منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    من سلسلة علماء اللغة




    ابن منظور



    نسبه و موطنه :
    هو محمد بن مكرّم بن علي بن أحمد ، الأنصاري الرويفعي الإفريقي المصري ، القاضي جمال الدين أبو الفضل ، المعروف بابن منظور، الأديب الإمام اللغوي الحجة .يُعدّ من أحفاد الصحابي رويفع بن ثابت الأنصاري ، عامل معاوية على طرابلس الغرب ، وقد ولد بمصر - على الأرجح - يوم الاثنين ، الثاني والعشرين من المحرم ، سنة ثلاثين وستمائة من الهجرة .وهو والد القاضي قطب الدين بن المكرم ، كاتب الإنشاء الشريف بمصر، الصائم الدهر، المجاور بمكة زمانًا .
    صفاته و أعماله : كان ابن منظور - رحمه الله - صدرًا رئيسًا فاضلاً في الأدب ، عالمًا في الفقه واللغة ، عارفًا بالنحو والتاريخ والكتابة ، وكان مليح الإنشاء له نظم ونثر، وقد تفرد بالعوالي ، وكان فيه شائبة تشيع بلا رفض ، وقد عمي في آخر عمره .و قد أهلته صفاته السابقة لأن يعمل فترة طويلة في ديوان الإنشاء بالقاهرة ، ثم يتولى بعد ذلك منصب القضاء في طرابلس . و مما أُثر عنه من نظمه قوله : الناس قد أثموا فينا بظنهم *** وصدقوا بالذي أدري وتدرينا ماذا يضرك في تصديق قولهم *** بأن نحقق ما فينا يظنونا حملي وحملك ذنبًا واحدًا ثقة *** بالعفو أجمل من إثم الورى فينا وقال أيضًا : توهم فينا الناس أمرًا وصممت *** على ذاك منهم أنفس وقلوبوظنوا وبعض الظن إثم وكلهم *** لأقواله فينا عليه ذنوب تعالي نحقق ظنهم لنريحهم *** من الإثم فينا مرة ونتوب



    شيوخه و تلاميذه : سمع ابن منظور من ابن يوسف بن المخيلي، وعبد الرحمن بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وابن المقير وطائفة، وتفرد وعمر وكبروا وأكثروا عنه، وروى عنه السبكي والذهبي، وقد حدث بمصر ودمشق.



    مؤلفاته :



    غلب على ابن منظور في تواليفه عمل اختصارات للكتب السابقة عليه ، وفي هذا يقول ابن حجر: " وكان - ابن منظور- مغرى باختصار كتب الأدب المطولة ... وكان لا يمل من ذلك " ، و قال الصفدى أيضًا : " ولا أعرف في كتب الأدب شيئًا إلا وقد اختصره " . وفي جملة مصنفاته ، قال الصفدي : " وأخبرني ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمسمائة مجلدة ، قال : ولم يزل يكتب إلى أن أضر وعمي في آخر عمره رحمه الله تعالى " .ومن أهم مصنفاته تلك ما يلي : مختار الأغاني الكبير ، ويقع في اثني عشر جزءًا ، وقد رتبه على الحروف مختصرًا ، ومختصر زهر الآداب للحصري ، ومختصر يتيمة الدهر للثعالبي ، ولطائف الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ، اختصر به ذخيرة ابن بسام ، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر في ثلاثين مجلدا، ومختصر تاريخ بغداد للسمعاني ، ومختصر كتاب الحيوان للجاحظ ، ومختصر أخبار المذاكرة و نشوار المحاضرة للتنوخي ، وله نثار الأزهار في الليل والنهار في الأدب ، وأخبار أبى نواس ، وقد جمع بين صحاح الجوهري و بين المحكم لابن سيده وبين الأزهري في سبع وعشرين مجلدة . وعن هذا قال الصفدي : " ورأيت أنا أولها بالقاهرة ، وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن ، كالشيخ بهاء الدين بن النحاس ، وشهاب الدين محمود ، ومحيي الدين بن عبد الظاهر ، وغيرهم " .واختصر أيضًا صفوة الصفوة ، ومفردات ابن البيطار، وكتاب التيفاشي فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب ، اختصره في عشر مجلدات وسماه : " سرور النفس " ، وله أيضًا تهذيب الخواص من درة الغواص للحريري ، وغيرها .و يعد من أهم وأشهر أعماله وأكبرها ، والذي طيّر اسمه في الآفاق هو كتابه " لسان العرب " ، ذلك الذي جمع فيه أمهات كتب اللغة ، فكاد يغني عنها جميعًا ، ولأهميته ومكانته سنعرج عليه بشيء من التفصيل .








