هل علمت ما ( سفينة الفرج فيما هب ودب ودرج ) ؟!


مصطفى قاسم عباس

سنتحدث اليوم عن سفينة، ولكنها ليست كباقي السفن، فلا هي ذاتُ ألواحٍ ودُسُر، وليست من الجواري المنْشَآت في البحر كالأعلام.

وهي سفينةٌ - على الرَّغم من عظمها - تستطيع حَمْلَها أينما يَمَّمْت، وفي أي مكان كنت، فهي سفينةُ الصحراء والخضراء، والبرِّ والبحر بل والفضاء.

إنها سفينة تَمخُر عُبَاب الزَّمن؛ لتحمل لنا مِن حناياه وأسرارِه موعظةً وحكمةً، وشعرًا ونثرًا، وأدبًا رفيعًا، وقولاً بديعًا، بالإضافة إلى ما فيها من الطرائف والفُكاهة، ومواقفَ للعلماء والحكماء تدُلُّ على الفطنة والنباهة.

هي سفينة تفرِّج الهموم، وتُداوي المَكْلوم، بما تحمله من روائع العلوم.

هذه السفينة هي كتاب: "سفينةُ الفرَجِ فيما هبَّ ودبَّ ودرجَ" الذي صنَّفه الشيخُ الأديب: محمد سعيد بن قاسم القاسميُّ الدمشقي، المتوفَّى سنة: 1317 هـ، وحقَّق هذا الكتابَ، وكان رُبَّانَ هذه السفينة الحاذقَ، ومُرشِدَها المُلهَم، صاحبُ التصانيف والمؤلَّفات، وعالي العزائم والهمم، العلامةُ محمد خير رمضان يوسف - حفظه الله.

وسأحاول - باختصار - أنْ أبيِّن بعض مزايا هذا الكتاب، فأقول - وبالله التوفيق -:
المؤلِّف: هو الشيخُ الأديب: محمد سعيد بن قاسم القاسمي الدمشقي، وُلِد في أوائل شهر المحرم من سنة: 1259 هـ بدمشق، وتُوفِّي في صباح يوم الجمعة: 13 شوال سنة 1317 هـ.
وأُحيلك - أيها القارئُ الكريم - إلى الصفحة (11 - 12) لتطَّلع على المزيد.

الأصول المعتَمَدة في التحقيق: اعتمد المحقِّق على النسختين المخطوطتين منه في مكتبة آل القاسمي بدمشق؛ أولاهما بخط المؤلف، والثانيةُ بخط محمدِ بنِ الشيخ عبدِالقادر المجذوب.

وللأمانة: فقد أجاد المحقِّقُ وأفاد، وهذَّب وشذَّب، واعتنى به عنايةً فائقةً، حتى خَرج إلينا في أجمل حُلَّة، وأبهى ثوب، وها هو يقول في مقدمته في الصفحة (17): "وقد هذَّبتُ الكتاب كما قدَّمت، وعلَّقت على بعض ما يَلزم، وركَّزتُ على تخريج أحاديثه، وبيانِ حكمها، وشرحت ألفاظَه الغريبة، وترجمت لبعض أعلامه، وشكَّلت أواخرَ الكلمات، ورقمت فقراتِه كلَّها، ووضعت لمجموعاتٍ منها عناوينَ جانبيةً، وعملت له فيها فهارسَ مفيدةً، بينها فهرسٌ بأهم موضوعاته، بما يعطي مفهومًا للعناية به وتنقيحه، والحمد لله الذي أعانني على هذا".

وقد وَفَى المحقق بما قال، ورأيتُ ذلك عندما قرأت الكتاب.

ومقدِّمة المحقِّق - جزاه الله خيرًا - قد اشتملت على عدة أمور مهمةٍ، وهي:
عرَّف العنوان، ومصطلحَ "سفينة"، وذكر سُفُنًا "كتبًا" أخرى بهذا الاسم، ونقل كلامَ الشيخ جمالِ الدين القاسميِّ ابنِ المؤلِّف عن الكتاب، وتحدَّث المحقق عن منهجه وعمله بالكتاب، وما يُؤخذ على الكتاب، وترجم للمؤلف، وذكر الأصول المعتمدة في التحقيق، مع صور المخطوط، (ص 18 - 21).

والكتاب يتألف من ثلاثة أجزاء في مجلد واحد:
الجزء الأول: من الصفحة (25) إلى الصفحة (203)، احتوى على فوائدَ وحكاياتٍ وأشعار، ولم يخلُ من الغرائب والطرائف، كما في الصفحات (47 - 52).

