نظرية المعرفة كمنهجية للبحث العلمي *
Epistemology as Methodology
جلبرت هارمان
Gilbert Harman

ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد



ما هو المميز حول آرائي بخصوص نظرية المعرفة ؟ هناك شيء واحد يجب التركيز عليه وهو أن اهتمامي بنظرية المعرفة هو اهتمامي بمنهجية البحث العلمي . والأكثر من ذلك، ارفض "السكلجية"** الخاصة بالمنطق وأرفض أيضاً اعتبار القواعد الاستنباطية كقواعد للاستدلال بأية طريقة كانت ، إذ أنني أوافق على نوع من التحفّظ المنهجي وأرفض النظريات المنهجية التي تتطلب أسساً خاصة وحقيقة تحليلية وتبرير مسبق . وعلى الرغم من اعتقادي بوجود نواحي عملية مهمة للاستدلال والحجج والبراهين النظرية إلاّ أنني أرفض الاقتراح الذي ينص أن الاستدلال النظري هو حالة خاصة من الاستدلال العملي المطبق على هدف معرفي خاص. وأعتقد أيضاً أن نظرية المعرفة المنهجية تتعلق بمصداقية الطرائق الأستدلالية التي يمكن ان تستفيد من تقييم مفاهيم مهمة ذات العلاقة والنتائج الخاصة باعتمادية نظرية التعلم الإحصائي .
1 . المنطق ونظرية المعرفة Logic and Epistemology
يعدّ المنطق نظرية للمضمون ويتمتّع عادة بمادة مجردة تهتم بالعلاقات بين الأفتراضات ولا يتمتع بأية مادة نفسية ولا معيارية ، وتعدّ المبادئ المنطقية مبادئ ضرورية لا استثناءات فيها حول ما يتبع (ماذا) وليست مبادئ خاطئة حول ما يمكن استدلاله من (ماذا) . ومن معتقدات متناقضة ، يتبع كل شيء ولكن ليست الحالة التي تنص على أنه من الممكن استنتاج أي شيء وكل شيء من معتقدات متناقضة .
وفي بعض الأحيان ، فإن حقيقة (س) تتبع أشياء تعدّها جزءاً مما يجعل الأمر معقولاً بالنسبة لك لتعتقد بذلك . ولكن ليس دائماً ، فإنه من الأكثر معقولية التخلي عن أحد المعتقدات التي تتبعها (س) .وبصورة مطلقة لا تضيف العديد من الأشياء الناشئة من معتقداتك ما يستحق ذكره إلى معتقداتك .
ويتطلب كل من التفكير والأستنتاج تغييراً في الرؤية ، وفي الغالب يتم التخلي عن أشياء تم قبولها سابقاً ، وفي الوقت نفسه قبول أشياء جديدة ، فالأستنتاج ليس التفكير العام من خلال البرهان أو المحاورة بتسلسل منطقي ، بمقدمات أولية وخطوات متوسطة واستنتاج نهائي .
وعلى الرغم من انه عن طريق الأستدلال يمكنك إقامة الدليل فإن إقامة الدليل من قبلك يمكن أن تبدأ من الأستنتاج ومن ثم العمل باتجاه عكسي نحو المقدمات المنطقية الأولى أو من الممكن الابتداء من الوسط ومن ثم العمل في الأتجاهين كليهما . فإذا كان الدليل جزءاً من التوضيح الذي تستنتجه وتعتقده أفضل توضيح لبعض المعلومات فإن استنتاج الدليل ربما يكون بداية استدلالك والمقدمة المنطقية الأولى للدليل الذي ربما يكون استنتاج لأستدلالك .
أما بالنسبة للقواعد الأستنباطية فإنها تعدّ قواعد خاصة للتضمين وليست قواعد للاستدلال ، وربما تعدّ قواعد حول ما يمكن ان يجعل الشيء إثباتاً أو دليلاً ، ولكنها ليست قواعد بإمكانك اتباعها في إقامة البرهان أو الدليل ما عدا الحالة التي تصف فيها ما تقيمه .
