الأدب الفارسي في العصر الإسلامي
أ.د. محمد علي آذرشب

٨ تموز (يوليو) ٢٠١١

1ـ عصر تبلور اللغة الفارسية الحديثة، من الفتح الإسلامي 21هـ حتى 250هـ . تبلورت اللغة الفارسية الحديثة بعد مرورها بمراحل تفاعل، استمرت أكثر من قرنين، ولم يصلنا كثير من الشعر عن هذا العصر، وما وصلنا لا يعدو أن يكون محاولات للإنشاد بالفارسية في قالب العروض العربي. من ذلك أبيات منسوبة إلى شاعر الدولة الطاهرية حنظلة البادغيسى وشعراء الدولة الصفارية من أمثال محمد بن وصيف، وفيروز المشرقي، وأبو سليك الجرجاني.
2- عصر التغزّل أو التجارب الناضجة الأولى (عصر الرودكي) الذي يقترن بظهور الدولة السامانية في ماوراء النهر وخراسان. وفيه نرى تجارب شعرية متكاملة باللغة الدرية من شعراء كبار، أمثال أبو الحسن الشهيد البلخي، وأبي عبد الله جعفر بن محمد الرودكي، وأبو الحسن الكسائي.
3- عصر الملحمة القومية (عصر الفردوسي) (350-450هـ)
وهو العصر الذي يبدأ باعتلاء الدولة السامانية، وفيه تطوّر الشعر كما تطوّر النثر، وبدأت الحركة الأدبية في هذا العصر حين أمر حاكم طوس أبو منصور محمد بن عبدالرزاق سنة 346هـ بجمع ما يرتبط بتاريخ إيران من روايات وقصص وتدوينها في مجموعة واحدة بالفارسية سميت الشاهنامه، وهو أول مدوّن نثرى بالفارسية الحديثة. ولم يلبث الشاعر أبو منصور الدقيقي الطوسي أن بدأ بنظم هذه الشاهنامة، وبعد مقتله تولى المهمة الشاعر أبو القاسم الفردوسي فأتمّ نظمها خلال ثلاثين عاماً. وما وصلنا من نثر فارسي عن هذا العصر إضافة إلى الشاهنامة المنثورة، ترجمة تفسير الطبري، وتاريخ البلعمي لأبي على البلعمي وزير منصور بن نوح الساماني. وكتاب الأبنية عن حقائق الأدوية لأبي منصور موفق الهروي، وهداية المتعلمين في الطب لأبي بكر البخاري، وحدود العالم من المشرق إلى المغرب لمؤلف مجهول.
4- عصر شيوع المدح والسرد التاريخي (عصر العنصري)
وفيه انتقلت حاضرة الأدب الفارسي من بخارا (عاصمة السامانيين) إلى غزنة في عصر محمود الغزنوي، وفي هذا العصر توجهت همم الشعراء إلى استدرار صلات السلاطين الغزنويين، وكثر شعر المديح وتسجيل وقائع الانتصارا من أكبر شعراء هذا العصر الفرّخي السيستاني شاعر السلطان محمود الغزنوي، وأبو القاسم حسن بن أحمد العنصري، لقب بملك الشعراء، وكان من المقربين في بلاط الغزنويين، وإضافة إلى ديوان أشعاره نظم قصة وامق والعذراء من مصادر يونانية. وكذلك الشاعر احمد بن قوص المنوجهري الدامغاني. ولقب نفسه بالمنوجهري نسبة إلى ممدوحة منوجهر بن قابوس الزياري، كان هذا الشاعر عالماً بالعربية والطب والنجوم والموسيقى. وهو أول من أنشد في الشعر الفارسي على وزن» المسمط «ويعتبر محمدبن عبدالملك المعزّى النيسابوري من كبار شعراء المديح في بلاط الغزنويين، ولقبه المعزّى يعود إلى ممدوحة السلطان معزّ الدين السلجوقي.
5- عصر الشعر العقائدي (عصر ناصر خسرو)
وهو عصر اعتلاء الثقافة في القرنين الرابع والخامس الهجريين. وفيه راجت الأفكار والعقائد، وتعدّدت النحل، واتسعت المدارس وانتشرت المكتبات، وراج العرفان والتصوف. ومن الشعراء العرفاء في هذا العصر بابا طاهر عريان، وله رباعيات باللهجة المحلية اللرية، كما له كلمات قصار بالعربية. وعملاق هذا العصر بدون منازع ناصر خسرو القبادياني، عاصر الحكم السلجوقي، وأخذ العلم والمعرفة من حكماء خراسان، وثار على الأوضاع القائمة، وسافر إلى مصر وأخذ المذهب الاسماعيلي وأصبح من دعاته في خراسان. أودع ثورته العاطفية في ديوان شعره كما دوّن أفكاره وعقائده فيكتب هامة مدونة بالفارسية مثل: خوان الأخوان، وزاد المسافرين، وجامع الحكمتين، وكتب رحلاته في السفرنامه.
