شاعرات العرب في الجاهلية والاسلام



الاحد 11/2/2007
آ - في الجاهلية :

ما يثير الانتباه هو أن هذا الكتاب قد طبع لأول مرّة , في بيروت عام 1934‏

وأعادت وزارة الثقافة في سورية طباعته , ضمن سلسلة آفاق ثقافية عام 2006 أي بعد سبعين سنة ونيف 00 !!‏

وهذا معناه أنّ هذا الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية في موضوعه والحقّ إنّه كذلك , لعلّ العنوان يعبّر بصدق عن المحتوى وهو » شاعرات العرب في الجاهلية والاسلام « لمؤلفه المرحوم الشاعر والباحث اللبناني بشير يموت ( 1890-1961) وقد أحصى المؤلف مئة وست عشرة شاعرة جاهلية وقرابة مئة شاعرة في عصور الاسلام الأولى 0‏

ينطلق يموت من مقولة إنّ الشعر العربي النسائي مهضوم الحق , مهيض الجناح , قديماً وحديثاً 00 « وهذه المقولة قبل سبعين سنة ونيف كانت صحيحة , غير أنّها فقدت الكثير من صدقيتها اليوم , حيث أخذ النتاج الأدبي النسائي حقه من النشر والنقد0‏

ففي الشعر النسائي كل أبواب الشعر المعروفة , في ذلك الزمن من مديح ورثاء وهجاء وغزل وحكمة واثارة وحماس ووصف طبيعي 00 وأحياناً الغزل على قلته موجودة في بعض اشعارهن 00 وشعر الجاهليات يساير شعر كبار الشعراء في المتانة وصحة اللغة مثل شعر جليلة بنت مرّة أخت جساس بن مرّة والتي اشتهرت بالفصاحة والحكمة تقول في قصيدة لها , عثر على بعض من أبياتها ص 34 بعد ذهابها إلى دار أهلها بعدما قتل زوجها كليب الناقة » البسوس « فقام شقيقها جساس بقتله فتركت ديار زوجها إلى أهلها وهي تقول :‏

- يا عين فابكي فإنّ الشرّ قد لاحا‏

واسبلي دمعك المخزون سفاّحا‏

- هذا كليبٌ على الرمضاء منجدلٌ‏

بين الخزامى علاه اليوم أرماحا‏

- والتغلبيون قد قاموا بنصرته‏

وكنتم وجلال الله أوقاحا‏

- قد كان تاجاً عليهم في محافلهم‏

وكان ليث وغى للقرن طرّاحا‏

ولبعض الشاعرات الجاهليات مواقف معروفة »تاريخية « في حسن الجوار وإغاثة الملهوف مثلما فعلت الشاعرة صفيّة بنت ثعلبة الشيبانية و,لقبها » الحجيجة « وقد أعلنت إغاثتها لهند بنت النعمان على بني كسرى وقالت تصف ذلك ص 15‏

- أحيوا الجوارفقد أمانته معاً كل الأعارب يا بني شيبان‏

- ما العذر ? قد لفت ثيابي حرّةٌ مغروسة في الدرّ والمرجان‏

- وعلى الأكاسر قد أجرت لحرّةٍ بكهول معشرنا وبالشبان‏

- إني حجيجة وائلٍ وبوائلٍ ينجو الطريدُ بشطبةٍ وحصان‏

واللافت أنّ شعر النساء الجاهليات في الرثاء كان الأكثر بين الأغراض الأخرى وفيه نرى العاطفة المتأججة حزناً على أخٍ أو زوجٍ أو ابن أو أب منها هي تماضر السلميه ترثي ابنها الذي قتله حذيفة بن بدر وقد قتله حذيفه نفسه فيما بعد في يوم الهباءة - الواقعة المعروفة 00 تقول ص 48 :‏

- كأن العين خالطها قذاها لحزنٍ واقعٍ أفنى كراها‏

- على ولدٍ وزين الناس طراً إذا ما النار لم تر من صلاها‏

- لئن حزنت بنو عبسٍ عليه فقد فقدت عبسٌ فتاها‏

- فمن للضيف إن هبت شمالٌ مزعزعة يجاوبها صداها‏

وإذا جئنا الى رثاء الزوج فالشاعرات الجاهليات رثين بحرقةٍ فقد الرفيق الهمّام , حامي الحمى ومخيف العدا 000 الزوج الذي افتقدته الساح والقبيلة كما افتقدته رفيقة العمر ,تقول الشاعرة سميّة زوجة شداد العبسي‏

- خالة عنتره في رثاء زوجها شداد ص 49‏

- جفاني الكرى وأنا في الغسق وساعدني الدمع لمّا اندفق‏

- لفقد همامٍ مضى وانقصى وقد زاد مني عليه القلق‏

- فمن بعد شداد يحمي الحريم اذا الحرب قامت وسال العرق‏

- ومن يردع الخيل يوم الوغى ومن يطعن الخصم وسط الحدق‏

- ومن يكرم الضيف في أرضه ومن للمنادي إذا ما زعق‏

ونقرأ للشاعرة أم عمرو بنت مكرم رثاءً في أخيها ص 58‏

- ما بال عينك منها الدمع مهراق‏

سحّا فلا عازب عنها ولا راقي‏

- أبكي على هالك أودى فأورثني‏

بعد التفرّق حزناً حرّة باقي‏

ونعثر على مواقف تربوية في شعر الجاهليات تحضّ على الشهامة والشجاعة وتغرس في نفوس الأبناء مثل هذه المكارم 0 منها هي الشاعرة منفوسة بنت زيد الخيل زوجة الشاعر دريد بن الصمة ترقص ابنها وتنشد له ص 59‏

- أشبه أخي أو أشبهن أباكا أما أبي فلن تنال ذا كا‏

تقصر عن مناله يداكا‏

ونقرأ عن بنات » عبد المطلب « عمّات الرسول عليه الصلاة والسلام وكن شاعرات وهن » عاتكة وصفية وبرّة وأميمة وأروى وأم حكيم « وبعضهن عاصرن الاسلام وأسلمن وقد قالت صفيّة في رثاء الرسول عليه السلام ص 121‏

- ألا يا رسول الله كنت رجاءنا‏

وكنت بنا برّاً ولم تك جافيا‏

- وكنت رحيماً هادياً ومعلماً‏

ليبك عليك اليوم من كان باكيا‏

- فدى لرسول الله أميّ وخالتي‏

وعمي وخالي ثم نفسي وماليا‏

- عليك من الله السلام تحية‏

وأدخلت جناتٍ من العدن راضيا‏

وبعد 00 فهذا غيض من فيض من شعر المرأة الجاهلية 00 الشعر الذي كان مرآة صادقة لحالها وأحوالها 00 الحياة الملأى بالكفاح الى جانب الرجل 00 شعر فيه الفصاحة والمشاعر الانسانية الراقية من فرح وحزن وحماسة 00 شعر جدير بالتقدير والقراءة 000 !!‏

* عيسى اسماعيل‏