«جينات وراثية» أم «أعراف قاتلة»؟
(المذنبة البريئة) تدفع خطيئة (الذكر الجاني)!
«التأويل المتطرف» للنص
الديني مضر بالمجتمع..
الإسلام وقف مع المرأة
مهما كانت خطيئة أقاربها
فتاة تبحث عن مخرج
حتى لا تؤاخذ بجريرة غيرها
عرعر، تحقيق - د. صغير العنزي
يهيمن «العقل المنغلق» على تفسير بعض النصوص الدينية، وينزاح بها عن نبل الهدف الذي جاءت من أجله، وبدلاً من أن تحقق هدفها العظيم في إنقاذ الإنسانية من الإقصائية والتطرف في الموقف والتأويل تتحول إلى رؤية مغايرة، ولهذا فإن من أخطر ما مرت به ثقافتنا سيطرة رؤية القبائلية للعالم حتى على ذهن بعض المجتهدين - أحياناً.
وكان من نتاج سطوة مثل هذه الرؤية أن انقاد لها بعض الفقهاء، أو على الأقل، مارسو صمتاً رهيباً أمام نفاذها، وقد استطاع المشروع المتطرف الإقصائي أن يدس أحاديثاً ضعيفة تكسر توجه المشروع الديني الإنساني - أحياناً - أو تأوله تأويلاً منحرفاً عن حقيقته أحايين أخر، ومن أكثر هذه الجوانب وأوضحها ما يتعلق بالمرأة؛ لأن النظرة الدونية لها نظرة جاهلية، لا علاقة للإسلام بها، وخير أدلة ذلك تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته، إذ كان يحترم رأيهن، ويشاورهن، ويشركهن بالحياة، ولعل هذا المنطلق هو ما أخذت به عائشة - رضي الله عنها - في موقفها من قتلة عثمان - رضي الله عنه - فقد شاركت كبار القياديين قولاً وتطبيقاً، وقد روي من اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمرأة أن أحد الأنصار دعاه، وكانت عائشة معه، فقال له: أنا وهذه، فصمت الأنصاري كالمستغرب وكرر الدعوة، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنا وهذه مشيرا مرة أخرى إلى عائشة.
قانون العرف
ومن هنا نجد تفوقاً للقانون العرفي عند العرب.. هذه الهيمنة لهذه الرؤية الجاهلية نجدها تزاحم نصا عظيما «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، وهي مزاحمة تتفوق أحياناً على النص الديني وتغيبه، أو تكاد، وهي إن خفت صوتها عند محاكمة الرجل - أحياناً - فإنها لا تزال حاضرة بقوة فيما يتعلق بالمرأة، فالمرأة تتحمل وزر الذكور من أهلها، و»تُجرَّم» بسبب خطيئة والدها، أو أخيها.
فإذا كان أحدهما نصَّاباً أو لصًّا، أو خائناً لدولته، أو زنّاءً، أو صاحب مهنة لا يرتضيها صانعو القيم المزاجية، فإن ذنبه ينجرّ عليها، وتحرم من الزواج من الأكفاء لذنب لم تقترفه يداها، بل ربما كانت من أفضل النساء خلقاً وتهذيباً، وأصونهم لنفسها وبيتها!
السلوك القويم
وأوضح الشيخ «الطرقي بن عقلا» أنّ المرأة المسلمة العفيفة صاحبة السلوك السوي لها القدح المعلى، والشأن العظيم، ومن الظلم الكبير أن تؤاخذ بجريرة غيرها، حيث لم تفعل ولم تتسبب فيما يشين، فمن القواعد المقررة شرعاً «ألا تزر وازرة وزر أخرى»، و»كل نفس بما كسبت رهينة»، ومن التعاون على البر والتقوى أن تحفظ لها مكانتها السامية، وأن يكون سلوكها القويم محل التقدير والإجلال لا أن يغض منه تصرف غير حميد من أقربائها، بل إن قواعد الشرع والعقل الصحيح تدل على أن تمسكها بتلك الأخلاق السامية، وحولها القريب الذي يفعل المشين، غاية في الصلاح وصدق التوجه السليم، فشتان بينها وبين مثيلتها التي هيئت لها أسباب الاستقامة دونما عناء ودون وجود من يحتاج إلى مجاهدة.
مشيراً إلى أنّ التمسك زمن الفتنة ليس كمثله دونها، كما تدل عليه نصوص الشريعة وقواعدها، ثم إننا نجد الشريعة الإسلامية في تطبيقاتها لم تؤاخذ القريب بجريرة قريبه، أولم يكن أبو لهب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - مشركاً؟ فما بالك بما دون الشرك؟، وها هم الأشخاص الذين فعلوا الزنا زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يجنوا على أقربائهم ونسائهم.
آثار المذنب
وحول سؤال الشيخ «الطرقي» عن بعض آثار المذنب التي يقال إنها تلحق قريباته مثل ترسيخ مفهوم أن من يزني يزنى بنسائه، أجاب: ما تقدم من قواعد شرعية آنفاً يرد هذا المعنى الذي يصادم تلك النصوص والقواعد، وهذا ليس نصاً شرعياً، أما عن فهم ما ورد في الأثر «إياكم وخضراء الدمن» وتفسيره - صلى الله عليه وسلم - لها بأنها المرأة الجميلة في المنبت السوء.
