السلام عليكم



البناء الفكري والنفسي للطفل داخل الاسره

--------------------------------------------------------------------------------

الأسرة هي المؤسسة الأولى التي يتعلم فيها الفرد كيف يكون إجتماعياً, فمن هذه المؤسسة يأخذ الأطفال الكثير من المبادئ والقيم وكذلك صفاتهم الشخصية وينبغي أن نقول بأن قابلية التأثر لدى الأطفال تجاه آبائهم هي غير محدودة بالخصائص الإيجابية فقط, بل تشمل أيضاً نقاط الضعف والنواقص والسلوكيات السيئة فهي أيضاً تنتقل إلى الأطفال.

فمرحلة الطفولة هي مرحلة نمو الفكر والشخصية لدى الطفل وان الخصوصيات التي تحدد معالم شخصيته في هذا العمر, هي ذات تأثير في سلوكياته عند الكبر, وغالباً ما تتشكل هذه الصفات نتيجة التأثر بشخصية الوالدين, وعلى سبيل المثال فإن الأبوين اللذين يمنحان أبنائهما الحب والإحترام فإنهما في الواقع يساهمان في تكوين الثقة بنفسه، لأنهما بهذه الطريقة يدخلان الطمأنينة إلى نفسه ويساعدانه على تكوين شخصية مستقلة لنفسه, ويحدث خلاف ذلك عندما يمارس الآباء أساليب غير منطقية ويخلقون فجوة في شخصية الطفل حين تنمو لديه حالة من المشاكسة ونفسية غير مستقرة ومريضة, لن يكون المجتمع بمنأى عن مساوئها وأضرارها.

إن الأمهات اللاتي يعانين من الإضطراب والتوتر في شخصيتهن ينقلن حالاتهن النفسية وبأشكال مختلفة لأبنائهن, فالتوتر الذي يحدث لدى الأم نتيجة خوفها من فقدان إبنها سيساهم ذلك في إلتصاق الأم بإبنها ومن ثم إعتماده الكلي عليها, ولـمّا يصل إلى السن الدراسي سيواجه هذا الطفل مشكلة حقيقة في أنه غير قادر على الاستقلال بشخصيته عن أمه وهو بالتالي عاجز عن دخول المجتمع بمفرده, لأنه كان معتمداً في كل وقته على مساعدة أمه له وسيجبر الوالدان على إتباع إسلوب الضغط لإقناع إبنهما في الذهاب إلى المدرسة وبالتالي سيكون عاجزاً في مواجهة شؤون الحياة، وعندالكبر سيصبح فرداً طفيلياً لذلك نجد بعض الأفراد يرغبون في الزواج من نساء تكبرهم سناً ظناً منهم أنها ستشكل مصدر حماية ودعم لهم كأمهاتهم.

فإذا كانت الأم من الناحية الأخلاقية تمثل الشخصية المتشددة والعنيفة والمتعالية على دور الأب في البيت, فإنها ستضع أبناءها في مشكلة حقيقية حيال ما يمكن أن يقتدوا به من سلوكيات أمهم, وستواجه فئة البنات من الأولاد المعضلة الكبرى فيما هو الصح والخطأ من هذا السلوك, وإن إنتخاب طريق الأم وسلوكها في الحياة سيؤدي إلى إنهيار حياتها الزوجية المستقبلية.

الأمهات اللاتي يمارسن التمييز بين الأولاد الذكور والأناث, ويقدمن الأولاد الذكور على بناتهن هنّ يساهمن في خلق موقع للعقد في نفوس بناتهن, فالفتاة التي يقع التمييز بشأنها ستعاقب نفسها في اللاشعور لأنها خلقت فتاة وأنها تنتمي إلى جنس منبوذ, وبالطبع إن نمو مثل هذه المشاعر والأحاسيس لدى الفتيات سيضاعف من مستوى الأزمة لديهن فبعدما كانت المشكلة واحدة هي (إساءة تصرف الأم مع بناتها) أضحت المشكلة مضاعفة من خلال (شعور الفتاة بالنقص) ورغبتها في أن تكون ذكراً أو تتقمص شخصية الذكر.

والآباء الذين يفشلون في كسب أبنائهم, الذكور والأناث هم في الواقع يفتحون الطريق لأبنائهم ليتخذوا قدوات من الشارع, فالوالدان هم نموذج القدوات القريبة والصالحة للأبناء, لكنهم إذا كانوا عاجزين عن إتخاذ دور القدوات الصالحة فأن الأبناء سيبحثون عن هذه القدوات في المجتمع وقد تكون قدوات سيئة كأصدقاء السوء, وهو ما يؤدي بهم إلى الانحراف عن جادة الصواب.