وهنالك بعض المنظّرين الذين يردون على هذه النقاط الواضحة بالقول بأنها فقط تؤكد على وجود غموض لا ضرر فيه في عبارة " قاعدة الأستدلال " ووجود معنى واحد وهو
" قاعدة التضمين " ، إلاّ أن " الغموض " لا ضير فيه ، فقد أدى دوراً يتمثل في إخفاء قضية صعبة عندما تم التعبير عن الفكرة التي تنص على كيفية الاعتراف بأن المضامين يجب ان تظهر في الأستدلال ، وهذا بدوره يشجّع الطلبة على دراسة المنطق ولكن بصعوبة بالغة كما يؤدي ذلك الى وجود محاولات مرتبكة لتطوير أكثر من منطق مختلف يتعلق بالنواحي الخاصة بالطريقة التي يتوصل فيها الناس إلى الأستدلال :هنالك المنطق الأستقرائي بسبب وجود استدلال استقرائي ، وهنالك منطق عملي بسبب وجود استدلال عملي وهنالك ايضاً منطق ملاءمة واتصال بالموضوع بسبب ان الأستدلال وثيق الصلة بالموضوع واخيراًمنطق مراجعة بسبب ان الأستدلال يؤدي إلى تغيير في الرؤية وهكذا . (وبصورة مماثلة بالنسبة لمبادئ الختام للمعرفة) . وقد تم تشجيع هذه المشاريع الفاشلة بالفكرة التي تنص على ان قواعد المنطق " هي قواعد استدلال " ، ولا يعد " علم المصطلحات " هذا الذي نحن بصدده " مضرّاً " ولكنه ينبغي التخلي عنه .

2. التحفظ المنهجي :
في الاستدلال ، تبدأ من حيث تكون مع معتقداتك الجارية وخططك وأهدافك وكذلك مناهجك أو اجراءاتك لتعديل هذه الخطط والمناهج . وليس من المعقول لك القيام بأية تغيرات في نقاط الانطلاق ما عدا الحالة التي تحل فيها توترات، والإجابة عن أسئلة لك الحق في الإجابة عنها ، ويترتب على أي منهجية معقولة أن تكون محافظة ضمن هذا المضمار .
وفي حالة (منهجية) معينة ، يكون لمعتقداتك الأولية وخططك وأهدافك ومناهجك إهمالاً أو " تبريراً " ظاهرياً . وتمثل " أسس " استدلالك – الأسس في مجال نقاط البداية . وينصح الفلاسفة عادة بأسس محددة انطلاقاً من النظريات التي تنص على أن الأسس هي الأشياء الوحيدة التي لا ريب فيها وإن معتقداتك وأهدافك وخططك ومناهجك التي لا أساس فيها يجب الاحتفاظ بها إلى الحد الذي يكون لك دليل كالتبريرات التي ترتكز على معتقدات وأهداف وخطط ومناهج أساسية . ولا يبدو ان مثل هذه الأسس المشدّدة مرحّب بها كنظريات منهجية طالما انك لا تربط الدليل مثل التبريرات التي تتقبلها من المعتقدات والأهداف والخطط والمناهج والتي تعني أنك سوف تتخلى عن كل شيء تعتقده .
وبعيداً عن هذا الأعتبار ، من الواضح ان نظريات الأسس المنهجية المشدّدة تعني ضمنياً أنه يترتب عليك التخلي عن كل معتقداتك وأهدافك وخططك ومناهجك لأنه ينقصها التبريرات الكافية . ومن الممكن تجنب هذه النتيجة بإضافة بعض الأسس التي تجعلها أقل تشديداً وتسمح بإقامة بعض المعتقدات المفهومية حول البيئة ومعتقدات من الذاكرة حول الماضي وكذلك بعض المناهج الأستدلالية مثل الأستقراء والأستدلال والتوضيح . وتعدّ هذه الأسس الأقل تشدداً قريبة من التحفظ العام . وطالما ان هنالك تحرك نحو نظريات أقل تشدداً بسبب المضامين التي يساورها الشك فإن هذا التحرك يبدو أنه يقوم على أساس قبول عام لتحفظ عام . فالتحفظ العام منهجية مقبولة بصورة عامة في الفلسفة خارج نطاق نظرية المعرفة. وعلى سبيل المثال في مناقشة (Rawls) راولز هناك محاولة لوضع مبادئ العدالة التي تقبلها كتوازن انعكاسي مع احكامك حول حالات خاصة.