6- عصر البلاغة الفارسية المرسلة، أو عصر (البيهقي)
وهو عصر اتساع التآليف باللغة الفارسية في شتى مجالات المعرفة وفنون الأدب. وتنوعت مهام النثر الفارسي بين الكتابات العلمية مثل كتاب دانشنامه علايي أو حكمت علايي الذي ألفه أبو علي ابن سينا (ت428هـ) لعلاء الدولة كاكويه من أمراء الديلم. والتفهيم لأوضاع صناعة التنجيم لأبي ريحان البيروني (ت440هـ). وألفه بالفارسية، ثم كتبه ثانية بالعربية. والنثر الأخلاقي والاجتماعي مثل كتاب قابوس نامه لعنصر المعالي كيكاووس بن اسكندر بن قابوس وشمكير من إمراء الدولة الزيارية، وكتاب سياستنامه للخواجه نظام الملك وزير السلاجقة (ت 485هـ).
ونرى في هذا العصر نثراً تاريخياً مدوناً بلغة أدبية، وتاريخ بيهق لأبي الفضل البيهقي يمثل افضل أسفار هذا العصر من حيث القدرة الأدبية والدقة في عرض التفاصيل. وفي هذا العصر نرى نثراً فارسياً في تفسير القرآن الكريم، وأوسع منه النثر العرفاني (الصوفي)، من ذلك كتاب كشف المحجوب في التصوف لأبي الحسن الهجويري (ت 465هـ). ومن أدباء العرفان في هذا العصر الخواجه عبدالله الأنصاري، من أحفاد الصحابي أبي أيوب الأنصاري، له شعر ورسائل، وكتاب: طبقات الصوفية، وهو تقريرات وإضافات حول كتاب بهذا الإسم لأبي عبدالرحمن السلمي النيسابوري (ت 412هـ). ونثره يمتاز بتناسب الجمل والسجع.
7- عودة اعتلاء المدح (عصر الأنوري)
وهو العصر الثاني من حكومة السلاجقة ويستغرق النصف الأول من القرن السادس الهجري، وينتهي بهجوم الغزّ وسقوط السلطان سنجر (548هـ). أمير الشعر في هذا العصر أوحد الدين على بن محمد الأنوري، واعتبره بعضهم ثالث ثلاثة من «أنبياء الشعر» الفارسي وهم: الأنوري والفردوسي وسعدي، والمدح يحتل القسم الأعظم من شعره، وله أيضاً قصائد في وصف الطبيعة. ومن شعراء هذا العصر مسعود بن سعد سلمان (ت 515هـ) الشاعر اللاهوري الذي هاجرت أسرته من همدان إلى شبه القارة الهندية. ويشتهر بالحبسيّات، أي الأشعار التي قالها في الحبس (السجن).
8- عصر الكمال الفنّي للنثر الفارسي (عصر أبي المعالي)
ونقصد به الفترة بين منتصف القرن السادس إلى منتصف القرن الثامن الهجري. وفيه بلغ النثر الفاسي ذروته في جميع الموضوعات. وفي النثر العرفاني تطالعنا رسائل عين القضاة الهمداني ورسائل شهاب الدين يحيى السهروردي (ت587هـ) وللسهروردي أ]ضا مؤلفات بالعربية أشهرها حكمة الإشراق. وفي فن القصة ثمة آثار مهمة بقيت من هذا العصر أشهرها سمك عيار وفيه قصص العيّارين (الشطار) لصدقة بن أپي القاسم، والسندبادنامه للحكيم الهندي السندباد. وهو مترجم مثل كليلة ودمنة من الهندية، وأعاد كتابته بنثر فارسي جيد في القرن السادس ظهيري السمرقندي. ومن الآثار المنثورة لهذا العصر كتب التفسير بالفارسية وأشهرها كشف الأسرار وعدة الأبرار لأبي الفضل رشيد الدين الميبدي، وهو شرح لتفسير الخواجه عبدالله الأنصاري. وتفسير روض الجنان وروح الجنان للشيخ حسين بن علي الخزاعي النيسابوري المعروف بأبي الفتوح الرازي. وفي علوم اللغة ألفت كتب بلاغية شاكلت كتب البلاغة العربية مثل كتاب: ترجمان البلاغة لمحمد بن عمر الرادوياني وكتاب حدائق السحر في دقائق الشعر لرشيد الدين الوطواط شاعر لمحمد بن عمر الرادوياني وكتاب حدائق السحر في دقائق الشعر لرشيد الدين الوطواط شاعر القرن السادس المعروف. وكتاب المعجم في معايير أشعار العجم، لشمس قيس الرازي، في العروض والقافية ونقد الشعر. وأشهر كتب التاريخ بالفارسية في هذا العصر تاريخ بيهق لأبي الحسن على بن زيد البيهقي المعروف بابن فندق. وراحة الصدور لنجم الدين الراوندي.
