بورتريه
علاء الدين كوكش أحلم بإخراج فيلم سينمائي مستمد من روح دمشق القديمة
ربما كانت لدراسة علاء الدين كوكش لعلوم الفلسفة والاجتماع دور في تحليل الشخصيات وتخيلها والتفكير ببعدها الخفي ,الذي يظهر من خلفيات الاحداث من هذا العالم انطلق الى المانيا ليتّبع دورةً في الإخراج ثم مضى برحلته الفنية ليس بالإخراج فقط وإنما بالتأليف أيضاً ..كما مثّل دوراً هامّاً في فيلم المتبقي للمخرج الاردني سيف الله داد .
أحب أعمال البيئة الشامية التي ينتمي اليها, إذ وُلد في حي القيمرية وهو من أعرق أحياء دمشق القديمة, حفظ في مخيّلته الكثير من الصور البصرية لذاك الزمن الجميل وجزءاً من معالم تراثنا المّادي واللامادّي, من خلال تعايشه مع هذه البيئة فقدّم كلاسيكيّات الدراما السورية لأعمال البيئة- تحديداً- مثل حارة القصر وأسعد الورّاق حينما كانت الحارة مكاناً افتراضيّاً تُصوّر داخل استديو مغلق وبكاميرا واحدة وبعيداً عن المؤثرات الّتي نشاهدها الاّن و رغم ضاّلة الإمكانيّات الإخراجية بقيت هذه الأعمال في ذاكرة النّاس حتّى بادرت إحدى شركات الانتاج بإعادة إنتاج أسعد الورّاق برؤية إخراجية شابّة قدّمتها رشا شربتجي وبسيناريو جديد إلا أنّ المشاهدين لم ينسوا عذابات الفنّان الرّاحل هاني الروماني الّذي جسّد دور أسعد ولا صرخة الفنّانة القديرة منى واصف وأداءها الرّائع .
ومع انطلاق الدراما السورية إلى الفضاء الواسع وتصويرها الأحداث في المحيط الدائر حولنا, حوّل كوكش أعمال البيئة من مكان افتراضي الى معالم مستمدّة من الواقعية السحرية فصوّر في أجمل البيوت الدّمشقية التي يعشق رائحتها وبحراتها وأدراجها وياسمينها الّذي يحيط بالمنزل. فجاء مسلسل (أبو كامل) الّذي كان علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية تبعته عدّة أعمال إلى أن عُرض أهل الرّاية ج1 ,إذ رصد ومضات من حكاية شعبية حدثت أثناء الاحتلال العثماني وركّز فيه على إظهار مكامن الشّر لدى المرأة, وفي المقابل أظهر السمات الإيجابية لدى الزّعيم ( أبو الحسن ), الّذي جسّد دوره الفنّان جمال سليمان وقد لاقى العمل متابعة جماهيرية واسعة رغم أن عرضه تزامن مع باب الحارة. في موسم دراما 2011 أطلّ على جمهوره بمسلسل (رجال العزّ) الّذي قدّم فيه شيئاً جديداً غير مألوف من حيث المضمون الدرامي والرؤية الإخراجية والمؤثرات لاسيما أنّ الأكشن الأساسي صُوّر في منزل قديم جداً يعود إلى عام 1938 أدّى دور الزّعيم النّجم رشيد عسّاف بكاركتر جديد بعيد عن السطوة والعنف ومقترباً من مكنوناته الإنسانية وإحساسه المرهف أكثر من تجسيده سمات الزّعامة. تناول مجموعة حكايا صغيرة بقالب درامي شائق من مرحلة تاريخية تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي أثناء وجود الاحتلال الفرنسي, وكان بعيداً عن التوثيق السّياسي والتّاريخي كما أكّد كوكش لأن مهمة المخرج من وجهة نظره لا أن يكون مؤرخاً وإنما ينسج الحكاية برؤيته الإخراجية من مخزونه الفكري والبصري ومن روح الحارة والبيت الدمشقي الكبير الغني بالحكايا والأسرار. ففي كل أعماله كانت الحكاية المستمدّة من التّاريخ هي العنصر الأساسي وليس التّاريخ بحد ذاته ,وقد أثاره النّقد الموجّه الى هذه الأعمال فقال في أحد حواراته : "نحن نتحدّث عن أقدم مدينة مأهولة على وجه الأرض ومن الطّبيعي أن توجد فيها قصص وحكايا لا تنضب وتمّ توريثها عبر الأجيال عن طريق اللاوعي الجمعي عبر مخزون غير قابل للنفاد" .
ومن المعروف أن كوكش مخرج ديمقراطي يتعاون مع فريقه الفنّي والتمثيلي بروح المحبّة والتعاون لم يقتصر نجاحه على أعماله الشّامية وإنما قدّم الكثير من الأعمال التّاريخية والاجتماعية والبدوية من أشهرها ( ساري - حي المزار – أمانة في أعناقكم – بيوت في مكّة – سيرة بني هلال – وضّاح اليمن ) .
شارك في أعمال الدراما العربية فتنقّل ما بين الخليج وصنعاء والأردن. وعلى صعيد المسرح أخرج أهم أعمال سعد الله ونّوس مثل ( الفيل يا ملك الزمان وحفلة سمر من أجل 5 حزيران ) .
ألّف عدّة مسرحيات أخرجها جمعها في كتاب (مسرحيات ضاحكة )والمفاجأة أنّه في نهاية العام الماضي ألف مسرحية زمن السقوط لصالح شركة ايكو ميديا عُرضت في الأردن وتنبّأت بالثورات العربية قبل حدوثها وبالواقع السياسي المتأزم الذي تمر به الدّول العربية ومن خلالها عاد الفنّان دريد لحام الى المسرح من جديد. وفي منحى اّخر كانت له بصمة دامغة في السينما السورية أيام ازدهارها فكتب سيناريو أفلامه الثلاثة ( لا – لن ترحل – القلب يحكم أحياناً )
الجدير بالذكر أنّ المخرج بسام الملّا كان تلميذ علاء الدين كوكش وقد وصفه بالتلميذ الموهوب. ويرى كوكش أن هناك كثيرا من المخرجين المتطفلين على مهنة الإخراج وهو ضد التجريب المجاني وضد التطوير بقصد كسر الشكل التقليدي وإنما مع التطوير بهدف معين .
يعيش كوكش مساحة كبيرة مع ذاته فيكتب خواطر خاصة وقصصاً قصيرة دونها في مجموعة قصصية اسمها (إنهم ينتظرون موتك) وخلال نجاحاته التي زادت عن أربعين عملاً نشر الكثير من المقالات في الصحف المحلية والعربية ويعكف حالياً على قراءة نص جديد سيكون مفاجأة للمشاهدين .
الحلم الجميل الذي مازال في خاطر كوكش أن يخرج فيلماً سينمائياً عن روح البيئة الدمشقية...والسؤال الذي نطرحه هل يتحقق حلمه الجميل!

ملده شويكاني


http://www.albaath.news.sy/user/?id=1310&a=116640