الحلقة الخامسة

طريقة التفكير



مراعاة طريقة التفكير في التربية من أكبر المسائل الضرورية في التربية الإسلامية، وهي العملية الفعالة التي يجب الاعتماد عليها، وخاصة لصنْع الشخصية الإسلامية، إبتداء من المدرسة، مروراً بالتربية الفكرية لكامل المجتمع، وانتهاء بآخر يوم في حياة المسلم، فطريقة التفكير الإسلامية تعني أن يَبني المسلم كل أفكاره، وبالتالي كل أقواله وأفعاله على الفكر الإسلامي، المستند إلى ما أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم به ، فيكون رأيه يوافق رأي الإسلام، ويكون فعله كما جاء في الإسلام، ويكون قوله ليس فيه ما يخالف عقيدة الإسلام أو نظامه، أي أن يكون رأيه أو فعله ليس له مصدر غير ما هو من عند الله، من الأفكار الإلحادية (العلمانية) أو الديمقراطية أو الشيوعية، أو يوافق أي أفكار كفرية، كالدعوى الوطنية أو القومية، أو يوافق أي أفكار فيها تقديم للمصالح فوق أمر الله ونهيه، أو يوافق أي أفكار فيها استسلام للواقع المخالف لأمر الإسلام (أي بناء الآراء والأفكار والأفعال انطلاقا من الاستسلام للواقع).




وفي الواقع لا تجد المدرسين اليوم أو دكاترة الجامعات أو أسيادهم من الحكام، أو حتى علماء السلاطين، لا تجدهم يُبنون أفكارهم أو أقوالهم أو أفعالهم على أساس الفكر الإسلامي، بالرغم من علمهم الواسع بالإسلام، ناهيك عن تربية أبنائنا الصغار أو الكبار، أو باقي المجتمع على طريقة التفكير الغير إسلامية، بل تجدهم يتبنّون طريقة تفكير غير إسلامية في التدريس والتعليم والدعوة وفي استخدامها في حياة المسلم الفرد.




ولا نقول أنهم جميعهم يستخدمون طريقة التفكير الغير إسلامية تعمداً، إنما بناؤهم هم أنفسهم كان بهذه الكيفية التي قد أرضعوها من صغرهم إرضاعاً، حتى صارت طريقة التفكير الغير مستندة على أفكار الإسلام تجري في عروقهم مجرى الدم، فلا يؤثّر بعدها في أنفسهم أيُّ علم أو فقه أو أي ثقافة إسلامية .




فلو سألت أحدهم يوماً، ماذا ترى من حل لمشكلة فلسطين؟ لقال لك: لو أن الدول العربية اجتمعت، وتوحدت كلمتهم، لاستطاعوا الضغط على إسرائيل، أو أن يقول أحدهم: مالنا وما لهم، إنما يكفي أن نتضرع إلى الله ليعينهم على أمرهم، أو يقول غيره: ندع الأمر للفلسطينيين أنفسهم ليحرروا بلادهم من إسرائيل، ثم يكون لهم حكم ذاتي وتخلص المشكلة.




نلاحظ من هذه الإجابات وهذه الآراء أنها كلها تستند على طريقة التفكير الغير إسلامية. في حين أن طريقة التفكير الإسلامية تنطلق من وجوب إعداد العدة للحرب والقتال وتحريك الجيوش والدعوة إلى الجهاد، تحت راية إسلامية، فنقوم فنحرر بلاد المسلمين من احتلال الأعداء الكفار المستعمرين، بما فيها بيت المقدس، طريقة التفكير الإسلامية هذه باتت غريبة، بل وممنوعة، وممنوع استخدامها على الإطلاق، ولا يُستند إليها في المدارس أو الجامعات، ويجافيها علماء السوء، ودكاترة التربية وعلماؤها، وكثير من المفكرين.




ولو نظرت إلى أحدهم وهو يتعامل مع غيره من المسلمين، لوجدته متفاخراً بالقومية التي ينتمي إليها مجَدَداً وبالجنسية التي يحملها، والتي قررتها أصلاً هيأة الأمم المتحدة(سعودي، أماراتي، كويتي، عراقي، سوري، مصري، تونسي، اريتري، أثيوبي، صومالي وهكذا)، أما طريقة التفكير الإسلامية التي لا تقر طريقة التفكير هذه ولا تقرّ الانتماءات القومية أي الجنسيات، وتمنع التعامل على أساسها، فقد باتت طي النسيان، وأصبحت مُنكَرة لمن يتحدث بها أو يتعامل على أساسها .




ولو أنكرت على أحدهم ممن يقوم بأعظم المنكرات، أو يقوم بأحد الأعمال أو الوظائف الشركية، كما بيّنا سابقاً، لأقر بأنه لم يجد غير هذا العمل أو هذه الوظيفة، ليكتسب من خلالها ويعتاش بها، جاعلاً الواقع مصدر تفكيره،، بهذه الكيفية يكون قد اعتمد طريقة التفكير الاستسلامية للواقع، وجعَلها مقياس أعماله، والقاعدة التي يبني عليها طريقة تفكيره، ولم يجعل طريقة التفكير الإسلامية هي الأساس الذي يبني عليها أفكاره وأعماله.




ونرى علماء السوء أو المفكرين السياسيين، أو غيرهم من المثقفين،عندما يُسألون عن قضايا الأمة، نجد آراءهم كلها تنطق بطريقة التفكير الغير إسلامية، وتستند أساساً على الإقرار بالأوضاع السياسية الحالية، وعلى تقسيم بلدان المسلمين، وعلى الإقرار بهذا التقسيم، والإقرار بالحكام المتعددين (كما يدعونهم ولاة الأمر)، وعلى أن كل دولة يجب أن تحمي حدودها ومصالحها مقابل جاراتها من بلدان المسلمين، أما طريقة التفكير الإسلامية التي تقول أن كل المسلمين يجب أن تكون سيادتهم جميعهم على بلادهم واحدة، وجيشهم يجب أن يكون واحداً، وثرواتهم فيما بينهم منفعتها لهم جميعهم، وقوتهم واحدة، وأن تقسيم بلدان المسلمين الحالي إلى دول متعددة إنما هو من الكفر والمخالفة لأمر الله، واستسلام للعدو المستعمر، وأن حاكمهم يجب أن يكون واحداً، وشرعهم واحداً، ومرجعيتهم واحدة، وأن الرفض لتقسيمهم وانتمائهم المختلف لقوميات وأجناس متعددة أمر يجب أن يكون من المحاذير، ويجب أن يكون مرفوضاَ على القطع،،، طريقة التفكير هذه عند علماء السوء اليوم لا تجد لها واقعاً في عقولهم، أو واقعاً في نفوسهم.




طريقة التفكير الإسلامية في الحقيقة يستحيل استخدامها، إن لم تكن مقترنة مع أفكار الإسلام الأخرى، وتستحيل إذا لم تجد بقوة السلطان من يجعلها المقياس لجميع المعالجات وإدارة مصالح المسلمين، وفي التربية والتعليم، وفي محاسبة الحكام، وفي جعل الإسلام هو السائد في حياة الناس كافة، اقتصاديا وسياسياً وإدارياً وقضائياً وغير ذلك .



قال الله تعالى في سورة الأحزاب 36

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء 65

فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا

ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به

مدونة سلسلة المعرفة: الحلقة الخامسة - طريقة التفكير