من كتب النثر الأدبي في هذا العصر كتاب كليلة ودمنة وهو مترجم من الهندية إلى الفارسية في عصر كسرى أنو شيروان ، ثم ترجمة ابن المقفع إلى العربية، ونقله إلى الفارسية الحديثة أبو المعالي نصر الله كاتب بهرامشاه الغزنوي. وكتاب چهار مقاله = أربع مقالات، في بيان طبقات الندماء، ألفه النظامي العروضي السمرقندي في حدود 551هـ. وكتاب مرزبان نامه لمرزبان بن رستم، مؤلف على طرقة كليلة ودمنة. وبلغ النثر الفارسي ذروته في هذا العصر على يد سعدي الشيرازي (سيأتي ذكره) في كتاب گلستان = روضة الورد.
9- عصر عمالقة العرفان (عصر المولوي)
وهو العصر الذي أصبحت فيه إيران ساحة لأنواع الغزاة وساد الفساد الاجتماعي والسياسي بل والفكري، فظهر الشعراء الذين ترفعوا عن الخوض في المستنقع، وحلقوا بأرواحهم إلى الفضاء الرحب، وأطلقوا أصواتهم ينادون بتحرر الإنسان من عوامل الانحطاط الداخلية والخارجية. إنه عصر مولانا جلال الدين الرومي. وفيه ظهر كبار الشعراء مثل الحكيم عمر الخيام النيسابوري صاحب الرباعيات المعروفة المترجمة والمغناة. كما ظهر في هذا العصر أبو المجد، مجدود بن آدم السنائي، الشاعر والعارف العظيم، توفى سنة 532هـ في مسقط رأسه غزنين بأفغانستان حالياً. وآثار سنائي الباقية كثيرة أشهرها: حديقة الحقيقة، وسير العباد إلى المعاد، وطريق التحقيق وكلها في الشعر العرفاني علىطريقة المثنوي (الشعر المزدوج). ومن أمراء الشعر في هذا العصر أفضل الدين بديل الخاقاني، توفي في تبريز سنة 595هـ، وقبره مزار في هذه المدينة. وله إضافة إلى شعره نثر فارسي رائع تحت عنوان: منشآت. وأهم ما يتميز به شعره الدقة في بيان العواطف الإنسانية في الغضب والسخط والسأم. ورائد الشعر القصصي في هذا العصر جمال الدين، أبو محمد، الياس بن يوسف، المعروف بالنظامي الگنجوي، ولإن بدأت القصة المنظومة في الفارسية في القرن الخامس الهجري على يد أسعد الجرجاني بنظمه ويس ورامين ، فقد بلغت ذروتها على يد النظامي الگنجوي في آثاره المعروفة وأشهرها پنج گنج = الكنوز الخمسة، وهي خمسة منظومات شهيره: 1- مخزن الأسرار في الزهد والحكمة والعرفان. 2- خسرو وشيرين، عشق أسطوري. 3- ليلى ومجنون، وهي مقتبسة من قصة قيس وليلى العربية، مع إضفاء طابع الحياة الفارسية عليها. 4- هفت پيكر = الأجساد السبعة، وتسمى هفت گنبد = القباب السبع. 5- اسكندرنامه، في قصة الاسكندر وفتوحاته. توفي نظامي الگنجوي سنة 608هـ . في مدينة گنجه. ومن عمالقة هذا العصر فريد الدين العطار النيسابوري ، ولد سنة 540هـ في كدكن من قرى نيسابور، اشتهر بكتاب: منطق الطير، وهو ملحمة عرفانية، وفيه يتحدث عن ثلاثين طيراً (سي مرغ) يرمزون إلى الباحثين عن الله، فيجتازون المراحل السبع للسلوك وهي: الطلب، والعشق، والمعرفة، والاستغناء، والتوحيد، والحيرة، والفقر، والغناء، ثم يجدون الحقيقة في ذواتهم. وله أيضا: الهي نامه، ومصيبت نامه، وتذكره الأولياء. والأخير في تراجم الصوفية. وربّ العشق والعرفان في هذا العصر جلال الدين محمد البلخي المعروف بالمولوي، ولد في بلخ بحدود 604هـ . وله في الشعر كتاب مثنوي معنوي وغزليات شمس. وفي النثر: فيه مافيه، والمجالس السبعة، ومكاتيب. وقد بلغ شأوا في المثنوي والغزل لم يبلغه أي شاعر في الفارسية. ولجلال الدين منظومة فكرية قائمة على أساس القرآن والسنة وسبر أغوار النفس الإنسانية، ولغته لغة العاشق الملتهب الذي لا يقرّ له قرار.
