تعليم العربية للأجانب في معهد الفتح
اللغة كمهارة وليس كقواعد فقط
يعمل معهد الفتح على تعليم اللغة العربية وعلوم الشريعة الإسلامية منذ نصف قرن ونيف، وقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً مرسوماً، يتضمن الاعتراف الرسمي بالإجازة التي تُمنح من قِبله، كما يهتم بتعليم اللغة العربية للأجانب من مختلف الدول والأديان، ويشهد إقبالاً كبيراً من الطلاب لأسلوبه المتميز في اكتساب مهارة الذائقة اللغوية السليمة، معتمداً على أحدث البرامج العالمية الآن بإدارة «د. نزار أباظة»، إذ يتبنى المعهد مبدأ التركيز على مهارتي الاستماع والمحادثة، والعناية بضبط مخارج الحروف، والجمع بين التعلم والتدريب للمهارات اللغوية الأربع (القراءة - الكتابة - الاستماع - المحادثة).. إضافة إلى فن الالقاء معتمداً بالدرجة الأولى على مفهوم «التعلم النشط» إضافة إلى الأنشطة اللاصفية. وفي جانب آخر يشارك معهد الفتح بالفعاليات الثقافية الدولية والمحلية المناسبة، ويعمل جاهداً على تعزيز التواصل مع اللغة العربية ونشر الثقافة الإسلامية، وهو أحد أعضاءلجنة تمكين اللغة العربية ولجنة ترميم مسجد بني أمية.
أساليب حديثة
يؤكد د. عبد الفتاح أنيس المشرف العام بأن اهتمام المعهد باللغة العربية يعود إلى تاريخنا وحضارتنا ووجودنا، فمنذ الأزل كانت دمشق موئل الشعراء وموطن علماء اللغة، ومن المعروف أن سورية بلد الأصالة والعروبة، وهي تنادينا للحفاظ على هويتنا التي تعني لغتنا.. والشيء المؤسف أننا نرى إقبالاً شديداً على تَعَلم اللغة العربية من قبل الأجانب من مختلف الأديان والشعوب، في حين نلمس تراجع تداول اللغة العربية من قبل أبنائنا، ويضيف: لقد دأب معهد الفتح منذ خمس وخمسين سنة على تعليم اللغة العربية للعرب والأجانب ومؤخراً أصدر السيد الرئيس بشار الأسد مرسوماً يتضمن الاعتراف الرسمي بالشهادة التي يمنحها معهد الفتح، وهي إجازة في اللغة العربية علوم الشريعة الإسلامية، يدرس الطالب خلال سنوات الدراسة علوم القرآن الكريم والحديث الشريف، وعلوم النحو والصرف والبلاغة، ويدرس نصوصاً من مراجع اللغة العربية مثل (الإعجاز للجرجاني وألفية ابن مالك وبدائل الإعجاز..) يعتمد المعهد بالدرجة الأولى على مبدأ امتلاك الطالب اللغة العربية كمهارة وليس كقواعد فقط، لاسيما للطلاب الأجانب الذين يعتمد منهاجهم على تركيب الجمل والكتابة مع مراعاة النحو والصرف، أي نعتمد على التعليم الفطري فنبدأ بتعلم الجمل مباشرةً ، أما الكتب المعتمدة فهي من جامعة الدول العربية وتوجد أيضاً لجنة تأليف للكتب في معهد الفتح، ولانركز على لغة المتعلم الأصلية، لأن الطلاب خليط من إفريقيا وماليزيا وروسيا وتركيا والباكستان، لذلك نستخدم اللغة العربية فقط، ولانتبع الأساليب التقليدية ونهتم بالنطق الصحيح لمخارج الحروف والمفردات والتمكن من تركيب العبارات من خلال التدريس وفق (التعلم النشط) ويعني ذلك مشاركة المتعلم مع المعلم والطلاب فيما بينهم إضافةً إلى الوسائط المتعددة وإيجاد أجوء مناسبة ومحفزة للتَعَلم، باختصار: نبتعد تماماً عن الأساليب التقليدية.
وأنوّه بأن الأساتذة يخضعون لدورات تعتمد على أحدث البرامج العالمية مثل (التعلم السريع والتعلم النشط) في دبي وبريطانيا، أما عن المستوى التعليمي فيخضع الطلاب لتسع دورات عامة ولدورتين تخصصيتين تتعلقان بتخصص الطالب ذاته(طب-حقوق-شريعة).
مناهج نظرية وتطبيقية
تقوم الأستاذة فاطمة الرفاعي بتدريس اللغة العربية من خلال الصوت والصورة بعرض أفلام فيديو والمناقشة مع الطلاب واستنتاج الأفكار الأساسية للفيلم على سبيل الذكر يعرض فيلم عن (النجاح، عن حركة المطار عن الجامعة،عن برامج التلفاز)، وترى الأستاذة الرفاعي أن هذه الطريقة تساعد بنسبة 50٪ على التواصل مع اللغة وفهم المفردات وطريقة استخدامها من خلال الجمل.
وتنتقي الأستاذة «منال حمو» مجموعة نصوص من الكتب التراثية القديمة (مقدمة ابن خلدون -المبسوط-العقد الفريد- الأغاني) كما تختار نصوصاً من الكتب القديمة في مجال التاريخ والشريعة، ثم تشترك مع الطلاب بتحليل الجمل وشرح المفردات واستخلاص الضمائر، وذلك في فصل النصوص التراثية القديمة.