فقد أكد راولز وآخرون على أن التوازن الانعكاسي يجب أن يكون " واسعاً " وليس " ضيقاً " مع الأخذ بالحسبان آراء الآخرين وما قيل من قبل مناصري تلك الآراء . ومن ناحية أخرى ، أكد تاغارد أنه يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار كيف ان مناهجك ترتبط بأفضل الأستدلال العلمي وما هي أهدافك في الأستدلال ومصداقية المناهج المختلفة ، والأكثر من ذلك، فإنه من المفيد الإبقاء على استدلال بوياريان تجاه النظريات التي تقبلها . ولا تتعارض هذه المبادئ المنهجية مع التحفظ المنهجي العام إلى الحد الذي تعتبر فيه مقبولة بصورة عامة أو ان هناك أسباب موجبة تجعلك تقبل المعتقدات والأهداف والخطط والمناهج السارية .
وفي بعض الأحيان يعترض الناس على التحفظ المنهجي وذلك بأخذ حالة واحدة قمت بتقبلها بصورة غير عقلانية واعتبرتها معتقداً جديداً بصورة عشوائية . والأعتراض يكمن في حقيقة أنه يبدو من الخطأ افتراض أن معتقدك قد تم تبريره حال قبوله .
ولكن التحفظ المنهجي لا يعني بأن معتقدك قد تم تبريره حالما تم قبوله فإنه ظاهرياً تم تبريره خطأً . وفيما إذا تم تبريره كلياً (بالمعنى المنهجي) فإن ذلك يعتمد على حقيقة فيما إذا أنك على بيّنة من كيفية قبولك ذلك المعتقد . فإذا كنت على بيّنة من انه لم يكن لديك سبباً جيداً لقبوله فإن تلك المعرفة ستكون في حالة توتر مع استمرارك قبول الاعتقاد . وبصورة مماثلة إذا أعطتك معتقداتك ومناهجك الأخرى سبباً للتوصل إلى استنتاج أنه ليس لديك سبب في قبول الاعتقاد الذي نحن بصدده عندئذٍ سوف يكون هناك توتر في معتقداتك وهذا يشير إلى تخلصك من ذلك الاعتقاد ، ومن ناحية أخرى إذا لم تكن على بيّنة من الكيفية التي توصلت فيها إلى هذا الاعتقاد وأن هذه الطريقة نفسها غير كافية لإعطائك سبباً للتخلي عن المعتقد لأن معتقداتك تتصف بسمة أنك لست على بيّنة من الطريقة التي وصلك إليك تذكر دائماً أن التحفظ العام هو مبدأ منهجي يقدم نصحاً منهجياً يترتب على الشخص أن يأخذ هذا النصح ، ولا يعد ذلك تبريراً .

3. عدم تواصل الاستنتاجية والتحليلية :
يفترض الفلاسفة في بعض الأحيان أن العدد المحدد من المعتقدات والمناهج (ولربما بعض الأهداف والخطط) هي مبررة بصورة مسبقة ولكنني لست على بيّنة من أسباب مقنعة لما يمكن أن تعنيه هذه الأفتراضات . وهنالك في الحقيقة هذه المعتقدات والمناهج (والأهداف والخطط) تعني أنها مسلّم بها في بداية التحقيق ، في حين انني أتفق ان مثل هذه المعتقدات والمناهج قد تم تبريرها مسبقاً ولا أعتقد أن ذلك هو ما يعنيه الفلاسفة الموجودين في مخيلتي لأنهم يفترضون أن عدداً محدوداً من المعتقدات لها تبريرها المسبق .