10- عصر الذروة والاعتدال (عصر سعدي)
وهو عصر سقوط بغداد، وسيطرة المغول، وهو أيضاً عصر انتشار الأدب الفارسي واللغة الفاسية في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية. كما أنه عصر الاقبال على أدب الحكمة والتأمل لما اعترت العصر من هزّات سياسية واجتماعية عنيفة. ويقف الشاعر سعدي الشيرازي (ت 690هـ) على قمة عالية في هذا العصر، بل إنه اعتلى أرفع قمم الأدب الفارسي.ولد في شيؤراز ورحل إلى بغداد ومنها إلى بلاد الشام ثم عاد في أواخر حياته إلى مسقط رأسه حيث توفي هناك، وقبره مزار معروف شعره يطفح بحب البشرية وبالعواطف الإنسانية وبالحكم وأشهر آثاره:
1ـ بوستان أو سعدى نامه، وهو من أروع دواوين الشعر الفارسي.
2- گلستان، وفيه يبلغ الذروة في النثر الفارسي.. إضافة إلى قصائد عربية وفارسية مجموعة في كتاب كليّات سعدي
. 11- عصر التقليد والثورة على التقليد (عصر حافظ الشيرازي) وفي هذا العصر ظهرت بجلاء آثار الغزو المغولي متمثلة في إحباط المعنويات وفساد الذوق وضعف الهمة في الإبداع والاتجاه إلى التقليد، ثم أعقب ذلك هجوم تيمورلنك (ت 807هـ)، والنزاع بين أبنائه وأحفاده على الحكم والسيطرة. ولكنّ الروح الحضارية الإسلامية وسط هذا الخضم المتلاطم كانت تبحث عن مرتع هادئ لفاعليتها، ووجدت ذلك في عهد السلطان شاه رخ ميرزا من أبناء تيمور في المناطق الشرقية من إيران، حيث أصبحت هراة مثابة العلماء والأدباء في عصره، وهكذا في عهد ابنه بايسنقر ميرزا، وفي ظل هذا الهدوء النسبي استعادت كثير من الحواضر الأدبية نشاطها في الأدب والفن وبقيت شيراز عاصمة الأدب الفارسي. من أدباء هذا العصر فخر الدين العراقي (ت 688هـ)، سمى بالعراقي بسبب إقامته في عراق العجم. طاف ديار الهند وآسيا الصغرى وتعرّف على أفكار ابن عربي ومولانا جلال الدين الرومي، وتوفى في دمشق. ومن أهم آثاره: الديوان، وعشّاق نامه، وكلاهما في الشعر، وله في النثر كتاب اللمعات موضوعه العرفان وسلوك العارفين، وعليه شروح كثيرة أهمها شرح الجامى باسم: أشعة اللمعات. ومن شعراء هذا العصر الخواجوي الكرماني (ت 750هـ)، محمود بن علي، من أشراف كرمان، كانت تربطه علاقة وثيقة بحافظ الشيرازي، له ديوان شعر، ومثنوي، وآثار منثورة. وأيضاً الشاعر ابن يمين، ولد في خراسان وعاصر «السربدارية»، وموضوع شعره المدح ومناقب أهل البيت، ولقصائده قيمة أدبية ممتازة. وأيضاً سيف الدين الفرغاني، ولد في فرغانه، وله مطارحات شعرية مع سعدي الشيرازي، ويرثى أهل البيت ويدعو إلى ترفع الشعراء عن الوقوف على أبواب السلاطين. وأيضاً، الشاعر الساخر عبيد الزاكاني (ت 772هـ)، من بنى خفاجة الساكنين في قزوين. اشتهر بنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية بلغة ساخرة لاذعة، ومنظومة موش و گربه = الفأر والقط، حكاية تمثيلية تصور الوضع الاجتماعي في عصره، ومن آثاره الساخرة المعروفة: أخلاق الأشراف، صد پند = مائة موعظة، رساله دلگشا = رسالة الإنشراح، رساله تعريفات. وعملاق الشعر في هذا العصر بل في كل ساحة الأدب الفارسي الخواجة شمس الدين محمد الشيرازي المقلب بـ«حافظ» و«لسان الغيب» (ت 792هـ). ثار على الوضع الاجتماعي والأدبي في عصره فقدم للأدب الفارسي عالماً جديداً في الشكل والمضمون. قدم العرفان في لغة العشق ضمن مزيج لم يسبق له شاعر أو عارف، استلهم أفكاره من القرآن وعلوم الكلام والفلسفة والعرفان، وله شعر بالعربية وملمّعات. ومن أمراء الشعر في هذا العصر عبدالرحمن الجامي (ت 898هـ)، الشاعر العارف الصوفي الكبير كانت له إقامة في حلب ودمشق وتوفى في هراة. من آثاره: ديوانه وأهم من ديوانه مزدوجاته (مثنوياته) السبع، المعروفة باسم هثت / ورنگ = القباب السبع. وهي على الترتيب: سلسلة الذهب في العرفان، وسلامان وأبسال في الأدب التمثيلي الوعظى، وتحفة الأحرار في النصيحة والحكمة، وسبحة الأبرار في مراحل السلوك وتربية النفس، ويوسف وزليخا منظوةو في قصة يوسف مع امرأة العزيز، وليلى ومجنون مستلهمة من الأدب العربي، وخردنامه اسكندري = رسالة العقل الاسكندرية، في حكم اليونانيين. وآثاره المنثورة أهمها: بهارستان في الحكايات تقليدا لـ گلستان سعدي. ونفحات الانس تراجم العرفاء والصوفية حتى زمانه.
