لقد نهى الإسلام أتباعه عن الخلوة، والاختلاط، والنظر إلى الأجنبية، وعن مصافحتها ولمسها، وحذر من ذلك تحذيراً شديداً، سداً للذريعة، ومنعاً من السهام الإبليسية، والحيل الشيطانية، لهذا فقد أمر كلاً من المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج والأعراض، وصان الحريم، وحث على الغيرة عليهن، واعتبرها علامة من علامات الإيمان، وعدَّ فقدانها ديوثة وخذلان.

ثم أباح النظر، واللمس، والكلام مع الأجنبية في بعض الأحيان، مراعاة للضرورات، واعتباراً للحاجات، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، من ذلك إباحته للخاطب والمخطوبة أن ينظر كل منهما إلى الآخر، عسى أن يؤدم بينهما، ويؤلف بين قلوبهما.

فما الذي يجوز للخاطب من مخطوبته إذا عزم على الزواج وأيقن بالقبول، وما الذي لا يجوز له؟

ما يجوز للخاطب من مخطوبته

إذا كان الرجل راغباً في زواج المرأة عازماً عليه، موقناً بقبوله والركون إليه، يجوز له الآتي:

أولاً: النظر إلى ما يدعوه إلى زواجها، إلى وجهها وكفيها وسائر قوامها.

ثانياً: أن يطلب من إحدى محارمه أوغيرهن من عاقلات النساء أن يصفنها له.

الأدلة على ذلك

1. ما صح عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أوريتُك في المنام يجيء بك المَلك في سَرَقة1 حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك فإذا أنتِ هي، فقلت: إن يكُ هذا من عند الله يُمْضِه"2، الشاهد فيه "فكشفتُ عن وجهك الثوب"، لأن الأنبياء معصومون في نومهم ويقظتهم.

2. عن سهل بن سعد رضي الله عنه: "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، جئتُ لأهب لك نفسي؛ فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعَّد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه..."3 الحديث.

3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "قال رجل إنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرتَ إليها؟ قال: لا؛ فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً4".5

4. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً – قيل المغيرة – خطب امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".6

5. وعن جابر رضي الله عنهما يرفعه: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".7

6. وعن جابر قال: "كنتُ أتخبأ لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها".8

القدر المنظور إليه من المخطوبة9

ذهب أهل العلم في ذلك مذاهب، هي:

1. الوجه والكفان، وهذا مذهب الجمهور.

2. ينظر إلى ما يريد منها إلا العورة، وهذا مذهب الأوزاعي.

3. ينظر إلى ما أقبل منها وما أدبر.

4. لا ينظر إلى شيء من المخطوبة قبل العقد، وهذا قول مردود.

هل يشترط إذنها عند النظر؟ 10

1. ينظر إليها من غير إذنها، وهذا مذهب الجمهور.

2. لابد من إذنها، وهي رواية عن مالك.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور.

ما لا يجوز للخاطب من مخطوبته

لا يجوز للخاطب من مخطوبته ما يأتي:

1. أن يخلو بها.

2. أن يتصل بها هاتفياً.

3. أن يتكلم معها طويلاً.

4. أن يصافحها.

5. أن يتواعدا أويخرجا معاً، إلا مع بعض المحارم.

ما لا يجوز للمخطوبة فعله لخاطبها

1. لا يجوز للمخطوبة أن تتزين وتتجمل لخاطبها.

2. لا يجوز لها أن تدلس عليه باستعمال بعض الكريمات المبيضة ونحوها، والصبغ، ونحو ذلك.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز طيب الله ثراه: (المخطوبة قبل أن يتم العقد عليها امرأة أجنبية عن الخاطب، فهي كالنساء اللاتي في السوق، ولكن الشرع رخص للخاطب أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها للحاجة إلى ذلك، ولأن هذا أحرى أن يؤدم بينهما- أي أن يؤلف بينهما، ولا يحل لها أن تخرج إليه متجملة أومتزينة، لا بثيابها ولا بـ"المكياج"، لأنها أجنبية عنه، لأن الخاطب إذا رآها في هذه الزينة ثم تغيرت بعد زوالها فإنه سوف تتغير الصورة عنده، وربما تكون رغبته نفوراً منها.

والذي يجوز للخاطب أن ينظر إليه من مخطوبته مثل الوجه، والقدمين، والرأس، والرقبة، بشرط أن لا يخلو بها، ولا يطيل المكالمة المباشرة معها إن كلمته، وكذلك لا يجوز له أن يتصل بها هاتفياً لأن ذلك فتنة يزينها الشيطان في قلب الخاطب والمخطوبة).11

ما ينبغي أن يحذر منه الخاطب

ينبغي للخاطب أن يحذر من الآتي:

1. التلاعب بأعراض الناس واستغلال حاجة المخطوبة للزواج، فإن ذلك من دنيء الأخلاق.

2. تطويل مدة الخطبة.

3. التخلي عن مخطوبته لغير سبب شرعي واضح.

4. أن يكون غرضه التلذذ والنظر وتزجية الأوقات.

5. عليه أن يحب لمخطوبته ما يحبه لأخته، وبنته، ومحارمه.

6. أن يتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والعتاق"، أوكما قال.

7. لا يخطب على خطبة أخيه إذا رُكن إليه، وكذلك المرأة لا تخطب على خطبة أختها، فإن ذلك من المحرمات المفسدات للنكاح، قبل وبعد الدخول.

8. أن لا يصرِّح بخِطْبة معتدة، وله أن يلمِّح.

9. إذا خطب امرأة أن لا يتشوَّف إلى غيرها.

10. تعجيل العقد والدخلة.

11. أن يحرص الخاطب على الدين والخلق.


والله أسأل أن يعفنا، وأن يحفظ جوارحنا، وأن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يجعلنا للمتقين إماماً، وصلى الله على محمد القائل: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، وعلى آله وصحبه وسلم.

منقول للفائدة..