قواتنا في تل أبيب!
د. فايز أبو شمالة
نشر المركز الفلسطيني للإعلام خبراً يقول: "إن جهاز أمن الرئاسة التابع للسيد عباس قرر إلغاء كتيبة من حرس الرئاسة تخضع لسلطته، وحولها إلى جهاز الأمن الوطني، وذلك بسبب فضيحة أخلاقية عصفت بالكتيبة التي يصل عدد أفرادها إلى مائة عنصر، فقد اكتشف مسئولو الجهاز ممارسات لا أخلاقية بين عدد كبير من عناصر الكتيبة على حد وصف المصادر، مما أدى إلى اعتقل ما بين 20-30 عنصرًا من الجهاز، أطلق سراح بعضهم فيما بعد، وظل البعض الآخر رهن الاعتقال والتحقيق".انتهى الخبر الذي يشير إلى فضيحة أخلاقية قد تتواجد في كل تجمع بشري، ولعل وجود الرئيس الإسرائيلي "موشيه كتساب" في السجن خير دليل على ذلك، ولكن الغريب في الخبر أنه يصب في صالح حرس الرئاسة، الذي ظهر وكأنه شاشة بيضاء يلطخها أقل دنس، وأنه جهاز يطهر نفسه من كل شائبة، وهذا جميل طبعاً، لولا أن الخبر يشين إلى جهاز الأمن الوطني، الذي يظهر وكأنه جهاز تتجمع فيه مخلفات الأجهزة، ويحتوي على ما تساقط من أوراق جافة، وهذا أمر خطير جداً، لسببين:الأول: يرفع من شان الشخص، ويوحي أن كل ما له علاقة بالرئيس عباس منزه عن الخطأ والخلل، ويتميز بالطهارة والنقاء؟الثاني: يقلل من شأن الوطن، ويوحي أن كل ما له علاقة بالوطني، حتى لو كان جهازاً أمنياً هو عبء على الرئيس، الذي يتحمل ما تعبأ من الوهن والنمش في النفوس. أزعم أن الخلل الذي ورد في الخبر يتجاوز عدة أفراد يعملون في جهاز أمني، الخجل في الخبر له علاقة بالبناء النفسي للفلسطيني الجديد، رجل الأمن الذي صار ممزقاً بين ما يرى من أخطاء المسئولين، وما يسمع من أحاديثهم السخيفة، وبين وجدان الفلسطيني الذي لا يصدق ما يقوم فيه من مهمات حقيرة أحياناً، هذا التمزق بين الواقع الأليم والحلم الرخيم هو الذي دفع رجال الأمن على الرذيلة والفحشاء لو صارت، ولو سمح لجهات محايدة بالتحقيق في الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك، لما ابتعد في النتيجة عما ذهبت إليه.سنة 1982، غرق المقاتلون الفلسطينيون بالحزن بعد خروجهم من بيروت، بكوا بمرارة على شتاتهم الجديد، وتمنوا لو أن الأرض ابتلعت أجسادهم دون الشتات، لقد حلموا بتحرير فلسطين، فإذا بهم بقايا قوات منفية ألاف الأميال عن حدود فلسطين، وزاد الطين بلة بعد ذلك إنهم صاروا يتسلمون نصف الراتب فقط. فماذا جرى لهم؟قال الراوي: إن بعض المقاتلين الفلسطينيين الذي ضمهم أحد معسكرات المنفى في السودان، قد تعودوا على ترك معسكرهم، والذهاب ليلاً إلى مكان يسمى "تل أبيب" حيث تتكاثر هنالك بائعات الهوى، ويبدو أن الاسم "تل أبيب" يطفئ غل المقاتلين. حتى كانت ذات ليلة، اكتشف فيها الضابط المسئول أن معظم جنوده قد تسللوا خارج المعسكر. وذهبوا إلى بائعات الهوى. فذهب بعد منتصف الليل غاضباً ومسرعاً إلى قائد القوات ـ تولى القائد لاحقاً أرفع المناصب ـ وأيقظه من النوم وهو يقول: يا سيدي، قواتنا في تل أبيب!.نهض قائد القوات الفلسطينية في السودان من نومه، وهو يسمع الخبر " قواتنا في تل أبيب"، فأصابته حالة من الذهول، وهو يقول: من الذي أعطى لهم الأوامر؟ وكيف وصلوا إلى تل أبيب؟ ومن أين حصلوا على السلاح؟ وهل احتلوا تل أبيب بالكامل؟ وماذا سيفعل الإسرائيليون؟ هل أبلغ أحدكم الأخ أبو عمار بهذا الخبر ؟خجل الضابط من نفسه، تراجع مع دمعته، وهو يقول: إنهم في تل أبيب السودان!.