العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس (01-40) : مفهوم الإيمان -1
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بتاريخ: 2003-05-11

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، من سنوات عشر تقريباً ألقيت في هذا المسجد المبارك إن شاء الله دروس في العقيدة الإسلامية، وكان لها أثر طيب بفضل الله عز وجل، ثم بعد حين ألقيت سلسة دروس من كتاب العقيدة الطحاوية، وقد مضى على دروس العقيدة زمن طويل، والحاجة تشتد الآن إلى دروس أخرى في العقيدة، لأن العقيدة من أصول الدين، ولأن الدين أصول وفروع والعقيدة أخطر شيء في الدين، فمن صحت عقيدته صح عمله، ومن فسدت عقيدته فسد عمله، ولو لم يكن هناك من علاقة بين العقيدة وبين السلوك اعتقد ما شئت، ولكن ما من عقيدة إلا ولها منعكس على السلوك.
فلذلك اعتمدت على الله عز وجل، وأردت أن أبدأ سلسلة من دروس العقيدة لها خصائص، من خصائصها أنها تعتمد على الكتاب والسنة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً))
لا نريد عقيدة تأخذ من كتب الإغريق، ولا من أقيسة منطقية محضة، نريد عقيدة مأخوذةً من كتاب الله، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فنحن أمام سلسلة أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني بشرح دقائق العقيدة الإسلامية معتمداً على ما في الكتاب وما في السنة من آيات بينات واضحات، ومن أحاديث شريفة صحيحة.
أيها الإخوة، بادئ ذي بدء: الناس على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، وألوانهم، ومللهم ونحلهم، وانتماءاتهم، ومذاهبهم، وطوائفهم، لا يزيدون عن رجلين، مؤمن وكافر، وهناك أدلة كثيرة من الكتاب، فالله عز وجل يقول:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
( سورة الليل )
كأن الله سبحانه وتعالى جعل الناس فريقين،لا ثالث لهما، إنسان صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه العقيدة، بناء على عقيدته السليمة والصحيحة اتقى أن يعصي الله، ومع اتقاءه أن يعصي الله بنى حياته على العطاء كثمن للجنة، فكان رد الإله عليه أنه يسره لليسرى
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الحسنة هي الجنة، وأبرز ما في العقيدة أننا مخلوقون للجنة، وأن الدنيا دار ندفع فيها ثمن الجنة، من خلال معرفتنا بالله وطاعتنا له
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
العقيدة الفاسدة أنه كذب بالجنة، وآمن بالدنيا فقط لأنه آمن بالدنيا ولم يتعدَ نظره إلى غيرها ذلك مبلغهم من العلم يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا، لأنه آمن بالدنيا فقط ليس بحاجة إلى طاعة الله، استغنى عن طاعة الله، ولما استغنى عن طاعة الله بنى حياته على الأخذ، لا على العطاء، وكان رد الإله عليه أنه يسره للعسرة هذه الآية أيها الإخوة
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
إذاً الناس على اختلاف أعراقهم وأجناسهم، وأوانهم، ومللهم، ونحلهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، رجلان صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه العقيدة، العمل السلبي اتقى أن يعصي الله، العمل الإيجابي بذل ما وسعه للتقرب إلى الله
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
فكانت حياته ميسرة لما خلق له.
والثاني آمن بالدنيا ولم يعبأ بالآخرة، عقيدته فاسدة، ولأن عقيدته فاسدة انعكست تفلتاً من منهج الله استغنى عن طاعة الله، وانعكست أخذاً لا عطاءً، وكان رد الإله عليه أنه يسره لخلاف ما خلق له يسره لدفع ثمن اختياره الفاسد المبني على فساد عقيدته هذه آية، النبي عليه الصلاة والسلام يقول الناس رجلان:

((المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم))
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن أبي هريرة ]
والآن في آخر الزمان تمايز واضح جداً، كان هناك مئات الألوان بين الأبيض والأسود، الآن لونان صارخان، الآن مؤمن أو كافر، محسن أو مسيء، صادق أو كاذب مخلص أو خائن، في حدة في التمايز بين الطرفين، ولي أو شيطان، أو إباحي، رحماني أو شيطاني، من آهل الآخرة أم من أهل الدنيا، يخاف من الله أو يخاف ممن سواه، يسعى للآخرة أو يسعى للدنيا، أبداً تمايز واضح كالشمس.
الآن الله عز وجل في كتابه الكريم مدح المؤمنين أيما مديح قال تعالى:

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)﴾
( سورة السجدة )
يعني آمن بالآيات لكن أعضاءه وجوارحه أظهرت هذا الإيمان، خشوع، سجود إنابة، بكاء، ثم يقول الله عز وجل:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
( سورة السجدة )
الحقيقة أن خلاف المؤمن الكافر، لمَ لم بقل الله عز وجل أفمن كان مؤمناً كمن كان كافراً، من لوازم الكفر الفسق، ومن لوازم الإيمان الاستقامة يعني
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا﴾
مستقيماً، كمن كان كافراً فاسقاً
﴿ لَا يَسْتَوُونَ ﴾
الآن المؤمنون ينتمون إلى جهة واحدة، انتماء المؤمنين إلى مجموع المؤمنين لا تفرقة في ديننا.

﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾
( سورة البقرة الآية: 285 )
في الحقيقة الدين واحد، والدين عند الله الإسلام، ولو قرأتم القرآن الكريم لوجدتم أن كل الأنبياء من دون استثناء وصفوا في القرآن الكريم بأنهم مسلمون، الإسلام له معناً واسع وله معناً ضيق، المعنى الواسع هو الاستسلام لله، إيماناً وطاعةً، والمعنى الضيق أن تؤمن بالدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وبالقرآن الذي نزل عليه وبالسنة التي جاء بها، أما كلمة الدين تعني الإسلام بمفهومه الواسع، فالله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾
( سورة آل عمران الآية: 19 )
ثم إن الله يثني على المؤمنين:

﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر )
ولكن الإيمان درجات، هناك إيمان لا يجدي، وهناك إيمان منج، وهناك إيمان مسعد، تصور أن دائرة كبيرة جداً هي دائرة أهل الإيمان، فكل من آمن أن لهذا الكون إلهاً موجوداً وواحداً وكاملاً فهو في هذه الدائرة، لكن إن لم يستقم على أمره لا ينفعه إيمانه كإيمان إبليس تماماً:

﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ﴾
( سورة صاد الآية 82 )
آمن بالله رباً، وآمن به عزيزاً، وآمن به خالقاً، قال خلقتني، وآمن يوم الآخر:

﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾
( سورة الأعراف )
ما دام إبليس لم يطع الله عز وجل، واستنكف عن طاعته، فإيمانه لا يجدي، إذاً ما كل من قال الله خالق الأكوان ينجيه إيمانه، في هذه الدائرة الكبيرة دائرة أصغر، هذا الذي آمن وعمل بإيمانه، آمن وعمل بمقتضيات إيمانه، آمن وحمله إيمانه على طاعة الله، هذا في الدائرة الثانية، وفي مركز الدائرة أنبياء الله عز وجل المعصومون، فإما أن يكون الإنسان خارج الدائرة، وهو الكافر والملحد، وإما أن يكون في دائرة الإيمان، لكن إيمانه لا ينجيه، وإما أن يكون في الدائرة الثانية، أي إيمانه ينجيه، وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة مركز فيها أنبياء الله ورسله الذين هم قمم البشر، والقدوة للبشر، والذين عصمهم الله عز وجل، وأمرنا أن نأخذ عنهم.
أيها الإخوة، من أي مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان ؟ من أمن، اطمأن، يعني ليس من طريق إلى أن تكون آمناً مطمئناً متوازناً راضياً متفائلاً إلا أن تكون موصولاً بالله عز وجل ذاكراً له، لقول الله عز وجل:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
( سورة الرعد )
مستحيل، وألف ألف أَلف مستحيل أن تسعد وأنت معرض عن الله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾
( سورة طه )
ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويتمنى السلامة والسعادة، وحينما يتحقق إذا كان موفقاً أن سلامة الإنسان في طاعة ربه لأن أوامر الله عز وجل بمثابة تعليمات الصانع وما من جهة أجدر أن تتبع تعليماتها كالصانع، لأنه خبير، وقد قال الله عز وجل:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
( سورة فاطر )
فالمؤمن لا يسلم إلا بطاعة الله، ولا يسعد إلا بالقرب من الله، وهذه الحياة بين أيديكم
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
فقال بعض المفسرين، تساءل فما بال ملوك الأرض ؟ والأرض كلها ملك لهم، ما بال أغنياء الأرض والأموال بين أيديهم، قال المعيشة الضنك لهؤلاء ضيق القلب، الغافل عن الله والعاصي لله، مهما كان قوياً أو غنياً في قلبه ضيق فيما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، لذلك قال أحد العارفين بالله الذي ترك الملك، كان ملكاً، وفر إلى الله عز وجل، قال لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف، الإيمان من الأمن.

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
( سورة الأنعام )
ما من إنسان على وجه الأرض يتمتع بنعمة الأمن الحقيقة، إلا المؤمن، لأنه أيقن أنه مع خالق السماوات والأرض، وأن الله يره، والذي يراك حين تقوم.

﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)﴾
( سورة الشعراء )
وأن الله سيكافئه، وأن الله يعده بجنة عرضها السماوات والأرض، وأن الله يحفظه، إذاً: تشتق كلمة الإيمان من الأمن، و الأمن أكبر نعمة تسبغ على الإنسان، والدليل هذه الآية:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
( سورة الأنعام )
وتشتق كلمة الإيمان ممن التصديق، بمعنى:

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)﴾
( سورة يوسف )
أي وما أنت بمصدق لنا، فإما أن نفهم الإيمان على أنه أمن وراحة وتوازن واستقرار وسعادة وسلامة، أو أن نفهم الإيمان على أنه تصديق لما جاء به الأنبياء والرسل.
أيها الإخوة: أما المفهوم الشرعي للإيمان هو اعتقاد وإقرار وعمل، تعتقد أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً، وأنه موجود وكامل وواحد، وأن أسمائه حسنى وصفاته فضلى، وأنه خلق الإنسان ليسعده، وأن الدنيا دار فيها يتأهل الإنسان لجنة خلقه الله من أجلها، وأنه أرسل الأنبياء والرسل، وأنزل الكتب، وأنه خلق الملائكة، وأن كل شيء بفعله وقضاءه وقدره هذا هو الإيمان، فالإيمان اعتقاد، والإيمان اعتراف باللسان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول، والإيمان سلوك، أداء العبادات، وضبط الجوارح، وضبط الأعضاء وضبط الدخل، وضبط الإنفاق، وضبط البيت، اعتقاد وإقرار وسلوك، لأن الكفر اعتقاد فاسد وكلام متفلت، وسلوك منحرف، هناك كفر اعتقادي، وهناك كفر كلامي، وهناك كفر سلوكي.
أيها الإخوة: قال تعالى:

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾
( سورة طه )
والله أيها الإخوة، لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾
( سورة البقرة )
لا يخاف مما سيكون، ولا يندم على ما كان، هذه الآية غطت الزمان كله، أنت في هذه النقطة، لا تخشى مما هو آت، ولا تندم على ما فات، اجمع الآيتين، من يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة: حقائق الإيمان جاءتنا عن طريق الوحي، نحن ديننا دين وحي، هناك من يصف الإسلام أنه تراث، الإسلام ليس تراثاً، إنه دين الله، هناك من يصف النبي بأنه عبقري النبي نبي، لا ينبغي أن يطرح إلا على انه نبي، يوحى إليه، في عنا مسلمات، أساس ديننا الوحي، وحي من السماء على إنسان معصوم بأحاديثه الشريفة، بين دقائق الوحي، وحي من خلال كتاب أنزل على قلب نبي معصوم، بيان هذا النبي تفصيل لما في الكتاب، هذا هو أصل الدين، لا في ثقافة، ولا معطيات بيئة، ولا تفكير فلاسفة، ولا تنظير مصلحين الدين وحي من السماء وبيان من معصوم، الكتاب والسنة، وحي الله فيه الكليات، والسنة فيها التفصيلات، لذلك هذا المؤمن هو الفائز، هو الناجح، هو الفالح، هو الموفق، هو المتفوق، هو الناجي، هو المعافى، هو المكافئ، ماذا ينتظر المؤمن إذا أمن بالله عز وجل قال ينتظر المؤمن أن ينصره الله على أعداءه.

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
( سورة الروم )
والمؤمن يدافع الله عنه.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
( سورة الحج الآية: 38 )
والمؤمن وليه الله.

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
( سورة البقرة الآية: 257 )
والله مرة استمعت إلى آية قرآنية تركت في نفسي أثراً لا يوصف، الآية تقول:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾
( سورة محمد )
وازن بين ابن له أب من أعلى مستوى، فهم، وعلم، وقدرة، وغنى، وحكمة رباه أعلى تربية، ربا جسمه، وربا عقله، وربا نفسه، وربا ثقافته، فكان مثلاً أعلى تصور ابن شارد من مخفر إلى مخفر، ومن مكان إلى مكان، ومن سجن إلى سجن، ومن سقوط إلى سقوط، ومن فاحشة إلى فاحشة
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾
الله عز وجل وعد المؤمنين أن ينصرهم على أعداءهم، ووعد المؤمنين أن يدافع عنهم، وقال لهم
﴿اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾
والله سبحانه وتعالى يتولى هداية المؤمن.

﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)﴾
( سورة الحج )
وقد وعد الله المؤمنين بألا يسلط الكفار عليهم.

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾
( سورة النساء )
وازنوا بينكم وبين أنفسكم، الوعد:
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾
إذا كانوا لهم علينا ألف سبيل وسبيل، الوعد أن ينصرنا على أعداءنا، فإذا انتصروا علينا، الوعد أن يدافع عنا، فإن لم يدافع عنا، الوعد أن يتولانا، فإن لم يتولنا، الجواب عندكم، يعني إيماننا ليس في المستوى الذي يستحق تحقيق وعود الله عز وجل، المؤمن وعده الله أن يستخلفه في الأرض.

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾
( سورة النور الآية: 55 )
وعدهم بالاستخلاف.

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
( سورة النور الآية: 55 )
وعدهم بالتمكن.

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
( سورة النور الآية: 55 )
وعدهم بالتطمين، والواقع المؤلم لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين، إذاً الإيمان الذي نحن عليه ليس في المستوى الذي يستحق أن تتحقق وعود الله لنا، وعد الله المؤمن بالرزق الطيب.

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
( سورة الأعراف الآية: 96 )
وعد الله المؤمن بالعزة:

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة المنافقون الآية: 8 )
أما مشاهد الذل التي ترونها أحياناً من قبل أعداء المسلمين هذا شيء يتنافى مع حقيقة الإيمان
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
وعد الله المؤمنين بحياة طيبة.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
الناس رجلان مؤمن وكافر، ومعنى الإيمان من الأمن، ومعنى الإيمان من التصديق، فالمؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به سواه، والمؤمن مصدق لما جاء به الأنبياء والمرسلون، الآن الإيمان بالمعنى الدقيق اعتقاد وإقرار وعمل، وعود الله للمؤمنين هذه تلوتها على مسامعكم، الآن هذا في الدنيا، فماذا في الآخرة ؟ قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً (108)﴾
( سورة الكهف )
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)﴾
( سورة لقمان )
أيها الإخوة: لأن الإيمان اعتقاد، ومن لوازم الاعتقاد الإقبال على الله، والاتصال به والتوكل عليه، والخشوع في الصلاة، ومحبته، والإخلاص له، يعني الإيمان له مقتضيات أمنت أن لهذا الكون إلهاً، من مقتضيات هذا الإيمان أن تتجه إليه، وأن تقبل عليه، وأن تحبه، وأن تلتزم بأمره ونهيه، وأن تصلح شأن عباده، وأن تكون معطاءً خيراً، لذلك الإيمان يزيد وينقص، يبدو كحقائق لا يزيد ولا ينقص كحقائق، يعني الساعة الخامسة هذه حقيقة ثابتة لها معنى واحد، لكن الإيمان يزيد وينقص، بمعنى أنك في ساعة إقبال أو فتور، في حالة توكل أو عدم توكل، في حالة حب مع الله أو في حالة قعود عن طاعة الله، فالإيمان يزيد وينقص والدليل:

﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ﴾
﴿ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾
( سورة الأنفال الآية 2 )
طبعاً الإيمان يزيد وينقص بالإقبال وعدم الإقبال، ويزيد وينقص بما تعرف عن الله عز وجل، فكل شيء عرفته عن الله فهو أكبر من ذلك، وهذا من معاني الله أكبر يعني الله أكبر مما أعرف عنه، والأصل أن الله عز وجل لا يعرفه إلا الله، فكلما نمت معرفتك بالله عز وجل ازداد إيمانك، وكلما ازداد إقبالك على الله ازداد إيمانك، فالإيمان يزيد وينقص طبعاً قد يضعف الإيمان بالشبهات، وقد يضعف بالمعاصي، وقد يقطع المؤمن عن الله عز وجل بقواطع الذنوب، أو بقبائح العيوب، أو بشبهات لم يجد لها حلاً، فالإيمان في الأصل يزيد وينقص، الأدلة:

﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ﴾
﴿ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾
﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾
( سورة مريم الآية: 76 )
﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَاناً﴾
( سورة المدثر الآية: 31 )
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾
( سورة الفتح الآية: 4 )
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾
( سورة آل عمران الآية: 173 )
هذه من مسلمات العقيدة أن الإيمان يزيد، يزيد كلما تأملت في آيات الدالة على عظمته، كلما اطلعت على خبايا هذا الكون وأسرار هذا الكون، ودقة صنع الله عز وجل كلما اطلعت على آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ازددت إيماناً، وكلما أقبلت عليه أكثر ازددت إيماناً، يضعف الإيمان بالشبهات التي لم تجد لها حلاً أو لم تبحث عن حل لها يضعف الإيمان بالمعاصي والمخالفات، فالإيمان يزيد وينقص، إذاً الإيمان يحتاج إلى تجديد وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( جددوا إيمانكم ))
[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة ]
يزيد وينقص ويتجدد، يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين ))
[ أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه ]
طبعاً كل يدعي أنه يحب الله أكثر من والديه، ومن ولده، ومن الناس أجمعين ولكن هذا الحديث معناه عند التعارض، لو أن مصلحة بين يديك لا بد من نيلها إلا بمخالفة فآثرت هذه المصلحة التي بين يديك على طاعة الله عز وجل، فأنت لا تحب الله أكثر من مصالحك، هنا يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين ))
إذا الإنسان اعتز بأبيه ولم يكن أبوه على حق إيمانه فيه خلل، إذا آثر أن يكون ابنه في مكان علي ولكن على حساب دينه فإيمانه فيه خلل، ومن الدلائل من حديث النبي عليه الصلاة والسلام على أن الإيمان يزيد وينقص أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ))
[ أخرجه الشيخان عن أنس رضي الله عنه ]
وهذا الحديث من أدق الأحاديث المتعلقة بالدافع الإنساني، أخيه يعني أخيه في الإنسانية، الإسلام إنساني، وقد تجد بعض البلاد تعامل رعاياها معاملة راقية جداً، أما الشعوب الأخرى يسحقونها، هذا ليس من شأن الإسلام إطلاقاً، الإسلام إنساني
((حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِ ))
أخيه من ؟ أخيه في الإنسانية، لأن المطلق على إطلاقه.
لسيدنا عمر بن عبد العزيز قول رائع يقول: (إن للإيمان فرائض وشرائع وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان )، الإيمان في عقيدة، في عبادة، في عبادة تعاملية، في فضائل، هرم العقيدة في أعلى هذا الهرم، ثم العبادة، ثم التعامل، ثم الفضائل، فمن صحت عقيدته، وأتقنت عبادته، وسلم تعامله، وكرمت فضائله فقد استكمل الإيمان، الإيمان يزيد، لقول سيدنا معاذ اجلس بنا نؤمن ساعة، يعني سماع درس يزيدك إيماناً، الإطلاع على آية كونية يزيدك إيماناً، معرفة حديث رسول الله يزيدك إيماناً ابن مسعود يقول اليقين الإيمان كله، الإيمان يقين، يعني معلومات قطعية، حقيقة مقطوع بها يؤيدها الواقع عليها دليل.
ويقول ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في صدره، ما في اضطراب في الأفكار، ما في تردد، ما في ارتياب.

