مفهوم الزمن
بقلم جان كامبفر ورافائيل ميشيلي ()
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
أكد بول فاليري Paul Valery على ان " كلمة الزمن مصطلح شفاف ودقيق ومقيد ولكنه مليء بالمعاني والمدلولات وربما يغدو لغزاً ". وهكذا يبدو من الواضح أن للزمن مدلولات عديدة وانه يثير الحرج عندما يتوارد إلى أذهاننا مفهوم الزمن كما هي الحال مع مفاهيم أخرى تتطلب أكثر من وقفة لمعرفة مدلولاتها منها الحب والرغبة والموت. لا جرم أن الزمن يشكل مفهوماً مهماً من هذه المفاهيم التي ليس من السهولة بمكان إيجاد تعريف واحد ومحدود لها وبناء على ذلك ارتأينا تقديم بعض المفاهيم لنكون على بيّنة من الأمر.
• الزمن : حالة قبل كل شيء
يؤكد كانط أن الزمن وجود موضوعي : صحيح هناك تغييرات حقيقية في العالم وهذه التغييرات لا يمكن أن تكون الا في الزمن. الا ان حقيقة التغيير هذه، كما يضيف كانط هي لنا فحسب، للكائنات البشرية التي تدرك ذلك. وخارج نطاق الظرف الخاص لإحساسنا يتلاشى مفهوم الزمن إذ لا يرتبط بالمواد نفسها وإنما بالموضوع الذي يستبعد هذه المواد. وليس بوسعنا معرفة العالم بحد ذاته أو لذاته، فعالمنا الانساني عالم ظاهراتي، عالم تحدده حالتان الزمان والمكان حسب اعتقاد كانط فالزمكنة (الزمان – المكان) هي التي تحدد النطاق الذي يكتنف التجربة البشرية بالضرورة.
• الزمن الظاهراتي :
آثار الروائي كلود سيمون أثناء مراسيم منحه جائزة نوبل للآداب المزيج المعقد من العواطف والذكريات والصور. ويشكّل هذا المزيج المعقد مع اللغة الرصيد الوحيد للكاتب ويقول أن ما نكتبه ليس الشيء الذي حدث قبل الشروع بعمل الكتابة وإنما ما يحدث أثناءها. وبالنسبة للكاتب كلود سيمون لا يوجد أي زمن للكتابة فيما عدا الزمن الحاضر. ولكن ليست هي الحالة لكل النشاطات الإنسانية. إذ ان الزمن حسب تعبير كانط، لا ينتظرنا فأن كل شيء منظّم وسابق الترتيب, أنها سريرتنا التي تظهره ابتداءً من وجوده في العالم فهو حاضر المستقبل وحاضر الحاضر وحاضر الماضي. هكذا هو الإحساس بالزمن لعالم الظاهراتية قبل هوسيرل، فنحن ندرك شيئاً أنه الحاضر إلا ان هذا الحاضر موجّه أحياناً نحو الانتظار والترقب والتوقع.
• الزمن الانثروبولوجي :
هنالك بعض الاعتبارات والأفكار التي طرقها أندريه لوروا-غورهان تسمح لنا بالخوض بتفاصيل هذا الموضوع. إذ يعتقد هذا العالم الانثروبولوجي بأن يستمد جذوره من عمق الحياة الحسية. وهكذا يمنح تعاقب النوم واليقظة للوقت جوهره النسقي. أما فيما يتعلق بتعاقب الليل والنهار والفصول الحارة والباردة فإنها تمنح الزمن النسقيّة المعقدة والمرنة. وليتحول إلى الزمن لابد للإنسان من ان يمسك بها ضمن منطوق رمزي. وحسب رأي لوغوا- غورهان فأن الحقيقة الإنسانية بامتياز هي ترويض الزمن والمكان. ويبدو هذا الترويض أكثر تنظيماً في المجتمعات الزراعية حيث يجد فيها العمل والحصاد الذي يجد نظيره في رمزية زمنية تعظّم حركة الشمس والكواكب. وبصورة متوازية ويبدو أن المتخصصين في الزمن. وفي المجتمعات الحديثة المتطورة والمعاصرة يتطلب من كل واحد أن يكون متخصصاً. إذ لا أحد يستطيع أن يفلت من الوقت الذي تنظمه الساعات.
• الزمن الموضوعي :
يقوم زمن الساعات على أساس ملاحظة دائمية للقوى الكونية وتعاقب الليل والنهار وحركة الشمس وأوجه القمر والفصول الأربعة. ويعدّ الزمن الموضوعي متوفراً من أجل تنظيم الحياة في المجتمع. ويتخذ على حد قول عالم اللغة شكل تقويم زمني وينظم الزمن التقويمي التكرار الملاحظ للظواهر الفلكية بحيث تم تنظيم هذه الوحدات الزمنية في حلقة دائمة إذ تسير الأحداث وفق نظام تعاقبي وهناك نقاط دالة زمنية قسم منها تم اتخاذه نقطة انطلاق في التاريخ كالعام الهجري والعام الميلادي.
• الزمن اللغوي :
يثبّت التقويم الزمن ألدائمي فان هذا الزمن الموضوع يبقى غريباً عن الزمن المعاش مثلما تم وصفه بالفلسفة الظاهراتية. ومن جهته أكد بينفينست (Benveniste) أن التجربة الإنسانية للزمن تتجلى باللغة. ولا يعدّ الزمن اللغوي بأي حال من الأحوال نقل الزمن المعّرف خارج نطاق اللغة وإنما يشير إلى اقامة تجربة بحد ذاتها. ويرتبط الزمن اللغوي بصورة عضوية بممارسة الكلام ويعّرف الزمن وينتظم كوظيفة للخطاب. وبهذا الخصوص فأنه يتمحور حول الحاضر المعّرف والمحدّد مثل اللحظة التي يتحدث فيها المتكلم. وعلى سبيل المثال لدينا ظرف الزمان " الآن " لا يستعمل الا في اللحظة التي يقول فيها المتحدث " الآن " أي يتزامن الكلام والفعل. وكما عبّر عن ذلك بنفينست حيث قال ان الحاضر يتجّدد أو يعيد خلق نفسه من جديد في كل مرة يقوم فيها الفرد بفعل الكلام أي يتزامن الحدث والكلام عندئذٍ نستعمل ظرف الزمان " الآن ". ويعدّ الحاضر اللغوي أساس كل التناقضات الزمنية. وفي الحقيقة لا يمكن لأية لغة ان لا تضع الأزمنة غير الحاضرة حسب الموقع الذي يلائمهما ولكننا لا نواجهها إلا مقابل الحاضر. فالحاضر الذي يعتبر معرفاً ومحدداً متزامنا مع لحظة قول الجملة فأنه يقتفي آثار خط التقسيم بين اللحظة التي لم تعد معاصرة له من جهة واللحظة التي ليست له بعد من جهة أخرى. وبهذا المعنى يعدّ الماضي سابق للحظة والمستقبل لاحق لها. ولهذا السبب ركزّ بينفينست على أن اللغة تنظم الزمن ابتداءً من محور محدّد يتمثل عادة بلحظة الكلام.
• الزمن اللفظي واستعمالاته السردية :
منذ تألقها الواقعي في القرن التاسع عشر أرادت الرواية أن تكون مرآةً وسجلاً للعالم إذ اكتفى الروائي بنقل الأحداث كما حدثت بصورة ظاهرية وفعلية وواقعية. وطبقاً للصيغة المعروفة لدى بنفينست (Benveniste) "لا أحد يتكلم هنا ، فالأحداث تجري بذاتها". ولانجاز مثل هذا المشروع بنجاح يستطيع الكتّاب الواقعيين التعويل على التقليد السردي المثبّت منذ القرن السابع عشر. وعندما نلقي نظرة على النظام المقّّنن للسرد الكلاسيكي نجد مجموعة من الأزمنة اللفظية ترتكز على زمنين رئيسين هما الماضي البسيط والماضي الناقص. في حين نجد انه في القرن العشرين ولتجديد النمط الروائي قلب السرد هذا النظام الزمني رأساً على عقب وذلك بإدخال الماضي المركب أولاً ثم الاستعمال المتزايد للحاضر. وهنا نلاحظ انه خلال قرن واحد من الزمان تغير النظام الزمني للسرد بصورة كلية تماماً. فالماضي البسيط الذي هو حجر الزاوية حسب رأي رولاند بارت لم يعد يستعمل الا بطريقة " متخلفة". أنه الزمن الحاضر الذي بدأ استعماله منتظماً منذ الخمسينات من قبل الرواية الجديدة والذي هو بصدد أن يصبح في يومنا هذا الزمن الروائي المهيمن وهو الزمن الذي يستعمله الروائيين بصورة لافتة. إلا ان مثل هذا التغيير الجذري لا يمكن ان يمر دون عواقب على الشكل الروائي وهيئتها للتجربة الإنسانية. وبالنسبة لروب- غرييه (Robbe- Grillet) على سبيل المثال يعدّ التخلي عن الماضي البسيط ملازما ونتيجة طبيعية لحقيقة أن عملية السرد وقص القصص لم تعد ممكنة بصورة مناسبة بالسمات والأزمنة. وسوف نقدم في الفقرات اللاحقة بعض من القيم الدلالية الخاصة والفعلية اللفظية الرئيسة كما سوف نقوم بتوضيح الأسس اللغوية التي تحدد الخاصية السردية للزمن البشري في السرد.
• القيم السردية واستعمالاتها للمقارنة بين الماضي الناقص والماضي البسيط.
• التعارض المظهري بين الماضي الناقص والماضي البسيط.
يتعارض الماضي الناقص والماضي البسيط من الناحية الظاهرية حيث أن المظهر يشير إلى أية إلية بواسطتها نواجه التقدم بالسرد المشار إليه بالفعل. فالماضي البسيط يعد زمناً متكاملاً وتاماً ومنجزاً حيث يدل على حدث ما وقع في الماضي وانتهى بكليته. أما الماضي الناقص (المستمر) فأنه على العكس من ذلك يعد زمناً غير منجز وغير تام وغير متكامل فهو يقدم لنا الحدث من الداخل أي انه لا يزال قائماً دون أن نضع له حدود زمنية واضحة. فعندما نستعمل الماضي المستمر يعني أن الحدث لا يزال مستمراً وبإمكاننا تحديد نقطة انطلاقه لكنه ليس بوسعنا تحديد نقطة انجازه. فإذا كان الماضي البسيط محدداً فأن الماضي المستمر ليس محدداً. (إظهار = التوضيح)
يمكن فهم المقارنة بين الماضي الناقص والماضي البسيط بمساعدة مفاهيم مهمة تتمثل بخلفيتهما وأولها التوضيح. يمتاز التناوب بين الماضي المستمر والماضي البسيط بأن له وظيفة تقابلية ومقارنة ويسمح بتعارض أرضيتين. حيث تستند صيغ الماضي البسيط إلى الصعيد الأول للإحداث وأن الحوادث التي تتعاقب وتعمل على تقدم السرد. أما صيغ الماضي المستمر فإنها ترسم الخلفية لهذه الحبكة السردية.
• الماضي المستمر التاريخي :
يجب أن نلاحظ أن الاستعمال السردي للماضي المستمر لا يتحدد بصورة حصرية بممارسة وظيفة الخلفية للحدث. إذ يمكن ان يتقدم الماضي المستمر بصيغ تامة لكي يعمل على تقدم السرد. ويجب ان نحدّد انه يمتاز بدور خاص يعني الختام أو الاختتام أما اختتام حادثة أو مشهد أو فصل معين أو اختتام السرد نفسه. وغالباً ما يصاحبه جملة تابعة تضمن تحديده الزمني وهذا هو الماضي المستمر التاريخي الذي كان شائع الاستعمال في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وخاصة في حكايات موباسان حيث أننا نلاحظ في نهاية الحكاية أن الماضي المستمر يشير إلى اختتام الحادث السردي ولكن لا يشير إلى اختتام السرد.
• الماضي المستمر التكراري (المكرر، التكراري) ؟
يسمح الماضي المستمر التكراري بان نفهم ان الحدث ليس واحداً وإنما هو عدة أحداث. وسوف نلاحظ أن هذه الميزة التكرارية لا تستند الى الصيغة الفعلية لوحدها وإنما تشير إلى اللجوء إلى جملة ظرفية زمنية تابعة:
• القيم السردية واستعمالاتها للماضي المركب.
• قيمة المنجز، قيمة الأسبقية.
ويتسم الماضي المركب بصفة أساسية وهي أنه منجز. وبصورة عامة نتحدث عن صفة " المنجز " يعني ان الحدث قد تم إنجازه فعلاً من اللحظة التي يمكن اعتباره نقطة زمنية دالة : إذن نواجه هنا نتيجة الحدث من تلك اللحظة. وكما اكبد العالم اللغوي اوزوولد دوكرو Oswald Ducrot حيث قائلاً : " أن العمل منجز إذا كان الحدث سابقاً للفترة التي نتحدث فيها (إذا أردنا نؤكد على آثره في هذه الفترة). " وتتوضح المقارنة بين المنجز وغير المنجز باللغة الفرنسية من خلال المقارنة بين الصيغ المركّبة والصيغ البسيطة. إذ أن لكل صيغة من الصيغ صيغة مركبة تتضمن فعل مساعد واسم مفعول للفعل وبناء على هذا كله يعد الماضي المركب حدثاً منجزاً في المضارع (أو في الحاضر).
هنالك ثمة صعوبة تظهر مفادها أن الماضي المركب لا يستعمل بصورة فريدة مع قيمته المظهرية كمنجز للمضارع. إذ أنه يتضمن قيمة زمنية تتصف بالأسبقية. ومن الممكن وحسب السياق أن يعبّر الماضي المركب عن حدث منجز ولكن له عواقبه كقولنا : " قرأت مدام بوفاري " في مثل هذه الجملة نتوقع حسب سياقها انها متبوعة بنتيجة معينة وهي " استطيع الآن أن اكتب أطروحتي ".
" J'ai lu Madame Bovary. [Je peux maintenant commencer â. rédiger ma dissertation].
ومن الممكن وحسب السياق أن نعتبر أن الماضي المركب ينصب على القيمة الزمنية للاسبقية كقولنا : " قرأت مدام بوفاري الصيف الماضي ولم أحبها ".
(J'ai lu Madam Bovary été dernier, et Je n'ai pas aimé).
• الزمن السردي.
يمكن أن تساهم هذه الخاصية للماضي المركب بفهم الأسباب التي دفعتنا إلى وصف هذه المجموعة الفعلية بعدم قدرتها السردية. وأشار أحد النقاد بصدد الكاتب مارسيل بانيول :
" ان الماضي المركب زمن غير محدد ومتواضع وهش وبسيط لان الحدث فيه يعتبر منتهياً " وهذا هو رأي الناقد. وفيما وراء الأحكام الجمالية والشخصية للكاتب لابد من أن نأخذ بنظر الاعتبار المقارنة بين الصفة (الثابتة) نسبياً للسرد في الماضي المركب والسمة (الحيوية الدايناميكية) للسرد في الماضي البسيط. فالماضي البسيط يقدم لنا حدثاً ما ولكنه في الوقت نفسه يجعلنا ننتظر الحدث الذي سوف يليه. إذ انه يساهم في خلق سلسلة من الأفكار والأحداث. وعلى حد تعبير رولاند بارت يعد موجّهاً نحو ربط منطقي مع أحداث أخرى ويخلق نوعاً من اللبس بين الزمنية والسببية. ويعمل استعمال الماضي البسيط على ان يدفعنا إلى التفكير بأن التعاقب الزمني يخضع لعلاقات السبب والنتيجة. ومن جهة أخرى لا يمكن ان يتجاهل الماضي المركب قيمة المنجز للحاضر. إذ ان استعماله لا يركّز على الحدث نفسه فحسب وإنما على الحالة التي تنتج عنه أيضاً. وتقدم هذه الصفة النتائجية الحدث ضمن إطار عزلته النسبية. ونأخذ بالحسبان أيضاً تأثيراته على واقع المتحدث وعلى علاقته الزمنية و/ أو السببية مع الأحداث الأخرى. حتى ان تتعاقب الأفعال في الماضي المركب يعمل على خلق تأثير حقيقي ويشبه السرد دمجا لحالات مقطوعة الواحدة عن الأخرى ولكنها لا تخلو من رباط لإحداث متماسكة.

• مثال رواية " الغريب " لألبير كامي
تعد رواية " الغريب " للكاتب الفرنسي البير كامي وبلا منازع مثالاً لاتجاه معين بالسرد. ففي هذه الرواية نجد ان اختيار استعمال الماضي المركب لا يمكن فصله عن رؤية العالم بالشعور الذي يسوده وهو العبث. وكما أوضح دومينيك مانكينو في كتابة الموسوم : " عناصر علم اللغة للنص الأدبي 1990 " : عندما تم تفضيل الماضي المركب على الماضي البسيط فان رواية " الغريب " لا تقدم الأحداث كأفعال شخصية ما ومن ثم إدخال هذه الأفعال في سلسلة من الأسباب والنتائج، ووسائل وغايات وإنما لتجاور لأحداث مغلقة على نفسها بحيث انه لا يوجد أي حدث يمكن ان يبدو انه يشير إلى الحدث اللاحق. إذ لا يوجد تجميع له دلالة معينة للوجود. ونلاحظ ان السرد هنا يرفض الحركة نفسها للطقوس الروائية التقليدية. وليس بوسعنا إعادة بناء سلسلة متلاحمة من سلوكيات تؤدي إلى ارتكاب جريمة قتل حيث عملت صيغ الماضي المركب على دمج وتجاور بين احداثه بدلاً من تكاملها.
• القيم السردية واستعمالاتها في الحاضر :
• مضارع الجملة
في قيمته الأساسية يشير المضارع إلى التزامن الموجود بين الفعل ولحظة التكلم به. ويتم تفعيل هذه القيمة عندما يشاهد بأم عينيه وأحاسيسه الحقيقة تاركاً زمن الحدث الذي يسرده. وهكذا نكتشف كيف أن رينيه (René) عند شاتوبريان يؤكد مرات عديدة اشمئزازه المؤلم من الذكريات التي يذكرها.
• المضارع التام

لا يتحدد المضارع بتحديد اللحظة الدقيقة للكلام ويمكن ان يعمل على توسيع الغطاء الزمني. ونتحدث عن مضارع حقيقة عامة (أو المضارع العام) عندما تتصف الجملة بقيمة زمنية ملازمة. وغالباً ما يدعم هذه القيمة تراكيب اسمية لا تشير إلى إفراد خاصين وإنما إلى مجموعات من الأفراد. ويتم استعمال مضارع الحقيقة العامة عندما يفترضم الراوي (عبر قناة تعليمية) تعليقاً على الحدث. وهكذا نجد رينيهRené' عند شاتوبريان في هذا الوضع عندما قال " كنت استمع إلى الأغاني الحزينة التي تذكرنا انه في كل البلدان الأغنية الطبيعية للإنسان حزينة حتى عندما تعبّر عن السعادة ".
• المضارع التاريخي :
يمكن للمضارع في حالات معينة ان يؤدي دوراً سردياً بصورة منتظمة مع الماضي البسيط وهنا نتحدث عن المضارع التاريخي. ويعمل هذا من جانبه إلى خلق آثار أسلوبية خاصة قريبة من الوصف المؤثر. فالوصف المؤثر يصف الأشياء بصورة حية ويهدف المضارع التاريخي إلى إعطاء انطباع يتصف " بالمباشرية والفورية " immédiateté'" وذلك بالعمل على إظهار الوقائع والأحداث كما لو أنها معاصرة ومتزامنة كلام الراوي أو/ و استلامه من قبل القارئ. أن اللجوء إلى هذه الطريقة (إذا كانت متكررة في التقليد السردي) تبقى مستعملة بصورة قليلة جداً ضمن مجموعة تهيمن عليها الأزمنة الكلاسيكية للسرد (الماضي البسيط والماضي المستمر).
• مضارع السرد :
يمكن أن يتبادل المضارع مع الماضي البسيط وزيادة الظهور السردي للإحداث التي تتم أثارتها. ففي السرد التاريخي يعد المضارع التاريخي استثناءاً ويبقى ضمن إطار سرد تهيمن عليه الأزمنة الماضية. ونلاحظ أيضاً ان الزمن المستعمل والمهيمن غالباً ما يشير إلى السرد وهوالمضارع. ويؤدي السرد إلى المضارع وبالشخص الأول المفرد بحيث يبقى استعمال الشخص الأول المفرد قريباً من المناجاة في المسرح مع ذكر جميع التخيلات والأفكار وتداعيها ثم الذكريات التي يتم سردها في أزمنة الماضي. أما بالنسبة للحالات التي يكون فيها السرد بالمضارع مع استعمال الشخص الثالث فأنها غريبة حقاً خاصة بالنسبة للقارئ المعتاد على السرد التقليدي. هنا يكون لديه انطباع أن السرد معاصر للإحداث التي يقوم الراوي بسردها.
يقوم مضارع السرد ( الذي يعمل على إلغاء البعد الزمني بين لحظة السرد ولحظة القصة (المروية) على أساس الاستمالة المنطقية. وفي الحقيقة لا يمكن أن نعيش حادثة ما ونسردها في الوقت نفسه (باستثناء التقارير). وهذا لا يمنع السرد في المضارع من ان يكون له أسس انثروبولوجية رصينة. وهذا مستعمل بكثرة في السرد الشفوي وخاصة لدى الأطفال حيث يبدأ عادة بالسرد باستعمال المضارع. ومنذ خمسين سنة ترسّخ مضارع السرد بصورة رصينة من التقاليد الروائية وشكلّ منذ ذلك الحين خياراً معتمداً للسرد.
• المؤشرات الزمنية :
لا يشار فقط إلى العلاقات الزمنية بالصيغ الفعلية المختلفة وانما بمؤشرات زمنية – ظرفية وعبارات ظرفية وجمل تابعة ظرفية ... الخ. وبناء على ذلك يمكن ان نميّز :
1. التعابير الحدوثية أي استعمال ظروف زمان تدل على زمن الحدث مثل (اليوم والآن وغداً والأسبوع القادم...) وتقترح عادة وجود كشف سياقي.
2. التعابير التي تدل على المعاودة أو تكرار الحدث مثل (هذا اليوم وإلى تلك اللحظة والأسبوع التالي) بحيث يتم تحديد نقطة انطلاق زمنية وتعمل على تهيأة جدول سياقي مع إشارة إلى عنصر سبق وان ظهر في السلسلة الفعلية.
3. تواريخ الأحداث المعروفة مثلاً (15 أيلول عام 1840 في حوالي الساعة السادسة صباحاً أو منذ وفاة لويس الثالث عشر) وهذه بحد ذاتها تشير إلى تثبيت خط الشروع وحسب التسلسل الزمني المطلق على العكس من المؤشرات السابقة التي تركز على وضع جدول. ومن النادر ان نجد سرداً يلتزم بجدول واحد : فأن الجدول السياقي يتبعه سلسلة من الجداول السياقية الثانوية.
• الزمن السردي :
• زمن السرد :
كلما تعمقنا في التفكير مطولاً بمفهوم الزمن نصطدم عادة بوقائع متباعدة والتي أوجهها المتعددة غالباً ما تكون متناقضة. فالتأمل حسب رأي بور ريكور عبارة عن اجترار للتفكير الواسع والدقيق. فهي عملية سرد أحداث وهذه هي الإجابة الوحيدة للاحراجات الزمنية. أنها النشاط السردي وهنالك علاقة ضرورية بين نشاط سرد قصة ما والسمة الزمنية للتجربة البشرية. وحسب رأي ريكور يصبح الزمن في هذه الحالة زمناً بشرياً تم التعبير عنه بطريقة سردية.
وبالتأكيد لا تعتبر حياتنا الاعتيادية متهافتة تماماً من وجهة النظر الزمنية. الا أن الزمن التقويمي ادخلها في حزمة ضيقة. أما فيما يتعلق بأفعالنا فأنه لا يمكن اختزالها إلى تغييرات بسيطة للحالات إذ أنها تخضع لأهداف ومدونة في " بروتوكولات " ثقافية وسيناريوهات معدّة سلفاً. فلا ينطلق السرد من لا شيء. إذ انه يجد في المجال التطبيقي تنميطاً أولي للزمن. وعندما يدرك الأفعال البشرية يعمل على تأخيرها. ولا يكتفي السرد. بجمع الوقائع وإنما يعمل على تنظيمها ويؤطرها بين نقطة البداية ونقطة النهاية. ويعمل على تحويل التعاقب البسيط للإحداث إلى كلية ذات مدلولات. ولكن لماذا يقوم بجمعها وتنظيمها ؟ سبب ذلك واضح جداً وهو إعطائها معنى ومدلول. ولكن يجب أن لا ننسى أن السرد انتقائي ويعمل على اقتفاء الأثر في ركام يصعب إدراكه للحركات البشرية ويعمل على " تبسيط ما هو معقد " ويعمل في الوقت نفسه على تحديد مسالك معينة." ولكن يجب أن لا نفهم من هذا أن التعميم والتخطيط المبسط انه يعني تبسيط المعقّد على حساب الخيال الخلاق والمنتج وإنما يعمل على توضيح ذلك المعقّد أي تبسيطه بمعنى توضيحه.
• زمن القصص الخيالية :
تحدثنا في القرة السابقة عن أنواع السرد كما لو أنها تشكّل طبقة متجانسة ونحن ندرك تماماً أن الحالة ليست كذلك علماً أننا ندرك تماماً أن لبعض أنواع السرد مرجع مؤكد يعمل عادة على ربط أحداث الاعوام الماضية والحاضرة. وهي أنواع السرد الحقيقية وهذا ما نلاحظه في كتب التاريخ أو الصحافة اليومية إذ لا يمكن للصحفي والمؤرخ ان يقص أي شيء لا على التعيين فالسرد الذي يقدمانه يعتمد بصورة منطقية على الواقع الذي يأخذانه بالحسبان. وما عدا ذلك نجد أنفسنا أمام حالة الروائي. ومن دون شك يستطيع الروائي كما هو الحال مع المؤرخ أن يذكر أماكن وشخصيات موجودة فعلاً (قتل الإمبراطور نابليون الثالث ... الخ). إلا انه لا يخضع لمعايير الدقة. ويتجاوز سرد القصص الخيالية السلطة القضائية بالصح والخطأ ولا يعتمد إلا على العمل السردي الذي تقيمه. ويقدم سرد القصص الخيالية أرضية بتجربة غنية ليثبت محاسن التنظيم السردي بصورة عامة. وحسب رأي ميشيل بوتور (Michel Butor)، على سبيل المثال، أن الرواية ليست سوى مختبراً للسرد في حين أن النص الحقيقي يكون الدعامة دائماً ومصدر الدليل الخارجي. وهكذا يترتب على الرواية ان تقدم ما يحيط بنا. وهكذا فان البحث في الصيغ الروائية الجديدة يلعب دوراً ثلاثياً. ويتمثل ذلك بالتبليغ والاكتشاف والتكييف.
• زمن السرد وزمن القصة :
تتقدم الزمنية السردية تحت وجهين لا يمكن فصلهما. أولاً الزمن السردي الذي يتحدد بالطبيعة الخطية للدال اللغوي. وعلى عكس الرسامين الذين يستطيعون ان يقدموا ما يمكن رؤيته من الأشياء. وفي التعايش المشترك والتلقائي للفضاء الصوري يعدّ الروائيين روافد للطبيعة التتبعية للخطاب. وهذا يرى القارئ وبصورة تدريجية ومستمرة ظهور الأماكن والشخصيات في الرواية عندما يقلّب صفحاتها. هكذا هو الوجه الأول من الزمن السردي أما زمن السرد فانه يتحدّد بتعاقب الكلمات على الصفحة.
أما الوجه الثاني من الزمنية السردية هو الزمن المروي. حيث يتم طي صفحات الرواية وفصولها : وهنالك عالم خيالي يتشكل بصورة تدريجية بكل ديكوراته وشخصياته وتسلسله الزمني. ولا يمكن لشخصيات الرواية من ان يفلتوا من الزمن. يتمتعون بالأيام التي يقضونها ويستغلونها ويشيخون ويتذكرون ذكرياتهم. انه زمن القصة وهو زمن تقويمي خيالي يتم قياسه بالساعات والأشهر والسنوات.
وتسمح حقيقة الزمنية السردية، بإيجاد لعبة بالزمن. ولا يوجد ما يحدد السرد ويجبره على استنساخ زمن الساعات. إذ باستطاعة الروائي ان يسرد الأشياء بصورة غير منتظمة وسريعة نوعاً ما بتطوير حكاية أو قصة ولكن يمكن أن يمر عبر ذلك دون ان يتفوّه بكلمة واحدة الأسابيع والأشهر وحتى السنوات. ويميز علم السرد ثلاثة أنواع من العلاقات الملائمة بين الزمن والسرد والزمن والقصة : النظام والمدة والتردد.
• النظام :
حسب رأي جيرار جينت تعني دراسة النظام الزمني للسرد مواجهة نظام التصرف بالأحداث أو القطع في الخطاب السردي مع نظام تعاقب هذه الأحداث أو القطع الزمنية في القصة طالما تمت الإشارة إليها بالسرد نفسه. ويمكننا الاعتقاد ان الاتجاه التلقائي للقاص وللروائيين نحو تزامن نظام الأحداث المروية ونظام تقديمها السردي. وفي الحقيقة لا تحترم غالبية السرد نظام التسلسل الزمني فأنه يتم قبل ان يحدث أو بعد أن يحدث الحدث.
• المدة :
لا يوجد أي سرد دون وزن معين حين نجد عند بلزاك على سبيل المثال مشاهد دراماتيكية تعقب وصفاً مطولاً وتفصيلياً ونلاحظ أن الزمن يمر بسرعة كبيرة (مثلاً بعد خمس سنوات...) قبل أن يشرع في مشهد آخر ويوجد عادة السرد المتتابع والمتعاقب. ومن جهته ادخل جيرار جينت مفهوم السرعة, ونفهم من السرعة أنها العلاقة بين قياس زماني وقياس مكاني. ويمكن تعريف سرعة السرد بأنها العلاقة الموجودة بين مدة القصة التي تقاس بالثواني والدقائق والساعات والأيام والأشهر والسنين والطول : أي طول النص الذي يقاس بطول الأسطر والصفحات. ويمكن اختصار هذه العلاقات أي أربع صيغ مقنّنة : المشهد والملخص من جهة والوقفة و Ellipse من جهة أخرى.
• المشهد :
كما هو معروف يدخل مصطلح المشهد ضمن إطار لغة المسرح. وبالقياس نتحدث عن المشهد السردي عندما يقدم السرد شخصيات تتحاور فيما بينها (أو أن تقوم بالمناجاة). في هذه الحالة، يمكننا القول أن هناك مساواة معينة بين زمن السرد وزمن الحدث أو القصة. ونتقارب من المساواة التي تربط مشهداً بالمسرح أو بالسينما ومشهد حقيقي في الوقت الذي نجد الأول قد تم تقديمه. ففي السرد التقليدي نجد أن المشهد يتصف بالتناوب بصورة منتظمة مع العرض الملخص. فالملخص يشكّل ما يمكننا أن نقول عنه بالنسيج الترابطي للسرد إذ يأخذ على عاتقه لحظات الانتقال والمعلومات الضرورية لفهم الحبكة بحيث أنه يهيئ الأرضية للمشاهد وتلتقي وبصورة تقليدية الأهمية الدراماتيكية المسرحية والمؤثرة للسرد.
• الوقفة والقطع :
تمثل الوقفة والقطع النقاط القصوى في سلّم أنواع السرعة السردية. وتمثل كل من هاتين النقطتين التناقضات السردية. وفي الحقيقة لا تقدم الوقفة والقطع أي شيء في السرد أي انهما لا يقدمان سرداً. وينقطع السرد مع الوقفة ويترك المجال أمام الوصف أو التعليق. و يتوقف مع القطع كلياً ويترك المجال هنا إلى لا شيء.
ومن دون شك يمكننا اعتبار الوقفة صيغة معينة من الملخص تسمح بالقفز أو الانتقال من زمن غير مجدي أو تهدف الوقفة إلى إظهار أهمية ما يجري في الصمت أي أن " الصمت يتكلم ". ففي " الأحمر والأسود " للروائي الفرنسي ستندال هنالك وقفة مميزة عند وصول جوليان إلى غرفة ماتيلد. وهذه الوقفة لها مدلولها. ولكن من الممكن ان تجعل القارئ يشعر وكأنما هناك انزياح بحيث يتولد الشعور لدى البعض أن ذلك يشكل خرقاً في المسار السردي.
وهناك نوع من الوقفة التي تعرف " بالوقفة التعليقية " التي تسمح للراوي بالتدخل شخصياً أو بشخصه في السرد. وعلى سبيل المثال ليعطي رأيه يقدم حكماً على شخصيته أو ربما من اجل اقتراح او تقديم معلومة حول عنصر حقيقي أو ثقافي. وهناك قسم من الروائيين يعمدون إلى مثل هذا الاسلوب لإغراض نقدية بحتة.
• الترداد :
يتعلق التردد بعلاقات التكرار التي تحصل بين القصة والسرد. وعلى سبيل المثال من الممكن أن يقص الراوي الحدث مرات عديدة ولكن يغيّر الاسلوب وهو ما يعرف بالسرد التكراري. ولعل ريموند كينو أفضل مثال على ذلك إذ انه كرر مشهد الحافلة (99) مرة ولكن بأساليب مختلفة. وكما هو معروف فأن استعمال مثل هذا الاسلوب هو في الحقيقة من أجل توضيح نوع السرد. ومثال آخر على السرد التكراري هو الرواية الرسائلية التي تتضمن عدة شخصيات تقوم بعملية السرد وأن كل واحد منهم يقدّم السرد حسب وجهة نظره ولكن الحدث متماثل تماماً أي انه تكرار للحدث ولكن من قبل عدة شخصيات. على العكس من ذلك استطيع ان أسرد حدثاً في آن واحد ولكن أقوم بسردهما عدة مرات وهذا ما يعرف بالسرد التكراري. وتسمح هذه الطريقة للسرد بمزيد من الوقت. وفي السرد الكلاسيكي القديم يلعب السرد التكراري دوراً ثانوياً لانه يؤدي وظيفة الانتقال من زمن ما دون أية صفة أدراماتيكية. ولكن في القرن التاسع عشر أدى الاهتمام المتزايد الذي أولاه الروائيون للحياة الداخلية للشخصيات إلى صيغة عميقة من الأنماط الروائية. وفي الوقت نفسه أدى إلى تعميم طريقة التأثير حيث اكتشف الروائيون الاستعمال السردي الأصلي الذي يمكن أن يضعونه في السرد التكراري وأن هذه الطريقة أيضاً تؤدي إلى فترات من الانتظار التي نجدها في بعض الروايات وخاصة عند فلوبير. ويعمل السرد التكراري والسرد المكرر على إظهار الموضوع بطريقة مبسطة واعتيادية. كما يساعد عادة عملية السرد ويعمل على تبسيطها هنالك أيضاً السرد الفردي الذي نواجهه فقط فيما يتعلق بالحدث الذي يجري مرة واحدة فقط. فأن هذه الصيغة السردية التي تقوم على أساس التناوب هي من خصائص أنواع السرد الذي تهيمن عليه الوظيفة الدراماتيكية.
زمن القصة وزمن السرد- الإشارة المزدوجة الزمنية لأنواع السرد.
لقد لاحظنا في الفقرات السابقة ظهور مسألة العلاقة بين زمن السرد الذي يقص وزمن القصة المروية. وهنا يتعلق الأمر بالتساؤل حول العلاقات الموجودة بين زمن القصة المروية وزمن عملية السرد. وكما أكد جينيت فأنه من المستحيل تقريباً بالنسبة للراوي ان لا يضع القصة التي يرويها في الزمن مقابل زمنه السردي طالما أنه يتوجب عليه بالضرورة أن يقص ذلك في الزمن الحاضر والماضي أو المستقبل وطبقاً للموقف الزمني الذي احتله العمل السردي مقابل القصة المروية. فإننا نميز عدة أنواع من السرد وهو السرد السابق واللاحق والمتزامن والتلقائي والمدرج.
وهذا يتضمن السرد إشارة زمنية مزدوجة فهنالك قبل كل شيء زمنية تتعلق بأحداث القصة المروية ويمكن تقديم هذه الزمنية في استقلاليتها. وهذا واضح من خلال السرد الذي أتبعه جول فيرن حيث يعتبر الدليل الزمني مطلقاً حيث ويشير إلى (بدأ سنة 1867) ويضيف بعد ذلك (69 سن قبل هذه الفترة) لكنه لا يتضمن أية إشارة صريحة إلى حدث ينتج السرد فإذا ما قدم الروائي تاريخاً مطلقاً (كأن يكون التاريخ 6/1/1482) فأن هذا النص سوف ينفتح على نقطة انطلاق سياقية تتضمن إشارة واضحة إلى لحظة السرد. وبهذا الخصوص يمكننا ان نعمّم هذه الفكرة ونقول بأن الراوي يترك آثاراً من عمل السرد في النص. وضمن إطار السرد فأن هذه الآثار لا يمكن تفسيرها الاّ بإشارة إلى الموقف السردي. وبعبارة أخرى إلى حقيقة أن الراوي يروي قصة إلى المروي له ضمن فضاء زمني ومن الممكن بالنسبة للراوي أن ينتقل من هذا الفضاء الزمني وهذه هي الحالة عندما يشير إلى اللحظة السابقة أو اللاحقة لعمل السرد وذلك عن طريق استخدام تعابير مختلفة (كأن يقول لقد لا حظنا تواً أو يقول أننا سوف نروي بعد قليل كيف أن ....). وفيما يتعلق بزمنية القصة المروية يجب أن نضيف زمنية ثابتة تتعلق هذهالمرة ، في التوضيح السردي حيث هنالك نظاماً مزدوجاً من الاستدلالات أو العلامات. الاولى تتركز على الفضاء الزمني لإحداث القصة المروية والأخرى تتركز على الفضاء الزمني للسرد والقراءة.
• القصة الخيالية الرئيسية والقصة الخيالية الثانوية :
في القواعد الزمنية للسرد (1990) وهو الكتاب الذي آلفه الناقد والعالم اللغوي مارسيل غييوم أقترح في هذا الكتاب بأن القصة الخيالية الرئيسة والقصة الخيالية الثانوية جديرة بالمعالجة فأن استعمال مصطلح القصة الخيالية يتوضح بحقيقة أن السرد هو عبارة عن مكوّن للقصة الخيالية حيث يقوم الراوي بإعطاء إشارات للقاص الذي يخاطبه والذي يقوم أيضاً بمخاطبة مستمعيه بصورة مباشرة في حين أن الفسحة الزمنية (في الواقع) تفصل إنتاج سرد قراءته التي لم يتم انعكاسها في السرد نفسه. وبناء على ما تقدم نلاحظ بأن القصة الخيالية الرئيسية تسمح للقارئ بأن يرى في العالم المروي ويجد من خلالها قصة خيالية ثانوية وهذه القصة الأخيرة تضع شخصيات أخرى تتم الإشارة إليها باستعمال ضمائر معينة. لقد فكرنا في بادئ الأمر وبصورة موضوعية حول موضوع ماضي القصة الخيالية الرئيسة وحاضر القصة الخيالية الثانوية حيث أن هاتين القصتين الخياليتين يفصلهما فضاء لا يمكن تجاوزه. ومن جهتها قامت الرواية البوليسية في القرن التاسع عشر باكتشاف مجموعة من الطرائق السردية وهي لصالح هذين النوعين من القصص الخيالية. ويكمن الهدف الأساسي للرواية الخيالية الثانوية في تقديم الراوي والقارئ كشهود عيان للإحداث المرويّة وأن التداخل الزمني بين الرواية الخيالية الثانوية والرواية الخيالية الرئيسة يعطي للقارئ مشاعر النزول في الزمن حتى يصبح معاصراً لشخصيات السرد ويشاطرهم في حاضرهم.
• التداخلات الزمنية :
يعتبر مستهل رواية نوتردام باريس (أحدب نوتردام) التي تفحصناها بأن هنالك استثناء من كل تدخل حيث أن الراوي لا يعمل الا على إعطاء إشارة لسابقة أحداث القصة المروية مقابل لحظة السرد وهنالك أمثلة كثيرة حول هذا الموضوع. وهذا يذكرنا أيضاً بما أكد عليه غييوم وأعطاه تسمية العبارات المتناقضة. ففي كلا الحالتين نكون أمام تجاور مدهش بين الإشارة الزمنية التي تتميز باستعمال الحاضر والشخص الأول الجمع هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الحدث الذي تمت الإشارة إليه في الزمن الماضي (الماضي الناقص او الماضي التام) فأن كل من الزمنين (أي زمن السرد وزمن القصة) يشهدان تعايش مشترك ونلاحظهما وكأنما هما متجانسين. وبعبارة أخرى نجد أن الراوي والقارئ (نحن) يستطيعون نقل الوقائع إلى لحظة محدودة من الزمن المروي وهنا نكون أمام نقل خيالي وانتقال للفضاء الزمني من الموقف السردي إلى الفضاء الزمني للقصة. وإذا كان عن طريق الراوي أو القارئ فأنني أستطيع أن أنقل نفسي بجهد تخيلي من فضاء زمني إلى فضاء زمني آخر وملاحظة الكائنات والأماكن والأحداث كما لو كنت موجوداً حقاً. وهذا نجد أن الأثر الأساسي لهذه العبارة المتناقضة هو عملية تجانس بين الزمنين وعملية انعكاس أبطال القصة الخيالية الثانوية في القصة الخيالية الرئيسة. أن مثل هذا الحضور يكون حيوياً لا يمكن للقصة الخيالية الثانوية أن تقاومه. ومن ناحية أخرى نفهم بأن الفسحة أو الفاصلة لا تعرف بين اللحظتين خاصة في عملية القراءة فأن تغيير القيمة توضح إلى أية درجة القصتين الخياليتين الرئيسة والثانوية متشابكتين فيما بينهما وأن الزمن يصبح ضمن القصة الخيالية الثانوية باندماج تام مع انسيابية زمن القصة الخيالية الرئيسة.
• الاستنتاج :-
تعد الزمنية ومن دون منازع بعداً أساسياً لأية عملية سردية فأن الزمن الذي يتضمن صفة متعددة الأشكال كما لاحظنا ذلك سابقاً يجعل من الصعوبة فهمه. وكما هو معروف ان دور السرد بصورة دقيقة يكمن في السماح بالملائمة وتخصيصه من قبل الجانب الإنساني. وهكذا حدد لنا بول ريكور مساراً يمكن أن نرى من خلاله في الوظيفة السردية الشرط نفسه للزمنية الواضحة والمفهومة.
عن الفرنسية

Hadeedham1950@yahoo.fr