ثقافة إلكترونية.. الخيال والإنترنت

يبدو أن ثمة علاقة كبيرة بين امتلاك الشعوب للخيال، ومدى امتلاكهم القدرة على التطلع للمستقبل. فكل منجزات العلوم الحديثة هي ناتج خيال أفراد تجاوزوا بأفكارهم حاجز الواقع الآني المحدود، واخترقوا الحواجز لكي يتخيلوا ما وراء الواقع، والنتيجة كانت دائما هي استحضار المستقبل، بكل ما يعنيه ذلك. وهناك تعريف مبسط للمخيلة يقول إنها «القدرة الفطرية في العقل البشري لخلق أفكار أو صور عن عوالم من أشخاص غير واقعية كليا أو جزئيا، وذلك بدءا من عناصر يستمدها العقل من إدراكاته الحسية للعالم الخارجي المشترك بين الناس».
أما شبكة الإنترنت، كابتكار ثوري في صناعة الاتصالات، فهي بالتأكيد نتيجة خيال واسع، بدأ مع اختراع الحاسب الآلي عبر التفكير في إيجاد وسائل اتصال افتراضية بدلا من الوسائل التقليدية، وصولا للتفكير في إيجاد مساحة افتراضية يمكن من خلالها تداول لانهائي للمعلومات بشكل عولمي.
لذلك فجزء كبير من محتوى شبكة المعلومات الدولية يتضمن، بالضرورة، العديد من المواقع التي تحتفي بالخيال، وبالتدليل على القدرات غير الاعتيادية للمخيلة البشرية، إذا تحررت، وأطلقت بكامل قدراتها بلا كوابح. فهناك مواقع مختصة بنشر نصوص تعتمد على الخيال وترتبط في الوقت نفسه بتنافس الفنون المصورة في ملاحقة الإبداع المتخيل.وهناك مواقع مختصة بقصص الخيال العلمي، في عشرات الصور والتنويعات، كما توجد على الشبكة عشرات المواقع المختصة بالاحتفاء بالقصص الخيالية، من مثل روايات توكين مؤلف «سيد الخواتم»، مرورا إلى قصص الأطفال بأنواعها المختلفة، وصولا للمواقع المختصة بفن القصص المصورة أو «الكوميكس».
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو على المحتوى العربي على الإنترنت يعكس تمتع الثقافة العربية المعاصرة، بالخيال. والإجابة بديهية بطبيعة الحال، وهو أن المحتوى العربي في هذا المضمار لا يمكن أن تقاس على أي نحو، أو تقارن بالمحتوى الغربي، عدديا، أو نوعيا.
بإمكان أي شخص أن يجري بحثا على كلمة خيال في محرك البحث جوجل أو غيره وسيجد آلاف النتائج لكنها في أغلبيتها العظمى مجرد وهم، أسماء لمنتديات تحمل اسم خيال، أو أسماء أغنيات، أو ما شابه. بينما البحث عن كلمة imagination في المقابل على محرك بحث «جوجل» فسوف تحيلنا إلى 38 مليون نتيجة يمكن أن تجد بينها في الصفحة الأولى وحدها عشر نتائج قيمة عن محتوى ويكيبيديا التعريفي مثلا بالمصطلح، ثم مئات المواقع التي تتناول الخيال العلمي، والمواقع العلمية، والمجلات المتخصصة في الخيال والعلوم، والسينما، وعلوم المستقبل، ومواقع للرسوم المصورة الخيالية، وأخرى للألعاب القائمة على الخيال، وغير ذلك آلاف الأفكار، وملايين المواقع.
والحقيقة أننا لا نحتاج إلى بحث الواقع الافتراضي للتأكد من غياب الخيال في الثقافة العربية، فالنماذج حولنا في كل اتجاه تؤكد غياب القدرة على الخيال بما لا يدع مجالا للشك. الإنتاج الأدبي العربي في أغلبيته ينحو للواقعية أكثر بكثير مما يتجه للخيال، أغلبه يعتمد على إعادة إنتاج سير ذاتية مطعمة بالتخييل، وفي هذا السياق يقول الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ النقد الأدبي: «لا يتمتع أدبنا المعاصر بخيال حر أو حقيقي، وإنما هو خيال مقيد أو محدود أو فقير، وسبق أن أعلنت رأيي هذا في حوار منشور لي منذ 10 أو 15 سنة وهوجمت وقتها هجومًا شديدًا بسبب هذا الرأي، واتهمت بأنني معادٍ للإبداع والخيال العربي، وهذا غير صحيح بالمرة..
