التنصيص والافتراضية طرائق بناء الخطاب والمعرفة
دومينيك لوكالوا (*)

ترجمة حسيب حديد
جامعة الموصل – كلية الاداب
العراق
ادى التطور الذي شهده النص الى التأثير الكبير على العلاقة التي تربطنا معه. ولعل التعددية هي التي تركت اثراً كبيراً على علاقتنا مع النص اذ تم اعتباره موضوعا تفاعلياً. وينبغي على القارئ ان يكتشف الطريقة التي تنقله الى ماوراء النص اي الانتقال الى نصوص اخرى او الانتقال الى صيغ اخرى سيميائية مثل (الصور والاصوات... الخ). فكلما اغتنى النص واعطى مزيدا من المفاتيح اي هويته الخاصة به اصبح موضوعا لا ينضب بسبب معمارية اتساعه النصي. وانطلاقا من هذا المنطوق الخاص بالاتساع النصي دفع النص بحدوده الخاصة به ووحدته المادية.
وبناء على ما تقدم نرتأي تطوير التحقيق من النصوص غير الرقمية ابتداء من الاتساعية النصية (التنصيص النص المتشعب) (hypertextualité) والافتراضية.
(*) Dominique Legallois. Hypertextualité et virtualité comme modes de la construction des discours et des connaisance, Pratiques No. 129/130, juin 2006

وبصورة اكثر دقة كيف يمكن لعلم اللغة عند تفحصه " لنص تقليدي" يمكن ان يتكيّف الى تحليل نص رقمي. نفترض هنا ان نرى كيف ان انواع معينة من النصوص التقليدية شكّلت شبكات تسير بشكل خطي مع النص. وابتداءً من هذه الشبكات يمكن توضيح افتراضية نصية معينة تشكّل مقدار العلاقات التي تعرفها النصوص فيما بينها. وبعبارة اخرى نرتأئي ان نبيّن ان نصا ما من النوع التوضيحي او الاخباري يتضمن تنظيماً تنصيصياً او تنظيم نص متشعب على مستوى التنصيص الداخلي وعلى مستوى علاقات مع النصوص الاخرى (اي التنصيص الخارجي). بحيث يمكن ان يشكّل التنصيص الخارجي مجموعة نصوص محتملة ولكن ليست محققة أي" نصية من دون نص" وبعبارة اخرى نص افتراضي. وبهذا الخصوص نلاحظ ان الانترنت لا تعمل سوى على شرح الآلية النصية العامة.
ونبدأ بالتعليق على مفهوم التناص مثلما واجهناه في اعمال لا يعتمد منظورها لتحليل النصوص على اساس رقمي. ومن ثم نعرّج على تحليل عالم اللغة الانكليزية ميخائيل هوي حول التناسق المعجمي للنصوص غير السردية. وتبيّن هذه الاعمال (التي تمت ضمن الاطار السياقي لعلم اللغة النصي الانكلو – ساكسوني) ان نصاً ما غير سردي يتضمن شبكات اوجدها التكرار المعجمي. ومن الممكن ان تشكّل كل شبكة منهجاً متماسكاً يتجاوز النص. ومن الضروري ان نشير الى ان التكرار المعجمي الذي تتناوله بهذه الطريقة يعمل على تكثيف سياق خطاب خاص. وهو السياق الذي يضمن تأويل الشبكات التي تم تكوينها وسوف نطبّق التحليل على مقالات صحفية بغية تقييم التنصيص ((الداخلي)). ونبين فيما بعد العلاقة الموجودة بين نص معين مع نصوص اخرى. وبذلك نستطيع ان نوضح نوعا من التنصيص ((الخارجي)). ونؤكد على فرضية ان طبيعة معرفتنا يمكن ان نواجهها من زاوية الافتراضية النصية.
1. مفهوم التنصيص في نظريتين للنص:
في هذا الجزء بالذات نبحث عن مرتكز نظري يقدّم معلومات لعلم اللغة النصي حول وقائع تنظيم النص على شكل شبكات. ولا يكمن ان يرتكز توضيحنا الا على ما اطلقنا عليه تسمية (التنصيص الخارجي) اي الارتباطات الموجودة بين النصوص ونعتمد في تحليلنا على مصدرين اساسيين: الاول معروف جدا وهو العلاقات النصية لجيرار جينيت والثاني التكامل الانثروبولوجي للنص لديبويسن (D. Dubuission). وتم اعتماد هاذين المصدرين لانهما تناولا موضوع التناص كتعبير ومفهوم بحيث اصبح مصطلحاً معتمداً. وهو مصطلح يدفع الى التفكير في ان الجانب الفني يمنح بعداً متشعباً وان كان النص مجرداً منه اصلاً. وقبل سنوات من الثورة الرقمية التي دفعتنا الى دراسة العلاقات النصية اقترح جيرار جينيت (1982) تصنيفا للظواهر الشاعرية منذ تطرقت كريستينا حول الموضوع وخاصة المتعالقات النصية اول مرة الى ان اتخذ الموضوع مفهوم التناص. فالشاعر يميّز انواع التناص بالمعنى المحدّد للمصطلح (العلاقة بين نص ادبي) مع نص اخر سابق الوجود او حضور نص مع نص اخر. وتحديد المحلق النصي paratextualité او النظير النصي او المناص ومصطلح اخر وهو ما وراء النص métatextulité والجامعية النصية (hypertextualité) الذي تم تعريفه بالعلاقة بين النص (ب) وهو نص لاحق (hypertexte) مع النص (ا) وهو النص السابق (hypotexte) وهذه العلاقة لا يمكن ان تكون علاقة تعليق (مثلما هو الحال مع ما وراء النص) وانما هي عملية تقليد او محاكاة او تحوّل.