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾
( سورة الحجرات الآية: 15 )
الريب يتناقض مع الإيمان، الشك يتناقض مع الإيمان، الوهم يتناقض مع الإيمان، ويقول عمار رضي الله عنه: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان، الإنصاف من نفسه، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار )، علامة المؤمن أنه منصف، بل ينصف الناس من نفسه، علامة المؤمن أنه إذا أخطأ يعتذر، ويقول هذا خطأ مني، ينصف الناس من نفسه، من علامة الإيمان، الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار.
وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول: هلموا نزدد إيماناً، معناها دروس العلم درس تفسير، درس حديث، درس عقيدة، درس سيرة، آيات كونية، سماع خطبة، قراءة كتاب، سماع شريط، هذا يزيدك إيماناً.
الآن الإقبال على الله، والاتصال به، وإتقان العبادة يزيدك إيماناً، الإطلاع على الشبهات، ولا تجد رغبةً في حلها يضعف إيمانك، يعني الشكوك والشبهات والمعاصي والآثام تضعف الإيمان، والحقائق واليقينيات والطاعات تقوي الإيمان، فالإيمان يزداد وينقص، والإيمان يخلق في صدر أحدكم، يحتاج إذاً إلى تجديد، وفي بعض الأحاديث:
((جددوا إيمانكم ))
[ رواه أحمد والحاكم والنسائي والطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
أيها الإخوة: كما قلنا قبل قليل الإيمان مصدره الوحي من السماء، نحن ديننا دين وحي من السماء، والوحي خطاب السماء إلى الأرض، وفي أدلة لا تعد ولا تحصى على أن هذا القرآن الذي جاء به جبريل من عند الله عز وجل ونزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نفسه الذي بين أيدينا، دون أن يزيد حرفاً أو حركة، موضوع القراءات موضوع آخر، القراءات احتمال قراءة الرسم القرآني من دون تنقيط، فناداها من تحتِها، أو فناداها من تحتَها، هذا موضوع آخر، أما النص الذي نزل به جبريل على قلب محمد الأمين عليه أتم الصلاة والتسليم هو الذي بين أيدينا، فديننا دين وحي، ولهذا البحث تفاصيل كثيرة، يعني مثلاً حينما تحدث الناس في عفة السيدة عائشة، لو أن الوحي من عند رسول الله، بعد ساعة جاءت آية وبرأتها، بقي هذا الاتهام أربعين يوماً، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك أدلة إثبات ولا أدلة نفي، إلى أن جاء الوحي، لو أن الوحي بيد رسول الله لجاءت آية بعد خمس دقائق برأت السيدة عائشة، يعني في ملاحظات دقيقة جداً، لو كان الوحي من عند رسول الله لما ذكر آيات تعاتبه أحياناً، لو أن الوحي يأتيه وهو نائم لظن أنه حلم، لكنه يأتيه جبريل وهو يقظان، وفي بعض الأحاديث، في أشد أيام البرد يتصبب عرقاً، يعني لما ضمه ضمةً كادت أضلاعه تختلف، ليس بقضية واحد نائم، حلم، منام، وأنت في أعلى درجات اليقظة يأتي جبريل.
أيها الإخوة: في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ اطلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه ‍‍‍‍‍‍‍‍، قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق، فلبثت ملياً، ثم قال لي يا عمر، أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ))
نحن ديننا وحي من السماء، أركان الإيمان، أركان الإسلام، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، وعلامة الساعة أن تلد الأمة ربتها، يعني أم صالحة جداً تنجب فتاة، تتعلم هذه الفتاة، فإذا هي تصف أمها بأنه لا تعلم شيئاً، كأن هذه الأم ولدت ربتها، هذا في بعض معاني هذا الحديث.
الإيمان أيها الإخوة: أيضاً درجات، الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين:
((الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله ))
يعني أعلى مستوى في الإيمان أن تكون موحداً، ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى جهة غير الله فاعلة في الكون.

