موت "مبارك" هل يشفي الغليل؟
د. فايز أبو شمالة
موت "حسني مبارك" ليس أمنية الجماهير العربية، لأن موت الرجل المريض لا يشفي غليل الأمة؛ التي صفعتها سياسة نظام "حسني" بالمذلة أكثر من الشعب المصري الذي عانى الجوع والفقر والمرض والهوان، موت "حسني مبارك" لن يطفئ نار الشعوب العربية التي انتظرت هذه اللحظة؛ لترى رئيساً عربياً تقدمه بد عربية إلى المحاكم الثورية، يد الشعب الذي انتصر دون تدخل أمريكي وغربي، يد سمراء تلوح للحرية والديمقراطية، وتبسط رحمتها على كل المنطقة العربية، وترسل إلى شباب الأمة رسائلها الثورية، من خلال صور "حسني مبارك" في قفص الاتهام، رسالة سيفكُّ حروفها القادة العرب، ويعاودوا تركبيها من جديد، وهم يرقبون مصيرهم، ويقرءون كف مستقبلهم من خلال لوائح الاتهام التي ستوجه إلى زميلهم في مقاعد الرئاسة "حسني مبارك"!.لا تشفياً برجل انتهت صلاحيته، وألقى فيه حلفاؤه إلى سلة المهملات، ولا حباً بالانتقام من مخلوقٍ أذاق الشعب المصري الويلات، وإنما الشعب العربي يحلم أن يرى رئيساً مخلوعاً في قفص الاتهام، ويوجه إليه الاتهام، كي توضع الأمور في نصابها الطبيعي، وكي ينضبط مسار الشعوب العربية في تحررها، لأن محاكمة "حسني مبارك" هي محاكمة للنظام العربي برمته، النظام الذي وضع يده في يد أعداء الأمة، لتغدو محاكمة "حسني مبارك" محاكمة لكل الاتفاقيات التي وقعها نفرٌ مع الإسرائيليين، بما فيها اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة، واتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل.إن محاكمة "حسني مبارك" هي محاكمة لتقصير النظام العربي عن توفير أدني الحقوق للمواطن؛ بما فيها حقه في الكرامة والتنفس بحرية، وحقه في المأكل والمسكن والملبس، إن محاكمة "حسني" هي محاكمة فعلية لكل حكام العرب الذين ما زالوا يمارسون الظلم على الطريقة نفسها التي مارسها "حسني" ويستقوون بالأزلام ذاتهم الذين استقوى بهم "حسني" ويسلمون شئون الوطن للمستشارين ذاتهم الذين سلم لهم "حسني".الأمة العربية كلها مع الشعب المصري، ومع مطالبة المحقة في محاكمة النظام العربي، ومحاسبته على خذلانه غزة التي تعاني الحصار، وعلى خذلانه للبلد العربي لبنان الذي تعرض لأكثر من غزوة إسرائيلية تحت سمع وبصر الحكام العرب، وعلى خذلانه العراق الذي داسته قدم أمريكا الهمجية، وما زال ينزف دماً أمام عين النظام العربي.مقابل هذه الإرادة الثاقبة للأمة العربية، توجد رغبة نفر من أولئك الذين يرتعبون من نبش الذاكرة، ومن التفتيش عن كل الأوراق، وربط السياسي منها بالاجتماعي بالاقتصادي بالأمني بالثقافي، ويصرون على عزل "حسني" عن الزمن العربي الذي هزمته دولة الصهاينة، ويضغطون لئلا تفضح سيرتهم من خلال محاكمة صديقهم، بل ويتمنون موت الرجل المريض بلا محاكمة، إنهم يخشون تهديدات المرأة "سوزان مبارك" التي تمتلك الكثير من أوراق اللعب التي ستحرج الحكام العرب، وتمتلك التسجيلات المصورة، التي تفرض عليهم أن يضغطوا، وأن يتوسلوا لئلا يظهر زميل مهنتهم، ورئيس طريقتهم في قفص الاتهام.