القيمة الفكرية في الروايات العربية:
نقرأ كثيرا , وكل يركز على الزوايا التي تهمه, وغالبا نعتبر أن الروايات عرض لفكر الكاتب , فهذا هو الواقع الذي لا مفر منه, خاصة لو امتلكنا ناصية التغلغل في تفاصيل الأفكار التي عرضها المؤلف من خلال صنعته الروائية , والتي يهمنا فيها أيضا الموضوعية في المعالجة الدرامية التي تكمل الصنعة فيها.

ما حضني على ذلك قراءة دراسة هامة للروايات السعودية من الناقد :د.محمد أحمد طيارة.
الكتاب من طباعة اتحاد الكتاب العرب يقع في 165 صفحة متوسطة الحجم لم يسهب الناقد في الشرح بلا داع , ولم يعرج على زوايا نقدية أخرى إنما بحث في قواسم مشتركة هي:
الفكرة والصنعة.
والذي استعرض فيها التسعة عشرة رواية , قدمها نقديا كصنعة وكفكر, وهذا أهم ما نهتم به روائيا رغم أن اللغة تهمنا كذلك لنرى مدى النضج الذي وصل إليه الكاتب عدا الشريحة التي وجهها لها من خلال لغته تلك.
لكنني هنا أركز وأقارن مابين روايتي سلمى وأنا سلمى الأولى للدكتور السعودي : غازي القصيبي والتي وردت مع الدراسة رغم أنني وجدتها فريدة ومتميزة عن البقية بمذهبها الفكري العربي والوطني بخطه العام وقواسم مشتركة و التي تجذب كل شرائح المجتمع على تنوع أطيافه ,ورواية أنا سلمى للأديبة الأردنية البريطانية فادية الفقير والتي تحكي من طرف اجتماعي صرف عن نموذج بدوي متفلت وعن جريمة الشرف, فأيها هو الأهم في عصر الهزيمة.؟هذا مدار بحثي ومركز دوران نقاشي.
قبل أن ندخل خضم المقارنة بين الروايتين والتي بت استمتع بفن المقارنة لنبين من منهما خدم الأمة ومن منهما أنجب فنا آخر..
نقول: أن كل إناء ينضح بما فيه وكان الكتاب المذكور قد قدم مسار الرواية السعودية ككل كصورة عن مجتمع خرج لعالم جديد بكل تفاصيل أحداثه الفريدة المتوقعة.
يقول الدكتور في مقدمة دراسته عن مؤلف رواية سلمى للقصيبي:
في رواية سلمى يبين القصيبي,عن جوهر مفكر لا حد لحكمته مثلما لا حد لسخريته.[1]
نعم هو ذو نظرة ساخرة بامتياز يمكننا لمسها بقوة في كتابه أمثال غير مأثورة.[2]
تلعب سلمى دور الذاكرة الجمعية والضمير القومي أدوار المنتصرين وأدوار المنهزمين ,لأنها لا تموت ولو ماتت في آخر الرواية.[3]
بينما" أنا سلمى" عند د.فادية تموت بسبب جرائم الشرف وبسبب استسلامها للعبث السلوكي اللامسؤول !!, فأيها جدير بعرضه على جيل يعاني آثار الهزيمة ومظاهرها؟.
لقد كتبت رواية" أنا سلمى " بقلم أميل للغربي منه للشرقي ويقطع كبير يحمل :عبء 343 صفحة من الوصف الغريزي اللا مسئول في زمن بات إشباع الرغبات أسهل ما يكون في المقدرة على إخفاء آثاره البشعة.
يقول الدكتور غازي:المرأة أكثر وفاء من أي رجل وأقل خطرا على النظام من أي رجل ,ومرة هي زوجة أبي عبد الله الصغير الذي تسبب في هزيمة وانكسار آخر أحلامنا في الأندلس, ومرة هي زوجة الشاعر أبو الطيب المتنبي , مالئ الدنيا وشاغل الناس صاحب الطموحات الكبيرة والعظيمة .
ومرة هي سلمى زوجة الخليفة المستعصم الذي سقطت بغداد أمام عينيه على يد هولاكو.
ومرة هي زوجة صلاح الدين الأيوبي البطل الذي تحدى أوروبا وطرد الصليبيين من الأراضي العربية في موقعة حطين.
ومرة هي العشيقة المزدوجة كما الميل المزدوج لكل من الشاعر أحمد شوقي والموسيقار محمد عبد الوهاب, ومرة هي سلمى الشهيدة الإستشهادية التي تدق بعنق "شارون" وتضغط على زر المتفجر الذي تحزم به جسدها ويتطاير جسداهما شارون الغاضب القاتل القذر وجسدها –جسد الشهيد.[4]
بينما سلمى بطلة د. فادية يبحث عنها الرجال الشبقون فيقول أحدهم:
-أنا أتشوق للقاء امرأة إكزوتيكية مثلي!
فصوت الغريزة كان عاليا مدويا, حتى ما عدنا نعرف ماذا تريد أن تقول لنا فيها, فسلمى لاتستحق الاحترام وقد غيرت اسمها ومظهرها وباعت حجابها الذي لم يكن في الرواية أصلا سوى خرقة بالية بلا مثل ولا قيم,صورة بدوية عن غجر لا عن بدور حقيقيون يملكون من القيم ما يستحق الاحترام فعلا ,فتاة كبرت على مشاعر التشرد والضياع والاستهتار بجسدها الغض, ليقول لها أحدهم قبل أن يرميها:
-يا عاهرتي!أنت غانيتي وسبيتي[5]
وفي مكان آخر يدفعها صاحب الحانة وايت هير قائلا لها:
-لا مكان لك هنا
-أنت أيتها الأجنبية !أنت أيتها الغربية ! لماذا لا تعودين إلى الغابة؟ اذهبي وتسلقي إحدى شجرات جوز الهند ! اغربي عن وجهنا! اذهبي إلى بلدك ![6]
فهي لا شرقية ولا غربية,أي إهانة تلك التي تمر بسهولة على البطلة؟!إلا لو كان هذا التعبير لا يعني لها شيئا ...
هو مولود ولد بتزاوج القيم العربية مع الغربية فلود مخلوقا لا نعرفه ..وربما لا نريد معرفته ..فقد بينت المؤلفة أنها منبوذة من الطرفين :
لطخت اسمنا بالقطران , سيطلق أخوك النار عليك , بين عينيك

ينما نجد مدى رحمة الراهبات بها لما لجأت لهن!.هل يحق لها مقارنة مجتمع من الحضيض بمجتمع متسامح منطقيا؟
لقد كانت تلك نهاية الراوية فعلا لكنها لم تحرك فينا شعور الشفقة أبدا وربما أثارت شعورا مضادا , ومهما كان من الأمر هل نموذج سلمى الشاذ يستحق أن يسطر ولماذا؟وهل عنصر التشويق الذي يبحث عنه المرهقون يستحق تلك المغامرة ؟ أم هو وليد منطقي للعيش في الغرب؟ربما هي فتاة غربية لبست بعض مسوح عربية وراثيا...أين هو النموذج السليم الذي ربما كان مقارنة مصيبة لو وجد ؟
وماذا أرادت الكاتبة من جملة:ليس جميع المسلمين متشابهين فقلت(سلمى):
هناك إسلام واحد فقط.
وذلك عندما صوبت السهام على المسلمات الغربيات أنهن مسلمات بالاسم فقط...
لا يحق لنا التشكيك بنية المؤلفة هنا ولكن يحق لنا سؤالها:
وهل يحق لسلمى التقييم هنا؟ وماذا رأت منهن حتى تحكم عليهن؟ليس دفاعا بل تحليل لمنطق الرواية.
يبقى سؤال ملح يتبادر لنا مع نسق الرواية:
كيف تركت الكاتبة بطلتها سلمى هكذا للعبث؟ وهل الناشئ في بيئة نظيفة يمكنه الانحدار بهذه السهولة ؟
هي أسئلة تربوية غائرة في العمق والتفتيش عن منطق الحدث لبطلة تقع كل فترة في مطب جديد غربي كان أم شرقي!!هذا النموذج لمن هو معروض وموجه إذن؟
بينما سلمى عند القصيبي تحذر الزعيم عبد الناصر كمديرة مخابراته من مباغتة اسرائيل فيقول:
-لن أسمح لأحد باستدراجي إلى معركة أعرف أني غير مستعد لها
لا يهمنا هنا موضوع الرواية عموما , لكن إنما يهمنا أنه قدم قضية تهم شريحة أوسع ووجدت قاسما مشتركا فيما بين فكر القارئ وفكر الكاتب بقدر ما كان .
يقول الدكتور محمد:
القصيبي استطاع تقديم البطلة بشجاعة تساوي مابين الشعور والتفكير...وهذا ما يجب أن يكون حاضرا في الروايات العربية ونبحث عنه بقوة ومن خلاله الهدف والمرمى.
هل يحق لي القول أن القصيبي أحيا المرأة العربية والفقير دفعتها للانتحار أو للموت بقدميها؟
أخيرا:
أتمنى أن أكون مصيبة فيما طرحت. تحيتي لكل مجتهد سليم النوايا [7].
ريمه الخاني 25-3-2012




[1]انظر ص 89 من الكتاب

[2]انظر ملخصه هنا:
http://www.omferas.com/vb/t36456/


[3]انظر ص 90 من الدراسة

[4]انظر ص 91

[5]انظر ص 50 من الرواية

[6]انظر ص 37 من الرواية

[7]هناك دراسات لنا سابقة عن الروايات وهي نظرات انطباعية عن روايات كتفرقة عربية يمكنها توسيع الرؤية حول هذا الموضوع تجدونها في قسم الأبحاث النقدية الأدبية في موقع فرسان الثقافة:
http://www.omferas.com/vb/f202/
أو في المجلة الالكترونية