تعريف العقد الدولي
ومن الناحية الجغرافية، فإن عقد الترخيص قد يكون محليا (وطنيا) وقد يكون دوليا، وكلا الأمرين شائع في الحياة العملية. ويكثر التطبيق بالنسبة للأمر الأول في دول كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تكثر فيها الأسماء التجارية المشهورة من جهة، وتحتوي على سوق استهلاكي داخلي كبير من جهة أخرى. فيبرم المرخص عقود ترخيص مع أشخاص آخرين لتغطية السوق المحلي في مختلف الولايات. أما عقد الترخيص الدولي أو عبر الدول، فيبدو أنه من الصعب، على غرار العقود الدولية عموما،
وضع تعريف له متفق عليه. ومن الناحية العملية، فإن عقد الترخيص عبر الدول، يفترض أن شركة (أ مثلا) مسجلة ابتداء في دولة ما (بريطانيا مثلا)، وأصبحت تمتلك حصرا اسما تجاريا في تلك الدولة (أو دولة أخرى)، وشركة ثانية (ب) مسجلة في دولة ثانية (لبنان مثلا). فتبرم الشركة (أ) عقد ترخيص مع الشركة (ب) تسمح الأولى فيه للثانية استخدام الاسم التجاري في لبنان. وبناء عليه، يمكن القول أن عقد الترخيص يكون دوليا حيث يقع العقد على اسم تجاري مسجل ابتداء في دولة ما، لاستخدامه من قبل المستعمل في دولة أخرى، أي في حال تجاوز استعمال الاسم حدود الدولة المسجل بها، ليستعمل في دولة أخرى.
دور فروع المرخص
ويكثر في الحياة العملية ان يكون المرخص عبارة عن شركة أم لها فروع في دول متعددة، ويبرم العقد بالنيابة عن المرخص أحد هذه الفروع المخول قانونا بذلك. فمثلا، قد يكون المركز الرئيس للشركة الأم في الولايات المتحدة، ولها اسم تجاري مسجل فيها، كما أن لها فرعا في دبي. فيبرم فرع دبي عقد ترخيص مع شركة لبنانية لاستخدام الاسم في لبنان.
أهمية التفرقة
وتبرز أهمية التفرقة بين الترخيص الدولي والترخيص المحلي، ان الترخيص الدولي يتضمن دائما عنصرا أجنبيا واحدا على الأقل بالنسبة لدولة المستعمل، الا وهو الاسم التجاري من حيث أنه مسجل (ابتداء) في دولة، ويراد استخدامه في دولة أخرى غالبا ما تكون دولة المستعمل. والنتيجة المرتبة على ذلك تتعلق بمسألتين: الاختصاص القضائي، والقانون الواجب التطبيق على النزاع. ففي حين تحظر بعض القوانين ومنها قوانين بعض الدول العربية الاتفاق على نزع الاختصاص القضائي الوطني، وكذلك الاتفاق على قانون أجنبي ليطبق على النزاع متى كان العقد محليا بحتا، فإنها تجيز ذلك متى شاب العقد عنصر أجنبي كما هو الحال بالنسبة لعقد الترخيص الدولي على النحو المشار اليه، وهي مسألة سنعود إليها ثانية.

الترخيص والتمثيل
أوجه الشبه بينهما
كما ذكرنا آنفا، فإن عقد الترخيص، بالنظر للالتزامات الناشئة عنه من الناحية العملية، يعتبر مزيجا من عدة عقود، ومن ضمنها عقد التمثيل التجاري الذي يمكن تقسيمه إلى قسمين: عقد وكالة وعقد توزيع(. وهناك بعض أوجه شبه ما بين الترخيص والتمثيل. ففي كلا العقدين هناك سلعة أو خدمة يملكها شخص فيقوم الآخر، بناء على اتفاق مسبق بينهما، بتسويقها في منطقة جغرافية محددة ولفترة معينة. وعلى الأغلب يعطي الطرف الأول للآخر حقا حصريا بذلك. وفي كليهما، يلتزم الطرف الآخر بدفع بدل للأول بموجب العقد، بصرف النظر عن كيفية تحديد هذا البدل وموعد استحقاقه وكيفية دفعه. ويضاف إلى ذلك وجـود بعض الالتزامات المتشابهـة بينهمـا في الواقع
العملي، مثل الالتزام بالدعاية والإعلان للسلعة أو الخدمة الذي يلتزم به أحدهما أو كلاهما (حسب الشرط التعاقدي)، والالتزام بعدم المنافسة من الطرف الآخر، أي التزامه بعدم تسويق سلعة أو خدمة منافسة لما هو متفق عليه. ومن هنا ذهب البعض إلى القول، كما ذكرنا، بأن الترخيص هو الفكرة الأمريكية لعقد التمثيل التجاري، وخاصة عقد التوزيع الحصري.
اختلاف موضوع العقد
وبالرغم من هذا التشابه بين العقدين، إلا أن الفروق بينهما كبيرة. فباستثناء الجانب الذي يعمل فيه المرخص نفسه (وليس المستعمل) كوكيل عن المستعمل، وهي حالة عكسية في العلاقة الناجمة عن التمثيل التجاري كما هو واضح. وأول هذه الفروق وأهمها، ان موضوع أو محل الترخيص الأساس في عقد الترخيص، هو الاسم التجاري وليس السلعة أو الخدمة التي تحمل ذلك الاسم، في حين ان موضوع أو محل عقد التمثيل بشقيه (الوكالة والتوزيع) هو السلعة أو الخدمة.
الترخيص والوكالة
وبالنسبة للوكالة بشكل خاص، فإن الوكيل يعمل باسم الأصيل ولحسابه، في حين يعمل المستعمل باسمه ولحسابه الشخصي. ولو كانت الوكالة بالعمولة، فإن الوكيل يعمل باسمه ولكن لحساب غيره أي الأصيل. وفي هذه الحالة، تخضع العلاقة ما بين الطرفين لأحكام الوكالة. بالإضافة إلى أن المستعمل لا يتعامل أو يبيع سلعة أو خدمة غيره، بل سلعته أو خدمته وإن كان ذلك تحت مظلة الاسم التجاري للغير، بخلاف الوكيل
الذي يتعامل بسلعة أو خدمة غيـره، سـواء تم ذلك باسمه أو باسم ذلك الغيـر. ومـن الآثار
القانونية المترتبة على ذلك، أن المستعمل لا يستحق أجرا أو عمولة على عمله، بخلاف الوكيل (التجاري) وذلك كأثر من آثار الوكالة التجارية(32). لكل ذلك، فإن المستعمل ليس وكيلا عن المرخص في استخدام الاسم التجاري، ولا ببيع أو تسويق السلعة أو الخدمة موضوع أو محل هذا الاسم، وإنما هو شخصية مستقلة تماما عن المرخص، ويتعامل مع الغير باسمه ولنفسه. وبالتالي، فإن آثار تصرفاته مع الغير، سلبا أو ايجابا، تنعكس عليه مباشرة ولا علاقة للمرخص بكل ذلك.
الترخيص والتوزيع
وبالنسبة لعقد التوزيع، فإن الموزع، بخلاف الوكيل، يتعامل مع الغير باسمه ولحسابه الشخصي وتنعكس آثار تصرفاته مع الغير عليه مباشرة، وذلك على غرار المستعمل في عقد الترخيص. ولكن طبيعة العلاقة ما بين الموزع وصاحب السلعة، هي علاقة توريد بضائع أقرب ما تكون لعقد البيع، بل هي فعلا بيع وشراء على دفعات: البائع فيها صاحب السلعة، والمشتري هو الموزع. في حين ان العلاقة بين المرخص والمستعمل هي من نوع خاص وموضوعها الأساس، كما ذكرنا، سماح الأول للثاني باستخدام الاسم التجاري لتسويق سلعة يملكها المستعمل وليس المرخص، أو خدمة تحمل هذا الاسم مقابل بدل يدفعه المستعمل. فهي ليست بيع سلعة أو خدمة بأي معنى، وبالتالي لا تطبق عليها أحكام البيع من هذا الجانب.
آثار التفرقة بين الترخيص والتمثيل
وتبرز أهمية التفرقة بين عقد الترخيص وبين التمثيل التجاري بشقيه الوكالة والتوزيع في أن بعض التشريعات، ومنها تشريعات بعض الدول العربية، أضفت حماية خاصة على الممثل التجاري من ثلاثة جوانب:
1- فمن جهة، يعتبر عقد التمثيل حاصلا لمصلحة المتعاقدين المشتركة. فإذا فسخ الأصيل العقد أثناء سريانه دون خطأ من الممثل (الوكيل والموزع) أو أي سبب آخر مشروع، فإنه يحق للممثل مطالبة الأصيل بالتعويض عن الخسارة اللاحقة به والربح الذي فات عليه، بالرغم من أي اتفاق مخالف. وتطبق هذه القاعدة حتى في حال انتهاء مدة عقد التمثيل، ولم يوافق الأصيل على تجديده.
2- ومن جهة أخرى، تعتبر محاكم المحل الذي يمارس فيه الممثل نشاطه التجاري الناجم عن عقد التمثيل، هي المختصة حصرا بنظر النزاعات الناشئة عن العقد، بالرغم من أي اتفاق مخالف. وهذا يعني أن اتفاق الطرفين على إحالة هكذا نزاع إلى التحكيم، سواء كان دوليا أو محليا، أو إلى قضاء دولة أخرى يعتبر باطلا(36).
3- ويترتب على ذلك القول، من جهة ثالثة، أن يجب على القاضي الوطني في الدولة التي يمارس فيها الممثل نشاطه التجاري، ان يطبق أحكام قانونه الوطني على العلاقة ما بين الأصيل والممثل بالرغم من أي اتفاق مخالف، على الأقل بالنسبة للمسألة الخاصة بتعويض الممثل التجاري على الوجه المذكور، وهو ما جرى عليه العمل فعلا.
ونظرا لاختلاف عقد الترخيص عن عقد التمثيل التجاري وفق ما هو مبين سابقا، فإننا نرى بأن الأحكام المذكورة، إذ تطبق على عقد التمثيل صراحة، لا تطبق على عقد الترخيص. وهذا يعني ان للمرخص ان ينهي العقد وفقا لأحكام العقد ذاته، وأن من حقه عدم تجديد العقد عند انتهاء مدته. وفي كلتا الحالتين لا يلزمه أي تعويض للممثل
التجاري. كما يجوز فيه الاتفاق على إحالة النزاع للتحكيم أو لقضاء دولة غير الدولة التي يمارس فيها الممثل التجاري نشاطه، وكذلك إخضاع العقد لقانون غير قانون تلك الدولة
[ منقول عن مركز القانون والتحكيم ]



ايمن كمال السباعي-نقل الى واتا