يوم الأرض: عندما يتحول الحدث إلى ثقافة..؟!
مصطفى إنشاصي
منذ أن خلق الله تعالى هذا الكون وهو يحدث فيه كل يوم عشرات بل مئات وآلاف الأحداث ولكن القليل منها ما سجله ويسجله التاريخ، والفارق بين ما يسجله التاريخ وما لا يسجله هو: الوعي؛ نعم الوعي! لأن الوعي بالحدث هو الذي يُعطيه قيمته التاريخية، وهو الذي يجعل من الحدث الذي يمكن أن يكون حدثاً عابراً مثل عشرات الأحداث الأخرى التي لم يعرفها الناس ولم يسمعوا بها حدثاً تاريخياً، كما أن الوعي بقيمته وأهميته هو الذي يحول الحدث ليصبح جزء من ثقافة جماعة ما أو شعب ما! كما أن الوعي بقيمة وأبعاد الحدث وأثره في حياة أصحابه هو الذي يُكسبه الصفة الجمعية في وعي أي أمة، ويحوله إلى ثقافة وممارسة يومية ويُكسبه رمزيته، والوعي بالحدث هو الذي يُعطيه بُعده العالمي أيضاً إن استطاع أصحابه أن يُكسبوه ذلك البعد ليتحول إلى رمز عالمي يحمل أبعاد سياسية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها، يكون لها دلالتها ومعناها الذي ما أن يُذكر حتى يستحضرها السامع مباشرة.ذلك ما حدث مع يوم الأرض الفلسطيني الذي جرت أحداثه في مثل هذا اليوم من عام 1976؛ فإنه لو لم يدرك فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 ويعوا حقيقة أبعاده مشروع العدو الصهيوني لتهويد الجليل الذي طرحه بداية عام 1976 وتسبب في إشعال تلك المواجهات الدامية؛ ما كان لذلك الحدث أن يدخل التاريخ ويصبح جزء من الوعي الفلسطيني وثقافته. نعم إن الوعي بخطورة ذلك المشروع اليهودي على واقع ومستقبل أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 هو الذي جعل الفلسطيني الذي سلبته سياسة الخداع اليهودي طوال نحو ثلاثة عقود وعيه بمخاطر الاندماج في الحياة اليومية والأحزاب الصهيونية يُدرك خطأ ثقته بتلك الأحزاب، ومسئوليته في الحفاظ على ما تبقَ من أرضه ونقل تلك المسئولية للأجيال القادمة، نعم إنه الوعي وإلا ما كان حطم الفلسطيني المخدوع وهم شعارات الأحزاب الصهيونية عن النضال الأممي من أجل الحصول على الحرية وتحقيق الديمقراطية، والبحث عن المساواة والحقوق المدينة وتحسين وضعهم كأقلية في الوقت الذي كان هدف تلك الأحزاب الصهيونية إذابته ودمجه في الواقع الصهيوني، وسلبه انتمائه الوطني وطمس هويته الثقافية الفلسطينية المميزة، وتحويله إلى مسخ تابع وعبد ذليل وخادم للمشروع الصهيوني.كذلك لو لم يدرك فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 قيمة إحياء ذكرى يوم الأرض وشهدائه الذين ضحوا من أجل الحفاظ على أرضهم سنوياً؛ وجعله رمزاً لمقاومتهم وتمسكهم بحقهم في أرضهم لما استطاعوا الحفاظ على ما تبقَ من أرضهم ووقف مصادرتها. كذلك لو لم يعي الشعب الفلسطيني في ديار الغُربة واللجوء والشتات قيمة ذلك الحدث وإحياء ذكراه سنوياً للتأكيد على حقه في العودة إلى أرضه ودياره التي هُجر منها عام 1948؛ لَما اكتسب يوم الأرض تلك القيمة والرمزية العالمية التي تُشير وتؤكد على حقهم التاريخي في فلسطين، ورفضهم ومقاومتهم للمشروع الصهيوني الاستئصالي للوجود الفلسطيني كأرض وتاريخ وثقافة وواقع، وتصفية قضيتهم وشطبها من قائمة حركات التحرر وحق الشعوب في تقرير المصير!. ومثله ثورات التغيير التي تجتاح الوطن الآن والتي أشعلت شرارتها تلك الصفعة التي هوت على وجه محمد بو عزيزي في تونس من قِبل إحدى الشرطيات التونسيات، وقيام بو عزيزي بإحراق نفسه ليحرق بعده ذلك النظام الفاسد الظالم المستبد، نظام زين العابدين بن علي، وتمتد تلك الثورة إلى أقطار كثيرة في بقية الوطن الذي يئن تحت حكام ظلمة كُثر. لو لم يتحسس كل تونسي وجهه بعد تلك الصفعة التي حطمت