وهناك معتقدات ومناهج مسبّقة كالفطرية منها أو المبرمجة بصورة فطرية ، ولكن في الوقت نفسه فإن المعتقد أو المنهج الفطري لا يعني على الأطلاق أنه تم تبريره بصورة مسبقة حسب آراء الفلاسفة لأن هذا الأمر بالنسبة لهم يعد " مسألة تجريبية " فالتجربة هي التي تثبت صحة ذلك ، وهذا بدوره يعني أن هذه المعتقدات والمناهج لا تعد مبرّرة سابقاً .
ولديّ طريقتان أحاول بواسطتهما أن أوضح المعنى ذات الصلة بالسبق ، إذ يفترض المرء مسبقاً نظرية لأسس التبرير . والفكرة هي أن كل شيء تبرره بالاعتقاد يرتبط بتبريرك بالأعتقادية وهذا ينطبق على الأهداف والمناهج والخطط حيث يكون هناك معايير مشددة لهذه الأهداف والخطط والمناهج . وحسب وجهة النظر هذه إن كل شيء مبرر مسبقاً إذا كان قد تم تبريره بصورة مباشرة ليس بمعتقدات أخرى ولا بطرق وخطط ومناهج أخرى . وهناك مشكلة واحدة مع هذا التوضيح تكمن في ان وصف التبرير الأولي بكونه سلبياً أولاً والمشكلة الأخرى هي ان نظريات الأسس المشددة تتضمن الكثير من الشكوك وإذا ما تم تحليلها منهجياً عندئذٍ سوف تكون ملزماً تقريباً بالتخلي عن معتقداتك وخططك ومناهجك وأهدافك .
أما الطريقة الثانية لتوضيح مبدأ الأسبقية فإنها تتضمن بعض الإدعاءات التي تنص على وجود تبرير بسبب معاني الكلمات المستعملة وربما بسبب النيّة في استعمال هذه الكلمات بطريقة يتم بوساطتها تبرير ذلك . ولكن يبدو ان قبول أية إدعاءات يعني جزئياً أن هذه الإدعاءات هي مبرّرة .ولذلك يبدو أنه لمثل هذه الادعاءات وجود نيّة من قبل المرء لأستعمال كلمات بطريقة تدل على أن هذا الإدعاء مبرّر . والأكثر من ذلك أن أي إدعاء يقبله المرء هو على الأقل مبرر خطأ ولذلك فإنه من غير الواضح بأن هذا الأختلاف المنهجي للتحليل قد تم افتراض عمله .
إن أولئك الذين تربّوا على الأعتقاد بتمييز أو بالتمييز التحليلي والتوليفي المهم سوف لا يرفضون أهمية ذلك التمييز ، وسوف يقومون بتقديم حاجة لمثل ذلك التمييز لإظهار الأهمية المعرفية ، وعلى كل حال لم ألاحظ أي تقرير غير متكامل ولذلك لدي شكوكي حول الموضوع .

4. الذرائعية (البراقماطية)Pragmatics :
هنالك تمييز مهم بين الأسباب المعرفية للأعتقاد بشيء والأسباب اللا معرفية للأعتقاد بشيء. فإن دراسة ما تبين أن التدخين لا يرتبط إحصائياً بخطورة عالية للتعرض لمرض السرطان ربما يقدم سبباً معرفياً للأعتقاد بأن التدخين لا يسبب السرطان ، ومعكم ان الشركة التي تريد أن تعمل فيها فقط تستأجر الناس الذين يعتقدون بأن التدخين لا يسبب السرطان ربما تقدم لك سبباً غير معرفياً للأعتقاد بذلك على الرغم من أن السبب العملي للأعتقاد بشيء هو دائماً سبب غير معرفي . وعلى سبيل المثال ربما تكون اعتبارات المحافظة أو التحفظ والبساطة عملية ومعرفية في آن واحد .