12- عصر المدونات التاريخية (عصر الخواجه رشيد الدين)
كان ثمة أكثر من دافع في عصر المغول والتيموريين ثم في عهد الصفويين لكتابة التاريخ، وتدوين الأحداث التي مرّت على إيران في تلك العهود، والمدونات التاريخية هذه تعتبر من أهم أدبيات التاريخ في الفارسية. وأشهرها: تاريخ جهانگشا، لعلاء الدين عطا ملك الجويني (ت 681هـ)، في شرح ظهور جنگيزخان وتاريخ الخوارزمشاهية وفتح قلاع الاسماعيلية وحكومة خلفاء حسن الصباح. وجامع التواريخ، للخواجه رشيد الدين فضل الله الهمداني (ت 718هـ) فيه تصوير دقيق للأوضاع الاجتماعية في عصر المغول. وتجارب السلف لهندوشاه النخجواني (انتهى من تأليفه سنة 724هـ) في ذكر تاريخ الخلفاء حتى سقوط بغداد. وتاريخ گزيده = التاريخ المنتخب، لحمد الله المستوفي (ت بعد 740هـ) في التاريخ العام والإسلام حتى عصر المؤلف. وروضة الصفا لمحمد بن براهان الدين البلخي المعروف بـ ميرخواند، في تاريخ إيران والإسلام. وحبيب السير لغياث الدين محمد الشيرازي سبط مؤلف روضة الصفا، وغياث الدين هذا معروف بلقب خواندمير (ت 942هـ) في التاريخ العام. وعالم آراي عباسي لاسكندر بيك من كتاب بلاط الشاه عباس الصفوي (انتهى تأليفه سنة 1308هـ).
13- عصر المضامين الشعبية (عصر صائب) على عهد الدولة الصفوية
وفيه انقسم الأدب الفارسي إلى هندي وإيراني. فالسلاطين البابريين في هذا العصر شجعوا الأدب الفارسي، وظهر في شبه القارة الهندية شعراء وأدباء، وبقيت اللغة الفارسية في الهند حتى عصر الاستعمار البريطاني، وباستمرار الاحتلال ضعفت اللغة الفارسية بالتدريج وتركت مكانها للهجات المحلية واللغة الأردية واللغة الانجليزية. والشعر في هذا الصعر أقرب إلى لغة عامة الناس ويسوده التقليد، وأهم شعرائه: شمس الدين محمد البافقي، المعروف باسم وحشي بافقي (ت 991هـ)، ولد في بافق من أعمال كرمان وعاش في يزد وتوفي فيها، اشتهر بالغزل الذي يعكس تجربة حقيقة للشاعر. وكمال الدين محتشم الكاشاني، برع في رثا الحسين وشهداء كربلاء، وله مجموعة غزل باسم جلالية. والميرزا أبو طالب كليم الهمداني (ت 1061هـ)، رحل إلى الهند في عهد جهانشاه، وأصبح شاعر بلاط شاه جهان. نظم فتوحات شاه جهان على طريقة المثنوي. وأمير شعراء هذا العصر بلا منازع محمد على صائب التبريزي، ولد سنة 1016هـ في إصفهان على عهد سلطنة الشاه عباس الكبير والده كان قد انتقل من تبريز إلى اصفهان عاصمة الصفويين، ورحل إلى الهند ثم عاد إلى بلده، وكان شاعر الشاه عباس الثاني، وتوفي سنة 1986هـ. وصائب شاعر مكثر يروي أن ديوانه كان يزيد على مائتي ألف بيت، وما وصلنا نصف هذا العدد، وغزله عرفاني ينحو منحى الحكمة. وفي شعره شيء من الغموض في المعنى والتعبير.
