الاجتهاد الجماعي يضبط الفتوى ويبعدها عن الشطط 19/1/2009 - 23 محرم 1430مكة المكرمة: أحمد عامر
عقد المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، الذي ينظمه المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله - أمس جلسة عمله الأولى لمناقشة محور المؤتمر الأول بعنوان ( الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر) بحضور سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي.
وقد استعرضت الجلسة التي عقدت بمقر الرابطة بمكة المكرمة وترأسها معالي وزير الأوقاف والإرشاد السابق في جمهورية السودان الدكتور عصام بن أحمد البشير وشارك فيها كل من معالي رئيس مجلس الشورى الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، والشيخ محمد تقي العثماني، و الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي، والدكتور شعبان محمد إسماعيل، والدكتور أحمد الريسوني. موضوع الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر.
وبين المشاركون مفهوم الاجتهاد وأنه يهدف إلى تحصيل حكم شرعي سواء كان ذلك متعلقاً بقضية عامة أو خاصة، ولا يشترط أن يتم ذلك من خلال هيئة أو مجمع.
وقالوا (إن واقع الاجتهاد الجماعي المعاصر من خلال المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء يشهد أن هذا الاجتهاد لا يقتصر على الأحكام والمسائل الفقهية وإنما يتجاوز ذلك إلى بعض القضايا والوقائع غير الفقهية كمسائل العقائد وأصول الدين).
وأكدوا أن للاجتهاد الجماعي أهمية بالغة وبخاصة في عصرنا الحاضر وذلك في ضبط الفتوى والبعد بها عن الشطط والاضطراب، مشيرين إلى أن الاجتهاد الجماعي لاسيما في ظل المجامع والهيئات الفقهية القائمة يعد نتاجاً لتفاعل جمع من العلماء المجتهدين والخبراء المختصين وتكاملهم وتشاورهم، وثمرة لتقليب وجهات النظر المختلفة والآراء المتعددة في القضية محل الاجتهاد، وبهذا فهو أقرب إلى الحق وأدعى للقبول والاطمئنان.
وأوضح الباحثون أن المجامع الفقهية أسهمت بشكل فاعل ومؤثر لا في تحقيق الاجتهاد الجماعي فحسب بل في ترسيخه مفهوماً قائماً بذاته ومصطلحاُ مستقلاً عما سواه وممارسة عملية منظمة، عمادها البحث العميق والاجتهاد الأصيل والدليل المتين، والبعد عن الشبهات والريب، في مشورة علمية ناصحة من أهل علم أخيار أكابر تشدهم آصرة التآخي، وتقوي علاقاتهم الآمال في وحدة الأمة.
وخلص الباحثون إلى أن العلاقة بين الاجتهاد الجماعي والفتوى هي أن الاجتهاد الجماعي وسيلة والفتوى نتيجة، وفرق بين الوسيلة والنتيجة، على أن ذلك لا يمنع وجود أوجه من التشابه بينهما خارجة عن ماهية كل منهما.
وأبانوا أن أهمية الاجتهاد الجماعي في ضبط الفتوى وتنظيمها تظهر من خلال ثلاثة جوانب هي أن الاجتهاد الجماعي أقرب إلى الحق وأدعى للقبول والاطمئنان وأن الاجتهاد الجماعي وسيلة لتنظيم الاجتهاد ومنع غير المختصين من الخوض في غير اختصاصهم لاسيما بعد ظهور التخصص العلمي وأن كثرة النوازل المستجدة في هذا الزمن واتصافها بطابع العموم والتشعب.
وفي ختام الجلسة أجاب الباحثون على أسئلة المشاركين في مناقشة المحور الأول للمؤتمر، كما علق عدد من العلماء مبدين آراءهم بما تم عرضه من خلال مداخلات أثرت الجلسة بكثير من الآراء.
عقب ذلك ناقش المشاركون في المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، ومن خلال الجلسة الثانية محور المؤتمر الثاني بعنوان (التلفيق).
وقد ترأس الجلسة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي، وشارك فيها الدكتور عبدالله بن محمد السعيدي، والدكتور غازي بن مرشد العتيبي، والدكتور جبريل بن المهدي ميغا.
وبين الباحثون أن (التلفيق) ظهر في القرون المتأخرة وهو فرع من فروع التقليد، والمراد به التقليد المركب من مذهبين فأكثر في مسألة عملية واحدة.
وقد فسره بعض الباحثين بمراعاة الخلاف وجعله بعضهم بمعنى تتبع الرخص وخرجه بعضهم على مسألة إحداث قول ثالث.
وبعد عرض آراء الفقهاء من خلال البحوث التي تم استعراضها في الجلسة خلص الباحثون إلى أن (التلفيق) لا يجوز للمجتهد قصده من غير نظر في الأدلة المعتبرة، بل يجب عليه أن ينظر فيها، فما أداه اجتهاده إليه عمل وأفتى به، وإذا توصل إلى رأي فيه تلفيق بين قولين أو أكثر فلا تثريب عليه لأن التلفيق حصل تبعاً لا بالقصد الأول وإذا عجز عن معرفة حكم المسألة إما لعدم وقوفه على الأدلة، وإما لتعارضها في نظره، فإنه يلجأ إلى التقليد الذي لا تلفيق فيه.
وبين أصحاب الفضيلة أن (العامي) يجب عليه سؤال أهل الذكر، ولا يجوز له التلفيق لأنه لا يرجح قولاً على آخر أو يلفق بين قولين إلا تبعاً لهواه وشهوته، ولو قيل بجواز التلفيق له لكان ذلك فتحاً للإباحية من أوسع أبوابها.
ولما كان من أبرز ما اعتمد عليه بعض من أجاز التلفيق أنه سبب للتيسير الذي هو من أعظم المقاصد الشرعية، وذلك من خلال مراعاة ضرورة المستفتي وحاجته، أو ضعف دينه وحاله، أوسعي المفتي في تصحيح عبادة المستفتي أو معاملته، فقد بين الباحثون أن التيسير مقصود شرعي يجب على المفتي أن يراعيه في حدود الضوابط التي دلت عليها الشريعة بأدلتها الجزئية أو الكلية، وأن المكلف لا يقع في أمر يقتضي التيسير إلا وفي الشريعة الرحبة ما يدل على التوسعة فيه من غير حاجة إلى تلفيق أو غيره ولهذا لم يحتج الفقهاء خلال قرون متطاولة إلى التلفيق مع كثرة النوازل والوقائع التي حدثت في زمانهم.
بعد ذلك عرض المشاركون في الجلسة آراءهم بالبحوث التي تم استعراضها من خلال مداخلات أثرت المحور بآرائهم ومن ثم أجاب الباحثون على الأسئلة التي عرضت عليهم في الجلسة التي كان فضيلة الدكتور فهد بن سعد الجهني مقرراً لها.
كما عقد المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، الذي ينظمه المجمع الفقهي الإسلامي أمس في رابطة العالم الإسلامي جلستيه الثالثة والرابعة في مقر الرابطة بمكة المكرمة، حيث ناقش المشاركون محوري أهمية الفتوى وتغيرها، وذلك بحضور سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكـــة العربيـــة السعوديـــة، ورئيس المجلس التأسيســـي للرابطـــة، ومعالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، الأمين العام للرابطة وفضيلة الدكتور صالح بن زابن المرزوقي البقمي، الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي.
وقد تولى الدكتور عبدالله بن حمد الغطيمل مهمة مقرر الجلسة الثالثة، بينما تولى الدكتور ناصر بن عبدالله الميمان مهمة مقرر الجلسة الرابعة.
وقد رأس الجلسة الثالثة معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية حيث تمت خلالها مناقشة البحوث التي استعرضها كل من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وفضيلة الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، وفضيلة الدكتور علي جمعة محمد، وفضيلة الأستاذ الدكتور عياض بن نامي السلمي، وفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الطيار ، وفضيلة الأستاذ الدكتور ناصر بن عبدالله الميمان.
وبين الباحثون في الجلسة أهمية الفتوى، وأنها تكون فرض عين إذا استفتي المفتي، وليس موجوداً غيره، ويكون الإفتاء فرض كفاية إذا كان في البلد مفتيان أو أكثر، بينما يكون الإفتاء حراماً إذا كان المفتي جاهلاً وإذا علم المفتي أن المستفتي يريد اتخاذ الفتوى حجة لباطل.
وبين المشاركون إلى أن مما يرتبط بأهمية الفتوى، أن المفتي لا يترخص .بلا دليل ولا يحمل الناس على الشدة بالفتوى فيثقل على العباد بما لا يطيقون وأن التوسط هو الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة وأن مقصد التشريع الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط.
وناقش الباحثون مشكلة الفتاوى فيما يجب الحذر والاحتراز منه، ومن تكفير المسلمين بذنب اقترفوه، أو معصية فعلوها، أو شبهة التبست على فاعلها، فيتسرع البعض في التكفير، ووصم العباد بالكفر، وهذا ما ينبغي الحذر والتحذير منه، لما يترتب على ذلك من استحلال الدماء، واستباحة الحرمات والأعراض والأموال.
وبين الباحثون أن من أهمية الفتوى أنها تقود الناس إلى الحق، وتبصر العباد بأمر الدين، فهي الهادية إلى سواء السبيل، ولا تكون الفتوى مائلة مع أهواء الناس، تجنح معهم حيثما جنحوا فهي تبليغ عن رب العالمين صدرت لتعالج نازلة في واقع، وقد يتغير هذا الواقع، وعلى ضوئه تكون الفتوى مستندة إلى الأدلة الشرعية للعرف.
وأشاروا إلى أنه يستحب للمفتي أن يستشير أهل العلم في فتواه، خاصة إذا كانت الفتوى تشكل عليه، أو فيها أمر يتعلق بعموم الناس، وتتحقق الاستشارة اليوم بالمجامع الفقهية ومجالس الإفتاء وهذا يحقق مقاصد الفتوى التي يجب أن تبنى على الأدلة الشرعية، وليس على الهوى، ومجرد الرأي وتكون واضحة في دلالتها، تشفي السائل، ولا تتركه في حيرة واضطراب.
أما في الجلسة الرابعة فقد ناقش المشاركون في المؤتمر موضوع (تغير الفتوى) حيث ترأس الجلسة معالي الدكتور عبدالسلام العبادي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وفيها استعرض الباحثون بحوثهم وهم كل من: فضيلة الدكتور جبريل بن محمد البصيلي، وفضيلة الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد، وفضيلة الدكتور عبدالله بن محمد الجبوري، وفضيلة الدكتور عبدالله بن حمد الغطيمل، وفضيلة الدكتور سالم الشيخي، وركز الباحثون لدى استعراض بحوثهم على أن من مسؤوليات علماء هذه الأمة أن يحلوا المسائل المستجدة ويعالجوا النوازل والقضايا المعاصرة في كل عصر ومصر، وهذا يؤدي إلى حقيقة هي أنه لابد من الاجتهاد لمعالجة مثل هذه المسائل، مع ملاحظة أن بعض الأحكام الشرعية هي مما لا تقبل التبديل والتغيير وهي العبادات، والمحرمات ـ والمباحات التي دلت النصوص الواضحة على إباحتها، وفضائل الأخلاق ورذائلها والأحكام المجمع عليها، والتي ثبتت بنصوص قطعية ثبوتاً ودلالة.
وبين الباحثون أن بعض الأحكام التي تبني على اجتهاد الفقهاء واستنباطهم أو اختلفت النصوص فيها قد تقبل التغيير والتبديل بتغير العرف ومقتضى الضرورات، وقد ثبتت هذه التغيرات بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة وعليه جرى عمل من بعدهم من الفقهاء والمجتهدين، وعن حالات تغير الفتوى بين الباحثون أنه قد يقع التغير والتبدل في الفتاوى بالفوارق في القيم الخلقية، وقد يقع بتغير التعامل والعرف وقد يقع بابتكار الوسائل الحديثة وتطور التقنية الجديدة، بالإضافة إلى ذلك كله قد يكون باعث الحكم الشرعي تجليب مصالح ما، وتوقف المصلحة على مصلحة أخرى.
وأكد الباحثون على أنه لابد لأصحاب الفتوى من التضلع بمعرفة الأحكام التي تقبل التغيير والتبديل من التي لم تقبلهما وإلا خرج رأيهم عن الصواب والسداد.
وقد عرض عدد من المشاركين مرئياتهم خلال الجلستين من خلال مداخلات عديدة، كما أجاب الباحثون على الأسئلة التي وجهتها إليهم مما أثرى مناقشة المحورين المخصصين لكل من الجلسة الثالثة والرابعة.

مصدر الخبر: صحيفة الندوة
http://www.alnadwah.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentID=20090119315 93&display=1


http://www.islamacademy.net/Index.aspx?function=Item&id=7457&lang=Ar