منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    بين ( هو ) و (هي) منظومة من الخلُـقِ بهـيّة !

    في كتابه الممتع ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ) يقول الخطيب البغدادي – رحمه الله تعالى- : ( نحن إلى قليل من الأدب أحوج إليه من كثير من العلم )
    أجل فما قيمة العلم إن بقي صاحبه متهتّكاً متجرّداً من ثوب الخلق والفضيلة ؟! سيكون هذا العلم وبالاً على صاحبه ! وفتنة للناس من حوله !
    وعالم ٌ بعلمه لم يعملنْ معذّبٌ من قبْل عُبّاد الوثـَنْ
    فقد جرى منطق الناس أن تكون أعينهم معقودة بعيون أولي العلم ، فإن رأوا منهم الرشد استرشدوا واهتدوْا ! وإن رأوْا منهم نقيض ذلك زهدوا فيهم فتولّوا واستغنوْا !
    من أجل ذلك ترى النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قد قصر غرض بعثته على التنمية الخُلُقية في النفس الإنسانية حين قال : ( إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق )"السلسلة الصحيحة" 1 / 75 وتجده عليه الصلاة والسلام في مقام آخر يعرّف الإسلام تعريفاً خُلُقيّاً فيقول : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) متفق عليه وكذا في تعريفه للإيمان في سياق آخر حيث يقول عليه الصلاة والسلام : ( المؤمن من أمِنه الناس على دمائهم وأموالهم ) الترمذي والنسائي
    وحين أراد المولى جلّ شأنه أن يمدح نبيّه – صلى الله عليه وسلم – قال { وإنك لعلى خلق عظيم } (القلم4) فتأمّل قوله ( لعلى ) فلم يقل له ( وإنك لذو خلق ) فذو خلق تعني : صاحب خلق ! وصاحب الخلق لربما تجرّد من خلقه يوماً تحت ملابسات الواقع وضغوطاته الثقيلة ! أما ( لعلى خلق ) فعلى في لغة العرب تفيد التمكّن من الشيء ! فالنبيّ – صلى الله عليه وسلم – ( لعلى خلق ) أي : أن الخلق بات فيه سجية راسخة ومَلَكَةً دائمة متمكّنة لا تنفكّ عنه البتّة ! وهذا ما شهدت به سيرته العطرة – عليه الصلاة والسلام – فقد حفلت بالمواقف الخلقيّة البهيّة حتى مع عدوّه ، وليس فقط مع مَن آمن به واتبعه !
    وإذا كان ذلك كذلك :
    فمن تأمّل كتاب الله تعالى وجد أننا مدعوون جميعاً إلى التخلّق بأخلاق المولى عز وجل ؛ كما جاء في قوله تعالى : { إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوّا قديرا } (النساء149) فانظر كيف حثّنا ربُّنا تبارك وتعالى على الجنوح إلى خيار العفو والصفح عن الناس ؛ العفو عند المقدرة بقوله { فإن الله كان عفوّاً قديرا } فهو سبحانه يعفو ويصفح ، ويغفر الذنب ويسمح ... عفو العزيز المقتدر ! وما علينا في هذا السياق إلا التأسّي بالله مولانا !
    لذا سأسلّط الضوء في هذا المقام على منظومة من الأدب لا يسعنا جهلها أو الغفلة عنها ؛ فقد جاءنا القرآن الكريم بثلاثة نماذج وأحوال من الأدب :
    *أدب العبد مع الربّ عز وجل ّ !
    *وأدب العبد مع العبد !
    *وأدب الربّ مع العبد !
    أما مَثَلُ أدب العبد مع الرب : فقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام { الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني ويسقين ، وإذا مرضت فهو يشفين ، والذي يميتني ثمّ يحيين } (الشعراء 78-80)
    فتأمّل كيف نسب الأفعال كافة من خَلْقٍ وهداية وإطعام وسقاية إلى الربّ عز وجل ، حتى إذا تحدّث عن المرض نسب سببه إلى نفسه ( وإذا مرضتُ )ولم ينسبه إلى ربّه تأدّباً مع الله تعالى ! وإلا فالأمور كلها كما قال مولانا : ( قل كلٌّ من عند الله } (النساء 78) وهذا التعبير الموشّح بالأدب هو خلاف منطق الكثير من الناس في هذا الزمان ؛ إذ ينسب بعض الناس في هذا الزمان كلّ نجاح في تحصيل علم أو حيازة مال أو تحقيق ربح في تجارة ... ينسبونه إلى أنفسهم ! حتى إذا ما أخفق أحدهم في شيء منها قال ( قدر الله وما شاء فعل ) وكأن قدر الله كان غائباً عندما يسّر له ربّه تحقيق الإنجازات ! فلم يستحضر المقادير الربانية ويقرّ بها إلا بعد أن حلّت بساحته إخفاقات !!
    وأمّا مَثَـلُ أدب العبد مع العبد : فموقف يوسف الصدّيق عليه السلام من امرأة العزيز ! وقد قال عزّ وجل ابتداءً { وراودته التي هو في بيتها } (يوسف23) فقوله ( التي هو في بيتها ) فيه تأنيب مبطّن لامرأة العزيز ؛ إذ من حقّ من حلّ ضيفاً عليها في بيتها أن يوقّر ويجلّ ، ويصان عرضه ، لا أن يُقحَم في أجواء تجعله عرضة لأن يمسّ في عرضه ، أو تشوبه شائبة من نقيصة ! لكن صنيع امرأة العزيز في هذه اللحظة كان على خلاف ذلك ! والأدهى منه والأمرّ أنه عندما ألفيا سيّدها لدى الباب بادرت بإلصاق التهمة فيه كما حكى النّص القرآني الكريم { وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيّدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب ٌ أليم } (يوسف25) وفي هذا الموقف العصيب لم يتجرّد نبيّ الله يوسف – عليه السلام – عن حِلْية الأدب والخلق ؛ فإذا به يقول – وبقوله كمُن الأدب – ( قال هي راوداتني عن نفسي } ( يوسف 26) هي : بصيغة الغائب مع أنها ماثلة أمامه !! فلم يبادر إلى القول ( هذه راودتني عن نفسي ) وإنما { هي رادوتني عن نفسي } فلم يجنح إلى نسيان الفضل والعقوق ولو في اللفظة ،حتى في هذه اللحظة ، اللحظة الخطرة الحاسمة ؛ من مرحلة التحاكم ومقاطع الحقوق ! فعرض مظلمته بكل أدب ونُبْلٍ ووفاء !
    وأما مَثَـلُ أدب الربّ مع العبد : فقوله جلّ شأنه حين عاتب نبيّه – صلى الله عليه وسلم – : { عبس وتولّى أن جاءه الأعمى } (عبس1،2) فلم يقل له: (عبست وتولّيت )بصيغة المخاطب إنما ( عبس وتولّى ) بصيغة الغائب ؛ ومن وراء ذلك عتابٌ رفيق، ومداخل نفسيّة رقيقة ! ليصنع بذا لنبيّه ومن اقتدى به منهجاً خلقيّاً رفيعاً حتى في لحظة العتاب والتأنيب ؛ فما فتئ الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعدها إذا عاتب قال : ( ما بال أقوام ) دونما تصريح بأسمائهم رفعاً للحرج عنهم!
    فمن هنا قد بدت الصورة جليّة كيف أنه : بين لفظتي ( هو ) و (هي) منظومة من الأدب بهيّة ! فعسانا نقـتنع فـنتّبع .