14- الاتجاه نحو السلاسة في النثر (عصر قائم مقام)
منذ أواخر الدولة الصفوية بدأ الارتباط بين إيران والغرب واستمر في العهد الافشاري، وزاد التحسّس بتخلف الأوضاع القائم في إيران، وانبرى الكتاب والمثقفون لنقد هذه الأوضاع، بلغة يفهمها القراء دونما تعقيد أو ترصيع. لقد بلغ سعدي في گلستان الذروة في النثر الفنى السلس، لكن الصنعة غلبت في العصور التالية، وأصبح التعقيد صفة غالبة على النثر حتى حدث التحول على يد ميرزا أبو القاسم الفراهاني الذي حمل لقب «قائم مقام» تولى الوزارة أمدا، ودخل في إبرام المعاهدات بين إيران وروسيا، واستطاع بذوقه الرفيع أن يدفع بالنثر إلى السلاسة وصراحة البيان والايجاز والنضج، نرى ذلك في كتابه المسمى منشآت ومن الكتب التي ظهرت في هذا العصر بهذا النثر الجديد: كتاب: حاجي بابا اصفهاني للكاتب الفرنسي الأصل البريطاني الجنسية جيمس موريه، عمل في السفارة البريطانية بطهران، ونشر كتابه سنة 1239هـ (1823م) بلندن منتقدا الأوضاع الاجتماعية لإيران في العصر القاجاري، وترجم بلغة سلسلة جعلته متداولاً بين القراء. وكتاب: مسالك المحسنين، يدور حول قصة خيالية لمجموعة يحاولون صعود قمة دماوند (أعلى قمة جبلية في إيران). مؤلفه كاتب من جماعة المثقفين المتغربين هو عبدالرحيم التبريزي المعروف باسم طالبون (ت1329هـ). وكتاب: سياحتنامه ابراهيم بيك، للحاج زين العابدين المراغه اي (ت 1328هـ).
نادر شاه الافشاري (1148- 1160هـ) استطاع أن يعمل يعمل على استتباب الأمن والاستقرار في إيران بعد هرج ومرج مرت به البلاد منذ أواخر العصر الصفوي، وفي ظل هذا الاستقرار نشطت الحركة الأدبية، وتأسست جمعيات الأدباء، ومن تلك الجمعيات انجمن مشتاق = جمعية مشتاق، أسسها مجموعة من الأدباء الأصفهانيين على رأسهم مشتاق الأصفهاني بقصد الدعوة إلى تطوير الشعر الفارسي الذي ظلّ منذ عصر «صائب» يدور حول محور الغزل والحبيب والهجر والفراق، ودفع الشعر إلى عصر حافظ ومولانا إذا كان يعبّر عن تجربة شعورية أصيلة دون تكرار وتقليد. وقد ظهر على أثر هذه الدعوة تطور في الشعر، لكنه تطور محدود بسبب ضعف حركة التطور في المجتمع بشكل عام. ويلاحظ أن شعراء هذا العصر انفتحوا على الشعر العربي القديم أيضاً، في محاولة للعودة إلى عمالقة الشعر، ولأكثرهم شعر باللغة العربية أيضاً، ومنهم: الميرزا نصير (ت 1191هـ)، الشاعر والطبيب والفلكي والرياضي الذي أطلق عليه لقب «الفيلسوف الأعظم» و«الخواجه نصير الدين الثاني». له مؤلفات في شتى العلوم، وله شعر في العربية والفارسية. ولطف على بيك آذربيكدلي (ت 1195هـ) حاول أن يحتذى حذو سعدي وحافظ في شعره، وجمع مقتطفات لثمانمائة وخمسين شاعراً فارسياً في كتاب تذكرة آتشكده. وبلغت عملية تطوير الشعر ذروتها على يد سيد أحمد هاتف الإصفهاني (ت 1198هـ). وشعره على طريقة القدماء الكبار. وديوانه أصبح موضع اهتمام الأدباء والمتأدبين، وله شعر بالعربية ذو نكهة جميلة. ومن شعراء هذه الفترة ميرزا عباس فروغي البسطامي (ت 1274هـ) واتخذ من سعدي وحافظ مثالاً لشعره، واشتهر شعره بين العرفاء والصوفية.
