوال تماما كما زال الاستعمار الفرنسي من الجزائر ، وكما زالت النازية من المانيا والفاشية من ايطاليا والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الفصل العنصري (الابارتايد) من جنوب افريقيا .مل أ