ما تبقَ من حطام كبرياء وكرامة إنسانية في نفس بو عزيزي، وحرقت معها قلبه وعقله وحلمه في حياة كريمة وإن كانت من خلال عربة لبيع الخضار قبل أن تحرق جسده، ولو لم يتحسس كل مواطن تونسي ما تبقً له من كرامته المهدورة ويدرك أنه قد يكون هو بو عزيزي اثنين وثلاثة و... ما تحقق الوعي بضرورة الثورة على ذلك الواقع والنظام الفاسد، الذي يصادر حق الإنسان في أن يحاول العيش بقليل من الكرامة في وطن سلبه الكثير منها، لقد أدرك المواطن التونسي أن موته وهو يدافع عن حقوقه المسلوبة في الحياة بكرامة في وطن عاد بلا كرامة خيرٌ له من العيش في ذل ومهانة. وهكذا سجل التاريخ اسم محمد بو عزيزي مطلق شرارة التغيير، والشعب التونسي رائد الثورة وحركات التغيير في الوطن.كما يسجل التاريخ للشعب المصري أنه أول أو أسرع الشعوب العربية التي التقطت إشارة الوعي بقدرة الجماهير على مواجهة ظلم وبطش وجبروت الحاكم وهزيمته وإسقاطه إذا ما امتلكت الإرادة، فسارعت إلى تحطيم جدار الصمت والخوف خرجت إلى الشارع ورفعت صوتها وعبرت عن مطالبها، لتشعل بحركتها ثورة شعوب أخرى وتكون مثلاً في منهجية التغيير وإرغام الحكام على الرحيل. إنه الوعي بإمكانيات وطاقات الشعوب وإرادتها وقدرتها على صنع التاريخ وتسطير صفحاته كما تريد، ولولا ذلك الوعي ما دخلت أسماء وشعوب التاريخ وأصبحت مثلاً وقدوة.وللأسف أننا في ذكرى في يوم الأرض الفلسطيني، وزمن التغيير العربي والإسلامي، وسقوط أنظمة عتيدة في البطش والجبروت، واجتياح حركة التغيير كل أقطار الوطن، ومسارعة بعض الحكام المستبدين الظالمين إلى إجراء إصلاحات سريعة علها تحفظ لهم عروشهم ولو لشهور أخرى، مازال وعي بعض الساسة والقيادات الفلسطينية لم ينضج بعد، ولم يرتقي ليدرك مخاطر استمرار حالة الانقسام على مستقبل الشعب والقضية، ومازالوا لم يعوا أهم دروس الحاضر بأن البطش والقمع لن يمنع سقوط الأنظمة القائمة على عقلية الاستئصال وعدم القبول بالشراكة السياسية وكأنهم يعشون خارج التاريخ! والأهم أن عقولهم قصرت عن أن تعي وتفهم تلك الرمزية لهذه الذكرى التي تجاوزت ليس حدود الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الأراضي المحتلة عام 1967 إلى كل مواطن الهجرة والشتات، بل وإنها أصبحت رمزاً عالمياً يشاركنا فيه الكثير من العرب والأجانب، ويدركون من خلاله أنه رمز لوحدة الجغرافية الفلسطينية التي يحاول العدو الصهيوني تمزيقها بعد أن هجرنا منها ومزقنا وشتتنا، كما هو رمز لوحدة الشعب الفلسطيني وحقه في الكفاح من أجل تقرير مصيره والعيش في دولة مستقلة مثل شعوب العالم.زد على ذلك أن وعيهم عجز بعد نحو أربع سنوات عن إدراك أن الانقسام أخطر مخططات العدو الصهيوني المعاصرة، وأن يكرسه واقع لا رجعة عنه لتصفية القضية المركزية للأمة من أولويات سياسته، وأن إنهائه واجب ديني وضرورة وطنية، وأن الشعب الذي وعى خطورة استمرار الانقسام وخرج شبابه ليرفعوا أصواتهم مطالبين بذلك لن تتوقف حركته مهما بلغت أساليب قمعهم لتلك التظاهرات، لأن جدار الخوف قد تحطم وأن العد التنازلي لحكم القبضة الحديدية قد بدأ، وأن التاريخ سيسجل ويحفظ لهم أنهم كانوا عاراُ على الشعب الفلسطيني، وأنهم ارتكبوا أكبر جريمة في تاريخه الحديث، علماً أن تاريخ شعبنا معظمه صراع على السلطة والقيادة بين زعاماته العشائرية والعائلية، وفصائله السياسية والتنظيمية!.إن الأقزام لا تعي أن الوطن يستحيل اختزاله في شخص أو حزب لأنه أكبر من الأسماء والأحزاب، وأن الجميع يمضي ويقضي والوطن باقٍ لأنه أكبر من الجميع، فما بالهم بقضية الأمة المركزية التي هي أكبر وأعظم من حدود الوطن القطر؟!. الأربعاء 30/3/2011-- .