16- عصر النهضة الأدبية (عصر صبا)
وهو عصر الإرهاصات السياسية والاجتماعية والأدبية للحركات الاجتماعية المطالبة بالإصلاحات. وفيه ظهرت تيارات فكرية متعددة تقدم مشاريع الإصلاح وتدعو لمقاومة الأوضاع القائمة. وفي هذا الجوّ الفكري والثقافي الساخن راج الشعر وازداد عدد الشعراء، وانضمت طهران إلى اصفهان وشيراز لتكون من الحواضر الأدبية، بعد أن أصبحت عاصمة، ومن شعراء هذه الفترة: فتح على صبا الكاشاني (ت 1238هـ) يعتبر حلقة اتصال بين عصر هاتف وهذا العصر، يمتاز شعره بالمتانة وقوة الألفاظ، له ديوان شعر ضم ما يقارب من 16500 بيت وله في الشعر الديني: خداوندنامه ، وفي المدح والحكمة: عبرت نامه،وله شعر يقلد فيه شعر سعدي بعنوان: گلشن صبا والفردوسي بعنوان: شهنشاه نامه. ومن شعراء هذا العصر: سيد حسين الاصفهاني، قلد كبار الشعراء القدامى. وديوانه مطبوع. والميرزا عبد الوهاب نشاط الأصفهاني، ومجموعته الشعرية مطبوعة تحت عنوان: گنجينه نشاط. ويعتبر الشاعر ميرزا شفيع الشيرازي الملقب بـ «وصال» (ت 1162هـ) من كبار شعراء عصر فتح على شاه، له ديوان شعر في الغزل والمدح والرثاء، وله مثنوي بزم وصال على طريقة بوستان سعدي. وأكمل بمهارة مثنوي فرهاد وشيرين الذي لم يكمله وحشى البافقي. ومنهم أيضاً يغمائي الجندقي (ت 1276هـ) وله هجاء لاذع للأوضاع الاجتماعية، ويستعمل أحياناً الألفاظ المبتذلة للامعان في هجائه. ومنهم أيضاً، ميرزا حبيب قا آني (ت 1270هـ) من كبار شعراء شيراز في هذه الفترة، كان على معرفة باللغة الانجليزية والفرنسية، ولم يكن لذلك تأثير على شعره. وتتبع طريقة القدماء كالأنوري والمعزّي والخاقاني. ومنهم أيضاً الميرزا محمد علي سروش الاصفهاني (ت 1285هـ) لقب بشمس الشعراء في بلاط ناصر الدين شاه القاجاري. ديوانه يضم قصائد في المدح والرثاء.
17- عصر اليقظة أو عصر حركة المشروطة (الحركة الدستورية)
وهي الحركة التي طالبت بالدستور وأدت إلى إقراره سنة 1324هـ بعدأن وقع عليه مظفر الدين شاه القاجاري، وحدثت بعد هذه تطورات سياسية أثارت المشاعر الوطنية، كما اشتدت حركة المطالبة بالإصلاح وفق معايير إنسانية إسلامية تارة، ووفق معايير غربية تارة أخرى، كما ظهرت التيارات اليسارية المدافعة عن الكادحين والمحرومين، وتأثر الأدب بكل هذه التيارات واتسع نطاق الشعر الوطني وشعر المقاومة، وأصبح الأسلوب أقرب إلى فهم المواطنين والتأثير على عواطفهم.
من أشهر شعراء هذه الفترة
أديب الممالك الفراهاني (ت 1376هـ)، شاعر وصحفي، ديوانه يصوّر الحوادث والمشاكل السياسية والاجتماعي في عصره، ولمعرفته الواسعة بالأدب تكثر في شعره الأمثال والعبارات العربية. محمد تقي بهار (ت 1371هـ)، شاعر خاض ميدان الصحافة والعمل السياسي، وكتب في الأدب وتاريخ الأحزاب سياسي. 2- تاريخ تطوّر نثر فارسي. 3- تاريخ تطوّر نظم فارسي. 4- تصحيح تاريخ بلعمي، تاريخ سيستان ، ومجمل التواريخ والقصص، وكلها مطبوعة. وشعره رصين مطبوع على طريقة القدماء.
ومنهم العلامة على أكبر دخدا (ت 1375هـ)، درس العلوم القديمة والحديثة، وخاض أيضاً غمار العمل الصحفي، وناصر الدكتور مصدق في حركته، له ديوان أشعار في الأغراض السياسية والاجتماعية، وله أكبر موسوعة في اللغة الفارسية باسم لغت نامه، ومن مؤلفاته أيضاً: أمثال وحكم، وچرند وپرند = الخزعبلات، مجموعة مقالات ساخرة.
ومنهم سيد أشرف الدين الحسيني الجيلاني (ت 1354هـ)، شاعر الشعب الذي تحدث عن آلام الناس وبؤسهم وفقرهم وآمالهم. أشعاره البالغة أكثر من 000/20 بيت، طبعت تحت عنوان نسيم شمال.
وعارف القزويني، أبو القاسم (ت 1393هـ) انخرط في زمرة ثوار الحركة الدستورية وتغنى بالثورة والثوار، شعره مفعم بالحرارة والألم، ويغلب عليه الطابع الغنائي لمعرفته بالموسيقي والغناء.