  2. #2
    السلام عليكم د. عيد الدحادحة .
    نعمت المنظومة الّتي قدمت , هي راقية بحق , جديرة بالقراءة والتأمل والتطبيق . سلمت يداك ولك مني جزيل الشكر مع التحية .
    وما بكم من نعمة فمن الله

  3. #3
    فلم يبادر إلى القول ( هذه راودتني عن نفسي ) وإنما { هي رادوتني عن نفسي } فلم يجنح إلى نسيان الفضل والعقوق ولو في اللفظة ،حتى في هذه اللحظة ، اللحظة الخطرة الحاسمة ؛ من مرحلة التحاكم ومقاطع الحقوق ! فعرض مظلمته بكل أدب ونُبْلٍ ووفاء !

    هذه صفة الأتقياء وقل مثالهم...هم المصطفين الاخيار
    تحيتي لجهدك الكبير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4
    الأخ المبدع العزيز د. عيد دحادحة
    لقد كتبت فأجدت وصغت فأبدعت وهذا دأبك في إنزال النصوص على الواقع وتبصيرنا بكيفية التعامل معها ، واليوم تعرض لنا موضوعا في غاية الأهمية والقيمة (( الخلق)) ، فجزاك الله خيرا ، وأفاض عليك من النعيم والعلوم لتبقى تفيض علينا بإبداعاتك في تفسير نصوص الوحي الشريف قرآنا وسنة.
    وبانتظار إبداع جديد

  5. #5
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    جزاك الله خيرا

  6. #6
    Junior Member
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    ادنبرة
    المشاركات
    11
    درس تعليمي تـأديبي وتربوي مهـم ،و تفسـير القرآن الكـريم باستخدام جمال التعبير اللغوي يعتبر اسلوبـاً جذاباً وممتعاً في ايصـال الفـائدة..
    جزاك الله خيراً
    أم أحمد

المواضيع المتشابهه

  1. منظومة الخليل
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى دراسات عروضية
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 04-26-2018, 09:32 AM
  2. منظومة سرعة الانقياد
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-11-2011, 02:13 AM
  3. منظومة سور القرآن الكريم
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-13-2008, 11:08 PM
  4. حلقات/منظومة القيم
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الفلاشات والصوتيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-21-2008, 05:27 PM
  5. منظومة القبعات الست
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-03-2006, 08:54 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •