هكذا كان الحب


--------------------------------------------------------------------------------



حب النبلاء

عندما اسس صقر قريش عبد الرحمن الداخل الدولة الاموية في الاندلس , تحولت تلك البقعة من اوروبا المظلمة المتخلفة في حينها الى منارة للعلم والحضارة , وشكلت الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس مشعل الهداية والعلم الذي انار لاوروبا وللعالم الطريق نحو قيام الحضارة المعاصرة , وعندما زالت الدولة العربية الاسلامية من الاندلس زال النظام السياسي فيها , ورغم ان البعض اجبر بقوة المذابح على التخلي عن دينه ومعتقداته و هدمت معظم الصروح الحضارية , لكن الحضارة الاسلامية العربية بقيت في نفوس الناس , ولعلها باقية بشكل او بآخر الى يومنا هذا , والباحث في الادب الاسباني لايستطيع ان يغفل قوة البصمة العربية الاسلامية الواضحة في هذا الادب , والادب هو المرآة الصادقة للشعوب , هناك تلمح قصص الفارس والسيد والغيرة والمروءة والشهامة . ولقد استهوتني شواهد كثيرة , مثل رواية دون كيشوت لسرفانتس ( على الرغم من التهكمية ) و لعل اجملها ملحمة السيد ( الكلمة عربية وهي نفسها في الاسبانية بتسكين مخفف للياء ) واسرد لكم هنا الرواية التالية , عن قصة احد النبلاء الفرسان الذي كان متزوجا من احدى الاميرات الساحرات جمالا وادبا ومركزا اجتماعيا , فبعد السنة الاولى لزواج هذين النبيلين , بدأت الزوجة تتلقى رسائل حب واعجاب غاية في الروعة والمشاعر الراقية وكانت تطلع زوجها على كل رسالة تردها , وكان الزوج النبيل يمسك بالرسالة ويقرؤها على مسامعها , وكان ينتاب الزوجة نوع من المشاعر المتضاربة , فلا شك ان الكلمات العذبة والمشاعر السامية , وتدفقات الحب اللاهب التي تنبعث من الرسائل كانت ترضي غرور المرأة لديها , ولكنها كانت تغضب لان زوجها النبيل لم يغضب لذلك بل على العكس , فهو يقرأ الرسائل على مسامعها , وفي اكثر من مرة لم تخف عنه غضبها من طريقته هذه , ولكنه كان يجيبها بان الثقة التي يحملها في داخله نحوها وهي النبيلة ابنة النبلاء , لايمكن ابدا ان تهتز او تتزعزع , ومضى على هذه الحال ثلاثون عاما بالتمام والكمال , وشاء القدر ان يشتد المرض على الزوج النبيل , ودخلت الزوجة يوما عليه لتجد مدبرة القصر الى جانبه على فراش الموت وهي تخط اوراقا , تنقلها من مجموعة من الاوراق بين يدي الزوج , ولقد هالها ما رأت , وارادت العودة ومغادرة الغرفة , ولكن الزوج اومأ اليها بأن تقترب منه , وسلمها آخر رسالة حب بيده , صعقت الزوجة مما رأت , وقبل ان يغمض عينيه للموت , قال لها انها رسائل حبي تلك التي كنت تتسلمين وكنت اطلب من مدبرة القصر ان تعيد كتابتها بخط يدها , فانت تعرفين بانني كفارس يصعب علي ان ابوح بقوة مشاعري حتى لزوجتي .

نعم هكذا كان الحب .
محمد حسن السمان