ورأيي هذا راجع بالطبع لأسباب عديدة يطول شرحها، ولكن من أهمها الوقوع في أسر محاكاة النموذج الغربي، فمثلا تظهر الرواية الشيئية في فرنسا. فتظهر عندنا الرواية الشيئية. يظهر نموذج ميلان كونديرا.. نجد عندنا من يقلد ويحاكي ميلان كونديرا، تظهر الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية فتظهر الواقعية السحرية في أدبنا العربي.. وهكذا، وبناء على ما ذكرته أعلنت أن أدباءنا يعانون من نقص الخيال».
تقليد بلا أصالة
وقياسا على ما يقول د. عبدالحميد سنجد كذلك أن قصص الأطفال تعتمد في أغلبيتها على المترجَم، المنقول عن الغرب، أكثر بكثير من المؤلَّف، بالرغم من الطفرة الموجودة الآن في الكتابة للأطفال، كذلك سنجد أن الخيال السياسي لدى الأحزاب ضعيف، لا ينتج أي أفكار مبتكرة، فكل ما يروج له مجرد إعادة إنتاج لمقولات كانت تقال في سياقات سياسية وتاريخية لم تعد موجودة في الواقع الراهن.
الإعلام في أغلبيته مجرد تقليد، بلا روح، لبرامج غربية، وأحيانا قد لا تتناسب مع الثقافة العربية، والأمثلة عديدة في مجتمعنا. الدراما في أغلبيتها تنويعات على تيمات مكررة وتقليدية.
ولا شك أن هذه نتيجة بديهية لمجتمعات تعتمد مناهج التعليم في أغلبها على الحفظ والنقل بدلا من الخيال والتفكير وتربية العقل النقدي والابتكاري، كما أنها بديهية في مجتمعات خاضعة لسلطات الرقابة الدينية والأخلاقية بلا معايير واضحة، والتي تعتمد في أغلبيتها على معايير لم تعد تواكب العصر الذي أصبح الفضاء الافتراضي فيه نافذا على كل شيء بالصوت والصورة والكلمة المطبوعة، وما تؤدي إليه مثل تلك الذهنيات الرقابية من تعطيل القدرات الخاصة بالابتكار بسبب إشاعة مثل هذه المناخات الرقابية لحالة من الرقابة الذاتية التي قد يفرضها بعض المبدعين على ذواتهم أو تفرضها المطبوعات ووسائل الإعلام، وأيضا ما يؤدي بالكثير من القنوات الإعلامية للجوء للمضمون بثه بلا رقابة، مهما كان تافها أو عاديا أو منقولا.
والنتيجة النهائية لمثل هذا المناخ أن يتم تفريخ مجال الإبداع من الموهوبين الحقيقيين لمصلحة أنصاف المواهب ممن يبرعون في النقل والتقليد وإنتاج الرائج مهما كان مبتذلا، مما يؤدي لانحطاط المنتج الفني والثقافي بشكل عام. إن أي مجتمع يرغب في الوصول للمستقبل لن يتمكن من قطع خطوة واحدة إذا لم يكن قد استطاع تخيل هذه الخطوة مسبقا وخلقها من العدم لكي تصبح حقيقة واقعة، وبالتالي فأي مجتمع بلا خيال هو مجتمع بلا مستقبل، لم يستثن التاريخ من هذه الحقيقة أفرادا أو كجتمعات.
فيما يلي بعض نماذج من محتوى «الخيال» في الفضاء الافتراضي على الإنترنت.
سيولة الخيال:
ينشر هذا الموقع أعداد مجلة Liquid Imagination التي تختص بنشر كل ما يتعلق بالكتب الخيالية المصورة أو غير المصورة، إضافة إلى الشعر، والخيال العلمي، والحوارات مع المبدعين المتخصصين في هذا المجال. كما تنشر العديد من الصور والأعمال الفنية القائمة على الخيال في فن الجرافيك، والصور الرقمية، وغير ذلك من مجالات شبيهة. قصص تعتمد على إطلاق الخيال لذروته في اختلاق عوالم خيالية تماما، لكنها توسع من زاوية الرؤية لفهم الواقع، وصور تواكب هذه العوالم بإبداع وقدرات ابتكارية لا تقل موهبة وخيالا عن مستوى النصوص. ويمكن لمتصفح هذا الموقع أن يقضي وقتا ثمينا مع مادة ممتعة وجديدة، سواء على مستوى أفكار القصص والنصوص المنشورة أو على مستوى الرسوم المنشورة، إضافة إلى المادة التحليلية والنقدية والمختصة بالأفكار والابتكارات عبر الحوارات التي تجري مع المبدعين والكتاب والفنانين.

عنوان الموقع هو:
www.liquid-imagination.com
مجلة خيال:
هذه المجلة الأمريكية صدرت للمرة الأولى عام 1950 في الولايات المتحدة الأمريكية، كمجلة متخصصة في العلوم والخيال الروائي معا، وتعد امتدادا لمجلات الخيال العلمي التي ظهرت في الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي، لكنها حاولت اعتماد فكرة «الخيال» كأساس لمحتواها. ونشرها الناشر ويليام هاملينج، وقد حققت المجلة نجاحا كبيرا فاق نجاح مجلات الخيال العلمية التي كانت منتشرة في سوق الصحافة الأمريكية آنذاك، واستمرت على مدى 63 عددا. وتوقفت بسبب نشر الناشر لمجلة شقيقة بعنوان «Imaginative Tales»، وبالرغم من نجاحها فإن أغلب نقاد الخيال العلمي وصفوها بالضعف في مجال الخيال العلمي لاعتمادها على الخيال أكثر من الحقائق العلمية، لكنها مهدت الطريق للكثير من المجلات الشبيهة في وقت لاحق.

يمكن الاطلاع على محتويات وتاريخ المجلة في هذا الرابط:
www.en.wikipedia.org/wiki/Imagination_magazine
ملك الخيال الإنجليزي
بالرغم من أن مخطوط رواية «ملك الخواتم» للكاتب البريطاني قد صادف العديد من التعليقات السلبية من الناشرين، لكنه حقق نجاحا مدويا بعد نشرالثلاثية الروائية التي حملت الاسم نفسه، وفرت للكاتب ج. ر. توكين دخول اسمه بين قائمة أهم 50 كاتبا بريطانيا.