الأستاذ «علي قصيباتي» في فصل النصوص الحديثة يعتمد فيه على نصوص من الأدب الحديث ونصوص شعرية لشعراء ينتمون إلى العصر الحديث (السياب-الأخطل الصغير- نزار قباني) وفي منحى آخر يتم اختيار نصوص ذات طابع اجتماعي-فلسفي مثلاً من مؤلفات (أحمد الهاشمي-سعد زغلول).. وتخصص مساحة من الوقت للتعرف إلى الروائيين السوريين الحاليين. ويعتمد تدريس النصوص الحديثة -كما يقول قصيباتي-على تحليل النص واستنتاج المفردات واستخدامها، وتوجد أيضاً مكتبة تتضمن أنواعاً مختلفة من الكتب الحديثة يسمح للطلاب بالاستعارة منها، ويتم أيضاً توجيههم لشراء الكتب، ومن ثم مناقشتها في الصف مع الاساتذة والطلاب.
وتهتم الأستاذة رهام مرابط بتعليم الأطفال الأجانب الذين يأتون مع أمهاتهم لتعلم مفردات اللغة العربية واستخدام بعض الجمل التي يتداولونها يومياً، وتركز على تعلم مفردات مرتبطة بوسائط متعددة مثل(الصورة أو المجسمات الصغيرة).
الاطلاع على الاعلام المحلي
الأستاذ عمران مرابط المسؤول عن تنمية الموارد البشرية تطرق إلى المهام التي يقوم بها المعهد، ومنها اطلاع الطلاب على الإعلام المحلي من خلال الصحف المحلية والمواقع الالكترونية خاصة الأخبار المحلية، والتركيز على مقالات الثقافة التي تتابع مختلف الفعاليات (موسيقا-مسرح-معارض) إضافة إلى المقالات المتعلقة بالأدب، ويتم اصطحاب الطلاب إلى بعض النشاطات التي تقام على مسرح الحمراء-دار الأسد-مكتبة الأسد) ولهذا دور كبير في اشراك الطلاب بالحركة الثقافية مما يعزز مهاراتهم اللغوية والتواصل الاعلامي.
المشاركة بالفعاليات الثقافية
تحدث الأستاذ علاء الدين فرفور نائب المدير العام عن مشاركة معهد الفتح بالأنشطة الخارجية وانضمامه إلى لجنة تمكين اللغة العربية ولجنة ترميم المسجد الأموي وعن تعاونه مع وزارة الأوقاف مع المؤسسات الأخرى، ومن أهم الفعاليات التي شارك بها خلال عام 2010 «الاسبوع العالمي للمساجد» الذي أقامته مؤسسة القدس العالمية، وتضمن ندوات حول (أثر المساجد في صون اللغة العربية)، وعُرضت نماذج من الكلمات التي نُقِشت على جدران المسجد الأقصى والأموي وقرطبة، وتم تكريم كل من عمل بخدمة المساجد في كل المجالات، تزامن أيضاً مع معرض صور لمساجد دمشق ومآذنها وقبابها، ولمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، الذي أُقيم تحت عنوان( لغتي هويتي) تم التعاون بين المعهد ووزارة الثقافة، وألقيت كلمات عدد من الطلاب حول لغتهم الأم(اللغة السريانية-التركية-الماليزية-الايرانية) وكُرَم د. مازن مبارك د. عبد الحفيظ السطلي والمرحوم الاستاذ شاكر الفحام لاهتمامهم المميز باللغة العربية، ومن جانب آخر أعدَّ معهد الفتح أمسية ثقافية عن «الفنون الاسلامية في تركيا» بحضور كبار الخطاطين في تركيا وسورية، وأمسية صوفية عن التراث المغربي بالتعاون مع لجنة التراث في وزارة الثقافة.
أتعلم العربية لأعلِّمها في بلدي
قَدِمت الطالبة شريفة شذواني من ماليزيا إلى سورية لتدرس علوم الشريعة الاسلامية وأرادت أن تتعلم اللغة العربية لتتمكن من دراستها الأساسية، وكما تقول: في البداية وجدت صعوبة خاصة في كتابة الموضوعات الإنشائية التي تتطلب مهارة في تركيب العبارات والربط بين الجمل.. ومما ساعدني على ذلك القراءة المستمرة وحضور النشاطات الثقافية والمشاركة بالأنشطة اللاصفية مثل زيارة الآثار والأسواق القديمة لخلق مساحة من الحوار بيني وبين زميلاتي، وأضافت بأنها ستعود إلى ماليزيا لتدّرِس اللغة العربية.
الطالبة خديجة حاج محمد من روسيا أصبحت تستخدم المعاجم بصورة جيدة وتفضل أن تستعين بالمعاجم (لسان العرب والمحيط) لأنها تجد متعة بالقراءة فيها، أما حين تود البحث عن معنى مفردة محددة فتفضل العودة إلى المعجم المدرسي لسهولة التواصل معه، وتقول: أود أن أتعلم اللغة العربية الفصحى لأنها لغة القرآن الكريم وسأعود إلى بلدي روسيا لأعلّم اللغة العربية في مدارس أبناء الجاليات العربية.
والطالبة بيضاء من تركيا درست العلوم الاسلامية في تركيا فأرادت أن تأتي إلى سورية للتعلم علوم اللغة العربية الفصحى، واللهجة العامية (المحكية) وذلك للموقع الجغرافي الذي يجمع مابين تركيا وسورية، ولاهتمام الأتراك بتعلم مبادىء الكتابة والقراءة للغة العربية وتقول: بعد مضي ثمانية أشهر على تعلّم اللغة العربية أصبحت لديّ القدرة على التواصل مع النصوص الحديثة وفهم مفرداتها.


مِلده شويكاني

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1246&a=110979