الرسالة، وما أدراك ما الرسالة؟!
د. فايز أبو شمالة
إنها الرسالة التي سيرسلها السيد عباس إلى رئيس وزراء العدو "نتانياهو"! إنها عصا موسى السحرية التي ستبتلع كل أفاعي اليهود، وهي القنبلة النووية الفلسطينية التي يدخرها السيد عباس حتى اللحظة الأخيرة من تاريخ القضية الفلسطينية، الرسالة هي صرخة شمشون اليهودي وسط غزة التاريخية حين قال: عليّ وعلى أعدائي، والرسالة هي النار الفلسطينية التي ستحرق أصابع المستوطنين اليهود، وستجعلهم يندمون على الساعة التي صدقوا فيها كتابهم الديني "التناخ"، وجاءوا غاصبين إلى فلسطين، والرسالة هي الأحجية التي يجب أن يعلقها كل فلسطيني على باب بيته، وأن يحفظها كل عريس عن ظهر قلب، ويقدمها مهراً لعروسة في ليلة الزفاف، والرسالة هي الأنشودة التي يجب أن ينسخها كل طالب فلسطيني سبع مرات، وأن يوزعها الأطباء علاجاً لكل أوجاع الفلسطينيين!
هل صدقتم ما سبق من كلام عن الرسالة؟ أم تُهْتُمْ مثلي، وتاهتْ بكم السبل، وأنتم تسمعون من شهور عن الرسالة؟ حتى صارت القضية الفلسطينية التي أكلت مئات ألاف الشهداء مختصرة في رسالة؛ سيوجهها السيد عباس إلى السيد نتانياهو؟ لقد صارت قضية العرب الأولى، وصار الدم العربي، ووجع السجن، صار بفضل السيد عباس رسالة! تخيلوا يا أيها العرب، تخيلوا أن الصراع العقائدي بين دين إسلامي يرفض أن يذرف الدمع بعيون اليهود، وصراع على أرض الجدود، كل ذلك يصير رسالة! قضية فلسطين صارت رسالة من عباس إلى نتانياهو، ومضمونها: ارجع يا نتانياهو، ارجع يا رجل، ارجع إلى المفاوضات مع وقف الاستيطان، ارجع إليً كما قال الشاعر نزار قباني: ارجع إليّ، فبعدك لا عقدٌ أعلّقه، ولا لمست عطوري في أوانيها، ارجع إليّ إليَّ، لمن جمالي لمن؟ شال الحرير لمن؟ ضفائري منذ أعوامٍ أربيها؟ ارجع كما أنت، صحواً كنت أم مطراً، فما حياتي أنا إن لم تكن فيها؟ مضمون الرسالة يقول: إن الرباعية قد أفلست، وأفلست معها لقاءات عمان، وأفلس من قبلها مؤتمر أنابولس، وأفلس من قبله مؤتمر شرم الشيخ، وأفلست خطة كلنتون، وقرارات الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، وانتهت قضية فلسطين حتى صارت رسالة تشرح للسيد "نتانياهو" الوضع الذي وصلت إليه عملية السلام، وتؤكد على رفض المفاوضات في ظل الاستيطان. وكأنما نتانياهو لا يعرف أين وصلت الأوضاع، وكأنما نتانياهو لم يخطط لما وصلت إليه الأوضاع، وكأنما نتانياهو يرتعب خوفاً لما وصلت إليه الأوضاع، وهو الذي يرفض أن يخلي المستوطنون بيتاً عربياً في الخليل، أمر وزير حربه "باراك" بإخلائه، فكيف سيوافق ملك إسرائيل على رسالة، تدعوه إلى استئناف المفاوضات دون توسع استيطاني؟
سينتظر الفلسطينيون رد نتانياهو، وسيكون من شقين: الشق العملي يقول فيه نتانياهو: لقد طرحت وزارة الإسكان الإسرائيلية عطاء لبناء 654 وحدة استيطانية في شرقي القدس، في جبل أبو غنيم، و180 وحدة أخرى في مستوطنة "جفعات زئيف" شمال القدس، والاعتراف بشرعية عشرات المستوطنات الأخرى.
أما الشق اللفظي من رسالة نتانياهو فيقول فيه: تعالوا نتفاوض على الحدود والأمن والقدس، ونتفاوض على كل شيء، لا بأس من التفاوض دون شروط، ولكن يجب أن تكون نتيجة المفاوضات اعترافكم بإسرائيل دولة يهودية!.
بعد زمن من الانتظار، سيسلم وفد فلسطيني الرسالة، وبعد زمن سيتسلم وفد فلسطيني رد نتايناهو على الرسالة، ثم، سننتظر نصف سنة أخرى، ليعد السيد عباس رداً على رسالة نتانياهو، ثم، سننتظر الفرج بعد شهور، رسالة من نتانياهو يرد فيها على السيد عباس، وهكذا حتى لا يتبقى بيت عربي دون مستوطن، ولا تتبقى أرض دون مغتصب، والسلام ختام، طالما صارت إسرائيل يهودية، وصارت فلسطين خربشة حروف في رسالة خطية.