والكاتب جون رونالد رويل توكين (3 يناير 1892 - 2 سبتمبر 1973) فيلولوجي إنجليزي وكاتب روائي وأستاذ جامعي عرف بشكل خاص في سلسلته الملحمية المدعوة «سيد الخواتم» ورواية «الهوبيت» إضافة لأعمال أخرى. عمل أستاذا في جامعة أكسفورد لمادة اللغة الأنجلوساكسونية (1925 - 1945) ثم أستاذاً للغة الإنجليزية وآدابها (1945 إلى 1959). كان مقربا من كلايف لويس بمشاركتهما في مجموعة نقاش حول الأدب اللاشكلي عرفت باسم إنكلنغ (بالإنجليزية: Inklings‏) وقد منحت الملكة إليزابيث الثانية تولكين وسام الإمبراطورية البريطانية من رتبة قائد في 28 مارس 1972.
وقد كان مولعا بالقصص الخيالي في طفولته وبعد وفاة والده تولت الأم تعليمه وتشجيعه لدراسة اللغات والآداب، وقد تجلى ذلك لاحقا في أعماله.
وقد جمع بين العمل الأكاديمي أستاذا في جامعة أوكسفورد، وبين الكتابة الأدبية خصوصا للشباب.
وملك الخواتم، أو سيد الخواتم كما شاعت ترجمتها للعربية، رواية خيالية ملحمية بدأت كتتمة لكتابه السابق الهوبيت ثم تطورت إلى قصة أكبر بكثير، كُتبت على مراحل بين 1937 و1949، وكثير منها كُتب خلال الحرب العالمية الثانية. نُشرت في الأساس في ثلاث مجلدات في العامين 1954 و1955، وأعيد طبعها منذ ذلك الحين مرات كثيرة، كما تُرجمت إلى العديد من لغات العالم والآن تترجم إلى اللغة العربية، لتصبح واحدة من أكثر الأعمال الأدبية انتشاراً في القرن العشرين.
تقع أحداث سيد الخواتم في أرض يعتقد المؤلف أنها تقع في الأرض الحقيقية، سكنها البشر، وأُحِلّت في الخيال قبل بدء التاريخ، وبعد سقوط أطلنطس، ويسميها الأرض الوسطى. تحكي القصة عن شعوب مثل الهوبيت، البشر، الأقزام، السحرة، الأوروكاي، الغيلان وغيرها وتتمحور حول خاتم السلطة الذي صنعه سيد الظلام سورون بدءًا من تمهيد في شاير، تتقدم القصة عبر الأرض الوسطى متتبعة حملات حرب الخاتم، ومن ثم تتبع القصة الرئيسية ستة ملحقات تزود القارئ بخلفية لغوية وتاريخية مهمة حول الأحداث.
ومع أعمال توكين الآخرى، حُللت ثيمات سيد الخواتم وأصولها بشكل مكثف بالرغم من أن القصة نفسها هي بالكاد الحركة الأخيرة في سلسلة ميثولوجية أكبر، أو بناء أسطوري عمل عليه توكين لسنوات عديدة ابتداء من 1917. التأثيرات على أعماله السابقة، وسيد الخواتم تتضمن: اللسانيات، الميثولوجيا، والدين، وتحوي تجربته خلال الحرب العالمية الأولى. وسيد الخواتم أثرت بدورها على الأعمال الفانتازية الحديثة، وامتد تأثير أعمال توكين إلى درجة أن الاستخدام المتكرر لكلمات مثل: التوكينية، والنمط التوكيني أدخلها قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية.
أدت شعبية سيد الخواتم الهائلة والثابتة إلى عدد هائل من الإشارات في الثقافة الشعبية، ونشر عدد كبير من الكتب عن توكين وأعماله. ألهمت سيد الخواتم (ولا تزال تُلهِم) قصصاً قصيرة، ألعاب فيديو، أعمالاً فنية وموسيقية، وعددا هائلا من الأعمال المستمدة من عالم تولكين في وسائل الإعلام المختلفة، وإنتاجات سيد الخواتم على وجه التحديد كانت للإذاعة، والمسرح، والأفلام، وأدى إطلاق ثلاثية سيد الخواتم السينمائية إلى موجة اهتمام عارمة بسيد الخواتم وأعمال تولكين الأخرى. ويمكن الاطلاع على جميع التفاصيل الخاصة بحياة توكين وأعماله ومسيرته العملية والأدبية في هذا الموقع:
www.tolkiensociety.org
عصر الخيال
من فيديو مصور بتقنيات حديثة، إلى معرض صور رقمية، ومن قضايا تخص الشبكات الاجتماعية الافتراضية على الإنترنت إلى اختبارات تتم اليوم في المختبرات العلمية عن إمكان تحميل الدماغ الإنساني على أقراص ممغنطة، يتجول هذا الموقع الإليكتروني، الذي يركز في كل ما يتم اختياره به على الصناعات والتقنيات الجديدة التي تعتمد على خيال واسع لمنتجي تلك التقنيات، عبر نشر تقارير خبرية وتحليلية عن الموضوعات التي يتضمنها مصحوبة بصور معبرة عن الموضع بعضها من تأليف لموقع ذاته، وبعضها منقول عن مواقع أخرى، مدعومة بالروابط التي تحيل القاريء إلى المصدر الأصلي للخبر أو التقرير، مما يجعل منه موقعا موسوعيا في مجال متابعة الجديد في جميع التقنيات الحديثة أو تلك التي ترتبط بما يعرف بعلم «المستقبل» بوصفها محاولات تجريبية تتكئ على الخيال ثم تصل إليه عبر قطع مسافات صناعية وتقنية متطورة في محاولة لتحويل الخيال إلى واقع. من بين الموضوعات العديدة التي يتناولها الموقع بعض القضايا الخاصة بالفجوة المعرفية في شئون تقنيات الاتصال والإنترنت الحديثة بين جيل الآباء وبين أجيال الأبناء، لمصلحة الجيل الأخير وتأثير ذلك في طبيعة الاتصال بين الآباء والأبناء في الواقع الراهن ومحاولة تخيل طبيعة هذه العلاقة في المستقبل، وتأثير ذلك كله على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة في البيت الأمريكي والغربي بشكل عام. وبسبب هذه الدراسات تظهر الآن العديد من السلوكيات والظواهر الاجتماعية التي يضعها أصحاب الرؤى المستقبلية والمتخصصون في علوم المستقبل تحت مجهر الفحص. ولا شك أن نتائج ذلك كله سوف تظهر لنا قريبا جدا. عنوان الموقع:

www.theimaginationage.net

إبراهيم فرغلي

المصدر
http://www.alarabimag.com/arabi/Data/2011/3/1/Art_97794.XML