وميرزاده عشقي، سيد محد رضا (ت 1344هـ) خاض الصراع السياسي ومارس المجال الصحفي، شعره يدور حول التمييز الطبقي والكادحين وانتشار الجهل والخرافة في المجتمع.
وفرّخي يزدي، محمد (ت 1359هـ)، انتمى إلى الديمقراطيين اليساريين وانتقد الأوضاع بشدة، مما دفع بحاكم يزد أن يلقيه في السجن بعد أن خيط شفتيه مع بعضهما. وسجن مرات وقتل في سجنه، له مقالات سياسية ثائرة وله ديوان شعر طبع مرات. ومنهم اللاهوتي، أبو القاسم (ت 1377هـ) قضى أكثر حياته في المنفى، ومات في موسكو، ساهم في الحركة السياسية اليسارية، وقضى ردحاً من حياته في طاجيكستان معلماً وعضواً في الحزب الشيوعي ورئيساً لأكاديمية العلوم.
بدأ هذا العصر مع الحركة الدستورية. فبعد الحرب العالمية الأولى، وسقوط الحكم القاجاري. عصفت بالمجتمع تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كان لابدّ للغة الأدبية أن تواكبها، واشتد الصراع بين القديم والجديد على أعمدة الصحف، وظهرت حالات انفعالية في الهجوم على القديم ورفضه، كما برز التيار المتمسك بالقديم، وبرز إلى جانب هؤلاء وأولئك من يحاولون تطوير القديم ليواكب متطلبات العصر. يعتبر تقي رفعت، وجعفر خامنئي، والسيد شمس كسمائي من روادا لتجديد، لكنهم لم يبلغوا الشأو الذي بلغه على اسنفدياري الملقب بـ «نيما يوشيج» في تطوير الشعر الفارسي الحديث قالباً ومضموناً.
«نيما» اسم قبيلة قديمة في طبرستان (مسقط رأس الشاعر) و«يوشيج» أي المنسوب إلى قرية «يوش». ففي هذه القرية من أعمال مازندران ولد الشاعر، ثم رحل مع أسرته إلى طهران، وتعلم اللغة الفرنسية، وتفتق الشعر على لسانه في صباه، وأنشد على الطريقة العمودية القديمة، ولكنه كان يتطلع إلى تغيير، فبدأ بنشر قصائده على طريقة الشعر الحرّ، وأثارت ضجة بين المدافعين والمعارضين، وتقوم مدرسة نيما على أساس أن الشعر حياة، والشاعر يعبر عن عصارة تجربته الحياتية فيما ينشده، ولا يجوز للشاعر أن يقلد ويكرر مفاهيم الأقدمين، كما يجب أن تكون الأوزان والقوافي في خدمة بيان عواطف الشاعر، لا أن يكون الشاعر مقيداً في بيان عواطفه بالوزن والقافية.
غير أن شعراء هذا العصر لم يتخلوا بأجمعهم عن الشعر العمودي، بل ظهر شعراء كبار التزموا بالإنشاد العمودي منهم: پروين اعتصامي (ت 1361هـ)، درست اللغة العربية والفارسية على يد والدها، ثم انتقلت إلى طهران لدراسة اللغة الانجليزية، تدفق الشعر على لسانها وهي في الثامنة، توفيت وهي في الخامسة والثلاثين. اشتهرت بقصائد الحوار، أو أدب المناظرة. ويدور شعرها حول المسائل الاجتماعية والأخلاقية.
ومنهم محمد حسين شهريار (ت 1408هـ) من كبار الشعراء المعاصرين، يسود شعره التأمل العاطفي، والولاء لأهل البيت وله شعر بالتركية الأذربايجانية لغته الأم.
ومن عمالقة الشعر العمودي المعاصر سيد كريم أميري فيروزكوهي (ت 1404هـ) من أنصار شعر صائب، وكان ينظم على أسلوب الشعراء العظام، ويكثر في ديوانه الشكوى والتألم. ومنهم محد حسين رهي معيّري (ت 1388هـ) ويعتبر من كبار الغزليين المعاصرين، طبعت مجموعة أشعاره تحت عنوان سايه عمر = ظلال العمر.
ومنهم مهدي حميدي شيرازي (ت 1406هـ ) أسلوبه الشعري يميل إلى ناصر خسرو مع خلوّه من التعقيد اللفظي وحوشي الكلام، كان معارضاً بشدة للشعر الحر.
ومنهم مهرداد اوستا، واسمه الأصلي محمد رضا رحماني (ت 1411هـ)، درس في الجامعة، وتولي مسؤولية رئاسة شورى الشعر في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، له إضافة إلى أشعاره دراسات أدبية.

http://www.diwanalarab.com/spip.php?article29276