في غزة البنوك تسرق بفجور
د. فايز أبو شمالة
لو امتدت يد جائع إلى خزينة أحد البنوك في قطاع غزة، وسرق منها ألف شاقل، هل كانت الشرطة الفلسطينية ستقف مكتوفة الأيدي، ولا تزجه في السجن؟ فما بال أصحاب البنوك يسرقون المواطنين، ويمدون أيديهم إلى رواتب الموظفين، وإلى جيوب فقراء الشئون الاجتماعية، ولا يحاسبهم القانون؟يدعي أصحاب البنوك في غزة أن لا شاقل إسرائيلي لديهم، وإنهم يمتلكون دولاراً أمريكياً فقط، لذلك تقوم البنوك بتحويل راتب الموظف من الشاقل إلى الدولار على حساب 3،73 شاقلاًً لكل دولار، بينما سعر الدولار على الشاشة هو 3.69، شاقلاً، هذه سرقة رقم واحد، أما سرقة رقم اثنين، فيدفعها الموظف مع الفرق في سعر الدولار بين الشاشة وبين السوق السوداء، حيث يباع الدولار بسعر 3.65 شاقلاً. فلماذا يخسر الموظف كل هذه المبالغ من راتبه المحدود؟ ولماذا لا يقوم أصحاب البنوك أنفسهم بتحويل كميات الدولار التي في حوزتهم إلى شاقل، ويسلم الموظف راتبه كما جاء في قسيمة الراتب؟قبل أسبوع، اصطف على البنوك فقراء غزة، ليتسلموا 1000 شاقل مخصصات الشئون الاجتماعية، فما كان من أصحاب البنوك إلا أن صرفوا لهم دولارات على حساب 3.75 شاقلاً لكل دولار، ليصرف الفقير المحتاج الدولار في أسواق غزة بسعر 3.61 شاقلاً. علماً أن البنوك تتقاضى 5 يورو عمولة عن كل ألف شاقل! فلماذا يا أصحاب البنوك، تسحقون المسحوقين سحقاً مبيناً؟ لماذا يا صاحب البنوك تبيع في أسواق غزة قبل أسبوع حوالي أربعين مليون شاقل تالفة، كان يجب أن تستبدلها من بنوك إسرائيل، لماذا تشتري فيها دولاراً من أسواق غزة، لتصرفها رواتب للموظفين، وتدعي عدم وجود شاقل؟!.قبل عام حدث العكس، حيث كان سعر الدولار في غزة أغلى من سعره على الشاشة، بالتالي كانت البنوك في غزة تتذرع بأنها لا تمتلك دولاراً، وأن ما لديها هو الشاقل فقط، حتى أن المواطن الذي وضع أمواله في البنوك بالدولار، كانت البنوك لا تصرف له أمواله إلا بالشاقل، وفق سعر الشاشة، فإن قام بتحوليها إلى الدولار، وقعت عليه الخسارة الجسيمة.العارفون بالحسابات يقولون: إن بنك فلسطين الذي يمتلك 12 فرعاً في غزة فقط، تدر عليه ربحاً أكثر من 30 فرعاً لبنك فلسطين في الضفة الغربية! فما السر؟ أم أن غزة لا يكفيها حصار اليهود لها، فهي بحاجة إلى حصار رأس المال، وحصار سلطة النقد التي لم تقم بتوفير الشاقل في البنوك، ولم تقم بالتدقيق في عمل هذه البنوك، لتكتفي سلطة النقد بوضع الشروط على البنوك في غزة بعدم التعامل مع حركة حماس، وعدم فتح حساب للجمعيات الخيرية التابعة لحركة حماس، لأن أمريكا وإسرائيل ترى في حماس حركة إرهابية!كان حرياً بسلطة النقد الفلسطينية أن تقوم بواجب المراقبة، ولاسيما أن قوانين البنوك الدولية تقول: يجب أن لا يزيد الفارق في الربح بين الفائدة على القروض التي يلجأ إليها المواطن، والفائدة على العوائد التي يودعها المواطن؛ يجب ألا تزيد عن 2.5%، ولكن الفوائد على القروض في قطاع غزة تصل إلى 9% ، بينما الفائدة على الودائع لا تتعدى 1% فقط، ليكون الفارق في الربح للبنوك 8%، فأين سلطة النقد من هذه السرقة الفاجرة؟من غرائب البنوك في غزة أنها تستقطع ضريبة الدخل ولا تقدمها للحكومة في غزة، وإنما تستبقيها في حسابها البنكي، أما غرائب سلطة النقد فإنها تقوم بأخذ نصيبها من البنوك ذهباً وسيولة، وتستثمر كل ذلك في بنوك الأردن، وتترك بنوك غزة تجري في الشوارع على حل شعرها، الذي تتطاير مع ريح الربح، ليتساقط فحماً أسوداً على وجوه الموظفين!