    لسان العرب.. أشمل معاجم العربية : يُعد " لسان العرب " لابن منظور من أشهر المعاجم العربية وأطولها ، كما يُعد أشمل معاجم العربية للألفاظ ومعانيها ، وأتم المؤلفات التي صنفت في اللغة بصفة عامة ، ومرجع العلماء والعمدة المعول عليه بين أهل هذا اللسان .وقد جمع ابن منظور في معجمه الخالد هذا بين أمهات المعجمات العربية الخمسة السابقة عليه ، فجمع بين " تهذيب اللغة " للأزهري، و" المحكم " لابن سيده ، و" الصحاح " للجوهري ، و" حاشية الصحاح " لابن بري ، و" النهاية في غريب الحديث " لعز الدين بن الأثير ، ولم يذكر " جمهرة اللغة " لابن دريد ، مع أنه رجع إليها كثيرا . وفي منهجه في معجمه هذا فقد نهج ابن منظور نهج الجوهري في الصحاح ، وذلك باعتماد الترتيب الهجائي للحروف ، بانيًا أبوابه على الحرف الأخير من الكلمة، وأول أبوابه ما ينتهي بالهمزة ، وقد صرح في مقدمته بقوله : " ولا أدعي فيه دعوى ، فأقول : شافهت أو سمعت ، أو فعلت أو صنعت ، أو شددت الرحال ، أو رحلت ، أو نقلت عن العرب العرباء ، أو حملت ، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها الأزهري وابن سيده لقائل مقالاً ، ولم يخليا لأحد فيها مجالاً ، فإنهما عيّنا في كتابهما عمن رويا ، وبرهنا عما حويا ، ونشرا في خطبهما ما طويا ، ولعمري لقد جمعا فأوعيا ، وأتيا بالمقاصد ووفيا ... و ليس في هذا الكتاب فضيلة أمت بها ، ولا وسيلة أتمسك بسببها ، سوى أني جمعت فيه ما تفرق في هذه الكتب ... وأديت الأمانة في نقل الأصول بالفص ، وما تصرفت بكلام غير ما فيها من النص ، فليعتد من ينقل عن كتابي أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة ".هذا ، وقد بلغ عدد المواد اللغوية التي ضمنها لسان العرب ثمانين ألف مادة ، وهو ضعف ما في الصحيح ، وأكثر بحوالي عشرين ألف مادة من المعجم الذي جاء بعده ، وهو القاموس المحيط للفيروز آبادي .وقد صدّر ابن منظور " اللسان " بمقدمة غير قصيرة ، افتتحها بالتحميد والتهليل ، ثم أخذ في ذكر شرف اللغة العربية وارتباطها بالقرآن الكريم ، ثم عرّج بعد ذلك على نقد التهذيب والمحكم والصحاح ، ثم ذكر السبب الدافع إلى تأليف معجمه ، والذي يتمثل في أنه وجد أن الذين سبقوه إما أحسنوا الجمع وأساءوا الوضع والترتيب ، وإما أحسنوا الوضع ولكنهم أساءوا الجمع ، وقد عنى بذلك أنه أراد الجمع بين صفتي الاستقصاء والترتيب .ووضع ابن منظور بين المقدمة والمعجم بابين : الأول في تفسير الحروف المقطعة في أول سور القرآن الكريم ، والثاني في ألقاب حروف المعجم وطبائعها وخواصّها ، ثم إنه رتب معجمه على نظام الأبواب والفصول ، حيث يعالج كل باب حرفًا من حروف الهجاء ، وفقًا لآخر جذر الكلمة ، ثم يورد في كل باب فصلاً لكل حرف وفقًا لأوائل جذور الكلمات ، وهي نفسها الطريقة التي عليها - كما ذكرت - معجم الجوهري " الصحاح " ، وقد فرغ منه سنة تسع وثمانين وستمائة من الهجرة .وإن " لسان العرب " ليُعد بعد ذلك معجمًا موسوعيًّا يتسم بغزارة المادة ، حيث يستشهد فيه مؤلفه بكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأبيات الشعر ، وقد بلغ الشعر الذي استشهد به ابن منظور قرابة اثنين وثلاثين ألف بيت ، موزعة بين عصور الرواية الشعرية من جاهلي ومخضرم وإسلامي وأموي وعباسي ، وذلك إضافة إلى روايته لآلاف من آراء اللغويين والنحويين ، وغير ذلك من الأخبار والآثار، مما يعكس كثيرًا من مظاهر حياة اللغة العربية وحياة المجتمع العربي ، على نحو يجعله مفيدًا لا في المجال المعجمي فقط ، بل وفي مجالات علمية أخرى كثيرة .وقد طبع الكتاب بالطابعة الأميرية ببولاق (القاهرة) في عشرين جزءًا كبيرًا ينيف كل منها على ثلاثمائة صفحة ، حظيت بإعجاب العلماء، وقد استدرك عليها العلامة أحمد تيمور بعض الأخطاء المطبعية التي نشرها في جزء صغير باسم : " تصحيح لسان العرب " ، كما استدرك عليها الأستاذ عبد السلام هارون أخطاء أخر نشرها في مجلة مجتمع اللغة العربية (المصري) .و قد قامت دائرة المعارف (بالقاهرة) بإعادة ترتيب مواد الكتاب تبعًا لأوائل الجذور لا أواخرها ، وهو الأسلوب المتّبع في معظم معاجم اللغة العربية الحديثة ، وذلك بخلاف ترتيبه الأصلي الذي كان يلتزم طريقة " الصحاح " بالترتيب وفق الحرف الأخير فالأول فالثاني ... إلخ ، وقد قام بتحقيقه ثلاثة من الباحثين هم : محمد أحمد حسب الله، وعبد الله على الكبير، وهاشم محمد الشاذلي ، وخرج الكتاب في ستة أجزاء من القطع الكبير المطبوع بحرف صغير ، أعقبته ثلاثة أجزاء هي الفهارس الفنية للكتاب .


