من سرق لعبتي؟!!


بقلم : بلال نكديل


منذ أن أهداها لي أبي وأنا متعلق بها أيما تعلق، لا تغادر يدي أو نظري طرفة عين، كانت أجمل ما تكون عليه اللُعب.. سيارة سباق بجهاز تحكم عن بعد..- واو ما أروعها- هكذا كنت أسلي نفسي..
تنبهني أمي مرارا، تارة بصوتها الحاني، وتارة تقذفني بصيحات الزجر: يا ولدي حان وقت الفطور.. يا ولدي حان وقت العشاء .. يا ولدي حان وقت النوم .. يا ولدي .. يا ولدي.. وأنا لم يحن عندي أي وقت، فقط وقت لعبي بسيارتي، ولا تشغلني سوى لعبتي، فأهيم بها كلما انطلقت بسرعة بمجرد كبسة زر.. أتماوج معها كلما راوغتْ خزانة الغرفة أو طاولة المطبخ.. أو تسللتْ تحت أقدام قطّنا مينو، فيقفز المسكين ويفر خائفا منها.. ههههه ..لا أستفيق من نشوتي إلا بعد أن يضغط أبي على زر التوقف.. يربت على رأسي يستدرجني أن أتركها قليلا، فأرمش بعيوني لأستعطفه أن يسمح لي بالمزيد.. لكنه يبتسم ويقول: يا ولدي إنّ لنفسك عليك حق، لو تركناك على حالك ستموت من الجوع والعطش.. ولكني لا أشعر بطرقهما باب معدتي إلا حين يُذّكرني: أنت لم تفطر.. أنت لم تتعشى.. أنت لم تغسل.. أنت أنت..، فأرتجف هلعا من حالي، يااااه .. كيف فاتني كل هذا ؟!!..
افتقدني أصدقائي، فلا عاد لي تواجد بينهم ولا لعب معهم.. لقد كانت لعبتي عالمي الأوحد..
جاء عصام ومنير يسألان عني في البيت.. فتحت أمي الباب، فكان أول ما أبصراني عليه ماسك بسيارتي فسقطت عيونهم عليها.. وضعتها في الأرض وكبست على جهاز التحكم دون أن أعيرهم أي اهتمام..
دنا مني عصام وهمس: قلقنا عليك يا صديقي... هيا بنا نلعب في الخارج..، وعلق منير: ما أجمل هذه السيارة، من أحظرها لك؟.. لم ألتفت إليهما و واصلت انغماسي بلعبتي منطلقا بها في خيالي أجوب بقاع العالم، لا أريد أن يكسر نشوتي أي أحد، فاليتركوني أنا ولعبتي فقط !..

انصرف عصام ومنير دون أن يحصلا مني على التفاتة أو كلمة، فهللت في نفسي : واو .. هذا جيد ..هكذا حتى لا يقاطعاني في اللَّعِب..
خرجت بسيارتي إلى الشارع أتبختر بها .. أطلقتها بسرعة.. فدوى صوتها عاليا كالرعد.. حام حولي الأصدقاء وأبناء الجيران يرسلون نظرات الإعجاب والانبهار!، فعكستها ببرودة مصطنعة كأني لا ألقي لهم بالا، لكنني ما فتئت أسترق النظر في عيونهم المغمورة بأن يحصلوا على لعبة مثلي.. لقد أثارني هذا كثيرا فاسترسلت أحاور نفسي: إنهم يتابعون لعبي بالسيارة.. لاشك أنهم يحلمون باللعب مثلي.. إنها لعبة رائعة ليس لها مثيل.أليس كذلك؟.. وهذا سمير لماذا يقف أمامي؟!.. هه المسكين يظنني سأحن عليه بجولة أو جولتين.. فاليُقَبِّلْ عينه أولا.. إنها لعبتي..! ملكي وحدي..! لن يلمسها أحد..
تسارعت الأيام تفلت من حلقات الدهر تترا.. كانت لعبتي تسلبني الساعات والدقائق دون أن أضجر..وفي أحد الأيام توقفت عجلة الزمن.. آآه ما أسوء الذي حدث !!.. لقد تعطل جهاز التحكم بالسيارة !! ، فتعطلت معه تلك الابتسامة التي كانت تزوق وجهي .. صرت أجفف دموعي بأناملي خِفية..أتظاهر بأنني أفرك وجنتي.. ماذا عساي أفعل.. إنها لعبتي التي ارتبطت بها...؟!!
ركنتها في حديقة بيتنا في زاوية مهملة هناك.. ها هم بعض الصبية يرمقونها بازدراء.. لم تعد تستهويهم كما كانت من قبل..لقد انطفأت شهرتها الذائعة الصيت..
ذهبت ذات صباح أرنو إلى سيارتي لأتذكر لحظات الأمس الجميل، ورغم ما فيها من عطب رجوت أن تمنحني بعض المتعة !.. نزلت الحديقة آملا.. لكنني فجأة صرخت ملء القلب: آآآه ... لعبتي.. لعبتي.. من سرق لعبتي..؟!!.. جريت حيث ركنتها فلا أثر لها.. رجعت إلى البيت لعل أبي أدخلها.. انحنيت على الأريكة.. صعدت فوق الخزانة.. ارتميت تحت السرير وأنا أصرخ في داخلي دون أن يسمعني أحد: لعبتي.. لعبتي.. من سرق لعبتي..؟!!
رجعت إلى الحديقة ثانية لعلي أمسك باللّص.. لكنها هجمت عليّ أفكار اعترضت رجائي متدخلة: وهل اللّص غبي حتى يَرجع إلى المكان الذي سرق منه..؟!
انحنيت على ركبتاي وأسندت وجهي إلى كفي أرثي حالي.. هِمتُ من شدة الأسى حتى كدت أغفوا لولا أن دغدغة أذناي خشخشة على الحشيش.. هاهي الخطوات تقترب مني .. لاشك أنه اللّص!.. رفعت عيني إليه فوجدته يحضن لعبتي.. صحت في دهشة: من ..؟! هذا أنت يا سمير؟!!.. لكنه لم ينبس ببنت شفة وتقدم في خطى متثاقلة ..
أغضبني هذا كثيرا وحزّ في نفسي : من يظن نفسه.. ؟! نعم، كنت أعرف أنه يفكر بسوء.. وهل أنسى نظراته الماكرة .. لقد كان يريد أن يسرقها إذن؟!.. ولكن لماذا أرجعها ؟ آه.. فهمت لقد وجدها معطلة فندم وجاء يترجاني بأن أسامحه.. لن أسامحه أبدا.. من اليوم فصاعدا لن يبقى صديقي..
توقف سمير أمامي .. نظر إليّ وأرسل ابتسامة عريضة .. قدم اللُّعبة إلى يديّ وقال: مفاجأة..!! ها قد أصلح أبي لعبتك..!
ضربتني صفعات الخجل على خدي.. طأطأة رأسي مختشيا منه.. لكنه أعاد إليّ نفسي حين قال: أنظر.. أنظر يا صديقي لقد أصلحها أبي.. جربها الآن..
ضحكت ضحكة هستيرية: ها... هه.. عانقته فرحا وقلت: هيا .. هيا يا صديقي نلعب معا..