اما مفهوم التنصيص عند جينيت فهو ترتيبي وتعاقبي وبعيد عن تشكيل طريقة للربط بين النصوص. فهو علاقة "كلية" بين نصين. وقد ذكر جيرار جينيت في كتابه قائلاً: " سوف اتطرق هنا الى الاتساعية النصية-(التنصيص) بمفهومه المشرق: علاقة نص سابق مع نص لاحق وهي علاقة كلية (اي من العمل (ب) الى العمل (أ) ولكن يتم التعبير عنه بطريقة (رسمية)".
ويبقى هذا المفهوم بعيداً عن المجال الرقمي اذ ان التنصيص الرقمي يحدد طريقة تنظيم نص على نص غير متعاقب على صفحات اخرى او على نصوص اخرى مع ضمان التعميم الخاص بالنص. الا ان التنصيص الرقمي يبقى معلناً. ولذلك نلاحظ ان المفهوم الخاص بجيرار جينيت يبتعد عن التنصيص الخارجي الذي يتصف بعلاقة افتراضية بين النصوص (اي انها علاقات غير معلنة).
فالمقترحات المقدمة من قبل جينيت التي تتفق مع نظام محدّد يحافظ على الملاءمة الشعرية قابلة للتحول الى آلية وظيفية شبكية الشكل للنصوص الرقمية وكما سوف نلاحظ ذلك لاحقاً تحوّل الى تنظيم نصوص غير سردية بصورة عامة.
يمكن ان يرتكز توصيف سير عمل التنصيص المعمّم الى مفاهيم انثروبولوجية. فقد كرس دوبيوسون صفحات عديدة لمفهوم النص اللاحق. فالمؤلف المتخصّص في علم الاساطير والاديان يبحث ليبين كيف ان وجود الانسان وهويته تنشأ من وعن طريق النصوص في انثروبولوجيا ((علم الانسان)) النص. فالنص اللاحق (hypertexte) تم تعريفه كنوع من آلية عمل غير متوقعة في ميدان مشكوك ومحتمل ينتج منها احداثا تناصية (احداث متداخلة نصيا). اذ يقوم بجمع كل النصوص المعروفة وكل احتمالات الربط التي يمكن اقامتها بينها.فالنص اللاحق يعود الى المجال الافتراضي على نقيض من المدونة التي تعود الى المجال الواقعي بشبكة ثابتة. وبعبارة اخرى اذا شكّل النص ابداعاً خاصاً للانسان اي له وظيفة تتعلق بعلم الكون وشكله ورسم صورة للعالم عاكسا تناسقه الداخلي على المظهر الخارجي فان ذلك سيسمح بتخلص الانسان من القلق الذي يساوره. اذن للنص وظيفة وصفية لعالم الكون. ويشكّل النص اللاحق نظاماً مفتوحاَ ويسمح بكل الترابطات المحتملة بين النصوص المعروفة ليشكل منها نصاً غير منشور. يمكن لهذا المفهوم الذي تطرقنا اليه بسرعة ان يظهر بانه عام جدا ويحتاج الى مزيد من التوضيحات. وبعبارة اخرى يعدّ هذا المفهوم مجرداً من الناحية الشكلية. ولكن حسب مفهوم دوبيوسون ان النص اللاحق يعكس جانباً افتراضياً للعلاقات بين النصوص.
2. التنظيم التنصيصي للنصوص السردية.
نكرّس تحليلنا هنا على التنصيص الداخلي الذي يعد شرطاً اساسياً وضرورياً للتنصيص الخارجي. فالمنهج المتّبع هنا يعود الى عالم اللغة الانكليزية هوي المعروف بانتمائه للمدرسة السياقية (contextualisme) في بيرمنكهام. علما ان المدرسة السياقية البريطانية على نقيض من المدرسة الامريكية. ويمكن تعريفها انها تركّز على النص والسياق وتفوقها على الجملة. اذ يعدّ عالم اللغة السياقي نصا بصورة عامة. ومن ناحية اخرى نؤكد ان الاتساعية النصية (التنصيص) حقيقة واقعة لنصوص مطبوعة غير سردية. ولكن الى هذا الحد يمكن ان نضيف ان دور السياق مهم جداً في تفسير التماسك الموجود بين الشبكات. وفي الحقيقة تعمل المواد المكررة الى تكثيف السياق النصي فاذا كان هناك احتمالات كبيرة لتأويل النصوص السابقة فانه بالامكان تأطيرها بالسياق النصي وليس بالتفسير الخارجي. وبعبارة اخرى تعدّ المعاجم المتماسكة وحدات اساسية للنص التي تحمل معها سياق النص نفسه. ولهذا السبب نلاحظ ان الجمل البعيدة مزدوجة تعطي معنى مقابل السياق في الحديث العام وفي الحقيقة لا يسمح السياق بأي تفسير غير منظّم .