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
( سورة الفتح الآية: 10 )
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
( سورة الزخرف الآية: 84 )
﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾
( سورة الكهف )
أفضلها أن تقولا لا إله إلا الله.
((الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ))
يعني إنسان مشى في الطريق وجد شيئاً يؤذي المارة، فدفع هذا الشيء إلى طرف الطريق، لماذا فعل هذا ؟ إنسان يركب مركبة وفي طريق سفر، وجد حجر كبير وقف وأزاح الحجر إلى طرف الطريق، ما الذي دفعه لهذا العمل ؟ إيمانه بالله، هؤلاء الذين يأتون على الطريق عباد الله عز وجل، وقد يسبب هذا الحجر حادثاُ مروعاً، إذاً أزاحه.
فالإيمان أعلى مستوى فيه أن توحد الله، وأن ترى يد الله فرق أيدي الخلق، وأن ترى الله عز وجل فعال لما يريد، وأدنى مستوى أن تطعم هرة، أو أن تسقي هرة، أو أن تميط الأذى عن الطريق، هذا أيضاً من الإيمان، والحياء شعبة من الإيمان، والخلق الحسن من الإيمان، الحياء واللطف والعفو هذه صفات المؤمنين.
أيها الإخوة: والإيمان أن تؤمن بالله كما وصف نفسه، من غير تمثيل ولا تأويل، ولا تعطيل بل أن تنزه أسماء الله الحسنة، وصفاته الفضلى، عما لا يليق بجلاله، بل أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى له أسماء وصفات كما علمها وعلمها النبي عليه الصلاة والسلام، ومصدر كل هذا العلم الوحي الكريم، لذلك وقع الوحي شديداً على النبي عليه الصلاة والسلام فقال له:

﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)﴾
( سورة المزمل )
يروي الإمام البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل النبي عليه الصلاة والسلام قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
(( أَحْيَانا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ))
الصلصلة وقوع الحديد بعضه على بعض.
وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَي فَيَفْصِمُ عَنّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ ".
أشده علي أن يأتي الوحي مثل صلصلة الجرس " فَيَفْصِمُ عَنّي " يبتعد عني " وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانا يَتَمَثّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُول ".
يعني شيء واضح وضوح الشمس وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته:
((ينزل عَلَيْهِ الوَحْيُ في اليَوْمِ الشّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ ـ أي يبتعد عنه ـ وَإِنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقا ))
وأخرج البخاري رحمه الله تعالى في كتاب بدء الوحي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت:
((أول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك))
أيها الإخوة: ينبغي أن نعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءه الوحي من السماء رجع إلى خديجة ليتزود بمثلها، ثم فاجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال:
(( اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم))
أيها الإخوة: بعد أن جاء النبي عليه الصلاة والسلام الوحي وعاد إلى بيته، أخبر السيدة خديجة، كانت سكناً له، يعني انتبه سيد الخلق، سيد ولد آدم، يأتيه الوحي فيخبر زوجته ما جرى له، أناس كثيرون يرون نساءهم لا شيء، يخبر زوجته بأخطر حدث مر به، معناها الزوجة ينبغي أن تكون زوجة وأن تكون رفيقة في الطريق إلى الله عز وجل، أليس كذلك ؟ أخبرها بما جرى، الشيء الذي لا يصدق أن هذه المرأة البطلة يوم دخل النبي مكة فاتحاً دعته بيوتات مكة أن يبيت عندها، فقال انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها ليشعر العالم كله أن هذه المرأة التي في البيت لها نصيب من هذا النصر، لأنها كانت مثال المرأة التي أعانته على دعوته، وتنازلت عن حظوظها من أجل دعوته.
هذه المرأة، لم يأتِ الوحي بعد، ما جاء من الوحي إلا أقرأ، قالت له السيدة خديجة أبشر فو الله ما يخذيك الله أبداً، فوا الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
من أين جاءت بهذه القاعدة ؟ لم يتنزل من الوحي إلا " اقرأ بسم ربك الذي خلق " من أين جاءت بهذه القاعدة، لماذا طمأنته ؟ هذه الفطرة، أقول لكم أيها الإخوة، شاب مستقيم صادق، أمين، عفيف، يغض بصره عن محارم الله، لا يكذب، يعين على نوائب الدهر يجب أن تعلموا علم اليقين أن الله عز وجل لا يخزي هذا الشاب أبداً، فقير، غني، في عنده بيت، ما في عنده بيت، ميسر له عمل، من دون عمل، ما دام إنساناً مستقيماً، صادقاً أميناً، عفيفاً، يرجو رحمة الله عز وجل، زوال الكون أهون على الله من أن يخيب ظن هذا الشاب، قاعدة هذه، ما جاء الدين بعد، الدين لم يأتِ، آية واحدة نزلت، تقول هذه السيدة خديجة: فوا الله لا يخذيك الله أبداً، لماذا ؟ قال إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل ؛ الضعيف، الفقير، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق وينبغي أن تطمئنوا أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
( سورة الجاثية )
مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحل أن يعامل شاب مستقيم عفيف طاهر صادق أمين كما يعمل فاسق عاص غارق في لذاته وشهواته
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
من أين جاءت السيدة خديجة بهذه الحقائق ؟ من فطرتها، والله أنا هذا العبد الفقير يعني تقليداً لهذا الموقف، إن رأيت شاب مستقيم، يخشى الله، يحب الله، يسعى لخدمة الخلق أقول له أبشر، وليس عندي أي دليل على أن الله سيكرمه إلا حسن ظن بالله عز وجل، فقط أبشر، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت مستقيماً على أمر الله، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت خائفاً منه، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت محسناً لخلقه، لن يضيعك الله عز وجل ما دمت موحداً له، كلمة ينبغي أن نقف عندها كثيراً، أبشر فوا الله لن يخذيك الله أبدا، إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
أيها الإخوة: نتابع هذه الدروس في دروس قادمة إن شاء الله، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون سلسلة العقيدة معتمدة على آيات القرآن الكريم، وسنة رسول الله الصحيحة، يعني مؤصلة، وأن تكون مشروحة شرحاً وافياً، فإن صحت العقيدة صح العمل، وإن فسدت العقيدة فسد العمل، وإلى درس آخر إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين
--