ويفترض بعض المنظرين بأن الأسباب المعرفية ترتبط بالهدف المعرفي مثل الهدف المنشود للأعتقاد بشيء إذا كان صحيحاً . ووفق هذه النظرة ، فإن الأستدلال النظري يؤثر في المعتقدات ، ويمكن ملاحظة ذلك كحالة خاصة للأستدلال العملي ، وهذا أمر غير محتمل تماماً اذ يعطي اختلافات واضحة بين الأستدلال العملي والنظري ، وما هو جديّ فعلاً هو ان الأستدلال العملي الجيد يغير عادة قرارات تعسفية بطريقة لا يستطيع الأستدلال النظري القيام بها . فعندما تقرر أين تذهب بعد انتهاء العمل ليس من الكافي ان تقرر الذهاب إلى البيت وذلك لأنه هناك طرق عديدة يمكن بوساطتها ان تذهب إلى البيت ، لذلك لابد من القيام باختيار تعسفي وإنه من اللاعقلانية (أو من غير المعقول) عدم القيام بمثل هذه الخيارات ولكن بمحاولة اتخاذ قرار حول أي طريق يُسلك للذهاب إلى البيت في الوقت الذي توجد فيه عدة طرق فإنه في هذه الحالة لابد من تفضيل طريق على آخر ومن غير المنطقي الأعتقاد بأن شخص ما اتخذ طريقاً خاصاً ومعيناً .
والأكثر من ذلك وكما لاحظ Hempel (هيمبل) في بحثه الكلاسيكي " عدم التطابق الأستقرائي " ان الهدف المنشود للأعتقاد بشيء ما إذا كان فقط هو الصحيح يمكن أن يفسّر على انه يتضمن بأنك لا تعتقد بشيء إذا كان بدرجة (5) أي انك لا تعتقد به إذا كانت درجة أقل من (5) وتعتقد بالشيء إذا كانت درجته أكثر من (5) . وطالما يعتبر ذلك استدلالاً عملياً فإنه بأستطاعتك الأختيار فيما إذا أنك تعتقد بهذه الأفتراضات مع الأحتمالية التي تقع على درجة (5) .
وقد تم تقديم اقتراحات أخرى حيث ما يُفترض أن تكون عليه الأهداف المعرفية ولا أحد منها يمكن ان يكون مقبولاً . ولذلك لدي مشكلة في الأعتقاد بأن الأستدلال النظري يمكن تعليله إلى استدلال عملي .
ومن ناحية أخرى ، أعتقد بأن اعتبارات عملية معينة تعتبر وثيقة الصلة بالأستدلال النظري والأسباب المعرفية . وقد ذكرت سابقاً فكرتين هما التحفظ والبساطة . والأكثر من ذلك ، ان المعقول الذي يمكن الأستدلال فيه يعتمد على الأعتبارات العملية . وفيما إذ كان من المعقول إنهاء التحقيق أو البحث وقبول استنتاج معين فإن ذلك يعتمد على الأعتبارات العملية المتعلقة بالكيفية أو ومن المُلح الحصول على إجابة ، وما المصادر الأخرى المتوفرة لبحث لاحق وما الأسئلة الأخرى التي تروم الإجابة عنها؟ .

5. الاعتمادية (السببية) Reliability :
باستطاعتك استعمال الطرق الأستدلالية التي تعتقد أنها تتضمن الأعتمادية أن الفكرة التي تنص على ان معتقدك ناتج عن استعمال طريقة لا تتصف بالأعتمادية سيكون في حالة توتر وعدم التجانس الذي نحن بصدده مع إعطاء أسباب للتخلي إما عن الفكرة أو عن المعتقد . أضف إلى ذلك أنه في المحاولة للوصول إلى توازن فعال " فإنه يتوجب عليك أن تأخذ بالحسبان درجة اعتمادية الطرق المختلفة (المناهج المختلفة) التي استعملها للتوصل إلى معتقداتك المختلفة .
لقد تمت دراسة اعتمادية مناهج (طرق) معينة بصورة تجريبية وتمت مقارنتها مع الأداء البشري ، ومع هذه النتائج مثل المنهج الخطي وما يؤديه من دور أفضل في التنبؤ بنجاح عملية جراحية أو التنبؤ بإعادة ارتكاب جريمة أو التنبؤ بالأحوال الجوية ليوم غد أو التنبؤ بأداء أكاديمي أو التنبؤ بمخاطر القرض والديون.
وتقدم نظرية التعلم الإحصائي مدخلاً فلسفياً عميقاً لدراسة المناهج (الطرائق) الأستدلالية. وتقدم تقريراً حول الاعتمادية وذلك بمصطلحات (تكون غير معروفة في الغالب) عن احتمالية التوزيع ، وتقدم تقريراً واضحاً حول الأسباب التي تكمن وراء احتواء المناهج الأستدلالية على نواحي استقرائية وكذلك سبب تفضيل فرضيات على أخرى . وفي الحقيقة تعمل على تمييز أنواع مختلفة من الأستدلال الأستقرائي وبخصائص مختلفة تماماً . وتقدم حالة مفيدة ونتائج مفيدة تتعلق بمناهج (بطرائق) استقرائية مختلفة .
ففي طريقة لأستدلال فرضية من معلومات فإنك لا تقبل ببساطة تلك الفرضية التي تناسب جيداً تلك المعلومات وإنما تعمل على موازنة ذلك الأعتبار مقابل اعتبار آخر يسمى في بعض الأحيان بـ ((البساطة)) .
ومن جهته اكد بوبر (Popper) أن البساطة ترتبط بـ " قابلية الدحض أو قابلية التحريف " للطلب أو الأدعاء بأن الفرضية الصحيحة تدخل ضمن صنف معين من الفرضيات . وقد ادعى بوبر بأن صنف الوظائف الخطية لمعامل واحد هو أبسط من فصيلة فرضيات رباعية لأن عدد نقاط المعلومات المطلوبة للحصول على نتيجة لا تتلاءم كلياً مع فرضيات رباعية ، ففي نظرية التعلم الإحصائي ، تم اخذ هذه الفكرة بدقة أكبر وذلك بالمفهوم المهم لبعد VC (VC dimension).
ويعتقد بوبر ان ما يطلق عليه بـ " الدحض أو التحريف " لفصيلة الفرضيات يرتبط بعدد الثوابت التي ينبغي تحديدها بغية تعيين عدد خاص من الفصيلة . وترفض نظرية التعلم الإحصائي جزءاً من نظرية بوبر ، إذ ليس بالإمكان تحديد منحنيات الجيب باستعمال اثنين من الثوابت أو ثلاثة حتى إذا كان " الدحض ، التحريف " أو البعد VC من طبقة أو صنف أعلى. وهناك شيء واحد يعني أنه إذا كانت منحنيات الجيب أمثلة لمنحنيات بسيطة فإن البساطة ليست ما يجب أن تتم موازنته مقابل ما هو ملائم للمعلومات .
وتتسم نظرية التعلم الإحصائي بنواحي أخرى بما في ذلك مناقشات التعلم في شبكات محايدة للتغذية التي يعرفها ويألفها الفلاسفة وتعدّ ذات فاعلية أكبر وبآليات موجّهة ربما يميل بعض الفلاسفة إلى تجاهلها . وتناقش نظرية التعلم الإحصائي المناهج أو الطرائق الأكثر من الأستقرائية أو الأستنباطية التي من الممكن أن يكون لها نتائج أفضل من النتائج الأستقرائية التي تستعمل معلومات مصنّفة للتوصل إلى قواعد عامة لتصنيف حالات لم يتم تصنيفها بعد. وتستعمل المناهج أو الطرائق التي تتعدى الأستقرائي والأستنباطي معلومات حول الحالات التي لم يتم تصنيفها ومن ثم القيام بتصنيفها . ولهذه النظرية مضامين لمناقشة الخصوصية الأخلاقية ، وللاستفسار فيما إذا كان الأستدلال الأستقرائي يتطلب نوعاً من الأستدلال ومن التوضيح فانه ليس لدي مجال هنا لبلورة ذلك .

عن الانكليزية
Hadeedham1950@yahoo.fr