    وفاته : بعد حياة علمية حافلة ، وبعد أن تولى نظر القضاء في طرابلس ، عاد ابن منظور أدراجه إلى مصر ، وفيها توفاه الله في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة من الهجرة ، عن اثنتين وثمانين سنة ، وكان ذلك قبل ولادة صاحب " القاموس المحيط " الذي أتى بعده بثماني عشرة سنة .



    المراجع : - الباباني : هدية العارفين .- عمر كحالة : معجم المؤلفين .- الكتبي : فوات الوفيات .- الصفدي : نكث الهميان في نكت العميان .- ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.- ابن العماد : شذرات الذهب .- إدوارد فنديك : اكتفاء القنوع بما هو مطبوع .- القنوجي : أبجد العلوم .- يوسف إليان سركيس : معجم المطبوعات .- الزركلي : الأعلام .- موقع المركز العلمي .

  2. #2
    الخليل بن أحمد




    اسمه ونسبه : هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفَرَاهِيديُّ ، ويقال : الفُرْهودِي ، الأزدي . و الفراهيدي نسبة إلى فراهيد ، وهي بطن من الأزد . والفرهود : ولد الأسد بلغة أزد شَنُوءة ، و قيل : إن الفراهيد صغار الغنم [1] .وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : " أول من سُمِّي في الإسلام أحمد (بعد رسول الله) ، أبو الخليل بن أحمد العروضي " [2] . مولده وبلده : كان مولده في العام المتم مائة من الهجرة (100هـ) في زمن الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز [3] . و لا يُعلم على التحقيق أين كان مولده ، وإن كان بعضهم يقول إنه ولد بمدينة عُمان على شاطئ الخليج العربي [4] ، وعاش في البصرة [5] .