ثم تحدث عن اتِّباع القرآن والسُّنة، من كلام الصحابة والتابعين، والأئمة الأربعة، وبعض أئمة التصوُّف الأعلام.
ثم تحدث عن الهوى العفيفِ، والمحبة الصادقة، وذَكَر عظاتٍ بليغةً، وحِكمًا جليلة.
ثم تحدث عن الشكر والإنعام، والولاة والْحُكام، يُوَشِّي كل ذلك بأشعار احتوت على حكم راقية.

كما ذكر في هذا الجزء شيئًا من فقه الجنايات، وبعضَ الأحاديث، وتطرَّق إلى الجغرافية، ولم ينسَ حُكَّام الشام من سلاطين آل عثمانَ ووزرائهم، وذكر وقائعَ تاريخيةً مهمة، وأرَّخها، وختم الجزء الأول بباقةٍ من الأشعار التي يفوح شذاها، ويضوع أريجُها.

أما الجزء الثاني: فقد بدأه المصنف بوقفات للذِّكرى، ثم ببعض الخرافات، كما كانوا يفعلون عند خسوف القمر، وأتبعها بفوائدَ وعبرٍ، وحوادثَ تاريخيةٍ عظيمة خطيرة، كحادثة حريق المسجد الأموي، واحتوى على حكم وأشعار جمَّة، تُقال في بعض المواقف.

وتحدث عن القضاء والقدر، والزواجر والعبر، وقد ذكر بعضَ القصص الوعظية؛ الجِدِّية منها والهَزْلية، بطريقة شعرية، كما في قصة "حال الموْصِليِّ مع زوجته" (ص 302)، أو القصة التي جرت بين أبي تمام وابن المعدَّل، (ص 310)، وتحدَّث - أحيانًا - عن انتحار العشاق.

وفي هذا الجزء قصيدةٌ جميلة عن فصل الشتاء، (ص 340 - 345)، وأتبعها بقصيدة هزْلية، كما أنَّ هنالك قصائدَ في النقد الاجتماعي كقصيدة: كُبراء مفاليس، (ص 350)، وختم هذا الجزء أيضًا بأشعار في مناسَبات مختلفة، وتتحدث عن أشياءَ نفيسة مليئةٍ بالحكم، فعلى القارئ الكريمِ أن يتضلع من زَمزم مائها، وقُراح شرابها.

في الجزء الثالث - وهو أوسع الأجزاء -: يبدأ القاسميُّ الدمشقي بكلام عن معرفة الله - جلَّ وعلا - ثم بوقائعَ جرَتْ لأبي حنيفةَ - رضي الله عنه.

ويَذكر بعد ذلك بعض الأحاجيِّ والفكاهات والبداهة، (ص 376 - 381)، وعجائبَ وعبرًا من التاريخ.

وهو مكتظٌّ بمنثور الحكم والمناظرات، والفوائد والأخبار العلمية، والمقطعات الشعرية النادرة، والوصف العجيب، كقصيدة "ابن الأعمى" في وصف بيتٍ قديم يوشِك على السقوط، (ص 500 - 502)، ولم يخلُ أيضًا من قصص بعض الأنبياء، والفوائد الدينية واللغوية، والأسئلة العويصة وإجاباتها، (ص 517 - 502).

والفوائدِ الطبية والوصايا والأمثال، وبعض ما قيل في الصحبة والصداقة، وشرح بعض الأحاديث القدسية.

وفي آخره مطوَّلاتٌ جميلة، ومن أجمل ما قرأت منظومةً لإبراهيمَ الأندلسيِّ عن العلم والأدب وأخلاق العلماء، (ص 619 - 625).

بعد ذلك وضع المحقق الفهارسَ العامة، وهي في غاية الدقة، وذكر مراجع التحقيق، وفهرسَ الموضوعات، ثم الفهرسَ الإجمالي.

هذا، والمحقق - حفظه الله - قد ألَّف وحقق ما يَربو على مائة وأربعين كتابًا، ومحا عنها غبار الزمن، واستخرجها من بحر العلوم اللُّجِّي، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

إلى هنا ترسو سفينةُ قلمي، وهي لم تزل بعدُ على الشاطئ، وآمل أن يقرأ الكتابَ كلُّ مثقَّف لبيب، وأديب وخطيب، فهو تاجٌ تُزيَّن به المكتبات، ويبقى سَميرَك مدى الحياة، وعلمًا نافعًا مفيدًا بعد الممات.

طُبِع الكتاب في شركة البشائر الإسلامية - بيروت - الطبعة الأولى عام: 1425 هـ - 2004 م.


المصدر : http://www.alukah.net/Culture/1188/23220/

هل لدى احد النسخة الالكترونية للكتاب؟؟؟
مع الشكر الجزيل