رغيف الخبز

حين سمع رغيف الخبز شخير مايا وجدّتها , قال محدثا نفسه " ما أقل حظي ! لقد نفق جميع اصدقائي وظللت وحيدا فوق هذه الصينية " . في تلك الاثناء كانت صينية القش تشهق وتزفر بصعوبة , فالرغيف المستلق فوقها يكتم أنفاسها .شعر الرغيف بأنه غير مرغوب به , وتمنى لو أن فما جائعا يلتهمه بلقمة واحدة .وحدها الفئران فكرت بذلك , فقد كانت تسرح وتمرح في المطبخ الخشبي , زرع صوت حركتها الرعب في قلبه الصغير , فهو خبز ليكون طعاما لعجوز ضعيفة أو لطفلة تحلم أن تكبر , لا لفأر كسول يأكل دون أن يشكر , لذا أبقى عينيه مفتوحتين وقرر أن يدافع عن نفسه ضد عدو يتخذ الظلام غطاء له .على مقربة من البيت الريفي , كان البحر يحمل ظل القمر , فبدا الضوء كما لو انه طفل في ارجوحة تصنع الفرح, وينبعث الموج حاملا معه نسمات تنعش القرية , فتتمايل الأشجار وتعزف الحشرات لحن الليل على أوتارها الخضر .التحقت مايا بحضن جدتها لتصيب بعض الدفء , وظل الرغيف لا حضن يأويه ولا غطاء , شعر بالبرد الشديد , راح يرتجف , حتى ان الصينية شفقت عليه وحاولت مساعدته , لكن وجهه المطل على النافذة المفتوحة أصيب بالقشعريرة , فتجمعت ذرات الطحين تدفئ بعضها بعضا , انكمش الرغيف وتقلص حجمه . بين الفينة والأخرى كان يحدق من النافذة , علّ مايا تستيقظ جائعة , لكن وحدها شجرة التوت تبادله النظرات , ألا ليت الأشجار تاكل الخبز ! كانت الدقائق تمر عليه كما لو انها سنوات , لم يغمض عينيه تلك الليلة , فما إن صاح الديك , حتى عاد الأمل إليه , راح ينتظر ... فلربما يغمس في صحن حليب طازج ...كاد يبكي حين مرت الجدة بجواره قائلة " هيا يا مايا ! تعالي وساعديني في صناعة الخبز "حينها اصفر وجهه واحدودب ظهره وبدا كشيخ هرم .اقتربت منه مايا حاملة ارغفة طازجة , فمد رغيف شاب رأسه وقال :هيا ايها العجوز ! لا مكان لك هنا بعد الآن ..حملت مايا الرغيف الجاف وتوجهت صوب سلة المهملات ..." كم أنانيون انتم ايها البشر ! فحين تجوعون تتغزلون بالخبز قائلين انه لحم الفقراء وحين تشبعون ترمون الرغيف كما يرمي الابن العاق ابوه العجوز في مأوى العجزة !!!" قال الرغيف ذلك بصوت بائس حزين ولكأن الجدة سمعت كلماته , فقد صرخت سائلة : إلى اين تأخذين الرغيف ؟؟؟؟سارميه .. إنه جاف وبدا يتعفنإياك ان تفعلي !!وماذا سنفعل به ؟سنعطيه لمن يحتاج إليهفرح الرغيف بذلك , شعر بالسعادة , فهو ما يزال نافعا , تمنى لو ان لديه اقداما كي يقفز إلى يد الجدة , بينما تساءلت مايا في سرها " من يا ترى يحتاج هذا الرغيف اليابس ؟!!!"أخذت الجدة الرغيف , قسمته إلى أجزاء صغيرة , ووزعته بين البقرة والقطة ورمت ما تبقى تحت شجرة التوت , فاجتمعت العصافير من كل صوب , تاكل من نعمة الله وتشكر , كانت الأرغفة تراقب ذلك , تمنوا لانفسهم قدرا مماثلا , فلا أجمل من ان يكون الرغيف وليمة لعصافير تزقزق .حين كبرت مايا قليلا , لم ترمي لعبها وملابسها واشياءها القديمة , بل توجهت إلى دار الايتام وتبرعت بما تملك , وراقبت عصافير الدار وهم يلعبون ويضحكون .