وقال: بغض النظر عن كلام أهل الحديث في عدم صحة هذا الحديث فعلى فرض الصحة، فإن لفظ «المنبت السوء» يدل على معنى لا يؤخذ منه أن تؤاخذ المرأة بجريرة غيرها، فالإنبات السيئ يدل على تغذية بالفعل المشين، وتغيير للفطرة والمفاهيم السوية، ولربما الوقوع بالفاحشة، بعكس من لم تنشأ وتغذى بهذه المفاهيم وإنما فَعَلَ القبيح بعض أقربائها.
أما ما يتداول من أن العرف العربي يُنفِّر من الزواج ممن يفعل أحد أقربائها الأفعال السيئة، فأجاب عنه بقوله: «إنني لا أسلم أن هذا عرفاً مطرداً حتى يكتسب العمل به، فثمة أناس كثر، وشريحة كبيرة من المجتمع ترى أن لا تؤاخذ العفيفة بجريرة غيرها، وعلى فرض اطراد هذا العرف فإنه يخالف النصوص ومقاصد هذه الشريعة الغراء، وكل عادة أو عرف خالف الشرع فهو غير معتبر كما هو مقرر في الأصول».
الأعراف القاتلة
وتحدث «أ. د. محمد نجيب التلاوي» عن شيوع هذه الظاهرة في كثير من المجتمعات العربية قائلاً: «البنت في أسرتها كعاداتنا وتقاليدها مذنبة بريئة معاً، فبقدر ما نمتدح أكثر عاداتنا، ونتشبث بها، بقدر ما يمكن أن تتسبب بعض هذه العادات تداعيات سلبية، وتوابع من ورائها مساحات من الحزن والندم الذي يطال البريء مناَّ، مشيراً إلى أنّ الترابط الأسري وصلة الرحم والافتخار بالعائلة والقبيلة والآباء والأجداد، وكل هذا الترابط الذي نتشبث به يمكن أن ينقلب إلى الضد، بما في أسرنا من نتوءات أخلاقية وشذوذ على البنية الاجتماعية، كالأب المذنب بأهوائه، أو الابن الضال بأخطائه، ومثلهما يسيء إلى أهله وأسرته أكثر من الإساءة إلى نفسه، ومثل هذه التداعيات تبرز بشكل كبير عندما تكون هناك رغبة في النسب والتزوج لأبنائنا، حيث تبحث أسرنا عن تنفيذ مباشر لمعنى «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، وهنا تندفع الأسر إلى البحث عن النسب الجديد بالتقصي والتحقق عن أفراد الأسرة والعائلة فإن اكتشف أبٌ جانٍ أو ابنٌ منحرف فإنه يلقي بذنبه على أفراد الأسرة الأبرياء، فالبنت البريئة أصبحت مذنبة بحجم ما طالها من انحراف الأخ، أو ضلال الأب، وهذا الانحراف للأفراد لا يسيء إلى الأسرة فقط، وإنما يسيء إلى أجمل عاداتنا والتقاليد، والتماسك الأسري هنا قد ينقلب إلى ضرر مباشر لأبرياء الأسرة والعائلة.
كيف ننقذ البريئة؟
وأمام سطوة العادات العربية ونفاذها يقترح «التلاوي» حلولاً لإنقاذ البريء المذنب تتمثل في نقاط محددة هي: تشديد الرقابة الأسرية على الأبناء وتشديد الرقابة الاجتماعية في مجتمعاتنا على الجميع، وتصحيح مفهوم الحرية ومساحات الحرية التي لا تعرف حدودا ولا ضوابط، وزيادة مردود التعبئة الدينية حتى تتفجر المراقبة الذاتية قبل المراقبة الاجتماعية عند الأفراد أنفسهم انطلاقا من مراقبة الله في السر والعلن.
جينات وراثية
وبعد الاطلاع على الرأيين السابقين تأتي أسئلة شديدة الحيرة: إذا كانت مثل هذه القيم المهيمنة ذات النفاذ العنيف ليست نتاجاً لرؤية دينية، ولا وليدة إنسانية سامية، وهي تجتث كرامة الضحايا بيننا من دون رحمة ولا هوادة، وتحلهم غير منازلهم.. لماذا لا نجرؤ على تحطيمها؟، ولماذا نقف منها موقف المتفرج؟، ومن الذي منحها قداسة لا تستحقها؟، وإلى متى ستظل تستنزف كرامة الشرفاء الأبرياء؟، وإلى متى أيضاً نحاكم البشر بغير ما جنته أيديهم؟، ولماذا تذوب كثير من الثوابت أمام عنفوان العولمة بينما تبقى هذه القيم السالبة صامدة لا تتحرك منذ 1600 عام؟، وهل هي قيم أم جينات وراثية في صميم الجسد العربي؟.
http://www.alriyadh.com/2011/09/15/article667444.html