«قصص فيتنامية»..
مشهدية السينما وروح المغامرة..
«قصص فيتنامية».. تنتمي إلى أدب المقاومة، وتنسحب على كل الشعوب، نتعرف من خلالها إلى سمات الشعب الفيتنامي ، وخاصةً( منطقة الجنوب) في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي ، والأطماع الإمبريالية الأمريكية، هذا النضال الذي استمر زهاء عشرين عاماً، نفذت أمريكا خلالها مختلف الأساليب الإرهابية، وما تبعها من ممارسات عنف وتعذيب كإحراق القرى، وقتل الأبرياء ، وإلقاء قنابل ( النابالم) ، وإتلاف المحاصيل الزراعية ، وبناء معسكرات الاعتقال ، كل هذا كان يزيد الفيتناميين إصراراً للمضي بالثورة المسلحة.
جاءت القصص في 232 صفحة من القطع المتوسط ضمت سبع قصص ، قام بترجمتهاد. موفق شقير وتمت مراجعتها من قبل الأستاذ عبد الكريم محفوض ، ألفها عدد من الكتّاب ، وهي ( الابن - أرض الوطن- حلم السيد الرائع- اجتياز جبل شولي- غابة كسانو- المشط العاجي- الأرض) وقد ابتعد المترجم عن الترجمة الحرفية ، ودخل بتفاصيل السرد القصصي القائم على روح المغامرة ، التي تشبه إلى حد ما المغامرة التي قرأناها في قصص بديع حقي وغسان كنفاني ، فاستند الكتّاب إلى المشهد السينمائي في تقديم الحبكة القصصية التي جاءت أشبه بما يسمى «بالرواية القصيرة» ، من حيث السرد والشخصيات والاعتماد على الزمكانية.
وفي جانب آخر تعرفنا عبر هذه القصص إلى ثقافة الشعب الفيتنامي في المزرعة الاستراتيجية ( المستوطنة) التي تشبه الإقامة الجبرية ، التي
أجبرهم جنود الرئيس « دييم» عليها ، ثم سنّ قانوناً جائراً بحق الرجال والشباب لمقاتلة جبهة التحرير الثورية. في كل قصة كان هناك بطل ، يقوم بمغامرة للوصول إلى المناضلين والهرب من المزرعة ( المستوطنة) .
تميزت القصص بمفردات سهلة ومأنوسة وتراكيب مترابطة وبراعة بالوصف البانورامي للمكان، وخاصةً وصف رومانسية الكوخ والحقول المجاورة له ، إضافة إلى التعمق بالولوج إلى السمات السيكولوجية الداخلية والخارجية للشخصيات، الحبكة اتخذت في القصص مسارات متعددة ، إذ تشدنا منذ الوهلة الأولى إلى روح المغامرة التي تصل إلى درجة المبالغة ، ولكن هذا مسوغ بعالم الأدب، فنرى أن البطل يتسم بقدرة خارقة، يستطيع من خلالها أن يقطع النهر ليلاً ، أو يصعد الجبال الوعرة في الليل بغية الوصول إلى مكان المناضلين كما في قصة«الابن» وتدور حول «با» وزوجته وابنهما الوحيد«ترانغ» يعيشون في المزرعة الاستراتيجية إلى أن يحين وقت طلب «ترانغ» للخدمة في الجيش ومقاتلة المناضلين، لكن «با» لايحتمل ذلك، فيتفق مع «تو» الحارس على تهريب «ترانغ» من المزرعة (المستوطنة) ليقطع النهر ويصل إلى الضفة الأخرى، حيث يقيم المناضلون، يخوض ترانغ عباب المياه السوداء، ويخترق أوحال حقول الأرز والمستنقعات ويقترب من حافة اليأس، لكن إصراره يمده بالعزيمة والقوة حتى يتجاوز الأسلاك الشائكة، ويصل إلى شاطىء الأمان ليلتحق بجبهة التحرير الثورية، «وعندما اجتاز آخر حاجز من الأسلاك الشائكة، كان قد وصل إلى الحقول، وهناك بدأ يركض وحقيبته على كتفه كانت الريح تعصف بشدة وبعد برهة من الزمن توقف ليستعيد أنفاسه»ص27.
استمد الكتّاب ملامح قصصهم من تجربة ذاتية عاشها الشعب الفيتنامي بكل عذاباتها وأحزانها وتمكنوا من تدوينها عَبْر أسطر، كان لها دور في حضور الأدب الفيتنامي، لنطلع على أساليب خاصة تتعلق بالسرد والوصف، ولتدرج ضمن مصاف الأدب الصيني والياباني، ومن المعروف أن أدب هذه الشعوب لم يلقَ الانتشار الواسع أسوةً بأدب أمريكا اللاتينية الذي حصل على جوائز نوبل عدة مرات مثل (بورخيس - غابريل غارسيا، ماريو يوسا) ورغم ذلك نرى أن قراءة نوع من الأدب الفيتنامي ممتعة وتأخذنا إلى البعيد.

مِلده شويكاني
قصص فيتنامية-ترجمة موفق شقير- مراجعة عبد الكريم محفوض- منشورات وزارة الثقافة 2011

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1283&a=114405