بقلم عبد القادر كعبان
لقد وقع معظم أدباء الجزائر فيما يشبه الحيرة و الإرتباك إزاء حرب التحرير، فمجرد إلتفاتة منهم الى منحى معين أو مرحلة محددة لحدث رئيسي يعتبر في الأساس أمرا صعبا في حد ذاته، كما هو الشأن بالنسبة لأية حرب من الحروب. و من جهة أخرى فإن تجاهل أحداث الثورة الجزائرية يعد أمرا مستحيلا، و هذا يفسر نوعا ما الصمت الطويل الذي اتخذه معظم كتاب الرواية في مرحلة ما بعد الاستقلال.
"محمد ديب" يعد واحدا من هؤلاء الروائيين الجزائريين البارزين الذي أعطى للحرب بعدا رؤيويا، معتمدا في ذلك على الاستعارة و المجاز ليصف ذلك الصدى الثوري في أوساط الشعب الجزائري. لقد عمد "ديب" في رواياته الى استخدام الإنسان الجزائري كمرآة عاكسة للأوضاع، حيث يعتبره أغنى مادة موجودة على الأرض، فمعظم أعماله تتابع تحول الجزائريين من فترة الركود الى فترة اليقظة الوطنية. إنطلاقة "محمد ديب" لتصوير الواقع ترتكز على شخصية المرأة القوية، و هذا ما نراه في تعدد بطلاته كلالة "عيني" في الدار الكبيرة و "عرفية" في رقصة الملك و "زكية" في صيف إفريقي و "نفيسة" في من يذكر البحر و "راضية" في مجرى نهر على الضفة المقفرة.
أما "كاتب ياسين" فقد أعطى حرب التحرير طابع الملحمة مستعملا رمز النجمة كرباط يصل الماضي بالحاضر، و يربط بين الأجداد و جيل الشباب الذي حمل راية المعركة و الجهاد في سبيل الله، فمن خلال روايته الموسومة نجمة اختار الأديب الأسلوب النضالي في سبيل نصرة القضية الوطنية الجزائرية.
"مولود معمري" هو الآخر برزت أعماله التي تسير في خط متواز مع تطور الوقائع السياسية في الجزائر، فروايته الأولى الهضبة المنسية تبتدئ وقائعها في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية لتصور وضع الجزائري تحت ظلال الإستعمار الفرنسي، فقد عكست باكورته مآسي و أحزان شعب صامد. "مالك حداد" تناول الحدث بأسلوب مباشر و برؤية شاعرية، أكثر عاطفية تأثيرية تظهر فيها من حين لآخر تصريحات وطنية و حماسية فمثلا من خلال روايته الموسومة التلميذ و الدرس يضع الأديب الأب و ابنته وجها لوجه، و مثل هذه المواجهة تعتبر مظهرا آخر لصراع الأجيال الذي تجلى واضحا في الجزائر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن رواياته المميزة كرصيف الأزهار لا يجيب، سأهبك غزالة و الإنطباع الأخير.
الروائية "آسيا جبار" يختلف موقفها مقارنة بالروائيين الجزائريين الآخرين، فهي تدرس نتائج حرب التحرير على أساس نفسية الجزائريين و ما تركته على بعض الأشخاص من آثار بارزة. "جبار" كروائية ترى أن الرواية يجب أن لا تعكس حوادث العهد الذي تكتب فيه فكأنها تحتاج إلى البعد الزمني الذي يتطلبه عمل المؤرخ لتقييم صادق للأحداث و على هذا الأساس فروايتها العطش لم تعكس عموما الجو الذي كان سائدا في تلك الآونة.
و في الأخير، ما نلحظه عموما من خلال الأعمال الأدبية لهذه الأسماء البارزة أن ما من رواية قد غطت لوحدها أحداث حرب التحرير كاملة، أي على مختلف جبهاتها، فهناك من تناول المقاومة الداخلية و البعض الآخر إلتفت الى المقاومة في المناطق الجبلية، و هناك من الأدباء من عمد الى نقل القارئ الى الحدود الجزائرية أو الى فرنسا، و بالتالي لا يمكن تكوين صورة كاملة عن الحرب إلا من خلال الأعمال الروائية مجتمعة.