    ملامح شخصيته وأخلاقه : كان الخليل بن أحمد - رحمه الل ه- رجلاً صالحًا عاقلاً ، وقورًا كاملاً ، مفرط الذكاء ، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له ما كان من زهده وورعه ؛ إذ كان متقللاً من الدنيا جدًّا ، متقشفًا متعبدًا ، صبورًا على خشونة العيش وضيقه ، وكان يقول : " إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي " [6] .وليس أدل على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل حيث قال : " أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة ، لا يقدرُ على فَلْسَيْنِ ، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال " [7] .هذا، وقد رُوِي له في الزهد: و قبلك داوى الطبيبُ المريضَ *** فعاش المريض و مات الطبيـبفكن مستعدًّا لـداء الفنـا *** فإن الـذيهـو آتٍ قريـب ويُحكى عنه أيضًا أنه كان كثيرًا ما ينشد بيت الأخطل: وإذا افتقرت إلى الذَّخائر لم تجدْ *** ذُخْرًا يكون كصالح الأعمال و من حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه ، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا ، وقال : ما عندي غيره ، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان . فقال الرسول : فماذا أبلغه عنك ؟ فأنشأ يقول : أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ *** وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِسخَّى بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا *** يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِو الفقر في النفس لا في المال نعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِفالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه *** ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال[8] فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل : إن الذي شقَّ فمي ضامن *** للـرزق حتى يتوفـانيحرمتني خيرًا قليلاً فما *** زادك في مالك حرمـاني فبلغت سليمان ، فأقامته وأقعدته ، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه ، وأضعف راتبه ، فقال الخليل : وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت *** منها التعـجب جاءت من سليمـانالا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده *** فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا[9] وفوق زهده وورعه ، وتقواه وعلمه ، فقد كان الخليل رجلاً ظريفًا متواضعًا حسن الخُلُق ؛ ومما ذُكر في ذلك أنه اشتغل عليه رجل في العروض وكان بعيد الفهم ، فأقام مدةً ولم يعلق على خاطره شيء منه ، قال الخليل : فقلت له يومًا : كيف تقطِّع هذا البيت ؟ إذا لم تستطع شيئًا فدعـه *** وجاوزه إلى ما تستطيـع قال الخليل : " فشرع معي في تقطيعه على قدر معرفته ، ثم إنه نهض من عندي فلم يعُدْ إليَّ ، وكأنه فهم ما أشرت إليه " [10] . و هنا يتجلَّى أدب الخليل وحسن خُلُقه مع تلامذته ، وكيف كان يستعمل منهجًا تربويًّا فريدًا في تعليمه إياهم .و من أفضل ما عُلم عن أدب الخليل وتواضعه ما حكاه عنه أيوب بن المتوكل حيث يقول : " وكان الخليل إذا أفاد إنسانًا شيئًا لم يُرِه أنه أفاده ، وإن استفاد من أحدٍ شيئًا أراه بأنه استفاد منه " [11] . وفي ذلك ما فيه من سموٍّ نفسي وإنكارٍ للذات ، فضلاً عن احترام المعلم والإقرار بفضله على المتعلم ؛ إذ ذاك من بعض حقوقه .وفي مثل ذلك أيضًا ما أخبر به تلميذه النضر بن شميل حيث قال: " ما رأيت أحدًا يُطلب إليه ما عنده أشد تواضعًا منه " [12] .وفي موقفٍ يجسِّد صفة التواضع هذه يحكي الفضل بن محمد اليزيدي فيقول : " قدم الخليل بن أحمد عليَّ وأنا على طِنْفسةٍ ، فأوسعت له عليها ، فأبى إلا القعود معي عليها ، ثم قال : مهلاً ، إن الموضع الضيق يتسع بالمتحابين ، و إن الواسع من الأرض ليضيق بالمتباغضين ؛ ثم أنشأ الخليل بن أحمد يقول : يقولون لي دار المحبين قد دنـت*** وإني كئيب إن ذا لعجـيبفقلت : وما يغني الديار وقربها*** إذا لم يكن بين القلوب قريب[13]



    شيوخه : كغيره من أقرانه وعلماء عصره ، فقد أخذ الخليل وتتلمذ على أكثر من شيخ وأستاذ ، وكان منهم أيوب السختياني البصري ، وقد فقه اللغة عليه ، وأيضًا عاصم الأحول بن النضر البصري ، والعوام بن حوشب ، وغالب بن خطاف القطان البصري[14] ، وكذلك أبو عمرو بن العلاء ، وعثمان بن حاضر الأزدي ، وغيرهم [15] .









    تلاميذه : كان تلاميذه - رحمه الله - من الكثرة والنجابة بمكان ، وكان أبرزهم (سيبويه) النحوي البصري حُجَّة العربية ، وعبد الملك بن قريب الأصمعي ، وحماد بن يزيد ، وأيوب بن المتوكل البصري القارئ ، وبَدَل بن المحبَّر ، وداود بن المحبر ، وعلي بن نصر الجهضمي الكبير ، وعون بن عمارة ، و المُؤَرِّج بن عمرو السدوسي ، وموسى بن أيوب ، و النضر بن شميل ، وهارون بن موسى النحوي الأعور، ووهب بن جرير بن حازم ، ويزيد بن مرة الذَّارع ، والليث بن المظفر [16] .وإذا كان من أكبر أسباب شهرة الخليل بن أحمد هو تلميذه سيبويه في مؤلَّفه الشهير (الكتاب) ؛ إذ عامَّة الحكاية فيه عن الخليل ، وكلما قال سيبويه في كتابه : " وسألته " من غير أن يذكر قائله، فإنما يعني بذلك الخليل [17] .