الأمهات اللاتي يشجبن صفاتهن النسوية مثل: الحمل والقضايا الفسيولوجية الأخرى كالدورة الشهرية, أو تنتقص من دور المرأة في المجتمع وفي الحياة الزوجية وبناء الأسرة هي في الواقع تقوم بتلقين بناتها هذا النوع من الأفكار غير السليمة, وبطبيعة الحال فإنها ستنعكس على شخصيتهن وعلى مستقبلهن: القلق من الأمومة, شعور غير كافي بالمسؤولية, إنعدام الثقة بالنفس, التشكيك في القدرة على إنجاح الحياة الزوجية, وكل هذه الشكوك والمخاوف تساهم هي الأخرى في مضاعفات جسمية لما لهذه الحالات من دور على الأعصاب ودور الأعصاب في نشاط وفعالية الغدد, وتأثير الهرمونات التي تفرزها الغدد على جسم ونفس الفتاة, فكل هذه الأمور مرتبطة ببعضها وكل واحدة منها يمهد الطريق للأخرى وقد تنكشف علامات التربية السيئة وتكون واضحة في الكبر, إلا إن العلامات الأولية تظهر في فترة الطفولة نفسها, فالآباء الذين يطالبون أطفالهم بأشياء تفوق طاقتهم الفكرية والجسمية, سيلاحظون ظهور مؤشرات جديدة في تصرفات الطفل تؤكد عدم قدرته وإنسجامه مع هذه المتطلبات, إلا إن الوالدين يفسرون عادةً إنزعاج الطفل وتمرده على أوامرهم بأنه نوع من العصيان والمعارضة والعناد, وهذا التناقض الحاصل بين مطالب الآباء وقدرات الطفل المحدودة في تلبية تلك المطالب يؤدي عادةً إلى تحول الطفل ليكون فرداً مشاكساً ومن الأخطاء الشائعة أيضاً في تربية الأطفال, نجد أن الآباء يكرسون كل إهتمامهم ووقتهم للطفل الجديد بينما يهملون الطفل الأكبر فيؤدي ذلك إلى شعوره بالحرمان العاطفي, لأنه يلاحظ مدى إهتمام والديه بالطفل الأصغر وقلة إعتنائهم به, فيزيد شعوره بالحسد تجاه شقيقه الجديد وتظهر عليه بعض الحالات مثل: الغضب, العناد, التبول في النوم, مص الأصابع, ومحاولة العودة إلى الفترة السابقة من عمره حيث كان المقدم في كل شيء.

الآباء شديدوا الحساسية والإنفعال والذين يعبرون عن إنفعالاتهم النفسية السلبية والإيجابية بأقصى صوره, مثل إبراز صور حبهم وتعلقهم أو من خلال الضرب والشتم فإنهم يساعدون على ظهور مشاكل سلوكية لدى أبنائهم, وعلى سبيل المثال: فأن الأطفال الذين يعضون زملائهم في المدرسة أو ليست لديهم القدرة على الأنسجام مع بقية الأطفال هم قد إقتبسوا هذه الخصائص من والديهم وللأسف نلاحظ إن مثل هذين الوالدين هم الأكثر توقعاً بأن يحقق أبناءهم الإنجازات والمكاسب الكبرى, فهم ينتظرون أن ينفذ أبنائهم واجباتهم بأكمل صورة, لكنهم لم يفكروا قط بما ينبغي عليهم القيام به تجاه أولادهم, كمنحهم الحب والحنان, العطف والاحترام.

الأبناء الذين يعيشون في جو متزمت خالي من الحب والاحترام سيفكرون قبل كل شيء بالهروب من هذا الواقع إما عن طريق الزواج, أو الإرتماء في أحضان الأصدقاء, أو الإنزلاق نحو المجتمع, وكلها وسائل للهروب لاتعوض عن حب الأبوين وحنانهم.

وبعد هذا كله يجب أن يدرك الآباء بأن أبناءهم هم صنيعة أيديهم, فيجب أن ينتبهوا لما ينبغي عليهم أن يصنعوه, لأن الصناعات ليست دائماً ذات جودة عالية, فلكي نحصل على الجودة العالية يجب أن نركز كثيراً في الكيفية والطرق المناسبة لإنتاج جيل متقدم.