خالد مشعل أم عباس الثاني؟!
د. فايز أبو شمالة
لو ثبت السيد خالد مشعل على موقفه، وأحجم عن ترشيح نفسه رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، فهو بحق وحقيقة القائد الفلسطيني المسلم خالد مشعل الذي عرفناه، والذي نُجلُّه لإبداعه القيادي، والذي قدرناه، أما إذا تراجع، وشارك في السباق، فهو بحق وحقيقة صورة أخرى للسيد محمود عباس الذي هدد بالاستقالة، والنأي بنفسه عن العمل السياسي، ولكنه تراجع في كل مرة، ولما يزل هو مرشح الرئاسة الأوحد والوحيد لدى حركة فتح.لقد وضع السيد خالد مشعل نفسه تحت الاختبار، وألزم من خلفه حركة حماس، ووقف الجميع أمام الاستفسار الذي يقول: هل ثورتنا الفلسطينية ومقاومتنا لليهود صناعة فرد، وهل أسطورة الصمود الفلسطيني انجاز قائد، أم هي معجزة شعب يصر على البقاء؟ وهل رحم الفلسطينية قد اضمحل عن إنجاب ألاف الرجال من أمثال خالد مشعل وياسر عرفات وفتحي الشقاقي؟ وعشرات الآلاف من أمثال محمود عباس ونايف حواتمة وياسر عبد ربه؟ لا يقلل العقلاء من دور الفرد في التأثير على مجريات التاريخ، ولكن العاقل لا يستبدل تاريخ أمة بتاريخ فرد، ولا يصنع من تاريخ فرد كيان أمة، والشواهد التاريخية تقول: لقد تدبر الناس أمرهم بعد غياب أهم الشخصيات التي أثرت في تاريخ البشرية، تدبر المسلمون أمرهم بعد غياب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.شخصياً؛ احترم الرجل القائد خالد مشعل، ولا أنكر أثره المحمود على مجريات العمل السياسي الفلسطيني، ولا أختلف مع القائلين بأن المقاومة الفلسطينية المسلحة قد نهضت في عهده، وبعد أن كانت تختفي عن العيون في حارات غزة وقرى الضفة الغربية فرضت نفسها نداً على أقوى جيوش العالم، ولا أنكر أن اللغة العربية قد استقامت على لسانه بشكل يجعل الفلسطيني يفتخر بنفسه أمام العالم، ومع كل ذلك؛ أتمنى أن لا يترشح لفترة قيادية أخرى، لئلا يوفر الغطاء اللفظي السميك للسيد عباس كي يرشح نفسه، ولئلا يمنح بعض قيادات حركة فتح الوسيلة لتخليد عباس رئيساً فلسطينياً أبد الدهر، ولاسيما أولئك الذين يرددون ليل نهار: أنت وليّ نعمتنا يا عباس، وأنت مفجر ثورتنا، وأنت الذي قدتنا من نصر إلى نصر، وأنت الميلاد والميعاد والعشق والسهاد، أنت الذي رفع فوق رؤوسنا سماء المفاوضات بلا عماد، وفاق البشر في التفكير، وسابق الزمن في التدبير، أنت عنواننا الذي يفلق النجم ويهدي الناس، ويا ويلنا من بعدك يا عباس.تذكرنا كتب التاريخ؛ أن جورج واشنطن، أول رئيس لأمريكا، كان قد رفض الدعوات المتكررة لترشيحه، وأصر على رفضه رغم إصرار الشعب، وذلك لئلا يصير توليه الرئاسة لفترة ثالثة سابقة في التاريخ الأمريكي.وتذكرنا كتب التاريخ بأن "مهاتير محمد" رئيس الوزراء الماليزي الذي أخذ بيد شعبه من حضيض الجوع إلى قمم الحضارة، قد رفض المنصب وهو في قمة تألقه. إن عدم ترشح السيد خالد مشعل لفترة قيادية جديدة، ليمثل التناغم الفلسطيني مع الربيع العربي، وهو صرخة حرٍ في أذن كل تلك القيادات الفلسطينية التي عفا عليها الزمن، وفي أذن كل حكام العرب، ونداء بالكرامة يقول: لقد ولى زمن الفرد الصمد، الحاكم المطلق الأحد، لقد ولّى زمن وليّ النعم، ولم يعد في الأفق إلا زمن الشعب المقاوم، زمن النصر وشحذ الهمم.