    مؤلفاته : إن من أهم ما طيَّر اسم الخليل وأذاع شهرته في الآفاق هو كتابه ومعجمه البِكْر من نوعه في مصنفات اللغة العربية : (كتاب العين) ، ولم يكن (العين) هو مصنَّفه الوحيد ، وإنما ذكرت كتب المراجع أن له أيضًا : كتاب (فائت العين) ، و كتاب (العروض)، و كتاب (الشواهد) ، و كتاب (النقط والشكل) ، و كتاب (النغم) ، و كتاب في (معنى الحروف) ، و كتاب في (العوامل) ، و كتاب (الإيقاع) ، و كتاب (تصريف الفعل) ، و كتاب (التفاحة في النحو) ، و كتاب (جملة آلات الإعراب) ، و كتاب (شرح صرف الخليل) ، و كتاب (الجمل) ، و كتاب (المُعَمَّى) ، وغيرها [18] .



    منهجه في كتاب العين : لقد رتَّب الخليل في (العين) الحروف العربية على مخارجها من الحلق على النظام التالي، كما جاء في مقدمته لكتاب العين : ع ، ح ،هـ ، خ ، غ ، ق ، ك ، ج ، ش ، ض ، ص ، س ، ز ، ط ، د ، ت ، ظ ، ث ، ذ ، ر، ل ، ن ، ف ، ب ، م ، و ، ا ، ي ، همزة [19] .وإذا كان الخليل قد عدَّ العين أقصى الحروف مخرجًا ، فإن سيبويه يذكر أن الهمزة أقصى الحروف مخرجًا . غير أن ابن كيسان يروي أنه سمع من يذكر عن الخليل أنه قال : " لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف ، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء الكلام ولا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مُبْدَلَةً ، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفيَّة لا صوت لها ، فنزلتُ إلى الحيز الثاني و فيه العين والحاء فوجدتُ العين أنصع الحرفين ؛ فابتدأت به ليكون أحسنَ في التأليف " [20] .وقد بسط الخليل في العين الكلام في هذه الحروف ومخارجها ، فعدَّها تسعة وعشرين حرفًا، جعل منها خمسة وعشرين حرفًا صحاحًا لها أحياز و مدارج ، كما جعل منها أربعة هوائية . ولقد وَسَم الخليل كتابه المعجم هذا بأول حرف اعتمده ، وهو العين .ولما كان الخليل أول واضعٍ للكلم العربي في صورة معجمية ، كان عليه بعد ذلك أن يستقصي الكلمات بعد أن اختار الترتيب ، وكان اعتماده على ما ساقه الصرفيون - ممن سبقه - من حصرٍ لأبنية الكلمة ، وجعلها إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية . و على هذا وجد الخليل أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي و الخماسي من دون تكرار، اثنا عشر ألف ألف و ثلاثمائة ألف و خمسمائة آلاف و أربعمائة و اثنا عشر (12305412) : الثنائي : سبعمائة وست وخمسون (756) .الثلاثي : تسعة عشر ألفًا وستمائة وست وخمسون (19656) .الرباعي : خمسمائة ألف وأحد وتسعون ألفًا وأربعمائة (591400) .الخماسي : أحد عشر ألف ألف ، وسبعمائة وثمانٍ وثلاثون ألفًا وستمائة (11738600) . اعتمد الخليل في هذا الإحصاء على تنقّل الحرف في بنيته من الكلمة ، فالحرف في الكلمة الثنائية ينتج عن تنقله صورتان يكون أولاً ويكون ثانيًا ، والحرف في الكلمة الثلاثية ينتج عن تنقله صور ثلاث يكون أولاً وثانيًا وثالثًا ، والحرف في الكلمة الرباعية ينتج عن تنقله صور أربع ، وفي الكلمة الخماسية صور خمس . ولا شك أن هذا الاستقصاء ثم الاستصفاء اقتضى من الخليل جهدًا حثيثًا ، وفكرًا كبيرًا [21] .






