ة الشرق القطريه الأحد 2جمادى الأولى 1433 – 25 مارس 2012
رائحة مبارك في الأفق – فهمي هويدي

شممت رائحة مبارك قوية في جريدة الأهرام أمس (السبت 24/3).
فقد وقعت فيها على ثلاثة أخبار وتقارير وجدتها مباركية بامتياز.

الخبر الأول: على الصفحة الأولى وقد بدأ بالعبارة التالية:
«أعلنت الجبهة الثورية لترشيح عمر سليمان للرئاسة، أنها نجحت في انتزاع موافقته على الترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية.».
وقال صموئيل العشاي مؤسس الجبهة إن المسألة لم تكن سهلة، وإن النائب السابق لرئيس الجمهورية كان يرفض بشدة الترشح. ولكنه وافق عليه بعد ضغط متواصل، بداية من تدشين توكيلات باسمه (إلى جانب) المناشدات في وسائل الإعلام.

الخبر الثاني: كان تحت العنوان التالي
« المتهمان أمام النيابة: عرضنا 50 مليون جنيه من إيران لتفجير سفينة إسرائيلية بقناة السويس».
وتحت العنوان ذكر الخبر أن تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا مع المتهمين فلان وفلان اللذين أجهض قطاع الأمن بالداخلية مخططهما لتفجير المجرى الملاحي لقناة السويس في أنهما تلقيا تمويلا من إيران والشيعة لتنفيذ المخطط..
وأنهما عرضا على أحد الأشخاص توجيه ضربة لإحدى السفن الإسرائيلية في القناة مقابل 50 مليون جنيه.
وأنهما أبلغاه بأنه بعد التنفيذ سيحصل على المبلغ من الشيعة، لعلاقتهم مع إيران، وكراهية إيران لمصر وإسرائيل.

على الصفحة التاسعة جاء التقرير الثالث تحت العنوان التالي:
«أسرار حرب حكومة هنية ضد مصر».
وتحته جاء النص التالي: كشفت مصادر مطلعة داخل قطاع غزة النقاب عن قيام عناصر محسوبة على حكومة إسماعيل هنية المهيمنة على القطاع بالإيعاز لأصحاب محطات الوقود بوقف بيع ما لديهم من مخزونات البنزين والسولار وقيام تلك العناصر بشحن الجماهير بغزة للتوجه إلى الحدود مع مصر للتظاهر هناك ضد السلطات المصرية، للضغط عليها من أجل تزويد القطاع بالوقود دون قيد أو شرط... إلخ.

أثار انتباهي في الخبر الأول أن ثلاثة من المحررين كتبوه، وأن صياغته أشارت إلى أن ترشيح عمر سليمان تم بواسطة كيان باسم «الجبهة الثورية»، بما يعني أنها جبهة منتمية إلى ثورة 25 يناير
ومع ذلك وافق بناء على رغبة الجماهير التي لم نرها وزحفت لكي تحرر توكيلات لصالحه، وأمام لهفة وإصرار المناشدات الإعلامية التي لم نسمع بها. وهي صياغة تستغفل القارئ وتسوق الرجل الذي كان شريكا لمبارك في كل خطاياه، ولأنه كان ضامنا له ومطمئنا إلى موقفه فإنه تخيره نائبا له ليصبح واجهة لنظامه الذي أراد له أن يستمر.

الخبر الثاني مضحك ومريب أيضا. فمصدره تحقيقات أمن الدولة المشهورة بالتلفيق والفرقعات المصطنعة. وموضوعه أن اثنين تلقيا تمويلا من إيران بقيمة 50 مليون جنيه. واتفقا مع ثالث (أهبل) لضرب سفينة إسرائيلية، وبعد التنفيذ سيعطونه الخمسين مليون جنيه (لم يعطوه مقدما لفعلته ولو مليونا من الخمسين).
لكن الأخير بشهامة وثقة قبـل أن يفجر السفينة ثم يتقاضى المبلغ بعد ذلك.
ثم إن الصيغة لم تكتف باتهام السياسة الإيرانية ولكنها في تخبط ظاهر أقحمت الشيعة في المؤامرة، وذكر أن المبلغ دفعه الشيعة (هل المقصود حزب الله؟) لعلاقتهم مع إيران وبسبب كراهية إيران لمصر وإسرائيل.

أما التقرير الثالث فهو ينطلق من أن ثمة حربا تشنها حكومة هنية ضد مصر. لفصل غزة وتنفيذ المخطط الإسرائيلي الجاهز. وقد تذرعت بأزمة الوقود للاستمرار في تلك الحرب.
ويشير إلى أن تلك الحكومة «الشريرة» بخلاف حكومة رام الله «الطيبة» تريد إرهاب الحكومة المصرية ولي ذراعها لتزويد القطاع بالوقود دون قيد أو شرط.
وإلى جانب النكتة في حرب حكومة هنية ضد مصر، فإن التقرير لم يشر إلى دور مصر في حصار غزة وإصرار سلطات القاهرة على تزويد القطاع بالوقود عبر معبر كرم أبوسالم الإسرائيلي، في حين يتمسك الغزاويون بألا تدخل إسرائيل بينهم وبين مصر، ويرون أنه من الطبيعي أن يتسلموا الوقود مباشرة من مصر، عبر معبر رفح.

إن الأخبار الثلاثة تقول لنا أولا إن رجل مبارك تنازل أخيرا وبناء على طلب الجماهير المشتاقة إلى حكمه قبل أن يترشح للرئاسة. وهو ما تفضلت به علينا مشكورة «الجبهة الثورية»، تعبيرا عن امتنانها ووفائها للعهدين القديم والجديد.
ثم تقول لنا ثانيا إن إيران هي العدو الذي يتآمر علينا ومعها حزب الله الذي يكره الحليفين مصر وإسرائيل.
أما التقرير الثالث فهو يحدثنا عن حرب لحكومة حركة حماس ضد مصر.

حين تصفحت العدد قلت إن هذا مبارك يخوض معركته ضد أعدائه التقليديين، إلا أن صفوت الشريف وأنس الفقي كانا أذكى من ذلك بكثير، فكذبهما لم يكن بهذه الفجاجة. حتى أخشى أن يصدر عنهما بيان يعاتب من كتب الكلام ومرره، قائلين لهم:
بئس التلاميذ والأولاد، هل هذا ما علمناه لكم؟
............