ذكرٌ وثلاثُ إناث
د. فايز أبو شمالة
تأخذ أنثى السمك زينتها في موسم التكاثر، تتجمل للذكر، أو تستثير فيه النخوة والهمة، فيصير لون صدرها أحمر، ويصير ظهرها وذيلها أحمر، إنها تتهيأ للإخصاب، وتختار المكان المناسب الذي تبني فيه عشها تحت الماء، وفي لحظة الحسم، تضع أنثى السمك بيضها، وتعطي للذكر الفرصة كي يقوم بتلقيح البيض، لينطلق في الماء فارداً عضلاته، ملوحاً برايات الانتصار، فقد انتهت مهمته، وتبدأ مهمة أنثى السمك من جديد، حين تلملم بيضها الذي تم تلقيحه في فمها، وتكمن في إحدى زوايا بركة الماء ثلاثة أيام بلياليها، تمارس الأمومة دون طعام، حتى يقترب موعد فقس البيض، فتقوم بقذفه ثانية إلى الماء.هذا أكثر ما شدني في الجولة التي نظمها وزير الزراعة الدكتور محمد رمضان الأغا، لجمعية أساتذة الجامعات، لقد شاهدنا خلال الجولة أحدث الطرق العلمية في استزراع السمك، وكيف نجحت وزارة الزراعة الفلسطينية المحاصرة في تزويد مربي الأسماك في قطاع غزة بعدد مئة ألف سمكة صغيرة شهرياً، ودون مقابل مالي، هذه الميزة ساعدت في كسر الحصار ولو جزئياً في فترة من فترات التحدي، وبسط الإرادة الفلسطينية، وقد شاهد المشاركون في الجولة عدد مليون شتلة زيتون، ومئات ألاف شتلات اللوز، والأعناب التي أعدت لتغطية حاجة قطاع غزة دون اللجوء لخبرة إسرائيل الزراعية، وفي محاولة فلسطينية للاستغناء عن الفواكه الإسرائيلية التي تغزو أسواق غزة والضفة الغربية.لدى سؤالي وزير الزراعة عن قدرة غزة للاستغناء التام عن استيراد الفواكه من إسرائيل: قال الرجل: هذه خطتنا الإستراتيجية، لقد نجحنا حتى الآن على تشجيع إنتاج بعض أصناف البرقوق الأصفر، والأحمر، والمشمس، والخوخ، ولكنها لا تكفي، لأن هذه الأشجار بحاجة إلى عدة سنوات كي تغطي حاجة قطاع غزة، ولكن الشيء الرائع جداً، الذي يبشر بالمستقبل المستقل عن إسرائيل هو: أن سكان قطاع غزة والبالغ عدده 2 مليون إنسان، يأكلون البطيخ الذي ينتجه مزارعو قطاع غزة، لأن وزارة الزراعة الفلسطينية لا تسمح بدخول بطيخة واحدة من إسرائيل، ومع ذلك، فإن ثمن كيلو البطيخ في غزة أقل من شيكل، وللتذكير، فقد كان قطاع غزة قبل ذلك يستهلك ما قيمته عشرة مليون دولار بطيخ شهرياً.كان منظر سوافي رمل خان يونس يبهج الروح، وقد غطته مشاتل التفاح التي ترامت على مدى البصر، والثمر يغطي الشجر، منظر شهيٌ، ومذاق عطرٌ ظل على شفتي رئيس جمعية أساتذة الجامعات الدكتور حسام عدوان وهو يشيد في كلمته بدور وزارة الزراعة، وقدرتها على التحدي، والصمود رغم الحصار!. قلت في نفسي وأنا أستمع إلى الكلمة: هذه ليست بطولة من وزارة الزراعة، ولا من المهندسين، ولا من الموظفين، وإنما هي الحاجة التي أوجبت الاختراع، إنها الضائقة ـ التي تواجد فيها الناس طوال فترة الحصار ـ قد أملت على جميع الوزارات أن تبدع وسائل البقاء، وطرق المواجهة والمقاومة والانتصار.انتهت الجولة، ولكن السؤال الذي ما انتهى، وما زال ينتظر جواباً من رئيس الوزراء شخصياً: لماذا تضع وزارة الزراعة في قطاع غزة ذكراً واحداً من السمك عند كل ثلاث إناث؟ لماذا لا تضع الحكومة ذكراً لكل أربع إناث؟!.