    آراء العلماء فيه : إحقاقًا للحق ، وامتنانًا بالفضل ، وعرفانًا بالسبق فقد أثنى كثير من علماء المسلمين على الخليل بن أحمد رحمه الله ، وأنزلوه المكانة اللائقة به ، حتى قال عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب (التنبيه على حدوث التَّصحيف) : " وبعد ، فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم تكن لها أصول عند علماء العرب من الخليل ، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيمٍ أخذه ، ولا على مثال تقدَّمه احتذاه ، وإنما اخترعه من ممرّ له بالصَّفَّارين من وقع مطرقة على طست ، ليس فيهما حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفيدان عين جوهرهما ، فلو كانت أيامه قديمة ، ورسومه بعيدة لشكَّ فيه بعض الأمم ؛ لصنعته ما لم يضعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره ، ومن تأسيسه بناء كتاب (العين) الذي يحصر فيه لغة كل أمة من الأمم قاطبة ، ثم من إمداده سيبويه في علم النحو بما صنَّف كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام " [22] .وقال عنه سفيان بن عُيَيْنة رحمه الله : " من أحبَّ أن ينظرَ إلى رجلٍ خُلِق من الذهب والمسك ، فلينظر إلى الخليل بن أحمد " [23] .و يُروى عن تلميذه النضر بن شميلٍ أنه قال : " كنا نُمَيِّل بين ابن عونٍ و الخليل بن أحمد أيهما نقدِّم في الزهد و العبادة ، فلا ندري أيهما نقدِّم ؟! " و كان يقول : " ما رأيت رجلاً أعلم بالسُّنَّة بعد ابن عونٍ من الخليل بن أحمد " [24] . و كان يقول : " أُكِلَت الدنيا بأدَب الخليل و كُتُبِه و هو في خُصٍّ لا يُشْعَر به . و كان يحج سنةً ، و يغزو سنةً ، و كان من الزهَّاد المنقطعين إلى الله تعالى " [25] .وقال السيرافي : " كان الغاية في تصحيح القياس ، واستخراج مسائل النحو وتعليله " [26] . وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي : " كان أهل البصرة -يعني أهل العربية - من أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سُنَّة : أبو عمرو بن العلاء ، والخليل بن أحمد ، ويونس بن حبيب ، والأصمعي " [27] . وقال عنه ابن حبان في كتاب الثقات : " كان (أي الخليل) من خيار عباد الله المتقشفين في العبادة " [28] .


    وفاته : كما كان الخليل عجيبًا في حياته ، متفردًا بين بني جنسه، كانت وفاته أيضًا كذلك ؛ فقد أراد أن يُقرِّب نوعًا جديدًا من الحساب تمضي به الجارية إلى البائع فلا يمكنه ظلمها، فدخل المسجد وهو يُعمِل فكره في ذلك ، ولكن أجله كان بالمرصاد ، حيث صدمته سارية وهو غافل عنها بفكره ، فانقلب على ظهره ، فكانت سبب موته . و قيل : بل كان يقطِّع بحرًا من العروض ، وكان ذلك بالبصرة سنة سبعين و مائة من الهجرة (170هـ) على المشهور، ودُفِن بها [29] . المصادر : [1] الصفدي : الوافي بالوفيات 13/241، 242 .[2] المزي : تهذيب الكمال 8/327 . الزركلي : الأعلام 4/165.[3] د/رحاب خضر عكاوي : موسوعة عباقرة الإسلام 3/119. د/رحاب خضر عكاوي : الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري ص18.[4] د/رحاب خضر عكاوي : الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري ص18.[5] الصفدي: الوافي بالوفيات 13/241.[6] الذهبي : سير أعلام النبلاء 7/ 431. ابن خلكان : وفيات الأعيان 2/ 245. [7] ابن خلكان : وفيات الأعيان 2/245 .[8] ياقوت الحموي: معجم الأدباء 3/1263....

  3. #3
    علينا اكمالها شكرا لك يافراس

المواضيع المتشابهه

  1. سلسلة مشاهير علماء الغرب الإسلامي
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-13-2014, 07:25 PM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-08-2013, 05:57 AM
  3. من تعريفات علماء اللغة للظلم
    بواسطة شذى ميداني في المنتدى فرسان التفاسير
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-17-2012, 09:30 AM
  4. من سلسلة علماء القراءات
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-02-2012, 07:21 PM
  5. بعد جهود أكثر من قرنين.. علماء الآثار يفكون طلاسم اللغة المروية
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-22-2007, 06:18 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •