أسلوب التعجب في لغة العرب شعراً ونثراً ( 1 ) ..
((دراسة لغوية نحوية)) د/ عمارة محمد الميساوي أبو زيد
جامعة السابع من ابريل
كلية الآداب قسم اللغة العربية
الدرجة العلمية / محاضر


تمهيد
المتتبع للغة العرب شعراً ونثراً يجد أن الأساليب التي تدل فيها على التعجب كثيرة ومتنوعة ، بيد أن النحاة الأوائل لم يعتنوا بها شرحاً وتبويباً ، بل أودعوها بطون كتبهم ووجدت بين ثنايا السطور ،لأنها عندهم لا تدل على التعجب بالوضع ، وإنما بالقرينة الدالة عليها .
هذا مما جعل التعبير عن شتى العواطف والانفعالات يقبع تحت قوالب جامدة محصورة ضيقة ، في حين أن ما لم يعطَ حظه من الاهتمام ،
وهو الأساليب السمعية ، لهو أوفر في التعبير عن ذلك كله ، فطبيعة تركيبها توحى بالدهش والانفعال ، وهو ما يظهر فيها واضحاً وجلياً ،
من هنا أردت أن أقسم البحث على مبحثين :
المبحث الأول : التعجب السماعى.
وسأتكلم في هذا المبحث عن أشهر الأساليب السماعية الدالة على التعجب كأسماء الأفعال وأسلوب الاستفهام ،
وبعض الألفاظ السماعية الأخرى الواردة عن العرب شعراً ونثراً.

أما المبحث الثانى فهو : التعجب القياسى.
وسأتكلم فيه عن أشهر الصيغ القياسية الدالة على التعجب ، وهى صيغة : ما أفعله ، وأفعل به ، وما ورد من شواهد في لغة العرب شعراً ونثراً وآراء النحاة في ذلك.
ثم أعقب ذلك بخاتمة أذكر فيها أهم نتائج البحث.



المبحث الأول : التعجب السماعي
يقول ابن منظور في بيان معنى التعجب لغةً : "والتعجب : مما خفى سببه ولم يعلم ، وأعجبه الأمر : حمله على العجب به .... وعجّبه بالشئ تعجيباً : نبهه على التعجب منه وقصة عجب وشئ معجب : إذا كان حسناً جداً والتعجب : أن ترى الشئ يعجبك تظن أنك لم تر مثله".
وقد عرف ابن الحاجب التعجب بأنه :"انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه".(3)
لعل هذا ما دعا بعض الباحثين الغربيين إلى تعريف جملة التعجب بأنها :"لون من الصراخ نلقى بها داخل الخطاب لكى نعبر عن تحرك الروح".
والأساليب السماعية الدالة على التعجب منها :
ما ورد في لغة العرب شعراً والمتمثل في الشعر الجاهلى ،
ومنها : ما ورد نثراً والمتمثل في الأمثال والحكم ، وغير ذلك من منثور الكلام.
وقد وٌجدت في لغتنا العربية أساليب سماعية متنوعة تدل على معانٍ وبصيغٍ خاصة كأسماء الأفعال ،
وأسماء الاستفهام وغيرها ، إلا أن هذه الأساليب عدل بها عن أصول معانيها الوضعية لتدل على معنى آخر وهو التعجب ،
فاستخدمت في غير المعنى الوضعى لها ،
وهذا بيان لها كما يلى :
1-أسماء الأفعال : إن أهم ما يميز الأساليب في لغتنا العربية أن معانيها متداخلة ، وأن ألفاظها قد توظف لخدمة بعضها بعضاً ، وهذا من مظاهر الاتساع في اللغة ، وقد كان لأسماء الأفعال هذه الوظيفة ، حيث دلت بعض أسماء الأفعال على التعجب ،
ومن بينها :1-سرعان ووشكان : ذهب رضى الدين الاسترابادى إلى أن هذين الاسمين هما بمعنى : سرع ، ويدلان على التعجب ، حيث قال :"سرعان ووشكان بمعنى سرع وقرب مع تعجب ، أي ما أسرع وما أقرب"
وهو ما ذهب إليه الميدانى أيضاً (ت 518هـ)، حيث قال: "وشكان ذا إذابة وحقناً" ، أي ما أسرع ما أذيب هذا السمن وحقن".
وفى هذا يقول الشاعر لبيد بن ربيعة العامرى :لوشكان ما أعطيتنى القوم عنوة هى السنة الشنعاء والطعن يضأر
2-ومما جاء من أسماء الأفعال للتعجب "وي"حيث قال عنها الزمخشرى :"إنها صوت يقوله :
المتندم والمتعجب" وقد تعددت تفسيرات النحاة لـ (أي) الواردة في قوله تعالى :"ويكأنه لا يفلح الكافرون"
ولا بأس هنا أن نشير إلى بعض تلك التفسيرات : فقد ذكر الكسائى عدة تفسيرات لها ، فمرةً يرى أنها للتنبيه ،
وقد فسّر الآية الكريمة السابقة بقوله :"إن القوم نبهوا أو تنبهوا ، فقالوا :"وي" ، ومرة يذكر أن (وي) فيها معنى للتعجب".
وقد ذكر الأخفش أنه كان يذهب إلى أنها :"ويك" ، وهى مستعملة للتعجب ، والكاف في هذا الوجه حرف خطاب ، كالكاف في "رويدك".
ومن الذين ذكروا أنها للتعجب ابن الشجرى في أماليه وابن الناظم في شرحه والسيوطى في البهجة المرضية.
وكذلك ما ورد عن الإمام على كرم الله وجهه أنه قال : "ويلمه كيلا بغير ثمن لو أن له وعاء" فأصله –كما قال الزمخشرى في الفائق- وي لأمه
وهو تعجب يريد أنه يكيل العلوم وهو لا يأخذ ثمناً لذلك الكيل إلا أنه لا يصادق داعياً للعلم وحاملاً له بحق".
ومن أسماء الأفعال التى بمعنى أعجب "وا" و "واهاً" يقول ابن الناظم : ""وي" و"وا" و "واهاً" بمعنى أعجب" ، وهو ما ذكره من قبله ابن مالك ،
وكذلك ذكره من جاء بعدهما من النحاة كأبي حيان ، وابن هشام والسيوطى ، وقد ورد في تاج اللغة للجوهرى أن "واهاً" للتعجب أيضاً ،
قال الجوهرى : "إذا تعجبت من طيب شئ قلت : واهاً له أي ما أطيبه ، وقد ورد هذا الاسم الدال على التعجب في بيت أبى النجم العجلى :
واهاً لسلمى ثم واهاً واهاً هى المنى لو أنَّا نلناها
وقد ورد استعمالها في المثل للتعجب حيث ذكر الميدانى :أنه قيل لحبلى ما تشتهين؟ فقالت : التمر وواهاً ليه
وقد علّق عليه الميدانى قائلاً :"وواهاً ليه" أي أشتهيه ويعجبنى ، ويضرب لمن يشتهى ما يذكر ، وواهاً : كلمة تعجب ، تقول لما يعجبك : واهاً له".